Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يعيد معسكر الغرب النظر بمقترح إرسال قوات أوروبية إلى أوكرانيا؟

لا يستبعد خبراء أمنيون أن تكتسب هذه الفكرة زخماً تدريجياً وماكرون يؤكد حرصه على منع موسكو من الانتصار في حربها ضد كييف

يتجنب الغرب بشدة الانخراط في صراع مباشر على أرض أوكرانيا (رويترز)

ملخص

لا يتعلق الأمر بإرسال قوات فرنسية للقتال إلى جانب الأوكرانيين وإنما تقديم المساعدة في إزالة الألغام وتدريب الجنود وتولي مهمات حماية المجال الجوي الأوكراني

تواجه فكرة إرسال قوات أوروبية للمشاركة في القتال إلى جانب القوات الأوكرانية، تحديات كبيرة، خصوصاً أن الغرب يتجنب بشدة الدخول في صراع مباشر.

 على رغم ذلك، يشدد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على ضرورة اتخاذ إجراءات قوية لدعم أوكرانيا، بما في ذلك عدم استبعاد إرسال قوات برية، عندما دعا حلفاءه الغربيين إلى إرسال قوات برية إلى أوكرانيا، ووصفهم بـ"الجبن" لرفضهم تلك الدعوة والتنصل منها، مما أثار تساؤلات حول سبب هذا الافتراق عن المعسكر الغربي، فيما يظهر التلاسن بين الطرفين تعقيد العلاقة بينهما واختلاف الآراء حول كيفية التعامل مع الأزمة في أوكرانيا.

ربما يفسر هذا السيناريو احتمالية استعادة فرنسا لسياسة ديغول، حين خرجت من القيادة العسكرية لحلف شمال الأطلسي (الناتو) واحتفظت بعضويتها السياسية، كتعبير عن استقلاليتها في دعم أوكرانيا، بما في ذلك عدم استبعاد إرسال قوات برية.

انقسام المعسكر الغربي

تؤكد غالبية كبرى من الدول الغربية، بما فيها الولايات المتحدة وبريطانيا، أنها لا تنوي بتاتاً إرسال قوات قتالية على الأرض في أوكرانيا، مما أدى إلى انقسام المعسكر الغربي، حين نأى القادة بأنفسهم عن تصريحات الرئيس الفرنسي وتأكيدهم عدم وجود نية لإرسال جنود على الأرض.

 وفي السياق نفسه، قال رئيس الوزراء السويدي أولف كريسترسون إن موضوع إرسال قوات إلى أوكرانيا غير مطروح راهناً وإن كييف لا تطلب ذلك، وأعلن وزير خارجية المجر أن بلاده لا تخطط لإرسال أسلحة أو قوات إلى أوكرانيا. أما في ألمانيا، فأكد المستشار أولاف شولتز رفضه نشر قوات برية في أوكرانيا، مشدداً على أن ذلك "خط أحمر ثابت".

من جانبه، حذر المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف من أن إرسال قوات إلى أوكرانيا لن يكون في مصلحة الغرب، ورأى أن هذا الاحتمال يشكل "عنصراً جديداً مهماً جداً" في الصراع. من جهة أخرى، أكد المتحدث باسم البيت الأبيض أن الرئيس الأوكراني لم يطلب يوماً أن تقاتل قوات أجنبية من أجل بلاده وأنه لن يتم إرسال قوات أميركية إلى أوكرانيا.

انقسامات داخلية في فرنسا

لم تقتصر الانقسامات والرفض على دول غربية فقط، بل ظهرت أيضاً انقسامات داخلية في فرنسا إزاء هذا الموضوع، إذ اعتبر بعض زعماء الأحزاب أن هذه التصريحات "غير مسؤولة"، داعين إلى التفاوض لتحقيق السلام في أوكرانيا، بينما انتقد آخرون سياسة الرئيس ماكرون، ومن بينهم النائبة مارين لوبن التي اتهمت ماكرون بـ"القيام بدور القائد الحربي من دون مراعاة لحياة الأطفال الفرنسيين".

وفي هذا السياق، ناشد رئيس حزب "التجمع الوطني" اليميني المتطرف جوردان بارديلا ماكرون بعدم الدخول في حرب مع روسيا، واعتبر جان لوك ميلونشون من حزب "فرنسا الأبية" التصريحات بأنها غير مسؤولة، داعياً إلى التفاوض من أجل السلام في أوكرانيا بدلاً من الدخول في الحرب، مما يسلط الضوء على التحديات السياسية الداخلية التي قد تواجهها الحكومة في تنفيذ أي إجراءات.

معارضة للمبادرة

في هذا السياق، يعتبر الخبير السياسي المتخصص جيوستراتيجياً نيكولا تينزر أن الفكرة الرئيسة التي يسعى الرئيس الفرنسي إلى تقديمها هي ضرورة عدم الاعتماد على الدعم اللوجستي وحده، لا سيما مع وجود أوكرانيا كبلد وحيد في الخطوط الأمامية.

وأشار إلى إمكان نفاد الذخيرة والأسلحة في أي وقت، مما يستدعي زيادة التزام مباشر في المستقبل، مؤكداً أن الخطوة التي اتخذها ماكرون لن تؤدي إلى عزلته عن المعسكر الغربي ومستشهداً بتأييد بعض الدول الأوروبية مثل إستونيا وبولندا وجمهورية التشيك ودول اسكندينافية أخرى التي رأت في تصريحاته خطوة مهمة نحو كسر الجمود، ومع ذلك هناك معارضة للمبادرة في بعض الدول التي تميل إلى روسيا، مثل روسيا نفسها والمجر وسلوفاكيا، إضافة إلى بعض الأحزاب والبرلمانيين في ألمانيا.

وقال تينزر إن "هناك معارضة لمبادرة إرسال قوات غربية إلى أوكرانيا من قبل دول غربية، بما فيها الولايات المتحدة وبريطانيا. وحتى في ألمانيا، هناك اختلاف في موقف البرلمانيين والأحزاب، خصوصاً الحزب الديمقراطي الحر والخضر. تلقى اقتراح ماكرون في ألمانيا ردود فعل سلبية ورفضاً. وبينما أكد بعض السياسيين ضرورة استخدام كل الوسائل الدبلوماسية المتاحة لمنع التصعيد، أعرب آخرون عن مخاوفهم من التدخل العسكري. وفي الولايات المتحدة، لا تزال هناك معارضة، إلا أن حزب بايدن يدعم بشدة الدخول العميق للولايات المتحدة لأنه يدرك خطر التعرض لهجوم من روسيا في حال عدم اتخاذ أي إجراء في مواجهة هذا الارتفاع في التردد في تطبيق المادة 5".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويعرب تينزر عن اعتقاده بأنه "من الممكن أن تكتسب هذه الفكرة زخماً تدريجياً. فبعض الدول ترددت لفترة طويلة في تزويد أوكرانيا بالدبابات. ومع ذلك، يبدو أن هذا الموقف يتغير تدريجاً"، لافتاً إلى أن قادة الغرب ومستشاريهم ارتكبوا خطأ فكرياً في تحليل السياسة الدولية، إذ لم يروا الأهمية العميقة لانتهاك بوتين للقانون الدولي وجرائم الحرب الهائلة التي ارتكبتها روسيا في الحرب الشيشانية الثانية وفي جورجيا وأوكرانيا.

ويعتبر الخبير السياسي أن هناك فكرتين رئيستين وراء فكرة وجود قوات عسكرية فرنسية في أوكرانيا، الأولى هي تقديم المساعدة في إزالة الألغام وتدريب الجنود الأوكرانيين ومكافحة الجرائم الإلكترونية. أما الفكرة الثانية، فتتمثل في وجود مهمات الصيانة والحماية في المجال الجوي الأوكراني للقواعد التي تتمركز فيها تلك الطائرات. وفي الوقت الحالي، لا يتعلق الأمر بإرسال قوات فرنسية للقتال إلى جانب الأوكرانيين لاستعادة الأراضي التي احتلتها روسيا. ولذلك، لا يتعلق الأمر بإرسال قوات مقاتلة.

وعن سيناريو احتمالية استعادة فرنسا لسياسة ديغول، إذ خرجت من القيادة العسكرية لحلف "الناتو" واحتفظت بعضويتها السياسية، يشير تينزر إلى أن فرنسا عضو فاعل في حلف شمال الأطلسي وملتزمة التعاون العسكري داخل المنظمة. وتشارك فرنسا بانتظام في العمليات العسكرية التي يقودها "الناتو". ويجب أن تتركز الجهود على تعزيز القدرات العسكرية في دول الاتحاد الأوروبي، مما يعزز التضامن داخل المنظمة ويحافظ على الاستقرار والأمان في المنطقة.

على ضوء ما تقدم، أجرت "اندبندنت عربية" مقابلة مع الخبير السياسي الفرنسي ورئيس تحرير جريدة "لو فيغارو" الفرنسية فانسان رو الذي أكد أن الفكرة الرئيسة التي يسعى الرئيس الفرنسي إلى تقديمها، هي خطوة نحو استعادة القوة والتأثير السياسي. فماكرون يهدف إلى تحويل الصورة من وضع الضعف إلى رئيس يعبر عن القيادة والعزم. وعلى رغم اهتمامه بخلق المفاجآت، إلا أنه لم يأخذ في الاعتبار ردود الفعل المحتملة من السياسيين الذين يعملون معه، مما أدى إلى معارضة بعض اليساريين الذين ينوون التصويت للحزب الاشتراكي اليوم.

ويشير رو إلى أن الانفصال عن المعسكر السياسي يظهر تباين الآراء وربما يترك ماكرون في موقف منفرد سياسياً، خصوصاً في ظل التطورات الجديدة. ويعكس تفاوت الردود تباين الظروف الجيوسياسية والمصالح الوطنية لكل دولة، ففي حين تشعر دول أوروبية غربية عدة بالقلق إزاء التهديد الروسي، يظل التهديد الإرهابي قضية حيوية لدول أخرى. ومن هنا، فإن التعاون والتنسيق بين البلدان الأوروبية يظل أمراً حاسماً لتعزيز الأمن الجماعي والتصدي للتحديات الجديدة في الساحة الدولية.

ووفقاً له، فإن فرنسا تحتفظ بعلاقات طويلة مع حلف شمال الأطلسي وتعكس العلاقات الأطلسية التعاون الوثيق بين فرنسا ودول "الناتو". ومنذ انتخاب نيكولا ساركوزي عام 2007، استمر هذا التوجه، واستمرت العلاقات الوثيقة مع فرنسوا هولاند وإيمانويل ماكرون. ومع ذلك، فإن فرنسا ملتزمة الحفاظ على استقلالها في استراتيجية الدفاع الأوروبية. وتسعى باريس إلى تعزيز التعاون العسكري داخل أوروبا وخلق قدرات دفاعية مشتركة، كما تهدف إلى تنسيق السياسات الأمنية وتعزيز رؤية أوروبية للأمن الدولي.

وبحسب فانسان رو، فإن فرنسا تتحرك بين التزامها الأطلسي ورغبتها في تعزيز الحكم الذاتي لأوروبا في مجال الدفاع، ويعتبر هذا التوازن الدقيق والأساسي إسهاماً في استقرار القارة وأمنها.

آراء متباينة بين الفرنسيين والألمان

وبحسب الاستطلاع الذي أجراه المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، هناك 35 في المئة من الفرنسيين لا يزالون مقتنعين بضرورة الاستمرار في تسليح أوكرانيا، مقارنة بـ41 في المئة في ألمانيا، بينما يؤمن 40 في المئة فقط من الأوكرانيين بقدرة بلادهم على الفوز. يُذكر أن فرنسا لم تتوقف عن دعم أوكرانيا منذ الـ24 من فبراير (شباط) 2022، من خلال نقل معدات الأسلحة والمشاركة في برامج تدريب الجنود وإنشاء آليات مالية تسمح بوصول المعدات بصورة مباشرة إلى كييف.

تصريحات ماكرون- الردع النووي

أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أهمية عدم استبعاد أي خيار والعمل لمنع روسيا من الفوز في الحرب على أوكرانيا، وأشار إلى أن هزيمة موسكو ضرورية للأمن والاستقرار في أوروبا، وأن باريس ستفعل كل ما يلزم لضمان عدم تمكنها من الفوز في هذه الحرب، بما في ذلك إرسال قوات برية إلى أوكرانيا.

ماكرون لفت أيضاً إلى تغيير مواقف بعض الدول الغربية في الماضي حول تزويد أوكرانيا بالأسلحة، وعلى رغم تردد بلاده في تسليم أسلحتها إلى أوكرانيا في السابق، إلا أن هناك تحولاً في مواقف الدول الغربية واستعدادها لتزويد أوكرانيا بالأسلحة. من الواضح أن ماكرون فتح باباً لجدل لن يغلق قريباً، خصوصاً مع تهديد حقيقي بحرب نووية من قبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في خطابه السنوي للأمة، مؤكداً أن بلاده تملك الأسلحة اللازمة لضرب أهداف في البلدان الغربية. ويذكر أن الهجوم الروسي على أوكرانيا أدخل العلاقات بين الغرب وموسكو في أسوأ مواجهة من نوعها منذ أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962. وقال بوتين حرفياً "يجب على الدول الغربية أن تدرك أن لدينا أسلحة يمكنها ضرب أهداف على أراضيها".

تثير هذه التصريحات الجدل حول ما يمكن أن يفضي إليه النزاع بين القوى النووية، ومن المهم أن نفهم أن النزاعات بين القوى النووية تحمل تهديداً كبيراً للأمن العالمي والاستقرار، وإذا ما حدث تصعيد في الصراع، فالتأثير سيكون كارثياً في المنطقة والعالم بأسره.

المزيد من تقارير