Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المرأة الغزاوية تفضح في يومها العالم الجديد

اليونيسكو أطلقت يوم الاستثمار النسوي والعنف الشامل يستشري على الخريطة

مأساة المرأة الفلسطينية بريشة روان عناني (صفحة الرسام - فيسبوك)

ملخص

لا يمكن التغافل عن أحوال المرأة الغزاوية والفلسطينية تالياً، جدة وأماً وأختاً وزوجة وفتاة، مثقفة وعاملة ومزارعة، أرملة وثكلى، مهجرة ونازحة

 في مثل هذا اليوم، الثامن من مارس (آذار) من كل عام، تحيي منظمة اليونيسكو "اليوم العالمي للمرأة"، فتُقام احتفالات وتُعقد ندوات ولقاءات في عواصم ومدن حول العالم، عطفاً على صفحات الإنترنت ومواقع السوشيال ميديا. واختارت المنظمة هذه السنة عنواناً لافتاً لهذا اليوم هو "الاستثمار في المرأة: تسريع التقدم". والغاية كما ورد في البيان العام، "إبراز تعزيز أهمية الإدماج الاقتصادي للنساء والفتيات". وواضح جداً أن هذا الشعار لا يعني سوى النساء والفتيات في العالم الأول والثاني والدول الحديثة وبعض النامية، وليس حتماً دول العالم الثالث والرابع وما دون، لا سيما في أفريقيا وبعض آسيا وأميركا اللاتينية وسواها، وخصوصاً البلدان التي تشهد الحروب والمعارك القاسية والتهجير، وفي مقدمها اليوم غزة التي تعيش أقسى المآسي البشرية وأقصى أحوال القتل والتهجير والتجويع والإذلال اليومي. ولا يمكن التغافل عن بلدان مثل سوريا واليمن وسواهما والمناطق التي تقع على التخوم، تخوم الاقتلاع والنزوح والهجرة القسرية.

في هذا اليوم العالمي للمرأة، لا يمكن التغافل عن أحوال المرأة الغزاوية والفلسطينية تالياً، جدة وأماً وأختاً وزوجة وفتاة، مثقفة وعاملة ومزارعة، أرملة وثكلى، مهجرة ونازحة، شهيدة وجريحة... المرأة التي جُردت من نفسها وجسدها وأمومتها، من شيخوختها وصباها، من هويتها الأنثوية ومشاعرها، ورُميت على الطرق أو تحت الخيام، تئن وتبكي وتصرخ وتجوع...

ليت منظمة اليونيسكو هذه السنة، أعلنت هذا اليوم يوماً للمرأة الغزاوية، أو سمّته بها، فهو أصلاً يومها مثلما هو يوم النسوة المقهورات والمعذبات والمعنفات والضحايا في العالم، عالم الحروب والمعارك، عالم الفقر والجوع والذل.

في عام 2022 أعلنت اليونيسكو أن عدد النساء والفتيات اللواتي يعشن في بلدان تحاصرها الحروب والآفات والأخطار يبلغ 614 مليوناً. وقبل سنوات قليلة أعلنت المنظمة نفسها أن بين كل ثلاث نساء في العالم امرأة هي عرضة للعنف على اختلاف أنواعه. هذا الرقم  الذي ما كان ليصدق، ازداد اليوم حتماً مع توسع خريطة الحروب والفقر والجوع.

الضحية الدائمة

في القرن الحادي والعشرين الذي رسخ زمن العولمة وأعلن موت التاريخ والأيديولوجيا وبلغ ذروة الذكاء الاصطناعي والروسيكلاج أو إعادة التدوير البشري، ما زالت المرأة تتعرض للعنف في شتى مظاهره وأدواته، العنف الذكوري، العنف الأسري، عنف الاغتصاب والقتل، العنف المعلن وغير المعلن، الجسدي والنفسي، الجماعي والفردي. هذه الأرقام التي ازدادت وارتفعت، مدعاة للخزي والعار، وربما الشفقة ولكن على الرجل نفسه وليس على المرأة، على الجزار لا على الضحية.

كل ما قيل عن المرأة في التاريخ، مديحاً وهجاء، يسقط أمام الحقيقة الأليمة، حقيقة المرأة التي ما زالت تواجه قدرها الذي أساءت الحياة نفسها فهمه، وكذلك العالم، في كل ما يطرح من أفكار ومبادئ وقيم. وعلى قدر ما عانت المرأة من اضطهاد حقيقي ورمزي، أضحت هي ذاتها تصدق أحياناً كذبة الطبيعة التي تذرعت بها السلطة الذكورية لتفرض نفسها عليها. كل المدائح التي تكال منذ عصور للمرأة، لا سيما المرأة الأم، لا تعادل لحظة عنف تعرضت وتتعرض له المرأة، الأم والأخت والزوجة والابنة... هذه اللحظة قادرة أن تطوي للحين آلاف الصفحات التي كتبت عن المرأة. إنها اللحظة الأشد إيلاماً وفداحة.

لا نحتاج أن نقرأ فرجينيا وولف أو سيمون دو بوفوار أو نوال السعداوي وسواهن من الكاتبات، كي نميل إلى النسوية ونلتزم الكثير من أفكارها. كانت فرجينيا وولف صادقة في اتهام العالم الغربي بنزعته "البطركية" التي كانت تحول دون إنجاز المرأة طموحاتها الثقافية ودون تحقيق ذاتها الإبداعية، حارمة إياها استقلالها المادي أو الاقتصادي. أما سيمون دو بوفوار فكانت صارمة في رفضها سعي الذكورية إلى تكبيل المرأة وهويتها بـ "قيود" الرجل فتصبح المرأة هي "الآخر" المقموع والمأسور ويظل الرجل هو "الأنا" المهيمنة.

كم تبدو هذه الأفكار الآن بعيدة ومثالية أمام العنف المستشري ضد المرأة، لا سيما العنف الوحشي التوراتي في غزة.

ما زالت المرأة في لبنان الحداثة والحرية والتعدد، تتعرض لأقسى أنواع العنف، جسداً وروحاً، على يد الأب والشقيق والزوج... ما زالت تضرب حتى الموت. في لبنان مثلاً ما زال القانون يصر على منع المرأة من منح الجنسية لزوجها وأولادها، والأسباب سياسية، والسياسة في لبنان أهم من الإنسان والمواطن.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

من المستهجن حقاً أن تبدو المرأة العربية تناضل اليوم في سبيل أقل حقوقها، بصفتها إنساناً وليس امرأة فقط. أن تناضل في سبيل رفض الضرب والتعنيف والقمع، في سبيل الحق الذي منحتها إياه الطبيعة، الحق في أن تكون ذاتاً وليس أداة، أن تكون مواطنة وليس رقماً، في أن تتمتع بحرية ولو مشروطة. تناضل في سبيل أن تحقق شروط إنسانيتها.

ليست أرقام اليونيسكو وحدها التي تلطخ صفحة المرأة. ما تعانيه المرأة في السر والخفية أشد إيلاماً. خمسة آلاف امرأة تقتل سنوياً حفاظاً على الشرف، شرف الأخ والأب والزوج. هذه الظاهرة التي تذكر بـ"وأد" البنات غابراً، ما برحت تقض عالمنا. ولا نهاية وشيكة لها في ما يبدو. الشرف، الشرف الذي وحدها المرأة تتحمل وزره... ثم كم من نساء يضربن ويعذبن ويقتلن من غير أن يدري بهن أحد. حتى الخادمات والسجينات والعاملات... كلهن عرضة للعنف الذي لا يرحم.

كم تبدو هذه الأفكار الآن بعيدة ومثالية أمام العنف المستشري ضد المرأة، لا سيما العنف الوحشي التوراتي في غزة.

"المرأة مستقبل الرجل" يقول الشاعر الفرنسي لوي أراغون. وإلى جملته الجميلة أضيف: "المرأة ماضي الرجل ومستقبله أيضاً". ولكن هل في وسع امرأة تتعذب وتعاني أن تصدق مثل هذا الكلام؟

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة