Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"سوق الميدان" العراقي... ذكريات قابلة للتداول

ارتبط بالأزمات التي مرت على الناس منذ الحصار الاقتصادي وبضاعته تتجمع تلقائياً كلما اشتد الفقر والهجرة والرغبة في النسيان

اختفت من الحياة أسماء وتواريخ وحيوات لكنها لا تزال موجودة في هذا السوق العجيب (اندبندنت عربية)

ملخص

بعض العائلات تشعر بالخجل من بيع ممتلكاتها، وبعضها يفضل أن يجد مكاناً له في السوق لبيع مقتنياته بالسعر الذي يريده ثم لا يعود من جديد

بدءاً من الساعة الثالثة صباح يوم الجمعة، يتسابق إياد عباس (48 سنة) لافتراش المكان الأنسب قبل اكتظاظ أرصفة ساحة الميدان وسط بغداد قرب "باب المعظم" بمئات البسطات من قبل الباعة الذين ينتظرون بفارغ الصبر رزقهم الأسبوعي.

وداعاً للعراق مع ذكرياته

كل ما يمكن تخيله ستجده في هذا السوق العجيب الذي قرر المواطنون إحياءه، ويقول إياد، وهو بائع في ساحة الميدان منذ أكثر من 14 عاماً، إن بضاعة السوق حاجات منزلية مستعملة اختار أصحابها بيعها لأسباب عدة، منها ترك العراق إلى الأبد مع ذكرياته أو الجوع والحاجة الملحة إلى المال.

وتتجمع مئات آلاف القطع المنزلية لتبدو وكأنها مزاد كبير من وإلى الناس، و يوضح إياد لـ "اندبندنت عربية أن "هذا اليوم يكون بمثابة رزق لعشرات العائلات، فهم غير قادرين على افتراش الأرض كل يوم، إذ تمنح أمانة بغداد هذا الحق ليوم واحد فقط وهو يوم العطلة".

 

 

البضائع التي تأتي من مصادر متنوعة تعرض على الأرض وبأسعار مختلفة تبدأ من 1000 دينار عراقي (50 سنتاً) وحتى مئات الآلاف، ولكل بضاعة روادها ومحبوها كما يؤكد إياد، "أعتمد على شراء الأدوات القيمة من أصحابها، فأتجه إلى منازلهم وأبدأ بالتفاوض معهم، وبعض هذه العائلات تشعر بالخجل من أنها تبيع ممتلكاتها، وبعضها يفضل أن يجد مكاناً له بيننا في إحدى الجمع لبيع مقتنياته بالسعر الذي يريده ثم لا يعود من جديد، كما يمكن أن أشتري أحياناً البضاعة من البالة، وهي سوق خاصة بالمستلزمات المستخدمة الأوروبية".

للسحرة والباحثين وهواة الأنتيكات

حتى عظام الهدهد والعاج وسن الذئب التي لا يمكن إيجادها في غير الصحراء يبحث عنها كثيرون كما يقول إياد، فـ "عدد من هواة الدجل والسحر يجدون ضالتهم في هذه السوق التي ازدادت شعبيتها مطلع التسعينيات عند حصار العراق اقتصادياً، حيث صارت ملجأ العائلات المتعففة وغير القادرة على تحمل نفقات الحياة، وكل طبقات المجتمع بدأت فعلياً ببيع محتويات منازلها بأبخس الأسعار، لكن عام 2003 وأثناء الفوضى التي اجتاحت البلاد عند دخول الجيش الأميركي وسرقة ممتلكات الدولة وإداراتها لم يقترب كثيرون للشراء على رغم أن كل المقتنيات لو عرضت اليوم فستقدر بملايين الدولارات، وخلال الحرب الأهلية (2006 - 2007) حينما بدأت العائلات وبخاصة من الأقليات الدينية بالهجرة خارج البلاد، كان الميدان مقرهم لبيع منقولاتهم".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

"ليس سوق هرج"، يقول علي المولى (45 سنة) وهو بائع تحف نادرة، إذ إن لسوق الميدان أسماء عدة غير "هرج"، وهو المتداول، ومنها سوق الجمعة والميدان وباب المعظم، موضحاً أن كلمة "هرج" تطلق على جميع الأسواق الشعبية التي يوجد منها في بغداد خمسة، مثل سوق الكاظمية والنهضة والباب الشرقي وأبو غريب.

وبالطبع فإن التحف العراقية الصنع هي المفضلة لهواة تجميع الأنتيكات والأكثر طلباً، ويقول علي إنهم يبحثون عن الصناعات اليدوية اليهودية بخاصة لأنها تقريباً انتهت مع خروج اليهود من البلاد، كما أن حرفيتها وقيمتها عالية.

ويوضح علي أن "من عيوب السوق أن كثيراً من البضائع الثمينة والقيمة تباع بأسعار زهيدة لعدم معرفة قيمتها الحقيقية، وفي إحدى المرات بعت مرآة من صنع عراقي يهودي مختومة من عام 1920 بأقل من 20 دولاراً".

 

 

وحتى الأعداد النادرة لأبرز الصحف والمجلات العراقية القديمة تجد طريقاً لها إلى سوق الجمعة من قبل أشخاص قرروا بيع مكتباتهم، وهكذا يقبل عليها الباحثون عن التوثيق وطلبة الدراسات والبحوث العلمية.

ويقول محمد السلطاني إن كثيراً من المخطوطات تعود لما قبل 100 عام تتوافر في السوق، لكننا "لا نعرض كل شيء، تخيل أن يمسك أحدهم صحيفة تعود لـ 70 عاماً مضت، ولهشاشة ورقها يمزقها من دون أن يدرك ذلك، ثم يقول لك عفواً ويرحل".

رسائل سريانية وعوالم بائدة

وبالتأكيد هناك كثير من المحال المعنية لبيع التحف في المكان نفسه، وما يفرقها عن البسطات هو ارتفاع أسعارها، إذ يوضح علي أن "مدخل السوق كان يغلق يوم افتتاحه فقط أمام السيارات لضمان انسيابية حركة الناس فيها وعدم مضايقتهم، لكن بدأت الأمانة فعلياً بفتح الطريق للسيارات وعرقلة الشارع والمتبضعين والبائعين بشكل كبير، وهذا أفقد كثيراً من الباعة أرزاقهم، كما أن سيارات التنظيف تبدأ بغسل الشارع عند الـ12 ظهراً، وتبلل أغراضهم فيضطرون إلى العودة لمنازلهم".

ومن أغرب الأمور التي وجدتها الطالبة حوراء عبد الله (20 سنة) بطاقات معايدة بخط أصحابها، ورسائل مكتوبة بلغات مختلفة منها السريانية والآرامية، وتؤكد لـ "اندبندنت عربية" أنها أيضاً لا تستطيع الحصول على أفلام الأبيض والأسود في غير هذا المكان، إضافة إلى مجلة "الهلال" المصرية ومجلة "التراث الشعبي"، موضحة "اختفت من الحياة أسماء لصحافيين وفنانين لكنهم لا يزالون موجودين في سوق الميدان".

 

 

وكانت منطقة السوق ميداناً عسكرياً في العهد العثماني، لكن الحي كله أقدم من ذلك حيث يعود للعهد العباسي ثم السلجوقي، وسمي وقتها بسوق السلطان نسبة إلى السلطان طغرل بك السلجوقي، كما يوضح الآثاري عباس نادر لـ "اندبندنت عربية". مضيفاً، "تعرضت منطقة السوق لتغيرات كبيرة وكانت شاهدة على كل الأزمات الاقتصادية للبلاد، ففي العهد العثماني كانت هناك سراي الحكومة والبريد وخزينة الدولة العثمانية، كما أن مديرية التدريب العسكري التابعة لوزارة الدفاع، والتي تقع في مقدمة وبداية السوق، كانت إلى ما قبل عهد الخلفاء تسمى بقلعة بغداد الداخلية، وصار يُطلق عليها في ما بعد الطوبخانة، أي موضع المدافع، لأن مهمتها كانت مراقبة الوضع الداخلي".

 ويتابع نادر، "قرب سوق الميدان يقع خان المدلل، وهو كذلك سوق للأنتيكات لكنه يفتح على مدار الأسبوع، وفي داخله محال موجودة منذ زمن طويل"، مضيفاً أن "بعض مقتنيات سوق الميدان قد تشبه خان المدلل، لكن الميدان أكثر تنوعاً وإقبالاً وأكثر رخصاً والمناسب للجميع".

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات