ملخص
بحسب الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، رفضت الدول الأوروبية نحو 157 ألف طلب للحصول على تأشيرات من مغاربة بنسبة 27.6 في المئة من إجمالي الطلبات، وفق موقع "فيزا شنغن إنفو" المتخصص في معلومات تأشيرات أوروبا.
لو أن برجي التجارة العالميين قصفا بصواريخ أو دمرا بمجموعة متفجرات في أحداث الـ11 من سبتمبر (أيلول) 2001، لما كان المسافرون اليوم، بخاصة العرب، ما زالوا يعيشون عناء السفر والحصول على تأشيرة لدخول الدول الغربية، لا سيما الولايات المتحدة وأوروبا.
فأداة القتل كانت طائرة ركاب مروا من أمام أمن المطار بكل سهولة وولجوا إلى مقاعدهم قاصدين رحلة محددة بوجهة، لكن وسيلة النقل هذه انتهت كقنبلة موقوتة أو حزام ناسف لبسه بعض الشبان، مخترقين بذلك كل وسيلة حماية أقرها القانون الدولي ودستور الدولة نفسها.
وبما أن الولايات المتحدة تفردت برواية الحادثة من وجهة نظرها فقط، استطاعت بعدها أن تملي على العالم رؤيتها وشروطها وأحكامها، فجعلت كلمة "عربي" مرادفة لكلمة "إرهابي" وأساءت لمعظمهم من دون اعتبار وتمييز بحجة حماية أرضها وشعبها، واليوم وبعد 23 عاماً على الحادثة لا تزال مفاعيل ما اتخذ آنذاك كرد فعل معمولاً بها، مضافاً إليها عامل الهجرة بعد "ربيع عربي" اقتلع الناس من جذورها وجعلها شتاتاً في الأرض.
إجراءات صارمة
قبل العملية بساعات تمكن بعض خاطفي الطائرات من الصعود على متن الرحلات الجوية من دون تحديد هوياتهم بصورة مناسبة، مما تنبّه إليه الأمركيون الذين كانوا يسلمون أمن المطار إلى شركات أمنية خاصة، ولكن الحال تغيرت بعد تلك اللحظة، ومنذ ذلك الحين يحتاج جميع الركاب الذين تبلغ أعمارهم 18 سنة فما فوق إلى بطاقة هوية سارية المفعول صادرة عن الحكومة من أجل السفر، وحتى للرحلات الداخلية.
وطوروا ما يعرف اليوم باسم "قائمة حظر الطيران" (No Fly List)، وهي مجموعة فرعية من قاعدة بيانات فحص الإرهابيين تشير إلى الأشخاص الممنوعين من ركوب الطائرات التجارية للسفر إلى الولايات المتحدة وخارجها وداخلها.
هذه الإجراءات لاقت صدى حول العالم وأصبحت بلدان عدة أكثر صرامة في عمليات التحقق من الهوية والفحص الأمني، وباتت لديها نسخها الخاصة من "قائمة حظر الطيران".
وبما أن التحقيقات أبرزت أسماء شباب عرب مشاركين في الهجوم، فقد وضع كل عربي في دائرة الاتهام حتى لو كان يحمل الجنسية الأميركية، مثل جهاد وهو سوري الجنسية عاش في الولايات المتحدة قبل أحداث الـ11 من سبتمبر، لكنه اضطر إلى تغيير اسمه لسام بسبب المشكلات التي كان يتعرض لها في الرحلات الداخلية ضمن أميركا والتشديد الدائم عليه وتعرضه للمساءلة والتفتيش على رغم أنه مسيحي.
قوانين وقرارات منع
وبعدما كان التنقل بين بلدان العالم شبه ميسر، تحول التنقل مع إجراءاته المتعددة إلى عبء على المسافرين، بخاصة المسلمين والعرب، وكذلك بين الدول التي لا توجد بينها معاهدات واتفاقات واضحة لمنح تأشيرات عبور لطالبيها، فلم يعُد الأميركيون يهتمون إذا كان طالب التأشيرة مرتبطاً بزواج من طرف أميركي، أو لديه وظيفة في انتظاره، أو أنه يقف على الحدود وفي يده جواز سفره.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
قوانين الهجرة تحاول حماية المجتمع الأميركي من الأشخاص الذين لديهم تاريخ من الأنشطة الإجرامية أو الإرهابية أو تعاطي المخدرات، أو حتى المشكلات الطبية المعدية أو بعض الخصائص الأخرى، تحديداً بعد أحداث الـ11 من سبتمبر، فطالبو التأشيرات الذين يتبين أنهم غير مقبولين ما لم يقعوا تحت استثناء أو يتقدموا بنجاح للحصول على تنازل (عفو قانوني)، لن يُسمح لهم بأي نوع من التأشيرة أو البطاقة الخضراء أو دخول الولايات المتحدة، ومع ذلك توجد استثناءات ولا يخضع كل نوع من مقدمي الطلبات لجميع أسباب عدم المقبولية.
وأصدر الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب أثناء فترة رئاسته قراراً بمنع مواطني بعض الدول العربية من دخول الولايات المتحدة بحجة الإرهاب وتوافد عدد كبير من المهاجرين إليها بسبب سوء الأوضاع في بلادهم مثل اليمن وسوريا التي خصها بقانون "قيصر"، وكذلك السودان والصومال والعراق، ولكنه أعاد النظر في العراق وألغاه.
157 ألف طلب مرفوض
بعد تجربة أولى فاشلة للسفر إلى المكسيك بهدف العبور إلى الولايات المتحدة، عاودت عائلة لؤي السوري والمؤلفة من زوجته وبناته الثلاث وأخيه وزوجته تجربتهم بعد 2013 ووصلوا إلى المكسيك وعبروا إلى كاليفورنيا، ولكنهم حتى اللحظة لم يحملوا أوراقاً رسمية وما زال المحامون يقدمون لهم أوراقهم أمام القانون، فقد كانت عائلته من ضمن 12486 لاجئاً سورياً قبلتهم الولايات المتحدة حتى عام 2016.
وفي أوروبا، بخاصة ألمانيا التي استقبلت أكبر عدد من المهاجرين السوريين هرباً من الحرب في بلادهم، وعلى رغم أن مستشارتها السابقة أنغيلا ميركل لم يعجبها قرار ترمب بحظر بعض الدول، مستندة إلى مواثيق الأمم المتحدة المتعلقة بحقوق الإنسان، فإن المصالح القنصلية التابعة لألمانيا رفضت منذ عام تقريباً بحسب الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، النظر في طلبات 800 طالب مغربي للحصول على التأشيرة لدخول أراضيها.
وقالت الجمعية إنه خلال 2021 وحده، رفضت دول أوروبا نحو 157 ألف طلب للحصول على تأشيرات من مغاربة بنسبة 27.6 في المئة من إجمالي الطلبات، وفق موقع "فيزا شنغن إنفو" المتخصص في معلومات تأشيرات أوروبا، وأفاد الموقع في الـ13 من فبراير (شباط) 2023 أن المغرب الخامس بين أكثر الدول طلباً لتأشيرات أوروبا، لكنه سجل أعلى معدل رفض، فيما تراوح نسبة الرفض لمواطني البلدان الأربعة في القائمة ما بين 2.7 و16.9 في المئة، كما ذكر الموقع أن المغاربة أنفقوا 3 ملايين يورو (3.26 مليون دولار) في 2021 على طلبات تأشيرة الدخول إلى دول الاتحاد الأوروبي من دون أن يحصلوا عليها، وفي هذا السياق لدى الدول الغربية حجة على دولة المغرب العربي أنهم لا يتعاونون معهم عندما لا يستعيدون مواطنيهم بعد ترحيلهم من أوروبا.
قلق وخوف من المهاجرين
من جهته، يقول بشارة خضر وهو بلجيكي من أصل فلسطيني ومؤسس مركز الدراسات والبحوث حول العالم العربي المعاصر إنه "لعقود من الزمن، كانت ألمانيا تنظر إلى المهاجرين لديها على أنهم عمال وضيوف موقتين، ولم تظهر أي عجلة في تيسير اندماجهم"، لافتاً إلى أنه تم تقييد التجنيس حتى التسعينيات، لكن قانوناً صدر في 1999 سمح للأجانب من الجيل الثاني بالتقدم بطلب للحصول على الجنسية، ووفر قانون الهجرة لعام 2005 التمويل لدورات الاندماج الإلزامية.
وتابع أنه "في 2006 افتتحت الحكومة الألمانية المؤتمر الوطني حول الإسلام، وعام 2007 اعتمدت الحكومة الفيدرالية خطة التكامل الوطنية الأولى مع التركيز على تعزيز القيم الألمانية للمساواة والمشاركة المدنية، بينما في يوليو (تموز) 2010 أعلنت وزارة الداخلية الألمانية إطلاق برنامج خروج لتقديم المساعدة للمتطرفين العنيفين الذين يسعون إلى إدارة ظهورهم للتطرف"، مؤكداً أنه على رغم أن ألمانيا نجت من هجمات إرهابية واسعة النطاق مثل تلك التي شهدتها مدريد، فإنها "لم تكُن محصنة بصورة كاملة ضد الإرهاب".
وأوضح خضر أن "الغالبية العظمى من المسلمين في أوروبا هم من المهاجرين أو أبناء المهاجرين، وما يقارب نصف المسلمين في الدنمارك والدول الإسكندنافية من اللاجئين السياسيين، كما أن الجزء الأكبر من المهاجرين الذين عبروا البحر الأبيض المتوسط منذ يناير (كانون الثاني) 2015 والبالغ عددهم 235 ألف هم من اللاجئين وطالبي اللجوء"، منوهاً بأن عدد السوريين والعراقيين والأفغان والإريتريين بينهم هو دليل على أن المآسي الإنسانية هي اليوم الدافع الرئيس للهجرة القسرية.
وأشار إلى أن الدول الأوروبية تفاجأت بحجم هذه الظاهرة، وشعرت بالقلق إلى حد ما من حقيقة أن "الغالبية العظمى من الوافدين الجدد هم من المسلمين الذين يُنظر إليهم على أنهم يضخمون عدد السكان المسلمين الأوروبيين البالغ عددهم 25 مليون نسمة، وهو رقم يثير المخاوف بالفعل في المجتمعات الأوروبية".
وهذا ما تظهره الإحصاءات التي تتابع صعود جماهيرية اليمين المتطرف في عدد من الدول الأوروبية الذي يدعم فكرة مناهضة الهجرة إلى أوروبا بحجة الخوف من انتشار المسلمين فيها، بخاصة بعد عدد من الهجمات في أوروبا وآخرها روسيا حيث اتضح تورط تنظيم "داعش" وغيره من التنظيمات الإرهابية التي تدعي حملها للواء الإسلام، وفق خضر.