Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الغلاء ضيف ثقيل على "موائد الرحمن" في مصر

اختفى بعضها من الشوارع وانجذب إليها ضيوف جدد واشتكى أصحابها من كلفتها العالية

ملخص

أحد الطهاة: "أقطّع كيلو اللحم إلى ثماني قطع بدلاً من ست"، و"بعض الأسر أصبحت ضيوفاً دائمين"... ماذا فعل الغلاء في موائد الرحمن بمصر؟

في شارع يطل على مجمعات سكنية فاخرة ومراكز تجارية تقصدها الطبقة الغنية من قاطني التجمع الخامس في مصر، يصادفك مشهد طاولات متراصة على طول الطريق، لتكون مقراً موقتاً لإحدى أكبر موائد الرحمن بمنطقة القاهرة الجديدة.

كانت المائدة تعج بحشود ينتمي أصحابها إلى طبقات اجتماعية متباينة، بدا على سمة غالبية روادها الحاجة، ومع ذلك اجتذبت الخيمة رواداً جدداً من شباب ونساء وأطفال.

ضيوف جدد

يقول الحسيني عبدالحميد مسؤول المائدة منذ نحو عقدين "الشيء الجديد الذي طرأ على المائدة استقبال بعض الأسر ضيوفاً دائمين. لذا، خصصنا لهم بعض الأماكن بعيداً من الخيمة". منتقلاً بحديثه إلى ارتفاع أسعار السلع، الذي طاول جميع الأصناف، التي تدخل ضمن مكونات الوجبة.

وهذا التأثير، وفق عبدالحميد، دفع غالبية أصحاب الموائد بالتجمع الخامس، وهي واحدة من الأحياء الراقية في مصر، إلى التخلي عن الفكرة، وعدم إقامتها هذا العام.

 

ويعود تاريخ موائد الرحمن في مصر إلى عهد أحمد بن طولون، الذي اعتاد إلقاء خطبة بحضور كبار التجار والأعيان في مصر في أثناء هذه المناسبة، يحثهم فيها على الاهتمام بالفقراء والمساكين، مطلقاً على المائدة اسم "سماط الخليفة".

ومع الوقت أصبحت مائدة الرحمن واحدة من أهم الطقوس والعادات المصرية، وبدأت الأحياء والمناطق الشعبية تتسابق طوال شهر رمضان على نيل لقب أكبر مائدة إفطار في مصر.

"الواقع صعب، والكلفة كبيرة"، كلمات اختصر بها مسؤول المائدة إجابته في شأن الأسباب التي أدت إلى خفض أعداد الموائد الرمضانية هذا العام. موضحاً أنها تقلصت في منطقة التجمع الخامس من 22 مائدة إلى ثلاث فقط، بسبب الكلفة المادية، وكونها عملية مرهقة في خدمتها.

وجبة بسيطة بكلفة مضاعفة

يقول عبدالحميد "طن اللحم وصل سعره 300 ألف جنيه (6.3 ألف دولار أميركي) بعد أن كانت قيمته 70 ألفاً (1.48 ألف دولار أميركي، وألجأ إلى كراتين اللحم البرازيلي التي ارتفعت أسعارها بصورة مضاعفة مقارنة بالعام الماضي". مشيراً إلى أنه خزن مكونات أساسية مثل الرز قبل قدوم رمضان بنحو شهرين. ومؤكداً أن الغلاء تسبب في ارتفاع كلفة إعداد الوجبة الواحدة بمقدار أربعة أضعاف في وقت قياسي، مقدراً كلفة اليوم الواحد للمائدة بـ250 ألف جنيه (5.30 ألف دولار أميركي) بعد أن كانت في حدود 100 ألف (2.12 ألف دولار أميركي) فقط".

 

"الوجبة التي نعدها تتكون من 66 بنداً من ملاعق طعام وأكواب وأطباق ومستلزمات تغليف ولحوم وبهارات وسمن وصلصة ومعكرونة وأرز، وغيرها من المتطلبات" يشرح عبدالحميد قبل أن يتطرق إلى الأسباب التي جعلته ينجذب إلى موائد الرحمن "تعرضت لأزمة مالية نهاية التسعينيات، جعلتني من رواد الموائد، وبعد أن تجاوزتها بدأت تجهيز أول خيمة كانت توزع 100 وجبة يومية، قبل أن تزيد تدريجاً وتصل إلى 6 آلاف وجبة يومية، نوجه نصفها الأول إلى رواد الخيمة، أما النصف الثاني فيذهب إلى الفئات الأكثر احتياجاً عبر قوافل الخير، وتخدم مناطق الزلزال بالقطامية وعزبة الهجانة وغيرهما من المناطق".

وبحسب أحدث إحصائية للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء المصري فقد ارتفع معدل التضخم السنوي (مستويات الأسعار) خلال فبراير (شباط) الماضي إلى 36 في المئة مقابل 31.2 في المئة في يناير (كانون الثاني) الماضي، وسجل قسم الطعام والمشروبات ارتفاعاً سنوياً قدره 48.5 في المئة، أما مجموعة اللحوم والدواجن فسجلت ارتفاعاً 42.9 في المئة.

إقبال كثيف

في الثامنة صباحاً يبدأ فريق مكون من أربعة طباخين كخلية نحل في عملية توزيع الأدوار بين طهي لحوم، وتقطيع أصناف اختيرت للإفطار، وإعداد الخضراوات، وتجهيز الوجبات وتغليفها قبل أن توزع على رواد المائدة. يقول حسين السقا أحد طهاة المائدة "نجهز الأصناف التي تدخل في عملية إعداد الوجبات في المساء، ثم نعاود العمل في الصباح الذي ننتهي منه قبيل أذان المغرب".

 

وأشار السقا، الذي يمارس هذه المهام منذ أكثر من 20 عاماً، إلى أن المهام الموكلة إليه تشمل الاتفاق على الموازنة، وتحديد عدد الوجبات، مؤكداً أن "الغلاء دفعني إلى تقطيع كيلو اللحم إلى ثماني قطع بدلاً من ست، نظراً إلى أن أعداد المقبلين على المائدة في زيادة مستمرة".

وأوضح رامي الحسيني، أحد مشرفي المائدة، أنهم درسوا عدم إقامة المائدة بسبب ارتفاع أسعار الأصناف المخصصة للوجبات. موضحاً أن الإقبال "بات كثيفاً"، وعزا أسباب هذا الإقبال إلى الظروف الاقتصادية التي يعانيها المواطنون. مشيراً إلى أن واحدة من بين المشاهد التي تزعجه "عدم قدرته على توفير وجبات يطلبها منه بعض المحتاجين"، في ظل ارتفاع أعداد رواد المائدة بصفة يومية، التي زادت، وفق حديثه، ووصلت إلى خمسة أضعاف مقارنة بالعام الماضي.

عقبات أمام أصحاب الموائد

ومن القاهرة إلى محافظة الشرقية لم يختلف الوضع كثيراً، إذ يتطرق شكري المزين، مسؤول مائدة بمدينة الحسينية إلى عقبات تواجهه، بسبب زيادة أسعار السلع الغذائية "كنت أشتري في السنوات الماضية لحوماً بلدية، لكنني اعتمد الآن بصورة كاملة على الأنواع المستوردة، ومساعدات الأهالي لمواصلة العمل". مضيفاً "نوزع 15 ألف وجبة طوال رمضان، واتجهنا إلى توصيل الوجبات إلى منازل الفئات المستحقة".

وأشار الرجل الستيني، الذي قضى ما يزيد على 15 عاماً مشرفاً على موائد الرحمن، إلى إجراءات تجهيز للمائدة، "نبدأها قبل ثلاثة أشهر من حلول رمضان. ونستعمل أدوات تشمل دفتراً لتدوين أسماء المناديب والمناطق التي يعملون في نطاقها، وعدد الوجبات التي تخرج يومياً".

 

الأزمة التي لحقت بأصحاب الموائد ما هي إلا جانب واحد من القصة، فعلى الجانب الآخر اضطر حمدي الطبال، الذي ظل يمارس هذه المهمة على مدى 10 سنوات، إلى وقف نشاطه. وعزا ذلك إلى صعوبة الإجراءات المتعلقة بالحصول على تصاريح لإقامة الموائد في الشوارع، منذ أن منعتها وزارة الأوقاف المصرية في أثناء جائحة كورونا.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتضع مصر ضوابط وشروطاً لإقامة موائد الرحمن في بعض المناطق، منها الحصول على تصريح من الحي الذي تقام فيه المائدة، وكتابة تعهد بعدم إقامتها في أماكن لا تعطل حركة المرور، والحصول على موافقات أمنية، وتوفير ضوابط الأمان والحماية المدنية، وعدم إقامتها أمام منشأة حكومية.

وأضاف الطبال "اكتشفت أن المساعدات التي يقدمها لنا الأهالي من أجل المائدة تذهب إلى جمعيات خيرية لتوزعها كما تشاء". مشيراً إلى أنه فوجئ أن المائدة "تصرف على جمعيات من دون معرفة المتبرعين بالأمر، على رغم أن هذه الجمعيات تحصل على دعم، ومن المفترض أن نقدم الطعام لعابري السبيل، لا للجمعيات لذلك قررت الانسحاب".

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات