Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كتيبة "البراء بن مالك" توقظ أشباح الماضي في الجيش السوداني

البرهان انتقد الظهور الإعلامي المكثف لكتائب الإسلاميين بعدما أدى إلى "إدارة دول عدة ظهرها للسودان"

أطفال سودانيون يرفعون علم بلادهم في مدرسة بالقاهرة حيث لجأوا هرباً من الحرب في بلادهم (أ ب)

ملخص

ما مآلات مشاركة كتائب الإسلاميين إلى جانب الجيش السوداني في حرب الخرطوم؟

لم تكن مشاركة كتائب الحركة الإسلامية في حرب الخرطوم إلى جانب الجيش السوداني في حربه ضد قوات "الدعم السريع" بارزة في البداية مع اندلاع المواجهات في منتصف أبريل (نيسان) 2023، بخاصة في ظل الاتهامات التي راجت بأن الإسلاميين يقفون وراء إشعال نيران هذه الحرب لقطع الطريق أمام "الاتفاق الإطاري" الذي كان على وشك التوقيع عليه بين العسكريين والمدنيين.
لكن مع اشتداد المعارك في جبهة أم درمان بين طرفي الصراع وتحديداً في معارك استرداد مقر هيئة الإذاعة والتلفزيون الذي كان تحت سيطرة "الدعم السريع" ظهرت مشاركة كتائب الإسلاميين، بخاصة كتيبة "البراء بن مالك"، بصورة لافتة في تلك المعركة من خلال بث مقاطع فيديو مصورة على مواقع التواصل الاجتماعي، التي يتحدث فيها أفرادها عما حققوه من انتصارات باسم كتيبتهم، مما يوحي بأنهم يعملون بمعزل عن قيادة الجيش. وهو ما طرح تساؤلات عن مغزى ومآلات مشاركة تلك الكتائب في هذه الحرب وتعمد ظهورها الإعلامي بمسماها الحقيقي، وهل من مخاوف من أن تتمرد تلك الكتائب مستقبلاً كما فعلت "قوات الدعم السريع"؟

وكان قائد الجيش عبدالفتاح البرهان أبدى خلال حديث له مع كبار القادة بحسب وسائل إعلام سودانية امتعاضه من الظهور الإعلامي المكثف لكتيبة "البراء بن مالك"، مبيناً أن ظهور أفرادها في فيديوهات بصورة متكررة أثناء المعارك أدى إلى أن تدير كثير من دول العالم ظهرها للسودان.

فض المجموعات

وقال الباحث في الشؤون العسكرية والسياسية اللواء أمين إسماعيل مجذوب، إنه "من المعلوم أن المجموعات التي تقاتل إلى جانب الجيش في حربه ضد قوات الدعم السريع انضمت للقتال في إطار المقاومة الشعبية والاستنفار بعد دخول الأخيرة ولاية الجزيرة، لكن إطلاق التسميات من جانب بعض هذه المجموعات بصورة علنية، كما فعلت كتيبة البراء بن مالك، هي محاولة للتمايز واستقطاب الدعم باعتبارها تنتمي للحركة الإسلامية أو أن لها جذوراً أيديولوجية، وبالفعل فإن تركيز هذه المجموعة على الانتشار الإعلامي ببثها فيديوهات من مواقع العمليات العسكرية أحدث بلبلة، بخاصة من ناحية تجيير الانتصارات التي تتحقق ميدانياً لصالحها، وهو الأمر الذي انتقده قائد الجيش كونه تسبب في عدم تعامل العالم مع السودان، باعتبار أن هناك مجموعات أصولية أيديولوجية تشارك الجيش في المعارك". وأضاف "من الناحية القانونية نجد أن قانون المؤسسة العسكرية يسمح بالتطوع والاستنفار الشعبي، لذلك كانت هناك مطالبات بعمل قانون لقوات الاحتياط وإدخال جميع هذه المجموعات ضمن هذا القانون أو وضع قانون خاص بالمقاومة الشعبية على أن يتم استيعابهم في القتال كأفراد وليس مجموعات لها أسماء، وبلا شك فإن تأخير إصدار هذا القانون كان بسبب تعطل ديوان الدولة بسبب الحرب".
وبيَّن مجذوب أن الوضع يختلف قليلاً بين القوات التي تم إجازتها بقانون كهيئة العمليات (جهاز الأمن الوطني سابقاً) وقوات "الدعم السريع" من جهة، وبين المجموعات الحديثة التي تشارك الآن في القتال كـ"كتائب البراء" والمقاومة الشعبية من جهة أخرى، فهناك تجربة في تسعينيات القرن الماضي، حين شاركت مجموعات مماثلة مع الجيش في حربه ضد متمردي جنوب السودان قبل الانفصال، وتم بعد توقيع اتفاقية السلام في نيفاشا في عام 2005 فض تلك المجموعات وعاد أفرادها كمواطنين عاديين إلى أعمالهم ودراستهم الجامعية لأنها كانت بمثابة مجموعات استنفار غير مقننة، لكنها تعمل تحت إشراف الفرق العسكرية. وواصل "بالنسبة إلى مستقبل هذه المجموعات (الكتائب) فإنه بعد انتهاء الحرب بأي حال من الأحوال، سواء بالحسم العسكري أو التفاوض، سيتم فضها وتسليم أسلحتها مثل ما يجري مع المقاومة الشعبية الأخرى، إذ ليس لديها ارتباط مستقبلي مستمر من الناحية العسكرية، وليس لها مكاتب أو مواقع خاصة بها كالحركات المسلحة والدعم السريع والدفاع الشعبي، فهي مجموعات استنفرت بغرض الحرب وتشارك في القتال تحت إمرة القوات المسلحة". وزاد "لكن المجموعات العسكرية المنظمة سواء كتائب أو لواء أو فرقة، أمر غير مسموح به في قوانين المؤسسة العسكرية السودانية، أما مسألة منح الرتب العسكرية لأفراد أو مجموعات بصورة استثنائية هي واحدة من الممارسات التي ابتكرها النظام السابق، وما زالت موجودة الآن وفق ضوابط معينة لاستيعاب أفراد في الأجهزة النظامية كجامعيين وغيرهم. وهو ما حدث للحركات المسلحة بعد توقيع اتفاق جوبا للسلام في 2020، لكن في تقديري أن منح قائد كتيبة البراء بن مالك، رتبة رائد يحتاج إلى تفسير من القوات المسلحة بخاصة أن هناك استقبالات رسمية تمت بينه وبين قيادات من الدولة".
وأشار الباحث في الشؤون العسكرية والسياسية إلى أن "التاريخ شهد وجود مجموعات أيديولوجية لها اتجاهات سياسية داخل القوات المسلحة، فمثلاً كانت هناك خلايا تنتمي للحزب الشيوعي منذ الاستقلال، إذ أسهمت في الاستيلاء على السلطة في عام 1969، وبعدها نفذت خلايا تتبع للإسلاميين انقلاباً في عام 1989، فضلاً عن المحاولة الانقلابية التي قامت بها خلايا للبعثيين في 1990، فمثل هذه المسائل شائعة في كل دول العالم، فكثير من القوى السياسية في دول عدة كانت لها مساع في إنشاء خلايا لها داخل الجيش".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


خطوات تكتيكية

ويرى عضو قيادة حزب البعث السوداني، وجدي صالح أن "إشعال هذه الحرب جاء بعد فشل تثبيت أركان انقلاب 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021 الذي كان بمثابة خطوة لإعادة فلول النظام الإسلاموي السابق للسلطة، لذلك ظهرت ميليشياته منذ الأيام الأولى للحرب داخل المقار والثكنات العسكرية وتضخيم قدراتها ودورها في المعارك، ثم ما لبثت هذه الكتائب أن ظهرت بصورة مكثفة إعلامياً لإبراز مشاركتها في العمليات العسكرية قاصدين بذلك تأكيد أنهم عادوا إلى المشهد بقوة وأن دورهم أقوى، حتى ظهرت خطابات لهم تطالب القائد العام للجيش بالتنحي لأنه في نظرهم يقيد حركتهم في القتال وكأنهم الوحيدون الذين يقاتلون قوات الدعم السريع".
ولفت صالح إلى أن "القصد من ذلك كله هو السيطرة على المشهد السياسي أثناء الحرب وبعد توقفها للادعاء بأنهم هم من قاتل الدعم السريع، فضلاً عن رسم الواقع السياسي الجديد وفق مشيئتهم، وأن ذلك أقل ما يمكن مكافأتهم به من قبل قيادة القوات المسلحة أي عودتهم إلى السلطة وأن يحكموا السودان مرة أخرى، ولذلك تسير كل خطواتهم وإجراءاتهم في هذا الاتجاه وهو القضاء على كل ما له علاقة بثورة ديسمبر (كانون الأول) أثناء هذه الحرب".
وأردف أن "هذه الميليشيات هي ذات الميليشيات التي كانت في عهد البشير (فترة حكمهم) وهي ذات الميليشيات التي قاتلت مع الدعم السريع، وهي ميليشيات لا تتبع للدولة وليست تحت مظلة القوات المسلحة، وهذا يشكل مهدداً أمنياً للبلاد وللقوات المسلحة نفسها، الوحيدة المعنية بحماية البلاد واحتكار العنف (السلاح)، وبكل تأكيد فإنها تجارب مهددة للأمن يكررها ذات الأشخاص وذات المؤسسات، فالدعم السريع كان يقاتل إلى جانب الجيش السوداني، والآن يقاتل ضده".
وختم عضو قيادة حزب البعث السوداني بأن "انتقاد البرهان لكتيبة البراء بقوله إن دولاً كثيرة أدارت ظهرها للسودان بسبب ظهورها إعلامياً، هو خطاب غير رافض لدورها ولا لوجودها، وإنما القصد هو الايحاء بحالة من عدم الرضا على الظهور الإعلامي الكثيف فقط، وهو يمكن أن يكون ضمن دائرة الخطاب التكتيكي لتخفيف الضغط الداخلي والخارجي الذي يتعرض له، ولكن في جوهره تأييداً لها ولا أعتقد أنه قادر على التحرر من سيطرة الحركة الإسلامية، وكل الشواهد تدلل على ذلك، فكل طرف منهم يتخذ من الخطوات التكتيكية التي تجعل الآخر متمسكاً به في هذه المرحلة حتى تسنح له الفرصة المناسبة للقضاء عليه، إنها مصالح متوافقة آنياً متضاربة استراتيجياً ومستقبلياً".

تسريب إعلامي

من جانبه، أوضح الكاتب الصحافي السوداني عثمان ميرغني أن "كتيبة البراء بن مالك واحدة من نتائج نظام البشير الذي سقط بانتصار ثورة ديسمبر، وهي تسمية لمجموعة قتالية غالبها من عضوية الحركة الإسلامية، لكنها لا تملك سلاحاً خاصاً بها ولا مقار ولا شخصية اعتبارية رسمية، كما لم تكن معروفة على المستوى الشعبي حتى بعد اندلاع حرب 15 أبريل، لكن بعد أشهر عدة من هذه الحرب بدأت تظهر على سطح الإعلام تدريجاً إلى أن سيطرت على المشهد".
وتابع ميرغني "في اعتقادي أنه من الناحية العسكرية تعتبر هذه الكتيبة من قوات المهام الخاصة وبرز دورها في المعارك التي قادتها قوات "الدعم السريع" للسيطرة على مقري الاحتياط المركزي وقيادة سلاح المدرعات بالخرطوم التابعتين للمؤسسة العسكرية السودانية، إذ شارك أعضاؤها بأعداد مقدرة وفي المواقع الأمامية، وكان لهم تأثير في سير العمليات، بخاصة في سلاح المدرعات، لكن في الفترة الأخيرة اهتمت هذه الكتيبة بإبراز أدوارها العسكرية بآلة إعلامية رنانة أثارت انتباه كثيرين وبدأت كأنما هي قوة مستقلة، ولوحظ ذلك في العملية العسكرية الفاصلة في معركة استرداد مقر هيئة الإذاعة والتلفزيون بأم درمان، إذ وضحت المسافة الفاصلة بين الإعلام الرسمي للجيش الذي أبرز أدوار كل قطاعاته التي شاركت في تلك العمليات، بينما كان الرنين الأعلى من نصيب إعلام كتيبة البراء بن مالك".
ولفت الصحافي السوداني إلى أن "تصريحات البرهان الأخيرة التي انتقد فيها البروز الإعلامي الصارخ لمشاركة هذه الكتيبة في المعارك الدائرة ضد قوات الدعم السريع، جاءت في سياق اجتماع رفيع مغلق للقيادية العسكرية، لكن تسريبه للإعلام يبدو أمراً غريباً، وما قاله البرهان عن مسألة المبالغة في الظهور الإعلامي لكتيبة البراء كان صحيحاً، فقد كلفها استهدافاً عسكرياً في مدينة عطبرة، كما كلف الحكومة عزلة دولية وإقليمية ناتجة من خشية دول عدة من عودة الإسلاميين إلى السلطة من خلال تضخيم الدور العسكري لهذه الكتيبة، وذلك من أجل الاستقطاب الجماهيري وتحقيق مكاسب سياسية".
واستبعد وجود "مخاوف عسكرية مستقبلية من هذه الكتيبة قد تسهم في إشعال نيران حرب جديدة أو توترات أمنية وغيرها من المخاوف، لأنها لا تملك أسلحة ولا مقرات، إضافة إلى أن عدد أفرادها محدود للغاية، وتتمركز في مواقع عسكرية محدودة وتحت سيطرة الجيش".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير