Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مخاوف من تحول غزة إلى "مقديشو" المتوسط مع غياب العناصر الأمنية

يشكو مسؤولو الإغاثة والسكان في القطاع تآكل النظام المدني وانتشار العصابات التي تملأ فراغ السلطة بعد أشهر من الحرب

يشكل الافتقار إلى الشرطة تحدياً أمام وكالات الإغاثة إذ يلجأ بعضهم إلى "شركات أمنية خاصة" أنشئت حديثاً (أ ف ب)

ملخص

يشير مسؤولون إنسانيون إلى أن انهيار القانون والنظام يهدد الفئات الأكثر ضعفاً ويجعل إيصال المساعدات أكثر صعوبة

تواجه غزة حالاً من الفوضى المتزايدة مع انهيار آخر بقايا النظام المدني، مما يترك فراغاً تملأه بصورة متزايدة العصابات المسلحة والعشائر والعائلات القوية والمجرمين، بحسب ما كشفت عنه عشرات المقابلات مع كبار مسؤولي الإغاثة والخبراء والأشخاص في القطاع.

ووصف الأشخاص الذين أجرت صحيفة "ذا غارديان" مقابلات معهم التهديد المستمر المتمثل في المجاعة والقصف من جانب قوات الدفاع الإسرائيلية، ولكنهم وصفوا أيضاً العالم الجديد بـ"الوحشي" الذي غالباً ما تحدد فيه الأسلحة والسكاكين والترهيب من يحصل على المساعدة الإنسانية التي يحتاج إليها بشدة.

وأدى الهجوم العسكري الإسرائيلي الذي استمر خمسة أشهر إلى إطاحة حركة "حماس" من السلطة في معظم أنحاء غزة، لكن لم يستبدل الجماعة الإسلامية المسلحة بأي نوع آخر من أنواع الحكم، في حين أسفر الاستهداف المنهجي لقوات الشرطة في غزة التي تعتبرها إسرائيل جزءاً من "حماس" وإطلاق سراح مئات السجناء من السجون من قبل الجماعة في وقت مبكر من الصراع، عن تفاقم الفوضى.

وقال أسامة عبدالرحمن أبو دقة، (52 سنة) وهو زعيم مجتمعي في رفح، أقصى جنوب قطاع غزةـ "لقد غيرت الحرب كل شيء، ولكن الأهم من ذلك كله أنه لا يوجد أمن الآن، ولا يوجد شيء الآن للضعفاء، فالأقوياء فقط هم من يستطيعون البقاء اليوم."

"مقديشو البحر المتوسط"

واستخدم كثير من كبار المسؤولين في المجال الإنساني عبارة "مقديشو على البحر الأبيض المتوسط" لوصف المستقبل القريب المحتمل لغزة، على رغم أن معظمهم شددوا على أنه سيكون من السابق لأوانه مقارنة المنطقة في الوقت الحاضر بالصومال أو دول فاشلة مماثلة.

وقال أحد كبار مسؤولي الإغاثة المقيمين في غزة منذ أشهر "لم نشهد بعد انهياراً كاملاً للقانون والنظام، وهذا أمر ثقافي جزئياً، وهناك كثير من التضامن والدعم المتبادل والمشاركة، لكنني لست متأكداً من أن الأمر بعيد جداً، فالأمور تزداد سوءاً بالتأكيد"، مضيفاً أنه "تسمع الآن كثيراً من إطلاق النار، بخاصة في الليل، ويبدو أن هناك عائلات أو عصابات تقاتل بعضها بعضاً، وليست الحرب".

وكانت إسرائيل شنت هجوماً على القطاع بعد أن أرسلت "حماس" التي استولت على السلطة في غزة عام 2007، مسلحيها إلى جنوب إسرائيل في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص معظمهم من المدنيين واحتجاز 250 رهينة، وعلى الجانب الفلسطيني قتل حتى الآن أكثر من 32600 شخص معظمهم من النساء والأطفال خلال الهجوم الإسرائيلي اللاحق، وفقاً للسلطات في غزة.

وبعد ما يقارب ستة أشهر من الحرب، نزح قرابة 80 في المئة من سكان غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة وتحولت معظم الأراضي إلى أنقاض، وتركز الاهتمام الدولي على الكمية المحدودة من المساعدات التي تصل إلى المنطقة والتي تقول وكالات الإغاثة إنها ترجع إلى حد كبير بسبب رفض الحكومة الإسرائيلية فتح مزيد من نقاط الوصول، وسط الجهود المبذولة لدرء مجاعة واسعة النطاق.

تحويل المساعدات الإنسانية إلى أموال

ويشير المسؤولون الإنسانيون إلى أن انهيار القانون والنظام يهدد الفئات الأكثر ضعفاً ويجعل إيصال المساعدات للجميع أكثر صعوبة، وقالت قوافل المساعدات المتعاقبة إنها تعرضت للنهب خلال الأسابيع الأخيرة، بعضها على يد عصابات مسلحة منظمة والبعض الآخر على يد أفراد يائسين، فيما وصف كبار المسؤولين الأميركيين كيف أن "الخروج عن القانون الذي كان يمثل دائماً مشكلة في الخلفية، انتقل الآن إلى مستوى مختلف تماماً".

وقال أحد المسؤولين في مارس (آذار) الماضي، "هذا نتاج، إذا صح التعبير، تسويق المساعدات، فالعصابات الإجرامية تستولي عليها وتنهبها وتعيد بيعها، لقد حولوا المساعدات الإنسانية إلى أموال".

وتحولت المعارك على المساعدات إلى قتال مميت مع تقارير عن حوادث طعن وإطلاق نار، إضافة إلى ارتفاع عدد الضحايا المسجل في حوادث إطلاق النار من قبل الجيش الإسرائيلي خلال الأسابيع الأخيرة.

وقالت ناريمان سلمان، (42 سنة) التي تعيش الآن في رفح بعد نزوحها من شمال غزة، "تمكن زوجي وابني من الحصول على كيس طحين من إحدى الشاحنات ولكن في طريق عودتهما أوقفهما رجل يحمل كيساً كبيراً من الدقيق وسكيناً فعادا للمنزل خاليي الوفاض. كنا نأكل الرز وبعض الفاصولياء وبعض العشب، وكان علينا أن نستجدي الطعام من الجيران من أجل ابنتي الحامل".

وبعد ذلك بوقت قصير، تعرض الابن الأكبر لسلمان للطعن حتى الموت خلال محاولة أخرى للحصول على المساعدات التي أسقطتها الطائرات.

وفي المقابلات، وصف الرجال والنساء النازحون في غزة مشكلات تراوح ما بين المعارك بين العائلات على مساحة في المخيمات والملاجئ الموقتة المزدحمة، وحتى السرقات البسيطة المتكررة. وتحدث آخرون عن النهب الواسع النطاق للمنازل المهجورة أو التي قصفت وزيادة تعاطي المخدرات بعدما سرق المدمنون الصيدليات المهجورة. ووفقاً للصحيفة، كان من الصعب التأكيد بصورة مستقلة على التقارير، لكن عدداً منها كانت مدعومة بمصادر كثيرة.

وقال جلال محمد حرب ورش آغا، (51 سنة)، وهو تاجر مواشي حالياً في رفح، "لقد سرقت مني مرات عدة أشياء ثمينة وعديمة القيمة حقاً، لقد كان معي ستة كيلوغرامات من القهوة، وتمنيت أن أبيعها لأن سعر الكيلو الواحد كان 350 شيكلاً، ولكن سرقت... وفي مرة أخرى سُرقت أحذية أبنائي أثناء صلاة الجمعة، وهذه الظاهرة جديدة في مجتمعنا ولم تكُن شائعة من قبل".

وأفاد آخرون عن حوادث مماثلة، إذ وصف مؤمن أبو جراد، وهو طالب يبلغ من العمر 25 سنة، حادثة سرقة في أحد المساجد الأسبوع الماضي، فقال "كنت أتوضأ قبل صلاة الجمعة في المسجد، فسُرق هاتفي وبعض المال من جيب سترتي التي تركتها على الحائط إلى جانبي".

فوضى متزايدة

وكان أحد العوامل الرئيسة التي أسهمت في الفوضى المتزايدة في غزة هو الاستهداف المنهجي للشرطة المحلية من قبل إسرائيل التي تقول إن القوة جزء من "حماس"، وذكر المبعوث الأميركي للقضايا الإنسانية في الشرق الأوسط ديفيد ساترفيلد في فبراير (شباط) الماضي أن الشرطة في المنطقة "تشمل بالتأكيد عناصر من حماس" ولكن أيضاً أشخاصاً ليس لهم انتماء سياسي أو مرتبطين بفصائل فلسطينية أخرى.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأوضح وسام يوسف رجب، (45 سنة)، وهو ضابط شرطة في رفح حالياً، أنه توقف عن الذهاب إلى عمله بعد الغارات الإسرائيلية على مراكز الشرطة والسيارات والأفراد، مضيفاً أن "الأشخاص الذين يسيطرون على الوضع الآن هم من العصابات والأفراد الذين لديهم أسلحة غير قانونية وموارد أخرى... وأحد الأسباب الرئيسة لموجة الجرائم هذه هو إطلاق سراح المجرمين المدانين في بداية الحرب من قبل السلطة المحلية التي كانت تخشى على حياتهم عندما كان القصف يطاول السجون".

ويشكل الافتقار إلى الشرطة تحدياً أمام وكالات الإغاثة، إذ يلجأ بعضها إلى "شركات أمنية خاصة" أنشئت حديثاً.

وقال مدير مخيم اللاجئين في رفح سالم أبو حلوب "عند توصيل المساعدات إلى المنطقة، نعتمد الآن على مسلحين من عامة السكان لحماية القافلة التي تحمل المساعدات".

وصرّح مسؤولو إغاثة غربيون بأن الهجمات على الشاحنات المحملة بالأغذية أصبحت منظمة بصورة متزايدة، إذ ينقل "الراصدون" في جنوب غزة معلومات عن تحركات القوافل إلى زعماء الجماعات التي تعد كمائن في الشمال.

وأدى استخدام الجيش الإسرائيلي لمقاولين من القطاع الخاص لنقل المواد الغذائية والضروريات الأساسية خارج نظام الأمم المتحدة إلى زيادة الفوضى.

وفي جنوب غزة، لا تزال الوزارات التي تديرها "حماس" مثل الصحة والتنمية الاجتماعية "شبه عاملة"، وتحاول الحركة مواصلة إدارتها في أماكن أخرى أيضاً.

وقال مسؤولو المساعدات إن قافلتين من المواد الغذائية وصلتا أخيراً إلى الشمال سالمتين بعد أن أصدر مسؤول أمني كبير في "حماس" أمراً بحمايتهما باسم "قوات الأمن الفلسطينية".

وبعد يومين، قتل رئيس مديرية عمليات الأمن الداخلي لـ"حماس" فائق المبحوح الذي اتهمته إسرائيل بتنظيم هجمات إرهابية، بحسب ما ذكر الجيش الإسرائيلي في بيان.

وقال محللون إن إسرائيل تقترب من تحقيق هدفها الرئيس من الحرب وهو تفكيك القدرات العسكرية والإدارية لـ"حماس" لكنها لم تضع بعد خطة قابلة للتطبيق لاستبدال الحكومة السابقة في غزة.

"ليس هناك اليوم التالي... بل أزمة مزمنة"

ويعتقد كثير من المراقبين الآن على نحو متزايد بأنه قد لا يكون هناك "اليوم التالي" بل أزمة مزمنة بدلاً من ذلك، لذا فإن مسألة تحقيق الاستقرار في المنطقة حتى أثناء الأعمال العدائية أصبحت ملحة.

ورفض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المقترحات الأميركية المتعاقبة الرامية إلى تشكيل سلطة فلسطينية "متجددة"، وهي المنظمة التي طردتها "حماس" من غزة عام 2007، لإدارة القطاع، وأخيراً منعت تل أبيب وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) التي تتولى عدداً من المهمات الحكومية من الوصول إلى شمال المنطقة.

وتواجه الخطة الإسرائيلية للاعتماد على وسطاء السلطة المحليين المستقلين عن "حماس" والسلطة صعوبات حتى الآن في اكتساب مزيد من الاهتمام، وكان اغتيال أحد زعماء العشائر في وسط غزة على يد مهاجمين مجهولين في منتصف مارس الماضي بمثابة انتكاسة كبيرة، وكان تعهد العشرات من كبار قادة المجتمع المحلي في غزة بعدم العمل مع إسرائيل من دون الحصول على إذن من "حماس" أو "فتح"، الحزب الحاكم في الضفة الغربية المحتلة، بمثابة مثال آخر.

في حين تساءل أحد كبار مسؤولي المساعدات الغربيين الموجود في غزة منذ بداية الصراع، "إذا لم تكن هناك حماس، ولا سلطة فلسطينية... ولا أونروا، ولم يقبل الإسرائيليون مسؤولياتهم، فماذا بقي إذاً؟... إن لم نكن نواجه انهياراً كاملاً للحكم في الوقت الحالي، فسيحدث ذلك قريباً".

وفي عدد من الأماكن في غزة، شكلت لجان غير رسمية للأحياء لسد هذه الفجوة.

وقال أبو دقة الذي يقود إحدى هذه اللجان في رفح "نحاول حل النزاعات مكان الحكومة والشرطة والسلطات حتى لا ينهار المجتمع بالكامل".

في حين أن بعض هذه اللجان جديدة تماماً، وتجمع بين "قادة المجتمع والإسلاميين ومختلف الفصائل السياسية الفلسطينية التاريخية ومن جميع الأنواع"، في حين أن بعضها الآخر يعتمد على جمعيات سابقة يعود تاريخها لعقود مضت.

وقال مسؤول إنساني مخضرم في رفح، "إنهم الأشخاص الوحيدون الذين يمكننا التعامل معهم إذا أردنا تجنب قطع المساعدات على الفور، لكن هذا ليس حلاً طويل الأمد... أخشى أن يأتي شيء أسوأ مما نعيشه الآن، هذا مجتمع مرن للغاية ولكن بعد ستة أشهر ستنهار الأمور".

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات