Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مساعدات بلا دماء تدخل إلى شمال غزة

سلكت طريقاً حدودياً ودخلت من معبر "96" الذي خصصته إسرائيل حديثاً لهذا الغرض ووزعتها عشائر فلسطينية

ملخص

بطريقة منظمة ومن دون أن يرتقي أحد دخلت المساعدات الإنسانية إلى شمال غزة من طريق جديد تعرف إلى قصته.

مبتسماً يقف موسى في طابور طويل داخل مقر للأمم المتحدة خصص لتوزيع المساعدات الإنسانية، ويراقب آلية سير تسليم حصص الطحين وقلبه يرقص فرحاً، يقول "هذه المرة الأولى التي أتسلم فيها معونة وليست أي معونة، إنها الطحين الذي لم آكله منذ 40 يوماً".

بعد نصف الساعة من الانتظار مرت وكأنها أسرع من رمش العين، وصل موسى الذي يعيش في شمال غزة إلى موظف تسليم حصص الطحين، وحصل على خمسة كيلوغرامات من الدقيق، وقتها شعر بارتياح كبير وكأنه يودع المجاعة التي يعانيها جميع سكان النصف الشمالي للقطاع الذين رفضوا النزوح إلى الجنوب.

في خطوة هي الأولى من نوعها، وصلت أول دفعة من الشاحنات التي تنقل المساعدات الإنسانية إلى مناطق شمال قطاع غزة، من دون إراقة دماء أي أحد أثناء مرورها، كما أن تسليمها جرى بطريقة منظمة، ولهذه القافلة قصة طويلة.

قصة المعونات

بدأت قصة قافلة المساعدات، بعدما أعلنت الأمم المتحدة أنها تدرس إعلان منطقة شمال غزة بأنها تعيش مجاعة، وذلك على خلفية منع إسرائيل تدفق الغذاء إلى تلك البقعة، التي طلبت من سكانها الإخلاء والتوجه إلى جنوب القطاع، لكن أكثر من 650 ألفاً من أصل مليون رفضوا الانصياع لهذه الأوامر.

على أثر تحذير الأمم المتحدة، ضغطت الولايات المتحدة ودول أخرى على إسرائيل للسماح بتدفق المساعدات الإنسانية مباشرة إلى شمال غزة، وبالفعل وافقت تل أبيب على ذلك، وبدأت القوافل تسير باتجاه الشمال.

لكن هذه القوافل كانت تقف عند بداية منطقة شمال غزة، وبالتحديد عند دوار الكويت في شارع صلاح الدين، أو عند دوار النابلسي في شارع الرشيد، ولم يسمح لها بالمرور إلى وسط مدينة غزة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لم يكن أحد في شمال غزة يتسلم قوافل المساعدات، وكان الناس يهجمون على الشاحنات ويستخدمون العنف لأجل الحصول على طحين، وفي حوادث عدة جرى تسجيل حالات قتل على يد الجيش الإسرائيلي وأخرى نفذها الفلسطينيون أنفسهم.

في طريقة عشوائية كان الجائعون في شمال غزة يحصلون على المعونات، وهذا حرم معظم الناس في تلك المنطقة من الحصول على أي مساعدة ولو بسيطة، وسبب ذلك أيضاً ضغطاً جديداً على إسرائيل.

طلب أميركي

تدخل الرئيس الأميركي جو بايدن وطلب من القيادة الإسرائيلية إيجاد حل لتدفق المساعدات الإنسانية من دون تسجيل أي عنف ولا إراقة دماء، ولحل هذا الملف، أعلن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أنه أعطى الموافقة لمنسق عمليات حكومته في المناطق الفلسطينية بتمرير قوافل المساعدات.

وجاء في بيان أصدره مكتب نتنياهو "صادق مجلس وزراء الحرب على خطة لإمداد غزة بالمساعدات الإنسانية، بصورة تمنع ظواهر النهب التي وقعت في شمال القطاع، وفي مناطق أخرى".

وعلى خلفية ذلك القرار، دخلت للأمم المتحدة أمس الأحد الـ17 من مارس (آذار) 2024 قافلة مساعدات مكونة من 12 شاحنة إلى قطاع غزة، وجميعها محملة بالطحين، وتكرر دخول هذه القوافل اليوم الإثنين، ومن المقرر أن يستمر تدفق المعونات بصورة منتظمة.

عشائر تتسلم

قبل أن تدخل القوافل إلى غزة، اتصل منسق العمليات الحكومية الإسرائيلية في المناطق الفلسطينية غسان عليان، على عدد كبير من الوجهاء ومخاتير العشائر الكبرى في شمال القطاع، ونسق معهم آليات تدفق المعونات.

واختار عليان العشائر لتنفيذ إجراءين، الأول تأمين وصول قافلة المساعدات، والثاني توزيعها على المواطنين بطريقة منظمة، وجرى اختيار الوجهاء بعد غياب حركة "حماس" وقواتها وحكومتها عن المشهد كلياً في شمال القطاع.

 

 

نسقت العشائر في ما بينها، وشكلت ما يسمى "لجنة الأحياء الشعبية" ومهمتها توزيع المساعدات من داخل مقر للأمم المتحدة، وشكلت أيضاً فريقاً مسلحاً يتولى مهمة تأمين مرور الشاحنات من دون اعتراضها.

قبل مرور المساعدات إلى شمال غزة، طلبت العشائر من السكان الجائعين عدم التوجه إلى انتظار المساعدات الإنسانية وكذلك عدم تنفيذ عمليات عنف أو استيلاء وجعلت ذلك تحت طائلة المحاسبة، وبالفعل استجاب المواطنون لهذا الطلب إذ رأوا أنه يضمن توزيعاً عادلاً.

معبر "96" الجديد

لم تسلك الشاحنات طريق صلاح الدين ولا شارع الرشيد، وإنما كانت تسير قرب السياج الحدودي الذي يفصل غزة عن إسرائيل، وهذا طريق جديد، لم يكن في السابق، وإنما فتحه الجيش الإسرائيلي.

يوجد في هذا الطريق معبر أطلقت عليه إسرائيل اسم "96"، خصصته لتدفق المساعدات الإنسانية إلى مناطق شمال القطاع، ولا يتم تفتيش المساعدات في هذا المنفذ الجديد، إذ يسبق فحصها على معبر كرم أبو سالم الخاضع للسيطرة الإسرائيلية.

وبحسب المتحدث باسم جهاز الدفاع المدني محمود بصل فإن من قام بالتنسيق من أجل إيصال هذه المساعدات هم تجمعات من العائلات والمواطنين تحت إشراف اللجان الشعبية والأحياء والمخاتير، ولم يكن هناك أي وجود أو دور للأجهزة الأمنية في حكومة غزة.

يقول بصل "ما حدث في شمال غزة من إدخال مساعدات هو تجربة، وتحت المراقبة، ومتى نجحت أو فشلت، فسيتم اللجوء إلى الخطة ب، وهي إقفال المعابر البرية واللجوء مجدداً إلى إنزال المساعدات من طريق الجو، أو عبر الممر البحري".

 

 

ويضيف بصل "وصل الطحين والمعلبات إلى غزة، ولم يتم اعتراضه، وجرى توزيعه بطريقة نظامية وعادلة، لكن لم تكن المعونات كافية إذ حرم جزء كبير من الجائعين من تسلم الطعام".

كمية قليلة

بحسب برنامج الأغذية العالمي فإنه نقل ما يكفي من الغذاء لنحو 25 ألف شخص إلى شمال غزة، وهذه الكمية لا تكفي لسد جوع الجميع إذ يعيش هناك 560 ألف شخص.

يبلغ قوام الغذاء الذي نقله البرنامج إلى شمال غزة نحو 3 آلاف كيس من الطحين، وفي الشمال جرى اعتماد معيار للتوزيع، على أن تكون الأسرة مكونة من ستة أفراد فما فوق، لتحصل كل عائلة على خمسة كيلوغرامات من الطحين فقط، ويتم التسليم من خلال بطاقة الهوية.

وصلت المساعدات إلى مقر للأمم المتحدة، ولم يعترض طريقها أحد، ولم يطلق صوبها الجيش الإسرائيلي النار وكذلك لم ينهبها الجائعون، واستقرت في مخازن تابعة لوكالة "أونروا"، وجرى توزيعها بطريقة منظمة وبأسلوب يضمن وصولها إلى مستحقيها.

أكل السكان دقيقاً

انتهت قصة المساعدات، وبالعودة لحكاية موسى الذي تسلمها لأول مرة بطريقة منظمة من دون إراقة دم، فإنه يقول "قبل 40 يوماً بدأت آكل دقيق الشعير، ولكن نفد مخزونه من بيتي، ومنذ 15 يوماً لم أتذوق طعم الخبز، كنت أعيش على الرز وبعض الفطر والقليل من الأعشاب، أتمنى ألا تعود هذه الأيام ثانية".

حمل الأب كمية الطحين القليلة وهرع إلى بيته فرحاً ليطعم أولاده الخمسة، وهو محظوظ لأن لديه هذا العدد من الأطفال، وأن مجموع أسرته يبلغ سبعة أفراد، لأنه إذا كان أقل من ذلك فسيحرم من الحصول على الدقيق.

 

 

ويضيف "أفطرت مع عائلتي خبزاً، أكلناه طازجاً ساخناً، لعل هذه الخطوة تجعلنا نبعد عن المجاعة، إذا استمر تدفق المساعدات فإن الوضع المعيشي في شمال القطاع سيتحسن تدريجاً".

إغراق بالمساعدات

من وجهة نظر إسرائيل، يقول منسق العمليات الحكومية الإسرائيلية في المناطق الفلسطينية غسان عليان "نحاول إغراق غزة بالمساعدات الإنسانية من نقاط دخول عدة، نحن لا نفرض قيوداً على حجم المساعدات التي نسمح بدخولها إلى غزة، نتعلم ونتحسن وندخل تغييرات مختلفة حتى لا نخلق نمطاً بل تنوعاً في الطرق التي يمكننا إدخال المساعدات عبرها".

ويضيف "إدخال الإمدادات إلى القطاع ليس سوى جزء واحد من المشكلة وأنه يتعين بذل مزيد لحل مشكلة كيفية توزيعها بصورة عادلة وفعالة على من هم في أمس الحاجة إليها، المشكلة داخل غزة هي مشكلة التوزيع".

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات