Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مجالس الصوفية في رمضان مصر... احتفال على استحياء

الشكل التقليدي للاحتفالات لم يعد موجوداً وشيوخ طرق يرجعون أسباب غيابها إلى ترميم مسجد الحسين وساحته وسيطرة رجال الأعمال والتكنولوجيا ومريدون: الغلاء السبب 

ما زالت الطرق الصوفية تقيم حلقات ذكر وإفطار جماعي خلال رمضان في المحافظات المصرية لكن بشكل محدود (أ ف ب)

ملخص

"كنت أقيم حضرة سنوياً في منزلي، لكن توقفت عنها"... لماذا غابت طقوس "الصوفية" عن رمضان مصر؟

شهدت الساحات الرئيسة في القاهرة والمحافظات المصرية تراجعاً ملحوظاً لمظاهر الاحتفال التي كانت تشتهر بها الطرق الصوفية بمختلف مشاربها خلال رمضان بالقاهرة والمحافظات المصرية الأخرى، التي تشمل المواكب، والتوافد إلى ساحات الذكر، وإعداد موائد الإفطار الجماعية، وإقامة أمسيات رمضانية دينية، وانتشار سرادقات بالساحات ومحطات التقاء المريدين والأتباع.

وأرجع مشايخ طرق أسباب تقلص هذه المظاهر الاحتفالية للمتصوفة وغيابها عن الشوارع المصرية في رمضان إلى منع إقامتها بالساحات الرئيسة المتكدسة، التي كانت تجمع المريدين من شتى المحافظات بأماكن رئيسة، منها ساحة الحسين، واقتصار ممارسة الطقوس في الأزقة والحارات المصرية، وإقامة الموائد بمقر المشيخة العامة للطرق الصوفية، بينما رأى فريق آخر ينتمي إلى المعسكر الرافض مظاهر الاحتفال التي تجمع المتصوفة وجود "رفض مجتمعي" أدى إلى اختفاء هذه الطقوس تدريجاً.

وجاهة اجتماعية

بحسب محمد عبدالمجيد الشرنوبي، شيخ الطريقة الشرنوبية، فإن "جائحة كورونا كانت البداية الحقيقية" وراء غياب الاحتفالات التقليدية للمتصوفين خلال رمضان، إضافة إلى "أعمال الترميم التي شهدها مسجد الحسين"، التي أدت إلى منع إقامة الاحتفالات في ساحته، وسيطرة وزارة الأوقاف على نظام الاحتفالات داخل المساجد، مما أدى إلى تحول المظاهر الاحتفالية الصوفية إلى الطابع الشكلي فقط.

ومع ذلك، قال الشرنوبي، في حديثه إلى "اندبندنت عربية"، إن شريحة واسعة من المصريين "ترتبط بشكل وثيق بالطقوس الاحتفالية للصوفية ومحبتهم آل البيت". مرجعاً أسباب اختفائها إلى "تحكمات لا علاقة لها بأمزجة المصريين أو تغير نظرتهم إلى الفكر الصوفي". ومشدداً على أن الطرق الصوفية مستمرة في إقامة حلقات الذكر والإفطار الجماعي خلال شهر رمضان في المحافظات المصرية، وإن كانت بشكل محدود. معتبراً أن هذا التقلص "لا ينعكس على محبة المصريين آل البيت والابتهالات والموالد التي تقيمها الطرق الصوفية".

 

لا ينكر شيخ الطريقة الشرنوبية اختفاء المواكب التي كانت تجوب المحافظات والقرى المصرية، مسلطاً الضوء على وجود خلل ناتج من عوامل الزمن والأحوال الدنيوية وتحكمات رجال الأعمال، مما جعل الطرق الصوفية "تأخذ طابع الوجاهة الاجتماعية". ضارباً أمثلة منها أن بعض الشخصيات العامة أسست طرقاً جديدة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، من دون أن يلتقي المريد شيخه، مما يتنافى مع الفكر الصوفي التقليدي الذي يشترط التواصل المباشر بينهما، والحصول على النفحة والقبضة.

وأضاف الشرنوبي، "رجال الأعمال ورأس المال والتقدم التكنولوجي من ضمن أبرز الأشياء التي غيّرت الشكل التقليدي للطرق الصوفية، مما حوّلها بمرور الوقت إلى عملية تنظيمية وتجمعات مرتبطة بالمحافظات والسياسة".

وحول ما يروّجه بعض مشايخ الصوفية من أن عدد المسجلين داخل الطرق الصوفية يصل إلى 15 مليون مريد، قال الشرنوبي "لا يمكن أن يتجاوز العدد 6 ملايين. الطرق الصوفية ارتفعت بشكل متسارع حتى وصلت إلى 84 طريقة، ما أضر بالصوفية، لأنها اعتمدت في الحشد على وسائل التواصل الاجتماعي وتسجيل البيانات بطريقة إلكترونية، أشبه بنظام الأحزاب، على رغم أن جميع الطرق الجديدة منبثقة من نظيرتها القديمة والمرتبطة بأقطاب صوفية معينة".

فعاليات محدودة

ويتفق محمود أبو الفيض، شيخ الطريقة الفيضية الشاذلية على وجود أسباب أدت إلى اختفاء الاحتفالات والطقوس الصوفية بساحات رئيسة في مصر خلال رمضان، منها "أعمال الترميم التي يشهدها مسجد الحسين، وأعمال التجديد في محيط هذه المنطقة التي كانت ملتقى المريدين"، لكنه أكد أن المشيخة العامة للطرق الصوفية "تقيم احتفالات يومية بمنطقة الدراسة في رمضان".

وتابع أبو الفيض، "أقامت الطرق الصوفية موكب الرؤية احتفالاً بقدوم رمضان هذا العام، وطبيعة المصريين تأخد المنحى الصوفي، بخاصة في الصعيد والأرياف، عكس القاهرة الأمر محدود بسبب عادات العاصمة المصرية".

وألغى المجلس الأعلى للطرق الصوفية موكب رؤية هلال شهر رمضان أكثر من مرة، بسبب التدابير التي اتخذتها الحكومة المصرية في مواجهة جائحة كورونا، وخلال هذه الفترة تبرأ المجلس الأعلى للطرق الصوفية من احتفالات أقيمت بالشوارع المحيطة بمسجد السيدة زينب.

وفي ديسمبر (كانون الأول) 2022 أعلن رئيس المجلس الأعلى للطرق الصوفية في مصر عبدالهادي القصبي عودة الاحتفالات الصوفية بموافقة رئيس الحكومة مصطفى مدبولي مع الالتزام بالاشتراطات الواردة من وزارتي الداخلية والصحة.

 

وحول غياب الطقوس ومظاهر الاحتفال المعتاد عليها أشار أبو الفيض إلى أن مريدي الطرق كانوا يحتفلون في مكان مبارك وهو الحسين، لكن منعت عنهم هذه الطقوس مع إجراءات ترميم المسجد. مؤكداً أن هذا الوقف سيستمر سنوات، وفي الماضي كنا نفترش الساحة الرئيسة ونقيم سرادق يجمع الآلاف من محبي آل البيت، التي تبدأ من الثاني إلى الـ 26 من شهر رمضان.

وبحسب شيخ الطريقة الفيضية الشاذلية فإن الطرق تحيي ليالي رمضان بشكل يومي، ومنها تنظيم حفلات الإفطار على مدى 4 أيام متتالية، "كانت احتفالاتنا تجوب القاهرة، ويحتشد أمامها الآلاف في ميدان السيدة زينب وشارع بورسعيد، كنا نقيم سرادقات في كل مكان، لكن هذه الطقوس اختفت بالشوارع الرئيسية والميادين لعدم القدرة على التجمع في الأماكن المكتظة، واقتصرت على الشوارع الجانبية والحواري والأزقة، وهو ما لا يليق بالطرق الصوفية. إذ إن الخدمات أصبحت محدودة".

وختم بالقول إن الطرق الصوفية في الصعيد ما زالت تحتفظ بالزخم، نظراً إلى وجود ساحات واسعة لإقامة الاحتفالات، وأفضل احتفالاتنا تقام في الصعيد، تليها محافظات الوجه البحري ثم مدن القناة.

وللطرق الصوفية أقطاب رئيسة انبثقت منها عشرات الطرق الصوفية، وهم أحمد البدوي وإبراهيم الدسوقي وعبدالقادر الجيلاني وأبو الحسن الشاذلي وأحمد الرفاعي، ومن هذه المدارس تفرّعت الطرق الصوفية. وعن تأثر المصريين بالصوفية يقول أبو الفيض إن المسجل رسمياً في دفاتر الطرق الصوفية نحو 15 مليون مريد، وبسؤاله عن عدد المنتسبين لطريقته امتنع عن تحديد النسبة.

ممانعة مجتمعية والغلاء

في المقابل يشكك عضو اتحاد المؤرخين العرب زين العابدين كامل في تقديرات الطرق الصوفية لأتباعها من المريدين في المحافظات المصرية، معتبراً أن تضاؤل الطقوس والاحتفالات التي كانت معتادة في شهر رمضان يعود إلى "الممانعة المجتمعية" لهذه الطقوس، بسبب انحرافها عن المنهج السليم، وفق تعبيره.

وعلى الجانب الآخر، يرفض محمد السيد، متصوّف، وأحد أبناء الطريقة البرهامية هذه النظرة للصوفية. معتبراً أن معظم المصريين متأثرون بالمنحى الصوفي، لكن اختفاء أشكال الاحتفال في رمضان يعود إلى عدة أسباب أبرزها "منع إقامة السرادق في ميادين وساحات رئيسة، مما تسبب في احتقان لدى الصوفيين، والغلاء الذي جعلنا لا نقيم الحضرة الصوفية مثل السابق بسبب كلفتها العالية، كنت أقيم حضرة سنوياً في منزلي، لكن توقفت عنها بسبب الغلاء"، رافضاً ادعاءات ربط تقلص الاحتفالات والطقوس الرمضانية بـ"انخفاض الشعبية".

 

ومضى قائلاً "تقلصت مناسبات مثل ليلة القدر أو مولد سيدنا الحسين، وأصبحت الذبائح والعزومات أمراً صعباً على الصوفيين في ظل الظروف الاقتصادية الحالية. لم تعد الأجواء الرمضانية تشبه ما كانت عليه في السابق، حيث كان هناك إفطار يومي وحلقات ذكر بعد صلاة التراويح".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي مايو (أيار) 2022، أعلنت وزارة الأوقاف المصرية الاتفاق على إقامة أي حضرة أو احتفال أو أمسية بأي مسجد من المساجد بناءً على خطاب رسمي من شيخ مشايخ الطرق الصوفية، واعتماد رئيس القطاع الديني بالأوقاف، وعودة الدروس الدينية وتكثيف ما كان قائماً قبل الغلق، مع إلغاء التدابير الاحترازية التي فرضت في مارس (آذار) 2020 على الأضرحة، التي شملت منع الاحتفالات بموالد آل البيت، تجنباً لتفشي كورونا.

على الجانب الآخر، يشير زين العابدين كامل إلى أن تأثير الطرق الصوفية "بات محدوداً" للغاية في مصر، مما أسهم في تضاؤل مظاهر الاحتفالات، واختفاء أشكالها بصورة كبيرة في المساجد، التي كانت تشهد إقامة مثل هذه الطقوس.

وبحسب كامل فإن هذه الطقوس الرمضانية تشير إلى "اعوجاج في المنهج عند غلاة الصوفية"، إذ تحولت هذه الطقوس والشعائر إلى مجرد أداء، متجاهلين الجوانب التعليمية والروحانية للدين، مشدداً على وجود "مقاومة مجتمعية" للطقوس الصوفية التي يعتبرها غير مقبولة في الشارع المصري، وتقلصها في شهر رمضان "ينبع من وعي المصريين بعدم جدواها".

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات