Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

التسول في تونس... شبكات وقودها الأطفال واللاجئون

يجنون نحو 150 ألف دولار يومياً تذهب إلى الاقتصاد الموازي

تحولت ظاهرة التسول إلى عمل مؤسساتي (اندبندنت عربية)

ملخص

هناك خطة تهدف إلى تخصيص أماكن تستقبل أطفال الشوارع نهاراً، وذلك باعتمادات بقيمة 480 ألفاً و770 دولاراً وبطاقة استيعاب في حدود 150 طفلاً يومياً.

أمام جامع الغفران بمنطقة حي الزياتين في العاصمة تونس، تجلس زينة امرأة أربعينية بحثاً عن لقمة العيش، وتقول إنها لجأت إلى التسول منذ ستة أعوام لتوفير مستلزمات أطفالها الثلاثة، وتضيف وهي تبكي "التسول يوفر لي إيجار منزلي وثمن الدواء وكل ما أحتاج إليه"، لاسيما أن زوجها السابق هجرهم ويرفض التكفل بهم.

 

 

ولدى سؤالنا عن أطفالها، قالت إن ابنيها الصغيرين نور سنتين ويحيى أربع سنوات يلازمان المنزل، أما ابنتها الكبيرة نوران ذات الثماني سنوات فـ"أرسلتها للتسول أمام باب جامع آخر في المنطقة نفسها لتوفير المصروف"، وحول مخاوفها من تعرض ابنتها لأي عنف جسدي أو جنسي أجابت "لا حل آخر عندي".

استغلال الطفولة

قبل صلاة العصر وجدنا نوران تجلس على أعتاب جامع التوبة البعيد من مكان أمها نحو 500 متر، تجلس منطوية بكل انكسار وفي عينيها خوف وقلق. نوران طفلة جميلة شعرها ذهبي وعيناها عسليتان بيضاء البشرة ترتدي ثياباً رقيقة لا تقيها من البرد والصقيع، وتنتعل حذاء صيفياً من البلاستيك. تقدمنا للحديث معها فقالت بكل خجل إنها في الثالث ابتدائي تحب المدرسة ولا تحب الجلوس بمفردها بعيدة من أمها وأخويها، وتضيف نوران بصوت مرتجف "أريد أن ألعب مع أصدقائي لكن أمي ترسلني في العطل للتسول لأومن ثمن ملابس العيد لي ولأخوتي".

نوران واحدة من مئات الأطفال الذين يستغلون من عائلاتهم للتسول، على رغم تجريم القانون التونسي لهذه الممارسات. وترى جهات حقوقية في تونس أن تزايد تهديد الاستغلال الجنسي للأطفال بمختلف أشكاله يعود لأسباب عدة، من بينها الوضع الاجتماعي المتردي لبعض الأهل الذين يجبرون أطفالهم على العمل في ظروف غير قانونية ويتعرضون للاستغلال من منحرفين.

وأكدت  المؤشرات والأرقام التي كشف عنها التقرير الإحصائي لمندوبي حماية الطفولة في تونس، أن نسبة الإشعارات المتعلقة بعجز الأبوين وتقصيرهما في الرعاية والتربية بلغت 50.9 في المئة عام 2021، في حين بلغت الإشعارات المتعلقة بالعنف الجنسي 17 في المئة.

 

 

وفي مكان آخر بمنطقة المنزه بالعاصمة تونس، الصبي يقف يوسف (14 سنة) أمام شارة الضوء في منتصف طريق تعبره آلاف السيارات والآليات يومياً، منتظراً الضوء الأحمر ليتوجه إلى سائقي السيارات في محاولة لبيعهم المناديل الورقية، وهو يتوسل إليهم  مردداً عبارة "أنا جائع أريد بعض الطعام، وأمي مريضة تحتاج إلى دواء".

 

ترى جهات حقوقية في تونس أن تزايد تهديد الاستغلال الجنسي للأطفال بمختلف أشكاله يعود لأسباب عدة، من بينها الوضع الاجتماعي المتردي لبعض الأهل الذين يجبرون أطفالهم على العمل في ظروف غير قانونية ويتعرضون للاستغلال من منحرفين.

 

الواقع الطفولي يقول إن مكان يوسف الطبيعي في المدرسة لاكتساب العلم والمعرفة، لكن ظروف الحياة القاسية قد لا تكون منصفة في بعض الأحيان، وعن أسباب عدم ارتياده المدسرة يقول "أبي متوف وأمي مريضة، وأنا المعيل الوحيد لهذا تركت المدرسة". وعلى الفور غادر راكضاً وتوارى عن نظرنا، ربما خوفاً من أن نبلغ جهاز الأمن أو مندوبية الطفولة.

استعطاف المارة 

انتشرت في الأيام الأخيرة ظاهرة التسول بشكل لافت خصوصاً في الأماكن العمومية بالمدن الكبرى والعاصمة، عند نقاط وسائل النقل والمحطات والأسواق والشوارع الكبرى والمطاعم والمقاهي والمساجد.

 

 

ويكثر المتسولون في يوم الجمعة لتجد أصحاب الاحتياجات الخاصة وشيوخاً متكئون على الجدران ويفتشرون أرصفة الطرق، أما الشباب والشابات منهم فتجدهم يتنقلون من مكان إلى آخر ومن وسيلة نقل إلى أخرى. كما اتخذت فئات أخرى من المؤسسات الاستشفائية نقاطاً رئيسة للتسول واستعطاف قلوب الناس. ولم يعد المواطن التونسي قادراً على التمييز بين من دفعهم العوز لمد يدهم للغير، وبين المتسولين المحتالين الذين يتقمصون كل الأدوار لجلب عطف المواطنين. بعضهم يوهمك بعاهة جسدية، وآخر يقدم نفسه على أنه "متسول ظرفي" دفعته ظروف طارئة لذلك.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي شهر رمضان تحديداً، تكثر ظاهرة التسول في تونس لارتباط هذا الشهر بالزكاة ومساعدة الفقراء.

ويندرج التسول ضمن جريمة الاتجار بالأشخاص في القانون التونسي "لمن يستخدم في التسول طفلاً ما دون الـ18 من العمر، ويرفع العقاب إلى ضعفه إذا تم الاستخدام في شكل جماعي منظم". وفي وقت سابق أذنت النيابة العمومية في المحكمة الابتدائية بالقيروان وسط تونس، بإيقاف كهل من أجل الاتجار بالبشر واستغلال الأطفال القصر، بعد إلقاء القبض عليه من الوحدات الأمنية على متن سيارة أجرة ومعه سبعة أطفال تراوح أعمارهم بين تسع و13 سنة، وذلك أثناء عودتهم لمحافظة القصرين بعد أن قضوا مدة 15 يوماً في محافظة سوسة الساحلية يتسولون.

 

 

وكشفت وزارة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن عن 1758 إشعاراً عن أطفال مشردين ومهملين في الشوارع عام 2022، إلى جانب تلقي مندوبي الطفولة 500 إشعار حول استغلال الأطفال اقتصادياً.

وأعلنت وزارة المرأة والأسرة والطفولة وكبار السن سابقاً إطلاق خطة جديدة للتعهد بأطفال الشوارع، بالتعاون مع منظمات مدنية تهدف إلى إعادة دمج هؤلاء في مراكز رعاية متخصصة أو لدى أسر كافلة لهم. وتهدف الخطة إلى تخصيص أماكن تستقبل أطفال الشوارع نهاراً، وذلك باعتمادات بقيمة 480 ألفاً و770 دولاراً وبطاقة استيعاب في حدود 150 طفلاً يومياً.

كذلك ستتيح هذه الخطة خدمات الاستقبال والإنصات والتوجيه وخدمات الإعاشة النهارية، وتأمين الرعاية الموقتة لأطفال الشوارع، إضافة إلى المتابعة الصحية والرعاية النفسية.

لا يمكن تطبيق القانون 

لكن مندوب الطفولة في تونس أنيس عون الله يقول في حديث لـ"اندبندنت عربية" إن تطبيق هذه الخطة صعب جداً، في ظل استفحال ظاهرة التسول في الأوساط العائلية. وأكد عون الله وجود شبكات عدة تنشط في مجال التسول واستغلال الأطفال، لكن بحسب ما قال "النسبة الأكبر في استغلال تلك الفئة العمرية هي الوسط العائلي".

 

 

وعن عدم تطبيق القانون في غالب الأحيان للحد من انتشار ظاهرة استغلال الأطفال في هذا النشاط، يقول مندوب الطفولة التابع لوزارة المرأة والأسرة والطفولة وكبار السن "نحن كمندوبية تصلنا الإشعارات حول حالات تلبس باستغلال الأطفال، لكن الإشكال هنا هو أن التعامل مع شبكة اتجار بأطفال يكون أسهل من التعامل مع عائلة تستغل أطفالها في التسول"، موضحاً "قانونياً يمكن إيقاف صاحب الشبكة أو العصابة لأن جريمة الاتجار بالبشر واضحة، لكن نحن كوزارة تعنى بالطفولة من واجبنا إيجاد حلول في الإطار العائلي، وإبعاد الأطفال من عائلاتهم ووضعهم في مؤسسة حكومية من أسوأ الحلول"، مضيفاً "نجد أيضاً صعوبة في إقناع الأطفال أو العائلة للابتعاد عن التسول بخاصة أن الربح كبير جداً، ومن الصعب أن توفره الدولة من دون عمل".

وتصل عقوبة الاتجار بالبشر في مجلة حماية الطفل إلى 15 عاماً، لكن تطبيق القانون في تونس يبقى خجولاً عندما تكون الجهة المستغلة للأطفال هي العائلة، بحسب عون الله.

ويرى المسؤول بالوزارة أن توعية المجتمع باتت ضرورية من أجل الامتناع عن إعطاء المال للأطفال المتسولين.

 

لاجئون؟

تتنوع قصص التسول في تونس، لكن أغلبها يندرج ضمن عمل منظم لشبكات تعمل بعيداً من الرقابة.

 

 

من بين هذه القصص قصة حسين الذي يقف مع ابنته كوثر ذات السنوات الأربع عند مفترق طريق شارع الولايات المتحدة بالعاصمة تونس، يحمل بين يديه لافتة كتب عليها "عائلة سورية في حاجة إلى مساعدة". في الجهة المقابلة وأمام باب حديقة البلفيدار بمنطقة لافيات، تقف زوجته وابناها محمد ست سنوات وبدور ثماني سنوات، يحملون لافتة أخرى كتب عليها الجملة نفسها بأنهم عائلة سورية تحتاج إلى مساعدة، يلاحقون المارة بنظراتهم المليئة بالخيبة ويحاولون استعطاف الناس.

 

تصل عقوبة الاتجار بالبشر في مجلة حماية الطفل إلى 15 عاماً، لكن تطبيق القانون في تونس يبقى خجولاً عندما تكون الجهة المستغلة للأطفال هي العائلة

 

يؤكد الأب أنه صادق قائلاً "جئت من حماة السورية منذ ثلاثة أسابيع عن طريق الصحراء الموريتانية ومنها إلى الجزائر، ثم دخلنا بطريقة غير شرعية إلى تونس"، ويواصل "بعد أن أوصدت كل الأبواب في مسقط رأسي، نصحني بعض الأصدقاء السوريين الذين يعيشون في تونس منذ سنوات". ولدى سؤاله عن أسباب اختيار تونس كوجهة للعيش على رغم ارتفاع نسب البطالة والأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها البلاد وانسداد الأفق، لم يجب أو بالأحرى تجاهل السؤال، وواصل "نحن أربع عائلات من سوريا نسكن في بيت صغير في حي شعبي بالعاصمة تونس ووضعنا المعيشي صعب جداً".

 

 

لكن في معرض حديثه لمسنا تناقضاً في كلامه حين تحدث وجوده في تونس منذ سنوات، وأن رواية لجوئه منذ بضعة أسابيع هي حيلة لإقناع الناس بأنه غريب عن البلاد ويحتاج إلى المساعدة. وعن التسول مع أطفاله على رغم أن القانون التونسي يمنع ذلك، يقول حسين "لست راضياً بما أفعله، لكن لم أجد حلاً آخر لإطعام أطفالي".  

منتحلو صفة لاجئ

ويشار إلى أن شبكات التسول في تونس تقوم باستغلال أطفال  ينتحلون صفة اللاجئين الأجانب وخصوصاً السوريين، إذ تم منذ فترة قصيرة الإيقاع بشبكة تنشط في استغلال الأطفال وانتحال صفة لاجئين سوريين لاستعطاف المارة، من الوحدة المركزية المختصة في جرائم العنف ضد المرأة والطفل والوقاية الاجتماعية للحرس الوطني في جهة بن عروس بالضاحية الجنوبية للعاصمة تونس، وذلك إثر توفر معلومات تفيد بانتحال فتاة صفة لاجئة سورية. وبعد نصب كمين محكم، أمكن لذات الوحدات من إلقاء القبض عليها  وبرفقتها طفلة خلال تسولهما في أحد شوارع العاصمة حاملين نسخة من جواز سفر سوري تم تزويره.

الهرب من سوريا

توافد آلاف اللاجئين السوريين عام 2011 إلى تونس بطرق غير شرعية، فارين من الحرب التي اندلعت في بلادهم. بلغ عددهم آنذاك نحو 4 آلاف بحسب إحصاءات منظمات المجتمع المدني، إلا أن العدد تضاءل مع مرور الوقت بعد مغادرة عدد منهم إلى بلدان أوروبية أو غيرها.

 

 

وأحصت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين حتى نوفمبر (تشرين الثاني) 2021 وجود 2332 لاجئاً سورياً في تونس، بينهم 1159 من الإناث.

ولم يقتصر التسول على اللاجئين السوريين أو منتحلي صفتهم، بل انتشرت الظاهرة بين صفوف مهاجري أفريقيا جنوب الصحراء في الأونة الأخيرة، من نساء وأطفال والشباب.

سيكو شاب عشريني من ساحل العاج، يقف وسط شارع في منطقة المنزه بالعاصمة يترصد المارين ويضع أمامه علبة يجمع فيها المال من دون أن يتكلم، وعندما توجهنا إليه لسؤاله شعر بالقلق وعدم والارتياح وقال بلكنة فرنسية أفريقية إنه يريد أن يجمع المال ليرجع إلى بلده أو يهاجر إلى أوروبا. وعن أسباب اختياره طريق التسول قال "ربما هي مرحلة، وستمر إلى أن أجد عملاً".

شبكات منظمة 

من جانبه كشف رئيس الجمعية الدولية للدفاع عن حقوق الإنسان والإعلام رضا كرويدة، عن وجود ما يقارب 4500 متسول يومياً  بينهم 60 في المئة من النساء وما بين 500 و1000 طفل والبقية من الكهول والمسنين في إقليم تونس الكبرى فقط المتكون من أربع محافظات متاخمة للعاصمة، من دون احتساب المدن الكبرى الأخرى التي يزدهر فيها هذه النشاط على غرار سوسة وصفاقس ونابل وقابس وغيرها من المحافظات، وذلك بحسب مسح ميداني قامت به الجمعية.

 

 

وفي تصريح خاص قال رضا كرويدة إن "الدوافع كثيرة لانتشار ظاهرة التسول منها الفقر بنسبة تراوح بين 10 و15 في المئة، أما البقية فدافعهم ليس الفقر إنما يعملون إما لصالح شبكات منظمة أو امتهنوا التسول كمهنة للكسب السريع لاسيما أن الواحد منهم يجني  يومياً مبالغ مالية تتراوح ما بين 10 و35 دولاراً، لهذا من الصعب أن يتركوا هذا النشاط في ظل انسداد الأفق وانشار البطالة". وأضاف أن شبكات التسول تجني يومياً نحو 150 ألف دولار تتجه إلى الاقتصاد الموازي.

وأضاف كرويدة "أن الهدف من المسح لفت نظر السلطات وإيجاد حلول لهذه الظاهرة التي استفحلت في تونس"، ودعا إلى تطبيق القانون حتى وإن كانت العائلة هي من تستغل أبناءها، ومحاسبة الشبكات التي تستغل الأطفال في التسول لحماية للقاصرين الذين من المفروض أن يكونوا على مقاعد الدراسة لا في الشارع.

 

عملية التسول لم تعد مجرد طلب حسنة ومد اليد للغير، بل تطورت في الأيام الأخيرة لتصبح وظيفة ومهنة تتطلب حرفية عالية وإتقاناً جيداً للدور الذي يتقمصه المتسول

 

ويرى كرويدة أن "السلطات فشلت لغاية اليوم في إيجاد حل لهذه الظاهرة المستفحلة، ولاسيما لجهة استغلال الأطفال وارتكاب جرائم اتجار بالبشر في وضح النهار وأمام أعين الجميع".

التسول وظيفة تتطلب حرفية عالية 

وفي دراسة قام بها الباحث في الاجتماع سامي نصر حول انتشار ظاهرة التسول في تونس، يقول إن بعض المواطنين ربطها بالبطالة وبالأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد، وبعضهم الآخر ربطها بتفشي ظاهرة التحيل وانتشار أشكال جديدة من المهن والارتزاق.

وفي المقابل عبر آخرون عن تعاطفهم مع بعض المتسولين، مؤكدين أنهم لا يترددون في مساعدتهم.

 

 

ويرى سامي نصر أن "عملية التسول لم تعد مجرد طلب حسنة ومد اليد للغير، بل تطورت في الأيام الأخيرة لتصبح وظيفة ومهنة تتطلب حرفية عالية وإتقاناً جيداً للدور الذي يتقمصه المتسول، إضافة إلى حسن اختيار توقيت ممارسة هذه المهنة والمكان الأفضل، وأحياناً الضحية المناسبة، خصوصاً بالنسبة إلى من يعتمد على التحيل في ذلك". وأردف "عادة ما ترتبط هذه التقنيات بخصائص المتسول ذاته مثل الجنس والفئة العمرية، فالذكور منهم يتقمصون دور المحتاج الظرفي أو ذوي الاحتياجات الخاصة ليتمكن من كسب عطف ضحيته، في حين تتقمص الإناث منهم دور الأم الحنون على أبنائها والعاجزة عن توفير قوتهم. كما تتغير عبارات التسول بحسب الفئة العمرية التي ينتمي إليها المتسول. كما ترتبط تقنيات التسول بحسب خصائص المكان الذي يوجد فيه، فالذين ينتشرون أمام المساجد يتقمصون دور التقي والزاهد في الدين ويقصدون ارتداء نوعاً معنياً من اللباس وهم أصحاب لحى طويلة، وأحياناً أخرى تراهم يطلبون حسنة لبناء مسجد، ولإقناع أصحاب القلوب البيضاء يحملون وثيقة توحي بأنهم ممثلون لأحد المساجد".

من العالم السري إلى العالم الخفي 

ويقول سامي نصر "يبدو أن التسول خرج من دائرة الاحتراف والمهارة الفردية إلى ما يمكن أن نسميه بالعمل التنظيمي والمؤسساتي. فمن خلال معاينتنا للمتسولين واستجواب بعض منهم، وجدنا عديداً من المؤشرات الدالة على ذلك، نذكر منها التوزيع المحكم لمجالات نشاط كل فئة من المتسولين وانضباط تام في احترام حدود تلك المجالات".

 

 

ويضيف الباحث في علم الاجتماع "واكبت ظاهرة التسول التطورات التي عرفتها البشرية في السنوات الأخيرة، لاسيما المتعلقة منها بعالم الاتصال الرقمي وتوظيف شبكات التواصل الاجتماعي مثل ’فيسبوك‘ و’تويتر‘ وغيرهما للقيام بالتسول"، مضيفاً "أحياناً يكون بشكل فردي وأحياناً أخرى يكون بشكل منظم ومهيكل، وكثيراً ما يتداخل عديد من الظواهر مع بعضها مثل التسول والتحيل والتهديد عبر صور وأشرطة، ويبدو أن هناك شركات عابرة للقارات تشتغل في هذا المجال"، وفق تعبيره.

ويستنتج نصر قائلاً "هكذا تحولت ظاهرة التسول إلى عمل مؤسساتي، تديرها شركات توفر لهم الحماية وتوزعهم على المناطق وتؤمن لهم التنقل، وأصبح هناك نوع من تقاسم الأدوار والأماكن من أجل استدراج الضحايا".

تبقى ظاهرة التسول من المظاهر القديمة التي ازدهرت أكثر خلال الأعوام العشرة الأخيرة، التي عجزت الدولة عن إيجاد حلول لها في ظل تفاقم الأزمة الاقتصادية للبلاد، وارتفاع نسب التسرب المدرسي عند الأطفال وبخاصة الفتيان.

المزيد من تحقيقات ومطولات