Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تشرد وأجور زهيدة: هذه هي حال مكافحي حرائق الغابات في أميركا

كثير من العناصر البالغ عددهم 19 ألفاً والذين وظفتهم الحكومة الأميركية - يحصلون على رواتب لا تكفي للعيش بصورة لائقة في وقت يخاطرون فيه بحياتهم لحماية منازل الآخرين

طاقم من رجال إطفاء حرائق الغابات يتعاملون مع حريق في شمال ولاية واشنطن في عام 2021. هذه القوى العاملة الفيدرالية تعيش في أزمة بسبب الأجور غير الكافية للعيش والظروف المعيشية السيئة (بن ماكلين)

ملخص

على رغم هذه المهام والأدوار الخطرة، فقد ظل هؤلاء لفترة طويلة يتقاضون أجوراً وتقديراً وموارد أقل، مقارنة بنظرائهم التابعين لإدارات الإطفاء في المجالس المحلية والولايات، الذين يمكن أن يصل دخل هؤلاء إلى نحو الضعف لقاء مهام مماثلة

أصبح التشرد بمثابة خطر آخر على عمل الإطفائيين الفيدراليين، الذين يتولون مهمة مكافحة حرائق الغابات في الولايات المتحدة.

بيت داتشيك - وهو رجل إطفاء مخضرم يتمتع بخبرة 20 عاماً في مهنته، وأحد أفراد طاقم إطفاء في ولاية كولورادو - يروي ما حصل في عام 2006، عندما واجه فريقه بأكمله أوضاعاً غير مستقرة لجهة السكن.

ووصف تلك المرحلة لـ"اندبندنت" بالقول: "كنا ثمانية أشخاص نعيش داخل شقة واحدة، في وقت لجأ فيه أفراد مجموعة أخرى من زملائنا إلى التخييم في سياراتهم قرب إحدى الكنائس، محاولين تدبر أمورهم".

هذا وتوظف حكومة الولايات المتحدة نحو 19 ألف إطفائي، يتقاضى جزء كبير منهم أجوراً هي أقل مما يعد راتباً مناسباً للعيش بكرامة، على رغم أنهم يواجهون ظروفاً تهدد حياتهم.

عادة، يشكل الشهر المقبل بداية موسم الذروة لاشتعال الحرائق في البلاد - الذي يمتد ما بين مايو (أيار) وأكتوبر (تشرين الأول) من كل عام - لكن في الوقت الراهن، يمكن للحرائق الكبيرة وغير المتوقعة، أن تندلع في أي وقت على مدى السنة.

ويتولى الإطفائيون الفيدراليون مسؤولية واضحة تتمثل في الاستجابة للحرائق التي تندلع في مختلف أنحاء البلاد. وتوجد في صفوفهم طواقم متخصصة: كالعناصر الذين يقفزون من الجو بمظلات، ويهبطون قرب الحرائق النائية لمكافحتها، وتطلق عليهم تسمية "القافزون وسط الدخان" Smokejumpers، أو الأفراد الذين يواجهون مناطق الحرائق الأكثر تحدياً وصعوبة، ويسمون بـ"نخبة إطفائيي الحرائق" Hotshots، أو فرق المروحيات التي يهبط عناصرها وسط النيران من طائرات هليكوبتر، ويسمون "مكافحو الحرائق بالمروحيات" Helitack.

إنهم مجموعة من الأشخاص الذين يحبون حقاً ما يقومون به. هذه ليست مجرد وظيفة. إنها جزء كبير من حياتك.

ريفا دانكن إطفائية سابقة ونائبة رئيس منظمة "الدفاع عن حقوق مكافحي حرائق الغابات" 

 

وعلى رغم هذه المهام والأدوار الخطرة، فقد ظل هؤلاء لفترة طويلة يتقاضون أجوراً وتقديراً وموارد أقل، مقارنة بنظرائهم التابعين لإدارات الإطفاء في المجالس المحلية والولايات، الذين يمكن أن يصل دخل هؤلاء إلى نحو الضعف لقاء مهام مماثلة.

في المقابل، تتسبب أزمة المناخ في زيادة الأخطار التي تواجه العاملين في مهنة محفوفة بالأخطار أساساً. ففي فبراير (شباط) شهدت ولاية تكساس أكبر حرائق غابات في تاريخها، وفي الأسبوع الماضي فقط، أبلغ عن 10 حرائق كبيرة جديدة في مختلف أنحاء الولايات المتحدة.

لوك ميفيلد، وهو رجل إطفاء عمل لمدة 18 عاماً في "خدمة الغابات الأميركية" US Forest Service (وهي وكالة تابعة لوزارة الزراعة تدير الغابات الوطنية البالغ عددها 154 غابة، و20 منطقة عشبية وطنية)، لاحظ هذا التحول المناخي في وقت مبكر من عام 2015. وقال لـ"اندبندنت": "في كل عملية توليتها، كنت أجد نفسي أفكر في أنني: لم أر شيئاً مشابهاً من قبل. وبدا الأمر كما لو أننا نواجه مواقف غير مسبوقة، ما يجعلنا غير متأكدين مما ينتظرنا في المستقبل".

ويمكن القول إن كثيراً من عناصر الإطفاء الفيدراليين، ظلوا يكافحون حرائق الغابات الهائلة لقاء مبلغ 13 دولاراً في الساعة، وهو بدل أقل مما يحصل عليه عدد كبير من العاملين في مجال الوجبات السريعة. إلا أنه في عام 2022، خصصت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تمويلاً بقيمة 600 مليون دولار من "قانون البنية التحتية المشترك" Bipartisan Infrastructure Law (الذي وافق عليه الحزبان "الديمقراطي" و"الجمهوري") لرفع الحد الأدنى للأجر إلى 15 دولاراً". وعلى سبيل المقارنة، فإن عاملاً لدى مطاعم "ماكدونالدز" للوجبات السريعة في ولاية كاليفورنيا، بات يكسب 20 دولاراً في الساعة، وذلك اعتباراً من الإثنين الماضي.

 

لكن حتى التمويل المخصص لزيادة الحد الأدنى للعاملين في مجال الإطفاء الذي أقر في عام 2022، كان المقصود منه فقط أن يكون إجراءً موقتاً - "أو جسر عبور" - في انتظار أن يتوصل المشرعون إلى إصلاحات طويلة الأمد في هذا الإطار. وعلى رغم وضع مشروع قانون يحظى بدعم قوي من الحزبين الكبريين في البلاد، فإن الكونغرس المنقسم بشدة، فشل حتى الآن في تمريره.

ويحذر مسؤولون أميركيون من أن الأجور المنخفضة من شأنها أن تفاقم التحدي المتمثل في توظيف أعداد كافية من عناصر الإطفاء، خصوصاً في وقت تواجه فيه الولايات المتحدة "أزمة حرائق غابات مستمرة". وما يزيد الأمر سوءاً، هو أن القطاع يفقد إطفائيين يتميزون بخبرة تمتد إلى عقود من الزمن في أدوار إدارية وسطى مفصلية، وصفها ميفيلد بأنها تشبه "الغراء" الذي يقوم بتثبيت كل شيء.

ريفا دانكن، نائبة رئيس منظمة "الدفاع عن حقوق مكافحي حرائق الغابات" Grassroots Wildland Firefighters، أشارت إلى أن "أولئك الذين يغادرون العمل بسبب قيود مالية، إنما يقومون بذلك على مضض... وهذا خيار مؤلم بالنسبة إليهم". وينتمي جميع عناصر الإطفاء - سواء الذين ما زالوا في الخدمة أو الذين عملوا سابقاً في هذا المجال - إلى المنظمة غير الربحية التي تطالب بتحسين ظروف عمل هؤلاء الإطفائيين.

وأوضحت دانكن أن "أولئك الذين يعملون في هذه المهنة يحبون عملهم بصدق. فهي أكثر من مجرد وظيفة، لأنها تصبح جزءاً أساسياً من حياتهم. وتشكل بينهم رابطة أخوة".

"فقدان كثير من الأرواح"

بن ماكلين، الذي يبلغ من العمر 29 سنة، يقود طاقم إطفاء اتحادي لمكافحة الحرائق في منطقة شمال غربي المحيط الهادئ. وهو ينحدر في الأصل من ريف ولاية أوريغون الأميركية، وقد اندفع - كما كثر آخرين - إلى هذه المهنة، بسبب شغفه بأنشطة الهواء الطلق، وروح المغامرة، والتفاني في الخدمة العامة.

ويقول لـ"اندبندنت": "لقد شهدت العلاقة العميقة بين البشر والطبيعة، وكيف كان العاملون في مجال الإطفاء يدعمون المجتمعات الصغيرة ويقومون بجمع الناس، حتى عندما تصبح الأمور مثيرة للانقسام".

إلا أنه خاض تجارب صعبة، فقد خدم ضمن طاقم "نخبة إطفائيي الحرائق" في شمال كاليفورنيا خلال نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 2018، عندما كافح آلاف من عناصر الإطفاء حريق "كامب فاير" Camp Fire، وهو الحريق الأكثر دموية في تاريخ كاليفورنيا الذي أودى بحياة 85 شخصاً ودمر بلدة بارادايس الصغيرة.

 

وقال ماكلين: "أنت تدرك مدى خطورة الأمر عندما تواجه كارثة طبيعية. لقد ركزنا على تسهيل عمليات الإخلاء وعدم إعاقة إخراج الناس. كان الظلام دامساً، أما سرعة الرياح فلا يمكن وصفها. ونادراً ما كان يستخدم مصطلح ’اشتعال المنطقة‘ الذي لم يتم تسجيله سوى مرات قليلة، إلا عندما تشتعل مناطق بأكملها في وقت واحد. وفي وضع ’كامب فاير‘ كانت تلك الحالة الوحيدة التي شهدت فيها على مثل هذه الظاهرة".

في ذلك اليوم لم يكن هناك عدد كاف من رجال الإطفاء. وكان قد جرى تسريح كثير من الطواقم الموسمية، وسبق أن جرى نشر أعداد كبيرة من الأفراد لمكافحة حريقين كبيرين إضافيين اندلعا في الجنوب.

وروى ماكلين ما حصل خلال نوبة عمل مرهقة لطاقمه استمرت قرابة 30 ساعة، واجهوا خلالها لحظات رعب كبيرة. وقال "لم تغز النيران منطقة بارادايس فحسب، بل دمرت أيضاً عدداً من المجتمعات الريفية الصغيرة المجاورة. لدي في الواقع بعض الذكريات من تلك التجربة التي أفضل عدم الخوض فيها، لكن الخسائر في الأرواح كانت مروعة".

حتى عندما كان يمكن تجنب الوفيات، فإن هذه المهمة لا تكون لذوي القلوب الضعيفة. وباتت المهمة العادية هي عبارة عن أسبوعين متتاليين من المناوبات لمدة 16 ساعة، بحيث يتم تسجيل البدء في العمل في الساعة السادسة صباحاً، والتوقف عنه في العاشرة ليلاً، من دون أي أيام عطلة. وكان يمكن مشاهدة أفراد الطاقم وهم ينامون "في العراء"، تحت قماش القنب، قرب النار، استعداداً لأي مستجدات. وفي أحيان أخرى، كانوا ينصبون خياماً على عجل.

وقال داتشيك البالغ من العمر 44 سنة الذي غادر مسقط رأسه في نيوتاون ولاية كونيتيكت للعمل في مجال الإطفاء في غرب البلاد في عام 2003: "تضطر إلى النوم على الأرض، حيث يغطي المكان كثير من الدخان". ومن المألوف كثيراً أن يصاب الأفراد بأعراض مرض تخييم مكافحي الحرائق Camp Crude (مصطلح يستخدمه عناصر الإطفاء لوصف أعراض شائعة يمكن أن تنشأ من التعرض لفترة طويلة للظروف الصعبة لمخيمات مكافحة الحرائق) - كالسعال، ومشكلات الجهاز التنفسي، والاستيقاظ في حال من الترنح.

لكن فيما يدرك عامة الناس المتطلبات الجسدية الكبيرة لهذه الوظيفة، يشير رجال الإطفاء إلى أن هناك كثيراً من العواقب النفسية والعاطفية التي ينطوي عليها عملهم. ويتم باستمرار تكليف فرق الإطفاء مراقبة أعضاء طواقمهم، وتقييم التهديدات سريعة التطور، وإدارة ما قيمته ملايين الدولارات من المعدات.

ويقول داتشيك: "عندما ترتقي ضمن سلسلة القيادة، قد تصبح مسؤولاً عن الإشراف على أقسام كاملة من الحريق، أو حتى على الحريق بأكمله".

وما يسهم في تفاقم هذه الضغوط، هو حال عدم اليقين والقلق خارج إطار الوظيفة. فكثيراً ما يواجه العاملون في مجال إطفاء حرائق الغابات، صعوبات تتمثل في تأمين السكن في مناطق عملهم، ولا سيما منها في الولايات الغربية، وقد يجدون أنفسهم منفصلين عن عائلاتهم لفترات طويلة.

 

ويعود داتشيك بالذاكرة إلى الفترة التي أمضاها كإطفائي في منطقة تاهو في سييرا نيفادا في عام 2003، عندما كانت كلفة استئجار شقة نحو 450 دولاراً فقط في الشهر.

ويضيف: "في الوقت الراهن، يكلف استئجار الشقة نفسها نحو 2000 دولار بسهولة. والسؤال: كيف يمكن لشخص التحق بهذه المهنة بداية شبابه، أن يعيش ويعمل في مثل هذه المناطق؟ الحقيقة هي أنه لن يتمكن من ذلك".

في المقابل، ليس من غير المألوف أن يواجه محاربون عسكريون قدامى انتقلوا إلى مجال مكافحة الحرائق، تحديات مماثلة. ويقول داتشيك: "لم يخدم هؤلاء الأفراد بلادهم في الخارج مثل العراق وأفغانستان فحسب، بل واصلوا الخدمة داخلها أيضاً. ومع ذلك، يجد كثر منهم أنفسهم يعيشون داخل سياراتهم".

ما لم تكن لديك ضمانات مالية كافية في حياتك، فلا يمكنك قبول هذه الوظيفة.

بن ماكلين رجل إطفاء فيدرالي راهن لمكافحة حرائق الغابات

 

ويتحدث ماكلين عن أن بعض زملائه كانوا يتمازحون بالقول إن هذه المهنة لا يمكن أن تستمر من دون اعتماد الفرد الذي يمارسها على ثروة مستقلة وليس على دخله منها، مشيرين إليه بعبارة "الإطفائي صاحب الصندوق الاتئماني" Trust-Fund Firefighter.

وشرح ذلك بأنه "ما لم يكن لديك امتياز مالي قمت بادخاره في حياتك، فإن مواصلة القيام بهذه المهنة يكاد يكون مستحيلاً. وإذا كنت تطمح إلى التقدم في الحياة - كشراء منزل أو تكوين أسرة - فمن غير الواقعي أن تمارس مهنة مكافحة الحرائق لمصلحة الحكومة الفيدرالية".

ويعرب ماكلين عن مخاوفه في شأن المدة التي يمكن أو يبقى فيها في المهنة التي يحبها. ويقول: "أمام المتطلبات التي يفرضها موسم الحرائق، التي غالباً ما تستلزم مدة تزيد على 100 يوم في السنة، قررت أنا وشريكتي عدم تكوين أسرة. لا أستطيع تصور عيش حياة أسرية والوفاء بمتطلبات هذه الوظيفة في الوقت نفسه".

"الموازنة بين العمل والمتعة"

انتقل دوتشيك من مهام مكافحة الحرائق النشطة في عام 2020، إلى التركيز على تدريب القوى العاملة في "خدمة الغابات الأميركية"، وتحديداً معالجة قضايا الصحة العقلية.

وقال في هذا الإطار: "بينما كنت أعتز بشدة بعملي، والشعور بالواجب، والصداقات الحميمية التي كونتها، كان عليَّ تقديم تضحيات لجهة الابتعاد عن زوجتي وابنتي. وفي نهاية المطاف، وصل الأمر إلى نقطة عدم التحمل بالنسبة إليَّ. أدركت أنني في حاجة إلى الابتعاد عن العمليات في الخطوط الأمامية، وإعطاء الأولوية لأن أكون بقرب أسرتي. ففي الواقع إن من الصعب الحفاظ على أي شعور بالحياة الطبيعية، عندما تكون بعيداً لفترات طويلة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

غادر ميفيلد عمله في مكافحة حرائق الأدغال في عام 2019 بسبب بقائه فترات ممتدة على نحو متزايد بعيداً من عائلته، وذلك أثناء متابعته عملاً إضافياً لتعزيز دخله.

ويقول: "وجدت أنني في حاجة إلى القيام بأكبر قدر ممكن من العمل لمجرد تغطية نفقات الحياة. وقد أخذت متطلبات الوظيفة، إضافة إلى الالتزامات الأخرى على مدى العام، تؤثر سلباً في صحتي".

بدأ ميفيلد - وهو أصلاً من ولاية أيداهو شمال غربي الولايات المتحدة - العمل في خدمة الغابات خلال أعوام المدرسة الثانوية، وهي الوظيفة التي واصل القيام بها أثناء التحاقه بالجامعة كي يصبح معلماً في مدرسة ابتدائية. ومع ذلك، لم يتابع مهنة التدريس على الإطلاق. ويقول مازحاً: "لقد أعطيت فرصة للتدريس، لكن بصراحة، أن تكون أحد أعضاء ’نخبة إطفائيي الحرائق‘ هو أمر أكثر سهولة".

ويضيف أنه تبنى في العشرينيات من عمره، عقلية "الموازنة بين العمل والمتعة" Work Hard, Play Hard مستغلاً فترات الراحة الشتوية من مكافحة الحرائق، للقيام بالتزلج على الجليد على أفضل الجبال حول العالم. ومع ذلك، أصبح الحفاظ على نمط الحياة هذا أمراً أكثر صعوبة، عندما قام بتكوين أسرة، وتعين عليه تولي مسؤوليات مالية أكبر، كدفع أقساط الرهن العقاري للمنزل والسيارة.

ويقول في هذا الصدد: "في عامي الأخير، كنت ضابطاً في فريق ’نخبة إطفائيي الحرائق‘ أتولى مهمة الإشراف على مجموعة مؤلفة من 24 شخصاً. ومن ثم لدى اشتعال حريق، يمكن أن تجد نفسك توجه ما بين 100 و1000 شخص. ومع ذلك - بعد قضاء 18 عاماً من الخدمة - كان أجري بالساعة لا يزال في حدود 23 دولاراً وبعض السنتات فقط".

وقد اشتغل ميفيلد على مدى ستة أشهر، 1450 ساعة من العمل الإضافي، مما أدى إلى ظهور أعراض اكتئاب موسمي لديه، وباتت تساوره أفكار انتحارية. وقال "لقد أصبح أمراً شائعاً جداً بالنسبة إليَّ أن أتساءل عما إذا كانت أسرتي يمكن أن تكون في وضع أفضل، إذا ما تلقت تعويضات التأمين على حياتي، بدلاً من استمراري في النضال لتدبر أمورنا". إلا أنه انتقل منذ ذلك الحين إلى القيام بدور في شركة معدات مكافحة الحرائق في مدينة بوزمان، ولاية مونتانا، وهو يعمل الآن بصفة المؤسس المشارك والرئيس الراهن لمنظمة "الدفاع عن حقوق مكافحي حرائق الغابات".

ووفقاً لدراسة أجريت في عام 2017، فإن معدلات انتحار إطفائيي حرائق الغابات هي أعلى بنحو 30 مرة من معدلات الانتحار بين عموم سكان الولايات المتحدة.

 

وكشفت أبحاث إضافية أجرتها الدكتورة باتريشا أوبراين - وهي عالمة نفسية عملت سابقاً في فريق "نخبة إطفائيي حرائق الغابات" - عن معدلات مرتفعة بصورة ملحوظة من الاكتئاب المحتمل، واضطرابات القلق، و"اضطراب ما بعد الصدمة" Post-traumatic stress disorder (PTSD) بين عناصر الإطفاء هؤلاء. كما أن معدلات الطلاق لديهم هي أعلى بصورة ملحوظة. وقد أبلغ عن معاناة البعض من أفكار انتحارية، واللجوء إلى تناول الخمر من وقت إلى آخر، أو الإسراف في تناول الكحول، وتعاطي التبغ الذي يمضغ أو يستنشق، بمعدلات تزيد بمرتين إلى 10 مرات، على تلك التي لوحظت لدى عامة الناس.

على مدى الأعوام الخمسة الأخيرة، خسر داتشيك ثلاثة من زملائه في فرقة الإطفاء أقدموا على الانتحار. ويقول: "عندما تعمل باستمرار في بيئة محفوفة بالأخطار يوماً بعد يوم، من البديهي أن تكون في هذه الحالة من التأهب الشديد. وهذا العمل يمكن أن يستنزف طاقتك تدريجاً مع مرور الوقت".

وشرح كيف يمكن أن تتخذ هذه الحالة المتزايدة من اليقظة أنماطاً معينة، منها استغراقه في التخطيط ذهنياً خلال استمتاعه برحلة تخييم مع زوجته وابنته، لسيناريو أسوأ الحالات، من خلال قيامه بمسح المكان بحثاً عن أفضل موقع يمكن أن تهبط فيه مروحية مكافحة حرائق الأدغال.

"ما من أحد ينشد الثراء"

في الأعوام الأخيرة، تم تكثيف الجهود لمعالجة تحديات الصحة العقلية التي يواجهها عناصر الإطفاء. وقد أنشأ "قانون البنية التحتية في الولايات المتحدة" برنامجاً مخصصاً لذلك - بما فيه معالجة "اضطراب ما بعد الصدمة". ويقول رجال إطفاء إن شبكات دعم الأقران و"الاطمئنان إلى الزملاء" خلال فترات الهدوء، أصبحت الآن أكثر شيوعاً.

ومع ذلك، لا تزال هناك أشواط كبيرة لتحسين النتائج الصحية العامة. ففي عام 2022، صنفت "الوكالة الدولية لأبحاث السرطان" International Agency for Research on Cancer مكافحة الحرائق، على أنها مهنة عالية الأخطار لجهة احتمال الإصابة بداء السرطان.

وفي حين أن بعض إدارات مكافحة الحرائق في الولايات والبلديات، قدمت تغطية صحية افتراضية للسرطان والقلب والأوعية الدموية لفترة طويلة، إلا أن وزارة العمل الأميركية لم تعترف بالصلة بين أنواع السرطان المختلفة - كسرطان الرئة والخصية والغدة الدرقية - والظروف المهنية لرجال الإطفاء الفيدراليين إلا في عام 2022. ويذكر أن السرطانات المتعلقة بالنساء لم يتم إدراجها ضمن هذه القائمة، على رغم مطالبة زملائهن بإدراجها.

ويقول داتشيك: "لقد عرفت بالتأكيد نساءً في مجال الإطفاء فقدن حياتهن بسبب سرطان المبيض أو سرطان الجهاز التناسلي. نحن نحرص على أن يحصل الجميع على تغطية صحية متساوية، وعناية طبية".

وبينما يتم تسليط الضوء الآن على هذه القضايا، يواصل عناصر الإطفاء الفيدراليون تقديم استقالاتهم بصورة جماعية. وقد نبهت نقابتهم إلى أن ما يصل إلى نصف عددهم قد يترك الوظيفة. وذكرت شبكة "أن بي سي" NBC الإخبارية الأميركية، أن 42 عنصر إطفاء من العاملين في "غابة سان برناردينو الوطنية" San Bernardino National Forest استقالوا في مايو (أيار) الماضي في خلال 48 ساعة.

وقال ماكلين إنه "لا يمكن إلقاء اللوم على أي شخص في بحثه عن عمل يقدم له تعويضاً مادياً مناسباً عن التضحيات التي يبذلها هو وأسرته. إن أحداً يعمل عنصر إطفاء فيدرالياً لا يتوقع أن يصبح ثرياً. فنحن ببساطة نطالب بما يكفي لإعالة أنفسنا من أجل أن نتمكن من البقاء في هذه المهنة".

ورأى داتشيك أن الفشل في معالجة هذه المشكلات يؤدي إلى تقويض فعالية جهود فرق مكافحة الحرائق الفيدرالية، ومن ثم يزيد من الأخطار التي تتعرض لها المجتمعات.

وأضاف: "نحن ببساطة لا نملك طاقماً كافياً من العاملين لمكافحة حرائق الغابات الشديدة هذه بصورة فعالة. لذا، يتعين علينا في الحقيقة أن نعول على ضرورة الوفاء بواجبنا في حماية المدنيين والمجتمعات المحلية والموارد الطبيعية".

وختم بالقول: "ما لم نعترف بخبرة القوى العاملة لدينا، ونقدرها بصورة مناسبة، فإن بلادنا ستواصل مواجهة تحديات في معالجة هذه القضية بصورة فعالة".

هذا الموضوع هو جزء من سلسلة جديدة من المقالات بعنوان "تحذير عالمي "Global Warning، أطلقتها "اندبندنت"، وهي تروي قصص أشخاص يناضلون على الخطوط الأمامية لمواجهة أزمة تغير المناخ في جميع أنحاء الولايات المتحدة

إذا كنت أنت أو أي شخص تعرفه من الذين يعانون أو يمرون بأزمة، فإن المساعدة متاحة. اتصل أو أبعث برسالة نصية إلى الرقم 988، أو قم بالتحدث مع شخص عبر منصة 988lifeline.org

إذا كنت مقيماً في المملكة المتحدة وتحتاج أنت أو أي شخص تعرفه للمساعدة في مجال الصحة العقلية، فيمكنك التواصل والتحدث بثقة مع جمعية "ساماريتانز" Samaritans من خلال الاتصال على الرقم: 116 123 (في المملكة المتحدة وجمهورية إيرلندا)، أو إرسال بريد إلكتروني إلى [email protected]، أو زيارة موقع "ساماريتانز" الإلكتروني لتحديد أقرب فرع للحصول على المساعدة.

أما إذا كنت في بلد آخر، فيمكنك زيارة الموقع www.befrienders.org للعثور على خط مساعدة قريب منك.

© The Independent

المزيد من بيئة