Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أفريقيا وأوكرانيا تفسدان العلاقات التاريخية بين روسيا وفرنسا

السياسة تفرق بين موسكو وباريس بينما يجمع الاقتصاد بينهما على رغم التصريحات العدائية المتبادلة

تحاول باريس لعب دور رأس حربة أطلسية وغربية في التصدي للهجوم الروسي على أوكرانيا (أ ف ب)

ملخص

مواقف متباينة لموسكو وباريس على المستوى السياسي وأفريقيا وأوكرانيا تفسدان العلاقات التاريخية بين روسيا وفرنسا

انحدرت العلاقات بين روسيا وفرنسا إلى هوة أزمة عميقة في الفترة الأخيرة، وتجمدت آليات الحوار بين موسكو وباريس إلى درجة غير مسبوقة من البرودة القارسة، وصارت عاصمة الأنوار هدفاً لتصريحات روسية نارية، رداً على تهديدات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بإرسال قوات غربية إلى أوكرانيا لمنع الجيش الروسي من تحقيق انتصار على كييف ترتد مفاعيله وآثاره على كل أوروبا.

بناء أي علاقة طيبة في المجال الدولي يعتمد بالدرجة الأولى على وجود اهتمام متبادل بهذا الشأن بين الدول نفسها، واستعداد سلطاتها الرسمية لاتخاذ خطوات ملموسة في هذا الاتجاه، ومن وجهة النظر هذه، من الواضح أن العلاقات بين روسيا وفرنسا تمر اليوم بأزمة عميقة متدحرجة، ليس بمبادرة من موسكو، بل بسبب محاولات باريس لعب دور رأس حربة أطلسية وغربية في التصدي للهجوم الروسي على أوكرانيا.

أوروبا بأكملها تناقش للأسبوع الثاني على التوالي، التصريح الصاخب للرئيس ماكرون، الذي لم يستبعد أن ترسل الدول الغربية قوات برية إلى أوكرانيا "لمنع روسيا من الفوز"، وفي فرنسا نفسها أثار تصريحه انتقادات شديدة من اليسار واليمين، وسارع غالبية الشركاء الأوروبيين إلى التنصل من الفكرة الخطرة، واتضح أن ماكرون وجد نفسه على ما يبدو في دور قائد سيئ الحظ من الأغنية الشعبية الفرنسية "موت ودفن مالبروك الذي لا يقهر" التي كانت تحظى بشعبية كبيرة خلال حملة نابليون بونابرت على روسيا عام 1812.

استفاقت موسكو على صدمة هذا التصريح غير المسبوق من زعيم غربي. ورأت أنه من الخطأ التعامل باستخفاف مع تهديدات يطلقها زعيم قوة نووية، تطمح إلى زعامة الاتحاد الأوروبي وإلى لعب دور محوري في القيادة العسكرية لحلف شمال الأطلسي، خلافاً لإرث الجنرال شارل ديغول الذي حيد فرنسا عن اصطفافات قيادة الناتو العسكرية وأخرجها من الجناح العسكري لهذا الحلف في عز احتدام الحرب الباردة.

الغاية تبرر الوسيلة

جاء بيان ماكرون الرنان في الـ26 من فبراير (شباط) الماضي في نهاية مؤتمر حول دعم أوكرانيا، عقده الرئيس الفرنسي على عجل بمشاركة رؤساء ووزراء وممثلين رفيعي المستوى آخرين من 20 دولة، وكانت فكرة الاجتماع، حسب قصر الإليزيه "تبديد أي انطباع بأن كل شيء ينهار في أوكرانيا" بعد الإخفاقات الجسيمة لجيشها في ساحة المعركة خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة.

وبعد الاستماع عبر رابط فيديو لخطاب الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي، الذي طلب كالعادة مزيد من المال والأسلحة، تناقش المشاركون في الاجتماع خلف أبواب مغلقة ثم غادروا دون الإدلاء بأي تصريحات، لكن ماكرون آخذ على عاتقه دور الناطق باسم المجتمعين والكاشف عما حدث في هذا المؤتمر الهجين، وقد فعل ذلك بطريقته المتناقضة المميزة.

في البداية، قال ماكرون إن الغرب "لا يريد الحرب مع شعب روسيا"، ويسعى فقط إلى "السيطرة على تصعيد الوضع وإبقائه تحت رقابته". وتابع "الدول الغربية تعتزم القيام بكل ما هو ضروري حتى لا تتمكن روسيا من الفوز". وأردف الرئيس الفرنسي في لهجة تصعيدية "كل شيء ممكن إذا كان مفيداً لتحقيق هدفنا"، بما في ذلك إرسال قوات برية من دول "الناتو" إلى أوكرانيا، وصحيح أنه "لا يوجد إجماع في شأن الإرسال الرسمي للقوات البرية"، كما اعترف الرئيس الفرنسي، على رغم أنه "مع مرور الوقت لا يمكن استبعاد أي شيء".

وأتبع ماكرون تصريحاته النارية هذه بتصريح خطر استفز روسيا حين قال في مطلع مارس (آذار) الجاري إنه ليست لدى بلاده أي خطوط حمراء، فيما يتعلق بدعمها لأوكرانيا.

الرد الروسي

ورداً على ماكرون هددت روسيا فرنسا بأنه لم يعد لديها أي خطوط حمراء تجاهها، وجاء ذلك في تدوينة عبر منصة "إكس" كتبها نائب رئيس مجلس الأمن الروسي دميتري ميدفيديف، بدأها بالإشارة إلى تصريحات الرئيس الفرنسي قال فيها إنه "لم تعد هناك خطوط حمراء، ولم تعد هناك حدود في مسألة دعم أوكرانيا". وأضاف ميدفيديف "هذا يعني أنه لم يعد لدى روسيا أي خطوط حمراء فيما يتعلق بفرنسا".

في الـ28 من فبراير الماضي أصدرت وزارة الخارجية الروسية بياناً ردت فيه على تصريحات ماكرون، وشددت في نصه على أن المسؤولين في باريس يتخذون موقفاً عدائياً تجاه روسيا، حيث يعلن الممثلون الرسميون بانتظام أهمية إلحاق "هزيمة استراتيجية" بروسيا الاتحادية. وأضافت "استرشاداً بمثل هذا الموقف الأيديولوجي، قام شركاؤنا السابقون بمحض إرادتهم في غضون عامين بتدمير الأساس الذي تم إنشاؤه لعقود من الزمن، وجمدوا آليات الحوار ودعم التعاون، ووجهوا ضربة قاسية للتبادل التجاري والاقتصادي بين البلدين.

وأشارت الخارجية الروسية إلى أنه وفقاً للردود التي أعقبت تصريحات ماكرون، والتي تولاها وزير أوروبا والشؤون الخارجية الجديد للجمهورية الخامسة، ستيفان سيغورنيه، حول قيام فرنسا وأوروبا بخوض "معركة وجودية" في أوكرانيا، فإننا لا نلاحظ استعداداً فرنسياً لتحسين العلاقات بين موسكو وباريس.

وأشارت الوزارة أيضاً إلى أن روسيا ليس لديها أي أوهام في شأن رغبة الوزير الجديد في "قلب اللعبة" ومخالفة المبادئ التوجيهية للاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، والتي هي في الواقع مبادئ توجيهية لواشنطن.

وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد علق قبل تصريحات ماكرون على انهيار العلاقات بين البلدين، وقال إنه حتى وقت قريب، كان من الممكن وصف العلاقات بين روسيا وفرنسا بأنها جيدة وعملية، سواء من وجهة نظر الأجندة الثنائية أو في مسائل التفاعل الدولي وهذا ما تؤكده الزيارات الرسمية المتبادلة لقادة الدول.

ومع ذلك، أشار بوتين إلى أن الرئيس ماكرون هو الذي توقف عن التواصل مع روسيا، والآن يمكننا القول إنه لا توجد علاقة، وأكد "نحن لا نخجل من هذه الاتصالات"، وأشار أيضاً إلى أنه لا توجد مخاوف في شأن قطع العلاقات، وفي الوقت نفسه، أعلن أن روسيا مستعدة دائماً لاستئناف العلاقات بين الدولتين إذا أبدت القيادة الفرنسية اهتماماً بذلك.

وأضاف بوتين "لذلك من الأنسب طرح مسألة إمكانية الحوار على الفرنسيين أنفسهم، هل هم مستعدون لإجراء مناقشة صادقة وغير متحيزة لأسباب العمليات التي تجرى في أوروبا والعالم، للبحث عن سبل للخروج من الوضع الحالي على أساس الاحترام المتبادل ومراعاة مصالح جميع البلدان". 

ووجه المدير العام السابق لوكالة "روسكوزموس" الفضائية الروسية، ورئيس المفرزة الخاصة للمستشارين العسكريين "ذئاب القيصر" ديمتري روغوزين، رسالة إلى السفير الفرنسي لدى الاتحاد الروسي بيير ليفي، أشار فيها إلى أن "باريس الرسمية خانت قضية العظيم (رئيس فرنسا الأسبق الجنرال شارل ديغول) وأصبحت واحدة من أكثر الدول المتعطشة للدماء في أوروبا، لقد خضعت بلادكم لإملاءات واشنطن وأصبحت دولة دمية".

الصراع في مجلس الأمن

قبل احتدام النقاش حول تصريحات ماكرون، وإطلاق حملة البيانات والبيانات المضادة بين موسكو وباريس، رفضت فرنسا طلب روسيا الاتحادية عقد اجتماع لمجلس الأمن الدولي في الـ24 من يناير (كانون الثاني) في شأن حادثة تحطم طائرة من طراز "إيل-76" في منطقة بيلغورود، والتي اسقطتها القوات المسلحة الأوكرانية وقضى على متنها 74 شخصاً منهم 66 أسيراً أوكرانياً.

وقال النائب الأول للممثل الدائم لروسيا لدى المنظمة، ديمتري بوليانسكي، إن فرنسا تسيء استخدام مهامها كرئيس لمجلس الأمن، في حين حددت باريس اجتماعاً في شأن الطائرة "إيل-76" ​​التي أسقطتها مساء الـ25 من يناير في محاولة للتستر على كييف.

 

 

في الـ25 من يناير انعقد اجتماع لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وفي اليوم التالي، أشار بيسكوف إلى أنه خلال الاجتماع لم تكن هناك إدانة حاسمة للهجوم الإرهابي على طائرة "إيل-76" ​​من الدول الغربية، ووفقاً له فإن "ما حدث يتطلب تقييماً سليماً من قبل المجتمع الدولي".

من جهتها، كانت روسيا استخدمت بالفعل في أغسطس (آب) الماضي، حق النقض "الفيتو" لعرقلة مشروع قرار يستهدف تجديد العقوبات المفروضة منذ 2017 على دولة مالي المتمردة على فرنسا في القرن الأفريقي، وهو قرار أيدته 13 دولة من أعضاء مجلس الأمن الدولي الـ15 مما قاد إلى مكسب دبلوماسي واقتصادي قوي لباماكو التي رفعت عنها العقوبتان ولم تكتف روسيا بتحصين حليفتها مالي في مجلس الأمن الدولي أو غيره من المحافل الدولية، بل تقدم لها بسخاء، أيضاً ومساعدات غذائية وإنسانية.

التنافس في أفريقيا

تشعر فرنسا منذ سنوات بهجوم روسي صامت وغير معلن عليها في مستعمراتها السابقة في أفريقيا، فبعدما أزاحتها بالضربة القاضية ومنذ زمن بعيد من سوريا التي كانت تحت الانتداب الفرنسي، بدأت روسيا معركة استعادة نفوذها في القارة السمراء، فبعد إخضاعها شبه الكامل لأفريقيا الوسطى ووضعها تحت نفوذها، طورت تعاونها مع مالي إلى مستوى غير مسبوق في كثير من المجالات".

واعتبرت باماكو بوابتها إلى أفريقيا وخصوصاً في غربها، فبوركينا فاسو والنيجر تحذوان مسار مالي في الجنوح نحو موسكو، بل هي التي توجههما نحو روسيا، وتعتقد باريس أن الأيام المقبلة ستشهد إقامة علاقات قوية لروسيا مع أكثر من دولة أفريقية، وهذا سيؤدي لإخراجها من أي دولة تدخل إليها روسيا، على غرار ما حصل في النيجر ومالي وبوركينا فاسو.

وبالفعل، أجبر المجلس العسكري في مالي القوة الفرنسية التي كانت تحارب المتشددين والجماعات الانفصالية على الانسحاب في 2022، ثم بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام في 2023 لتعدل البلاد بوصلتها نهائياً باتجاه روسيا.

وحذت عديد من الدول الأفريقية حذو مالي من خلال التحالف مع روسيا والتخلي عن فرنسا في مقدمها الجارة بوركينا فاسو والنيجر وجمهورية أفريقيا الوسطى، حيث يتحرك عناصر مجموعة "فاغنر" شبه العسكرية بحرية تامة بعيداً من أنظار الغرب الذي تساقطت أوراقه تباعاً.

وفي ظل العروض السخية التي تقدمها روسيا لمالي كغيرها من حلفائها في أفريقيا، فإن من غير المستبعد أن يغري ذلك دولاً أخرى للانضمام إلى معسكر موسكو التي لم يعد حضورها يقتصر على الشراكات الأمنية والعسكرية، بل تطور إلى ما هو أبعد من خلال تقديم مساعدات الحبوب ومنح كبيرة للدول الأفريقية وضخ استثمارات على رغم العقوبات الدولية المفروضة عليها بسبب حرب أوكرانيا، وهذا يشكل ورقة نعي للنفوذ الفرنسي في القرن الأفريقي.

ردود الفعل

يتقلد الرئيس الفرنسي ماكرون دور الداعية والمبشر بضرورة مقاومة محاولات روسيا استرجاع مجدها السوفياتي المفقود، واستعادة نفوذها الدولي ليس في القارة العجوز وحدها، بل وفي العالم بكامله، لذلك يتولى القيام بسلسلة مشاورات سياسية تهدف إلى تعبئة الرأي العام حول خطورة الوضع في أوكرانيا، وضرورة إلحاق هزيمة بروسيا هناك.

لكن، ووفقاً لصحيفة "لوموند" الفرنسية، فإن ماكرون يواجه عاصفة انتقادات حادة ومن مختلف الجهات، وحتى من أقرب الحلفاء في أعقاب تصريحاته الأخيرة حول عدم استبعاد إرسال بلاده قوات لدعم كييف.

وتهدف المشاورات السياسية التي يجريها ماكرون إلى إثارة نقاش وطني يعيد تأكيد الدعم الفرنسي لأوكرانيا، في سياق يتركز فيه الاهتمام الدولي على الحرب الروسية - الأوكرانية التي بدأت في الـ24 من فبراير 2022، بخاصة أن الرأي العام بدأ يبتعد عن هذه الأزمة على ما يبدو، وفق الصحيفة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأشارت "لوموند" إلى لقاء نادر في قصر الإليزيه جمع الرئيس ماكرون مع سلفيه فرنسوا هولاند ونيكولا ساركوزي، للوقوف على آرائهما في شأن الأزمة الأوكرانية.

وأوضحت الصحيفة أن هولاند، الذي عاش ثورة الميدان المؤيدة لأوروبا في أوكرانيا 2014 شارك نصيحته في شأن الدبلوماسية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إذ أكد أهمية توازن القوى والتقدير، فيما بقي ساركوزي متكتماً بعد اللقاء، لكن مواقفه السابقة التي عبر عنها في كتابه "زمن القتال"، تسلط الضوء على التحفظات في شأن التدخل المسلح لصالح أوكرانيا، بحسب الصحيفة.

وأكدت "لوموند" أنه في مواجهة التردد الدولي والانتقادات الداخلية لموقفه، يسعى ماكرون إلى إقناع الفرنسيين بضرورة اتخاذ موقف حازم ضد الحرب الروسية، وقالت إن هذا النهج سيتوج بمناقشة وتصويت البرلمان في الـ12 من مارس الجاري على الاتفاقية الأمنية المبرمة في الـ26 من فبراير الماضي، بهدف تعزيز الدعم الفرنسي لأوكرانيا.

وخلصت الصحيفة للقول إنه من خلال تعبئة الجهات السياسية الفاعلة وتنظيم هذه المشاورات، يأمل ماكرون في رفع مستوى الوعي العام بالقضايا الجيوسياسية والأخلاقية المرتبطة بالأزمة في أوكرانيا، ساعياً إلى إظهار الحاجة إلى رد أوروبي موحد على الحرب الروسية، مع فضح المواقف الغامضة لبعض الأحزاب السياسية، وأبرزها حزب التجمع الوطني، المشتبه في تهاونه تجاه الكرملين.

ومع ذلك، كشفت "لوموند" الفرنسية عن أن دعم الرئيس ماكرون الثابت لأوكرانيا أثار جدلاً وانقسامات داخل فرنسا.

وكان ماكرون قد دعا قادة من مختلف الأحزاب السياسية في قصر الإليزيه، الخميس الماضي، لمناقشة الصراع الروسي - الأوكراني قبل مناقشة برلمانية والتصويت على الاتفاقية الأمنية الثنائية مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يومي الـ12 والـ13 من مارس الجاري.

وذكرت الصحيفة أنه "خلال الاجتماع، أعربت أحزاب المعارضة عن دعمها بالإجماع لتقديم مساعدة ثابتة لأوكرانيا، ومع ذلك، فقد انحرفوا عن موقف ماكرون فيما يتعلق بالنشر المحتمل لقوات الحلفاء في أوكرانيا". وتابعت "انتقد زعماء مثل غوردان بارديلا من حزب التجمع الوطني استعداد ماكرون لتقديم دعم غير محدود، ولا سيما بالنظر إلى القدرات النووية الروسية والأخطار المحتملة التي تنطوي عليها". وأشارت إلى أنه "بينما أكد ماكرون التزامه دعم أوكرانيا بلا حدود، اتهمه زعماء المعارضة بالتهور والعدوانية المفرطة في نهجه".

وأعرب المعارضون عن "مخاوفهم في شأن التصعيد العسكري المحتمل، وكذلك شككوا في افتقار ماكرون إلى القدرة على ضبط النفس".

ولفتت "لوموند" إلى أنه "على رغم المعارضة، ظل ماكرون ثابتاً على موقفه، مبرراً موقفه بتأكيد ضرورة الامتناع عن فرض قيود على دعم أوكرانيا".

وعبر البعض عن مخاوفهم في شأن توقيت تصريحات ماكرون وتداعياتها، فيما اتهمه آخرون بتسييس القضية الأوكرانية لتحقيق مكاسب انتخابية.

ووفق التقرير فإنه رداً على الانتقادات، أيد حلفاء ماكرون موقفه، وسلطوا الضوء على الحاجة إلى رد متناسب على تصرفات روسيا، مشددين على أهمية التضامن مع أوكرانيا، إلا أن الأصوات المعارضة تواصلت داخل حزب ماكرون وأحزاب المعارضة. 

ومضت الصحيفة في ختام تقريرها قائلة إنه "في حين أثار دعم ماكرون الثابت لأوكرانيا جدلاً وانقساماً داخل السياسة الفرنسية، أكد الاجتماع في قصر الإليزيه أهمية الحوار البناء حول الديمقراطية، حتى في أوقات الخلاف".

وفي وقت سابق، في الـ19 من يناير الماضي دعا زعيم حزب الوطنيين الفرنسي فلوريان فيليبو فرنسا إلى مغادرة "الناتو" بسبب سياسته العدوانية تجاه روسيا. وأضاف أن الحلف يريد على ما يبدو تسريع اقتراب حرب عالمية ثالثة ودعا فرنسا إلى "الخروج من دوامة الموت هذه".

ماكرون يخطف الأضواء

من جهتها، اعتبرت صحيفة "التايمز" البريطانية في تقرير أن الرئيس الفرنسي ماكرون "خطف الأضواء"، بطريقة دعمه أوكرانيا ومناهضة روسيا، في الحرب القائمة بين البلدين الجارين.

وذكر التقرير أن "ما أثار حفيظة حلفاء فرنسا، لا سيما المستشار الألماني أولاف شولتز، ورئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، وغيرهما من رؤساء الوزراء، هو استيلاء ماكرون على الأضواء الأوروبية، وعرضه مقترحاً خلال قمة التضامن مع أوكرانيا في باريس، أنه يمكن لـ(الناتو) إرسال قوات للمشاركة في القتال". وأضاف أن "ماكرون اعترف العام الماضي لزعماء شرق (الناتو) أنه أخطأ بسذاجة في الحكم الجيد على نوايا الزعيم الروسي فلاديمير بوتين في 2022، وكان ينبغي عليه أن يكون متنبهاً أكثر عندما شارك في مطب دبلوماسي مع بوتين".

وبحسب التقرير، فإن مقترح ماكرون جعله يحظى "بقبول طيب لدى الأوروبيين الشرقيين الذين شعروا بالفزع من تودده لبوتين سابقاً".

وأشار التقرير إلى "تدني علاقة ماكرون بالمستشار الألماني أولاف شولتز كثيراً لأن ماكرون أثناء رحلة إلى براغ، بدا أنه يتهم المستشار الألماني بالضعف بسبب إحجامه عن إرسال صواريخ توروس إلى كييف".

 

 

وأصر قصر الإليزيه على أن ماكرون كان يوجه اللوم إلى جميع حلفاء أوكرانيا عندما قال إنهم "يرفضون رؤية المآسي القادمة". وأضاف أنه "سيكون من الضروري ألا نكون جبناء".

ومع ذلك، فإن ألمانيا تشعر بالقلق إزاء تحول ماكرون من زعيم سياسي لفرنسا، إلى جنرال عسكري لكل أوروبا.

وطلبت ألمانيا من فرنسا، القوة العسكرية النووية الأكبر والوحيدة في الاتحاد الأوروبي، أن تمدها بالأنابيب وتبدأ في إرسال حصتها العادلة من الأسلحة إلى أوكرانيا.

التحدي الأوكراني

استجابت الدول الغربية الرائدة لنداءات السلطات في كييف، وأعلنت استعدادها لإرسال مركبات مدرعة إلى أوكرانيا، فأعلن الرئيس الفرنسي ماكرون قراره في خطابه بمناسبة العام الجديد، وقال إن فرنسا "ستساعد أوكرانيا حتى النصر"، وهكذا قادت البلاد مرحلة جديدة في حرب أوروبا ضد روسيا.

وقامت فرنسا بتزويد أوكرانيا دبابات خفيفة من طراز "أي أم أكس"، وكانت هذه هي الخطوة الأولى، وهناك خطوات أخرى "إذ تحلم كييف من بين أمور أخرى بتسلم دبابة فرنسية حديثة ومتحركة وعالية الإطلاق من طراز (لوكلير)، فضلاً عن دبابة (ليوبارد) ألمانية أو أميركية من طراز (أم 1 أبرامز)". ووصفت صحيفة "ديلي تلغراف" موقف فرنسا وماكرون بأنه تجاوز "للخطوط الحمراء" و"انتهاك لمحرمات عسكرية".

والمفارقة تكمن في أنه في الوقت نفسه، لا تزال الشركات الفرنسية تعمل في روسيا، لقد جلبت الحرب التي اندلعت في أوكرانيا 2022 صعوبات خطرة لحياة كل من روسيا والدول الأوروبية الأخرى، وفرضت الدول الأجنبية عقوبات على موسكو، وغادرت عديد من الشركات الأجنبية السوق الروسية، ولكن هناك أيضاً شركات فرنسية لا تزال تعمل على الأراضي الروسية.

يبدو الأمر وكأنه نفاق، فبعد كل شيء، تكسب هذه الشركات أموالاً في روسيا، والتي تذهب إلى فرنسا، وتستخدمها البلاد وفقاً لحاجاتها، واتضح أن الدبابات ذاتها التي يعتزم ماكرون إرسالها إلى أوكرانيا سيتم إرسالها لدعم القوات المسلحة الأوكرانية، بما في ذلك من الأموال المكتسبة من العمليات التجارية في هذا البلد الذي ترسل لمحاربته.

الفرنسيون أنفسهم ليسوا سعداء للغاية بهذا الموقف من سلطاتهم، وتعليقاً على مثل هذه الأخبار في الصحافة الفرنسية، لاحظ القراء أن البلاد ليس لديها أموال إضافية للتعمق أكثر في تمويل الجيش الأوكراني، وأن الرئيس الفرنسي يزيد من تفاقم مواجهة "الناتو" مع روسيا.

وبمقارنة بسيطة للوضع، نرى أن فرص التطوير والعمل للشركات الروسية مغلقة تماماً في فرنسا، إذ لا تتاح للشركات الروسية وحتى الروس العاديون فرصة فتح حسابات في البنوك الفرنسية، فيما تعمل عشرات الشركات الفرنسية في روسيا بحرية كاملة.

وقالت شركة "دانون" التي أقسمت في بداية 2022 أنها لن تغادر روسيا، في أكتوبر الماضي، إنها لا تزال تخطط لبيع أعمالها والخروج من السوق الروسية، ومع ذلك، انتهت كل هذه التصريحات الصاخبة لتكون فرقعة إعلامية، وليس أكثر، انتهى كل شيء في الوقت الحالي، وتستمر الشركة في العمل، وعلى ما يبدو، يحتاج الاقتصاد الفرنسي حقاً إلى الأموال الروسية.

وقررت شركة "أوشان" خلال المفاوضات مع المكتب الرئيس في فرنسا عدم مغادرة روسيا، ومواصلة العمل، كما تتمسك سلسلة "لوروا مارلين" أيضاً بالسوق الروسية، وقال الرئيس التنفيذي لشركة "أكور" سيباستيان بازين في أبريل (نيسان) 2022، إن الشركة ستبقى في روسيا، مشدداً على أنه على مدار 50 عاماً من وجودها، لم تغلق المجموعة أبداً الفنادق في مناطق النزاع العسكري.

لذلك وصف رئيس مركز الدراسات الفرنسية في معهد أوروبا التابع لأكاديمية العلوم الروسية، يوري روبنسكي، موقف ماكرون بأنه محاولة "للجلوس على كرسيين في الوقت نفسه"، حيث يحاول ماكرون إرضاء الجميع، وأن يكون "صديقاً" للولايات المتحدة وفي الوقت نفسه يتشاجر مع روسيا، لكن دون سحب شركات بلاده من أعمالها الرابحة فيها. 

حوار مفتوح

لقد ظل الجانب الروسي دائماً منفتحاً على الحوار مع الدول الأجنبية من بين الدول غير الصديقة، بما في ذلك فرنسا، ولكن كما أكدت وزارة الخارجية الروسية فإن التجربة المحزنة المتمثلة في اتفاقيات مينسك، التي كانت باريس واحداً من ضامنيها، أظهرت بوضوح إحجام الغرب عن أخذ مصالح روسيا بعين الاعتبار.

وقال السفير الروسي لدى باريس أليكسي ميشكوف لقناة "روسيا 24" التلفزيونية إن العلاقات بين روسيا وفرنسا على المستوى السياسي العام مجمدة الآن. وأضاف أنه في الوقت نفسه يتم الحفاظ على العلاقات بين الدول على مستوى المجتمعات المدنية، حيث يتم تجديد الروابط الثقافية، وهناك مشاريع اقتصادية مشتركة.

بعد بدء العملية العسكرية في أوكرانيا، دانت فرنسا تصرفات موسكو، وفرضت عليها عقوبات وبدأت في إمداد كييف بالأسلحة، وفي الوقت نفسه، اتصل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مراراً بنظيره الروسي فلاديمير بوتين لمناقشة الوضع.

وفي شرحه لضرورة الحفاظ على الحوار مع موسكو قبل تصريحاته الأخيرة، قال ماكرون "لا يمكنك تغيير الناس ولا يمكنك تغيير الجغرافيا، قد تواجه صراعاً مع القادة والأفكار والخطط، ولكن بعد ذلك، وعلى المدى الطويل، عندما تعيش جنباً إلى جنب مع الناس ومع جيرانك، فإنك تحتاج إلى إيجاد طرق ووسائل لبناء السلام".

وعقب ذلك، أوقف الرؤساء الاتصالات، لكن ماكرون دعا إلى الإبقاء على إمكانية الحوار وأبدى رغبته في استمراره، ورد بوتين بالقول إن ماكرون نفسه أنهى "العلاقات الطيبة" بينهما، وإن الحوار مع فرنسا ككل توقف بمبادرة من رئيسها. وأضاف أن الجانب الروسي مستعد لاستئناف الاتصالات إذا أبدت باريس اهتماماً بذلك.

سفارات البلدين تعمل كما كانت من قبل، لكن هذا لا يعني أن التفاعل الثنائي يتم بصورة ديناميكية.

لقد هيمن منذ فترة طويلة "نظام صمت مطبق" على الحوار الروسي الفرنسي، تم اعتماده قبل كل شيء بمبادرة من باريس، إذ تم تقليص جميع آليات التعاون السياسي الثنائي على الإطلاق، وتم إيقاف عمل 14 مجموعة روسية فرنسية أنشئت لمناقشة المشكلات العالمية والإقليمية، ولم يتم إجراء مشاورات بين وزارات الخارجية، ولا توجد محادثات هاتفية على المستويات العليا التي أصبحت شيئاً من الماضي.

حالياً لا يوجد عملياً أي تفاعل بين الدبلوماسيين الروس ووزارة الخارجية الفرنسية، وليس  لدى روسيا وفرنسا أي اتصالات على مستوى الثقافة والتعليم، وليس من الواضح تماماً ما هي الاتصالات المستمرة بين البلدين التي تتحدث عنها باريس أحياناً.

علاقات روسيا وفرنسا ممتدة منذ قرون ومتجذرة في التاريخ، منذ زيارة بطرس الأكبر عام 1717، عندما وصل القيصر إلى فرساي للحصول على الدعم الفرنسي في الاتصالات مع أوروبا، وما أعقب ذلك من تحالف عسكري فرنسي - روسي عام 1892 ووضع القيصر نيكولا الثاني حجر الأساس لبناء جسر الإسكندر الثالث الذي يرمز إلى الصداقة بين الشعبين.

وأكثر من ذلك كانت هناك أخوة في السلاح خلال الحرب العالمية الثانية ضد النازية، إذ شارك فوج الطيران المقاتل "نورماندي نيمن" في إنزال النورماندي الذي قام به الحلفاء لتحرير فرنسا من الاحتلال النازي، وهذا ما ذكر به الجنرال ديغول خلال زيارة لموسكو عام 1966، عندما قال إن روسيا سعت خلال الحرب العالمية الثانية إلى تحرير نفسها من الصور النمطية للمواجهة بين الشرق والغرب.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات