ملخص
بخلاف زيارة أوباما لريشي سوناك في لندن التي شاب الغموض أهدافها السياسية، جاءت زيارة وزير الخارجية البريطاني لترمب في وقت تسعى فيه بريطانيا إلى حشد الدعم العسكري لأوكرانيا، وتحديداً في الولايات المتحدة، إذ يقف الجمهوريون حجر عثرة أمام رغبة إدارة الرئيس بايدن في إرسال مساعدات عسكرية لكييف.
ما إن هدأ الجدل المصاحب لزيارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما إلى لندن ولقائه رئيس الحكومة البريطانية ريشي سوناك حتى أحدث وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون جدلاً جديداً بلقائه الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترمب في قصره في "مارالاغو" بولاية فلوريدا.
وبخلاف زيارة أوباما التي شاب الغموض أهدافها السياسية، جاءت زيارة كاميرون لترمب في وقت تسعى فيه بريطانيا إلى حشد الدعم العسكري لأوكرانيا، وتحديداً في الولايات المتحدة، إذ يقف الجمهوريون حجر عثرة أمام رغبة إدارة الرئيس بايدن في إرسال مساعدات عسكرية لكييف.
الحج إلى "مارالاغو"
وكاميرون ليس أول سياسي يسافر إلى فلوريدا للقاء ترمب، فقد سبقه ساسة كان الحج إلى "مارالاغو" بالنسبة إليهم بمثابة تأكيد على "الشرعية السياسية"، وفق "نيويورك تايمز" التي نقلت عن دبلوماسيين بريطانيين رأيهم بأن زيارة كاميرون كانت "مخاطرة" وإن كانت مميزة في مسعاه إلى حشد الدعم لأوكرانيا.
وفي وقت سابق، سارع رئيس مجلس النواب السابق كيفن مكارثي إلى زيارة ترمب في محاولة فاشلة لكسب تأييده بعد ثلاثة أسابيع من الهجوم على مبنى الـ "كابيتول". وبات سياسيون مثل حاكمة داكوتا الجنوبية كريستي نويم، وكاري ليك التي ترشحت بمباركته لمنصب حاكم ولاية أريزونا، زواراً منتظمين للقصر المترامي الأطراف في فلوريدا.
رفض خطة ترمب
واستهل وزير الخارجية البريطاني زيارته للولايات المتحدة عبر لقاء ترمب الإثنين الماضي حتى قبل اجتماعه بمسؤولي بايدن في اليوم التالي، وهو ما يعكس نفوذ الرئيس السابق في حزبه بعد أعوام من مغادرته البيت الأبيض، وأصبح وزير الخارجية البريطاني أرفع مسؤول يزور ترمب منذ مغادرته منصبه.
ووفق التقارير فقد سعى كاميرون إلى إقناع الرئيس السابق بدعم مزيد من المساعدات العسكرية الأميركية لأوكرانيا، نظراً إلى نفوذه في أوساط اليمنيين الجمهوريين الذين يعرقلون التصويت على حزم المساعدات.
وقال خلال مؤتمر صحافي مع نظيره الأميركي أنتوني بلينكن إنه عقد "اجتماعاً جيداً" مع ترمب، مشيراً إلى أنه ناقش معه حربي أوكرانيا وغزة وغيرها من القضايا الجيوسياسية.
لكن وزير الخارجية البريطاني رفض الإفصاح عما إذا كان قد أحرز أي تقدم في إقناع الرئيس الجمهوري السابق بأهمية دعم أوكرانيا، ولم يعلق ترمب شخصياً حول الاجتماع مع كاميرون إلا أن حملته أعلنت أنهما ناقشا "حاجة دول الـ ’ناتو‘ إلى تلبية متطلباتهما الدفاعية ووقف القتل في أوكرانيا"، كما ذكر البيان أن الاثنين أعربا عن احترامهم المتبادل لملكة بريطانيا الراحلة إليزابيث الثانية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولا يبدو أن الطرفين توصلا إلى اتفاق بالنظر إلى فشل كاميرون في عقد اجتماع كان أعلنه الأسبوع الماضي مع رئيس مجلس النواب وأحد حلفاء ترمب الرئيسين وهو مايك جونسون، الذي يمتلك صلاحية تقرير موعد طرح حزمة المساعدات لأوكرانيا للتصويت.
وبعدما نقلت "واشنطن بوست" "خطة سلام" منسوبة لترمب تتضمن الضغط على أوكرانيا للتخلي عن شبه جزيرة القرم ومنطقة دونباس الحدودية لروسيا، أعلن كاميرون رفضه الخطة بعد يومين من لقائه ترمب، محذراً من "استرضاء بوتين"، وقال لشبكة "سي أن أن" إن "الجميع يريد أن يرى نهاية للقتل ونهاية للحرب من خلال دعم أوكرانيا وإظهار القوة".
بايدن بين ترمب وأوباما
وبالتأكيد يكشف اجتماعا ترمب وأوباما الأخيرين مع كبار مسؤولي الحكومة البريطانية عن النفوذ الذي لا يزالان يمتلكانه في حزبيهما، ويعبران بطبيعة الحال عن المكانة التي يتمتع بها أي رئيس سابق لدولة بحجم الولايات المتحدة، لكن الافتراضات المصاحبة لهما في مواقع التواصل هي التي تبعث الجدل، ومنها الافتراض بضعف تأثير الرئيس بايدن، فبعد زيارة أوباما لندن أثيرت نظريات المؤامرة التي تروج لفكرة أن الحاكم الفعلي لأميركا هو أوباما وليس بايدن.
ويشتد الوقع السلبي لنفوذ ترمب على بايدن في ضوء علاقتهما، فترمب هو خصمه الرئيس في الانتخابات المقبلة ومطلق لقب "جو النعسان" والرجل الذي يقول إن أميركا أصبحت "أضحوكة العالم" في عهد بايدن، أما أوباما فلطالما حجبت صداقته مع بايدن التفاصيل المعقدة لعلاقتهما، كما أشار المؤلف ستيفن ليفينغستون في كتابه "باراك وجو: نشأة شراكة استثنائية" لعام 2019، إذ يقول إنه استنتج بعد دراسته صداقتهما عن كثب بأن أوباما وبايدن أحبا ولا يزالان على الأرجح يحبان بعضهما بعضاً، لكن طموحاتهما وأهدافهما السياسية لأميركا لم تكن متوافقة على الدوام".
ويقول ليفينغستون إن الصداقة بين الطرفين بدت "أحادية الجانب"، فبينما كان بايدن يتلصق بأوباما ويكثر من استخدام وصف إدارتنا ويعدد منجزاتها، ظل أوباما صامتاً.
وعلاوة على ذلك تبرز بعض الاختلافات بين شخصيتيهما، أوباما عضو مجلس الشيوخ غير الصبور في مقابل بايدن العضو المخضرم والتقليدي.
وعلى رغم أن الاثنين عملا معاً في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ إلا أنهما لم يكونا منسجمين، وفق وزير الخارجية الحالي أنتوني بلينكن الذي يقول إن أوباما "كان يدير عينه عندما يتحدث بايدن".
وتجلّى عدم الانسجام في تفضيل أوباما هيلاري كلينتون على بايدن لتكون المرشحة الرئاسية للحزب الديمقراطي في عام 2016، على رغم أن بايدن كان واثقاً من قدرته على التغلب على ترمب، واستذكر بايدن هذه التجربة وفق نص مقابلته مع المحقق الخاص روبرت هور قائلاً "كان كثير من الناس يشجعونني على الترشح في هذه الفترة باستثناء الرئيس، فقد كان يعتقد أن كلينتون لديها فرصة أفضل للفوز بالرئاسة مني".
وفي تقرير الشهر الماضي كشف موقع "أكسيوس" نقلاً عن مساعدي الرئيس أن بايدن عندما يتحدث عن إنجاز ملموس يقول أحياناً "سيشعر أوباما بالغيرة". وبحسب التقرير فقد شعر عدد من مساعدي بايدن منذ فترة طويلة أن أوباما وفريقه لم يقدروا بصورة كاملة تجربة بايدن في السياسة الخارجية والكونغرس والسياسات الأخرى، وقال أحد مساعدي بايدن السابقين "اعتقد فريق أوباما أن بايدن سيكون رئيساً سيئاً، ولم يعتقدوا أنه سيكون منظماً بما يكفي لإدارة الحكم".
وبعد أعوام من رحيله من البيت الأبيض إلا أن أوباما لا يزال شخصية نافذة على المستوى الوطني والدولي، فهو لايزال ذا ثقل في الحزب الديمقراطي، ودعمه للمرشحين السياسيين داخل الحزب يصنع الفارق، حتى إن بايدن لم يستغن عنه في حفل لجمع التبرعات في نيويورك الشهر الماضي.
وبالتوازي ظل أوباما نشطاً في الدفاع عن قضايا اهتم بها أثناء رئاسته، مثل إصلاح الرعاية الصحية والتغير المناخي، ولم تتوقف جولاته الدولية، ففي أواخر عام 2017 أجرى جولة تشمل الصين والهند وفرنسا حيث التقى قادتها، وواصل الرئيس السابق تأثيره من خلال مؤسسته غير الربحية التي تعقد مؤتمرات ومبادرات لدعم الديمقراطية والشباب لإحداث التغيير، والتقى أخيراً رئيس الوزراء البريطاني الشهر الماضي في لندن حيث ناقش معه أهداف مؤسسته.
أما ترمب فغادر البيت الأبيض عام 2021 ولم يتوقف عن التشكيك في شرعية بايدن والانتخابات التي فاز فيها بهامش ضئيل، وحاول الملياردير الجمهوري تأكيد مكانته كصانع ملوك في حزبه من خلال دعم المرشحين الذين يتوافق معهم، لكنه لم يسلم من الانتقاد بأنه أحبط فرص الجمهوريين في تحقيق مكاسب أكبر خلال الانتخابات النصفية عام 2022.