Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مسيرة اتحاد الكتاب الإيرانيين بين نضال أدبي واغتيالات

تعود أول محاولة للنخب الأدبية في إيران إلى عام 1946 حين أقيم مؤتمر في جمعية الصداقة الإيرانية- السوفياتية

أول محاولة للنخب الأدبية الإيرانية لإنشاء اتحاد كتاب تعود إلى عام 1946 (اندبندنت عربية)

ملخص

تكاد الأوساط الأدبية العربية تجهل تاريخ اتحاد الكتاب الإيرانيين الذي انطلق عام 1968، واجتاز مراحل متعددة ومختلفة، بحسب الظروف السياسية والعسكرية التي شهدتها البلاد منذ حكم الشاه حتى الثورة الخمينية وما تلاها من تحولات عميقة في المجتمع الإيراني. وقد واجه اتحاد الكتاب صعوبات جمة وتعرض أعضاؤه للملاحقة والسجن والاغتيال.

يعود بزوغ المثقفين وما تسمى الحركة التنويرية في إيران، إلى النصف الثاني من القرن الـ19، غير أن دورهم كفئة متبلورة سياسياً واجتماعياً يعود إلى قيام ثورة الدستور في 1909، فقد شارك المثقفون والنخب الدينية إلى جانب المثقفين العلمانيين لفترة، في حركة تأميم النفط في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي غير أن صفوفهم تمايزت بعد انتفاضة مؤيدي الخميني ضد الشاه في عام 1963 التي مهدت لقيام ثورة فبراير (شباط) 1979، التي شاركت فيها الفئتان.

أول محاولة للنخب الأدبية الإيرانية لإنشاء اتحاد كتاب تعود إلى عام 1946 حين أقيم مؤتمر للكتاب الإيرانيين في جمعية الصداقة الإيرانية- السوفياتية في طهران حضرها رئيس الوزراء آنذاك قوام السلطنة، وحضرها نيما يوشيج أبوالشعر الحديث الفارسي، وصادق هدايت أبوالرواية الحديثة الفارسية، والشاعر ملك الشعراء بهار، والأديب علامة دهخدا، والروائي بزرك علوي، والأديب إحسان طبري والمؤرخ سعيد نفيسي، والأديب برويز ناتل خانلري وآخرون. وأعرب المؤتمر في بيانه الختامي عن أمله بتأسيس اتحاد للكتاب الإيرانيين، غير أن الأحداث التي أدت إلى تأميم النفط على يد محمد مصدق خلال الفترة 1948-1950 ومن ثم انقلاب الشاه والدول الغربية ضد مصدق وهيمنة الاستبداد على مناحي الحياة السياسية والثقافية في البلاد، أجل ذلك لأكثر من 20 عاماً.

في مثل هذه الأيام من ربيع 1968 اجتمع عدد من الكتاب والشعراء الإيرانيين في طهران للإعلان عن تشكيل اتحاد مهني لهم، من دون أن تكون له أي علاقة بالسلطة والمؤسسات الحكومية. جاء ذلك رداً على محاولات نظام الشاه محمد رضا بهلوي لتشكيل مؤتمر صوري من مؤيديه باسم "مؤتمر الكتاب والشعراء والمترجمين". فهم كانوا يدركون أن السلطة الملكية تنوي بذلك الإشراف على الكتاب وفرض الرقابة عليهم، وقد تستخدم ذلك المؤتمر ستاراً على خنق الأصوات المستقلة وتوسيع القمع الرائج في المجتمع، ولا يمكن أن يتم إبداع أوازدهار حقيقي للفن والأدب إلا في ظل حرية التفكير والتعبير.

عقب مرور 56 عاماً على تأسيس اتحاد الكتاب الإيرانيين (كانون نويسندكان إيران) وتاريخه المشفوع بالصعود والهبوط، والمعمد بالدم أحياناً، يمكننا أن نقدر أن الحفاظ على هذا النبراس الثقافي، مضيئاً في ظل حكومات استبدادية، ملكية كانت أم جمهورية إسلامية، كان أمراً مميتاً. لقد مارس "السافاك"، جهاز أمن الشاه، وبعده استخبارات الجمهورية الإسلامية عمليات التهديد والاعتقال والأذى ضد أعضاء هذا الاتحاد، مما أدى إلى تعطيل عمله مؤقتاً أو لفترة طويلة. فهي قامت باغتيال أعضائه الفاعلين في أواسط التسعينيات من القرن الماضي، ونفذت استدعاءات متتالية لأعضاء الاتحاد خلال السنوات الأخيرة، وفبركت الملفات ضدهم وأصدرت أحكاماً بالسجن طويلة الأمد بحقهم. كل هذا يؤكد أن أكثر من نصف قرن من الكفاح ضد الرقابة والدفاع عن حرية التعبير والوقوف على المواقف التحررية الواردة في ميثاق وأنظمة رابطة الكتاب الإيرانيين، لم تذهب سدى. ويبدو أن شعار "حرية الرأي والتعبير" تخطى الحدود الضيقة لأوساط المثقفين الملتزمين وأخذ يجرى على لسان فئات واسعة من المتظاهرين في انتفاضة الشعوب في عام 2022.

ثلاث مراحل 

يمكن تصنيف حياة اتحاد كتاب الإيرانيين بثلاث مراحل: الأولى إنشاء الاتحاد في عام 1968 على يد نحو 50 كاتباً وشاعراً ومترجماً بارزاً آنذاك، على رأسهم جلال آل أحمد، والسيدة سيمين دانشور، ومحمود اعتماد زادة (بهاذين)، ورضا براهني، وبهرام بيضائي، ومحمد علي سبانلو، وداريوس آشوري، وإسماعيل نوري علاء، فقد التقى جلال آل أحمد في ذلك العام رئيس الوزراء آنذاك عباس هويدا لأخذ ترخيص أنشطة الاتحاد، ولكن من دون جدوى. ومن سخرية التاريخ أنه تم إعدام هويدا بعيد انتصار الثورة في 1979.

في عام 1970 حظر جهاز الاستخبارات الملكي، للسافاك، اتحاد الكتاب الإيرانيين عن القيام بأي عمل جماعي، وتعطيل نشاطه حتى عام 1977 حين أخذت الأصوات السياسية والثقافية، بما فيها الاتحاد، تعبر عن رأيها، ولو بشكل خجول، ضد هيمنة الاستبداد الشاهنشاهي والحزب الواحد والرقابة الواسعة على المنتجات الأدبية والثقافية. وقد شاع اسم اتحاد الكتاب الإيرانيين خلال هذه الفترة (1978-1979) أثر رسائله المفتوحة الحادة الموجهة إلى الشاه وانتقاداته اللاذعة لمؤسسات القمع والرقابة في حكومته.

وقد اتسعت تلك الأصوات في عام 1978 عندما استغل الاتحاد، الانفتاح السياسي الجزئي الذي فرض على نظام الشاه وأقام، بالتعاون مع معهد غوته الألماني في طهران، 10 ليال متتالية في أكتوبر (تشرين الأول) من ذلك العام، شارك فيها الأعضاء البارزون ذوو الشعبية الواسعة في المجتمع الإيراني، شملت أمسيات شعرية ثورية وخطابات أدبية نارية ونقداً صارخاً للرقابة التي كانت تفرضها الدوائر الحكومية في إيران. ويعد المؤرخون هذا الحدث الأدبي- السياسي، بأنه عامل انطلاق الثورة الإيرانية التي أسقطت نظام الشاه في فبراير (شباط) 1979.

في الحقيقة، كان اتحاد الكتاب الإيرانيين، كتنظيم ثقافي مستقل، إلى جانب شخصيات وطنية وسياسية أخرى معارضة للشاه، يعمل بمثابة بديل للأحزاب السياسية التي حظرها الشاه.

(وقد انتسبت إلى هذا الاتحاد في تلك الفترة متأثراً بمواقفه الإيجابية تجاه الثورة المندلعة ضد الشاه، فلم أعرف إن كان عربي أحوازي آخر غيري، في الاتحاد آنذاك لكني كشفت بعد الثورة أن الروائي الأحوازي عدنان غريفي عضو فيه).

وكما ذكرت، ظهرت أولى بوادر حضور اتحاد الكتاب الإيرانيين في هذه الفترة التي يمكن اعتبارها انطلاقة للمرحلة الثانية لنشاط الاتحاد، غير أنها لم تكتمل إلا بعد سقوط نظام الشاه وتفكيك جهازه الأمني، السافاك، في 1979 واستمر إثر رواج الحريات الثقافية والسياسية في المجتمع الإيراني ولو لفترة قصيرة. استقر الاتحاد في مبنى بالقرب من جامعة طهران وأصدر مجلة "انديشة آزاد"، الفكر الحر، التي ضمت إشعاراً مني ومن شعراء أحوازيين مترجمة إلى الفارسية ومقال حول "تأثير الحرب الإيرانية- العراقية على الشعب العربي الأحوازي". وقد أصدر الاتحاد ميثاقاً جديداً يعبر عن المرحلة الجديدة من حياة المجتمع الإيراني، مؤكداً التنوع القومي في البلاد وضرورة تطوير الثقافات واللغات لدى "الشعوب" القاطنة في إيران وازدهارها، وذلك تحت تأثير الأجواء الثورية والتقدمية السائدة في البلاد.

انشقاق حزب تودة من الاتحاد

لم تمضِ بضعة أشهر على المرحلة الثانية لحياة اتحاد الكتاب الإيرانيين حتى طفحت بعض التباينات الأيديولوجية على السطح. وفيما اقترحت هيئة إدارة الاتحاد المؤلفة من أحمد شاملو، أبرز شاعر فارسي معاصر توفي عام 2000، وباقر برهام، وغلا محسين ساعدي، قصصي وكاتب مسرحي بارز، وإسماعيل خوئي، ومحسن يلفاني، إقامة أمسيات "للحرية والثقافة" في أكتوبر 1979 احتجاجاً على قمع الحكومة الإسلامية الوليدة للحريات ومعاداتها للثقافة، عارض الأعضاء المحسوبون على حزب تودة بقيادة محمود اعتماد زادة (بهاذين) هذا الاقتراح، باعتبار أن الحزب يرى أن هذه الخطوة ستؤدي إلى إضعاف "النهج المعادي للإمبريالية للإمام الخميني". توسعت الفجوة بين هؤلاء المنتمين لحزب تودة من جهة، وبين التيارات الأخرى في اتحاد الكتاب الإيرانيين، وهما التيار الليبرالي والتيار الموالي لمنظمات يسارية راديكالية أخرى، تعادي حزب تودة باعتباره ينفذ توصيات قيادة الاتحاد السوفياتي في دعم الجمهورية الإسلامية من دون قيد أو شرط.

وقد شنت الصحف التابعة لحزب تودة الشيوعي هجوماً عنيفاً على الاتحاد وهيأت إدارته، واتهم اعتماد زادة، إياهم بمعارضة الثورة، معتبراً جماعته بأنها من مؤيدي الخميني، مرشد الثورة آنذاك، متبجحاً بأنهم من التابعين الصادقين للإسلام.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقد أصدرت هيئة إدارة الاتحاد قراراً بطرد خمسة من قادة كتلة حزب تودة في اتحاد الكتاب الإيرانيين، وهم: محمود اعتماد زادة (بهاذين) وسيافش كسرائي وفريدون تنكابني وهوشانج ابتهاج ومحمد تقي برومند، وقد صادقت الجمعية العامة للاتحاد على ذلك في أول يناير 1980. وقد خرج معهم كل أعضاء الكتلة ومنهم كاتب عربي أحوازي اسمه عدنان غريفي. وقد أنشأ هؤلاء بعد انشقاقهم تنظيماً خاصاً لأنفسهم سموه "مجلس الكتاب والفنانين الإيرانيين" ليكون داعماً لنظام الجمهورية الإسلامية بقيادة الخميني. فالانكى في الأمر أن السلطة الدينية الحاكمة، وبعد أن اشتد عودها قامت بقمع كل القوى الديمقراطية والليبرالية واليسارية بما فيها حزب تودة. وقد اعتقلت "بهاذين" وعديد من قادة أوكوادر حزب تودة بحيث قضى ثمانية أعوام في سجون الجمهورية الإسلامية، وظهر مع آخرين من كوادر الحزب على شاشة التلفزيون الرسمي متبرئاً من أفكاره الشيوعية واليسارية. وبالطبع نحن نعرف أن هذه المسرحيات التلفزيونية تتم قسراً، وبعد التعذيب المستمر للسجناء.

يعد عام 1981 عاماً حالكاً في الحياة السياسية للشعوب الإيرانية، عندما قرر رجال الدين الحاكمون، قمع جميع الأحزاب السياسية والصحف المستقلة والمؤسسات المدنية، وكان اتحاد الكتاب واحداً منها. وفي 16 أبريل (نيسان) 1981، ألقي القبض على سعيد سلطان بور في حفلة زفافه واقتيد إلى سجن إيفين وتم إعدامه في 21 يونيو (حزيران) من العام نفسه. فهو الشاعر والكاتب المسرحي والمترجم والعضو البارز في اتحاد الكتاب الإيرانيين، الذي تعرض خلال شهرين ونيف من اعتقاله، لتعذيب شديد، حتى كسروا ضلع صدره.

في النهاية، بعد كل موجات البطش والقمع للكتاب الإيرانيين، وعلى رأسها الاغتيالات التي نفذتها عناصر الاستخبارات، وطالت أعضاء في الاتحاد كأحمد مير علائي وغفار حسيني ومحمد مختاري ومحمد جعفر بويندة في تسعينيات القرن الماضي، وبكتاش آبتين في 2022، وعلى الرغم من كل الاستدعاءات والضغوط ومنع الأجهزة الأمنية للاتحاد باختيار مبنى للاستقرار وإرغام الأعضاء بإقامة اجتماعاتهم الأسبوعية في بيوت الأعضاء، بقي اتحاد الكتاب الإيرانيين يواصل أعماله، فيما ضاع "مجلس الكتاب والفنانين" الإيرانيين في غبار التاريخ ولم يبق له أثر.

وعلى ذكر الاغتيالات في تلك الفترة الحالكة، أي حقبة التسعينيات، نشرت مجموعة دينية متطرفة توصف بـ"أنصار حزب الله" في إيران قائمة تضم أسماء 100 صحافي وكاتب محكوم عليهم بالاغتيال، استمراراً لما تم من تنفيذ عمليات اغتيال لمئات السياسيين والكتاب

والمثقفين في عهدي الرئيسين هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي. وكان اسم كاتب هذه السطور في المرتبة الـ100 على تلك القائمة التي صنفت بحسب الأبجدية للأسماء. ومن المعروف أن هناك علاقات ووشائج كانت تربط "أنصار حزب الله" الإيراني بالأجهزة الأمنية وكانوا مدعومين منها.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة