Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل بدأ فصل جديد في العلاقات بين فرنسا والمغرب؟

متخصصون: يسعى البلدان إلى تحقيق الاستقرار وتعزيز التعاون لمواجهة التحديات الأمنية الراهنة وقضية الصحراء ملف شائك

وزيرا خارجية كل من فرنسا والمغرب ستيفان سيجورنيه وناصر بوريطة في العاصمة الرباط   (أ ف ب)

ملخص

بعد مرور بضعة أشهر من التوتر بين فرنسا والمغرب شهدت العلاقات بين البلدين تغييراً في الموقف، وثمة رغبة جادة في تحقيق التوازن وتجديد العلاقة بينهما
 

بعد مرور 18 شهراً من التوتر قررت فرنسا والمغرب إغلاق صفحة الأزمة الدبلوماسية التي طبعت علاقاتهما. وفي الـ26 من فبراير (شباط) الماضي وصل مبعوث الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للشؤون الدبلوماسية إلى المغرب، إذ ناقش وزيرا خارجية كل من فرنسا والمغرب ستيفان سيجورنيه وناصر بوريطة مستقبل العلاقات بين البلدين، إضافة إلى القضايا الاستراتيجية الأخرى ذات الصلة. فهل يشير ذلك إلى بداية فصل جديد في العلاقات بين البلدين؟

ودائماً ما تعلن باريس أنها شريك موثوق يمكن للمغرب الاعتماد عليه في القضايا الحساسة. وخلال زيارته الرباط أكد وزير الخارجية الفرنسي تمسك بلاده بدعم الرباط، وبالتحديد فيما يتعلق بالصحراء الغربية. وتظهر هذه التصريحات استعداد فرنسا للتفاوض بجدية في هذا الشأن، مدركة أهمية مخطط المغرب للحكم الذاتي في الصحراء المغربية.

 وعلى النحو ذاته سلط ستيفان سيجورنيه الضوء على التقدم الكبير الذي أحرزه المغرب قائلاً "شهد المغرب تغييراً عميقاً، وأنا معجب بالإصلاحات التي أطلقت والمشاريع التي تنفذ". ويكشف هذا التغيير في النبرة بالتأكيد عن نهج جديد تتبعه فرنسا في علاقتها مع المغرب.

المعادلة الصعبة

في هذا السياق يقول الباحث السياسي المتخصص في العلاقات الدولية جان كريستوف غاليان، "بعد مرور بضعة أشهر من التوتر بين فرنسا والمغرب، شهدنا تغييراً في الموقف، وتبدو هناك رغبة جادة في تحقيق التوازن وتجديد العلاقة بين فرنسا والمغرب، ومع ذلك، لا يزال المشهد غير واضح تماماً بالنسبة لدرجة التغيير".

وعن تأثير موقف فرنسا المنحاز للمغرب في قضية الصحراء بالعلاقات الدبلوماسية الخارجية يشير غاليان إلى وجود تحديات كبيرة تتعلق بمنطقة البحر الأبيض المتوسط، إذ يرى أن هذا السياق يثير بعض التوترات والتحديات، وتتضمن هذه التحديات العلاقات بين المغرب والجزائر وبين الأخيرة وفرنسا، خصوصاً في ظل التوترات القوية بين الجزائر والمغرب في شأن قضية الصحراء، مما يجعل من الضروري التغلب على التوترات وحل المشكلات المشتركة بين الدول المعنية.

ويضيف غاليان لـ"اندبندنت عربية"، "هذا السياق الجيوسياسي معقد أحياناً وصعب الفهم، مما قد يؤدي إلى فقدان التوجه. ومن الضروري أن نتجه نحو الفهم والحوار، ويمكننا أن نثمن الجهود التي تبذلها فرنسا في هذا الصدد. وبعد مرور فترة طويلة، وربما تصل إلى 18 شهراً، من التوترات المستمرة والمتوالية، تظل هناك حاجة ماسة إلى استعادة الثقة وإيجاد سبل للتعاون في المستقبل"، موضحاً "يظهر أن هناك جهوداً مشتركة من الجانبين الفرنسي والمغربي لتهدئة التوترات التي تنشأ في مختلف المجالات، وبخاصة فيما يتعلق بالأخطار الأمنية".

يتابع،"العلاقات بين فرنسا والمغرب تعد قوية، وتمتد جذورها في التاريخ، إذ ندرك الأهمية الكبيرة لوجود الجالية المغربية في فرنسا والفرنسيين في المغرب. ويعكس هذا الوجود العمق والتواصل بين البلدين. وتلك العلاقات ذات أهمية كبيرة وتاريخها يتسم بالتعاون والتبادل المستمر. وفي الوقت الراهن، العلاقات بين المغرب وفرنسا في مرحلة من التجديد، إذ يسعى البلدان إلى تحقيق الاستقرار وتعزيز التعاون في وجه التحديات الراهنة، فيما تظهر قضية الصحراء الغربية كأحد التحديات الرئيسة التي تحتم على البلدين التعاون من أجل إيجاد حل سريع وواضح". ويرى المغرب أن هذه القضية جزء لا يتجزأ من أمنه القومي، مع تأكيد الدعم الفرنسي وموقفها في هذا الشأن.

من ناحية أخرى تصر الرباط على رفض إدراج قضية وحدة أراضيها في إطار المفاوضات مع الجزائر، وتعدها قضية داخلية تتعلق بسيادتها وأمنها الوطني. وتعكس هذه المواقف التوترات والتحولات في العلاقات الدولية، مما يبرز المخاوف المشتركة والتحديات التي يواجهها البلدان.

الأزمة الدبلوماسية

تعود جذور الأزمة الدبلوماسية بين الرباط وباريس إلى الاتهامات المتبادلة بالتجسس، إذ اتهمت صحف فرنسية في الرباط بالتجسس على مسؤولين فرنسيين، بما في ذلك الرئيس ماكرون، في إطار قضية برنامج "بيغاسوس". وإلى جانب ذلك، فإن القيود المفروضة على منح التأشيرات للمغاربة أثرت سلباً في العلاقات بين البلدين، وكان لغياب سفير المغرب لدى باريس لفترة طويلة تأثيره في العلاقات الدبلوماسية. أيضاً، أدت أزمة توجيه اتهامات للمغرب برفض المساعدات الفرنسية بعد زلزال الحوز في المغرب إلى تصاعد التوترات بين البلدين.

وفيما يتعلق باتجاه العلاقات بين البلدين يقول العميد المتقاعد في الأمن القومي محمد أكضيض "العلاقات بين البلدين عاشت توتراً واضحاً ووصلت إلى حد القطيعة الدبلوماسية، لأسباب عدة، منها اتهام فرنسا للمغرب ببرنامج التجسس (بيغاسوس). وهو ما رفضته الأخيرة، وأكدت أن علاقات المغرب الخارجية تتسم بالتزام مبدأ احترام وحدة التراب الوطني والتصدي لأي تدخلات خارجية في الشؤون الداخلية."

 

وتابع "أعلنت إسبانيا دعمها لمغربية الصحراء ودعم الحكم الذاتي كخطوة نحو إنهاء النزاع مع الجزائر الذي يعد من بقايا الحرب الباردة البائدة. واتبعت ألمانيا النهج نفسه بمشاركتها هذا التوجه إلى جانب الولايات المتحدة في فترة ترمب، إذ أعلنت اعترافها الرسمي بسيادة المغرب على الصحراء المغربية عبر قرار رئاسي. وعلى رغم ذلك، تظل فرنسا، وفقاً لرؤية الدبلوماسية المغربية، في منطقة رمادية، إذ يعتقد أنها لا ترغب في إلحاق أي ضرر بالعلاقات مع الجزائر كما كانت في الماضي. في بعض الأحيان، قد تظهر ميلاً واضحاً نحوها".

وأشار إلى أن الاستثمار الفرنسي في الصحراء المغربية ليس مجرد مرحلة، بل بداية لحوار دافئ يشكل الثقة نحو موقف فرنسا الإيجابي تجاه هذه القضية الحساسة، وهو دافع يجعلها تخرج من الضبابية.

وعلى صعيد التعاون الأمني، بما فيه الاستخباراتي، أوضح أكضيض حاجة الأمن القومي الفرنسي إلى دعم المؤسسة الأمنية المغربية. فقد كانت الاستخبارات المغربية سبباً مباشراً في تجنب وقوع حوادث دامية على الأراضي الفرنسية، وقامت بدور فعال في إحباط عمليات إرهابية عديدة. ولهذا السبب، كرم الرئيس الفرنسي السابق فرنسوا هولاند المدير العام للأمن الوطني والاستخبارات المغربية عبداللطيف الحموشي بوسام الجمهورية الفرنسية تقديراً لدوره البارز في هذا المجال.

وتعليقاً على زيارة وزير الخارجية الفرنسي للمغرب يرى أكضيض أنها لا تحمل قيمة مضافة إلى المغرب، حيث لا يمتلك الدبلوماسي صلاحية اتخاذ القرارات الرسمية، مشدداً على أهمية ضرورة التشاور والتنسيق بين البلدين فيما يخص القرارات الدبلوماسية، ويعبر عن قلقه من عدم احترام هذا المبدأ.

أسس جديدة للتعاون 

في المقابل، يرى رئيس لجنة الخارجية والدفاع الوطني في مجلس النواب المغربي السابق يوسف الغربي لـ"اندبندنت عربية"، "العلاقات المغربية - الفرنسية تظل متينة ومتشابكة على رغم أي توتر دبلوماسي، وهذا يعكس العلاقات العميقة والمصالح المشتركة بين البلدين. ويمتد هذا التفاعل إلى مجموعة واسعة من المجالات مثل التبادل التجاري والعلاقات الأسرية والتعليمية". ويضيف "على سبيل المثال، فإن فرنسا تظل وجهة أساسية للطلبة المغاربة، والتعليم الفرنسي في الرباط لا يزال يحظى باهتمام كثر. كما يشير الاهتمام المتبادل بتبادل الزيارات الرسمية إلى أهمية العلاقات بين البلدين على المستوى السياسي".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبحسب الغربي فإن هذا التبادل يندرج ضمن إطار تفاعل معقد يتأثر بعوامل عدة، بما في ذلك الروابط التاريخية والمصالح الاقتصادية والسياسية والثقافية وغيرها. من وجهة نظره، يعتبر الغربي تبادل الزيارات الرسمية أمراً مهماً وطبيعياً بناءً على الارتباطات الوثيقة بين الشعبين، إذ يظل المغرب وجهة مفضلة للسياحة بالنسبة للفرنسيين. ويمكن لهذه الزيارات الرسمية أن تعزز العلاقات الثنائية والتواصل والتفاهم بين الحكومتين، وهو ما يسهم في تعزيز العلاقات الشعبية وتعميق الصداقة والتعاون المشترك بين البلدين. ويرى أن فرنسا استمرت في اتخاذ مواقف إيجابية تجاهها في الساحات الدولية مثل مجلس الأمن، إذ تدعم الحكم الذاتي كحل واقعي وعملياً، كما تصفه قرارات الأمم المتحدة، لكن المفقود هو الاعتراف الصريح بالسيادة المغربية على أراضيها. وفرنسا تستحق أكثر من أي دولة أخرى هذا الاعتراف، لأنها تعرف تاريخ الإقليم كمحتل سابق لجزء من المغرب، وتعرف الاتفاقيات التي أدت إلى توقيع وثيقة الحماية التي تنازلت بموجبها لإسبانيا عن الصحراء والشمال وبقية أجزاء وسطى وشرقية وجنوب شرقية تحت حمايتها نظراً إلى ماضيها الاستعماري.

وعن الموقف الفرنسي يقول الغربي "لكي تصحح فرنسا التشوهات الناتجة من الحقبة الاستعمارية عليها أن تنسجم مع الحقيقة التاريخية التي سبقت فترة احتلالها. ولا بد لفرنسا من اتخاذ خطوة مماثلة لتلك التي اتخذتها إسبانيا وألمانيا، وأن تتحرر من الموقف الوسيط الذي لا يخدمها ولا يعزز علاقاتها العميقة مع الدول التي تربطها بها علاقات مهمة".

وفقا لما قاله رئيس لجنة الخارجية والدفاع الوطني فإن القضية الوطنية بالنسبة للمغاربة تعد محسومة. وقال "إننا نعول فيها على إرادتنا الوطنية التي تقوم على الالتحام بين العرش والشعب. كوننا شعباً محباً للسلام ومتطلعين لنسج علاقات جوار جيدة، فإننا نولي اهتماماً كبيراً بموقف الأصدقاء الذين يفهمون تفاصيل القضية المغربية ويحترمون حق المغرب، وهو حق لا يشك فيه".

وبناءً على ما صرح به يشير الغربي إلى أن الخطوة المذكورة ستلعب دوراً كبيراً في إيجاد حل واقعي وعملي للقضية المغربية، وستعزز الفهم المتبادل والتعاون البناء بين الشركاء الدوليين، كما ستسهم أيضاً في تبديد الغيوم التي تلبدت في سماء العلاقات المغربية - الفرنسية.

مستقبل العلاقات بين باريس والرباط

وهكذا تبدو الرحلة نحو تحسين العلاقات الفرنسية - المغربية خطوة جريئة، إذ يسعى الرئيس ماكرون ووزير الخارجية سيجورنيه إلى تجاوز التحديات وبناء جسور الثقة والتفاهم بين البلدين. ووسط الفجوة الزمنية الطويلة والتوترات السابقة، تثار تساؤلات حول إمكانية تحقيق تغيير إيجابي يخدم مصالح الطرفين ويسهم في صياغة مستقبل مشرق للعلاقات بين باريس والرباط. فهل ستنجح فعلاً هذه المساعي على رغم طول مدة التجمد الدبلوماسي في السابق؟

يشار إلى أن الرئيس ماكرون زار المغرب مرتين في إطار زيارات عمل، إذ كانت الزيارة الأولى بعد توليه رئاسة فرنسا في عام 2017، والثانية لافتتاح خط القطار السريع بين طنجة والدار البيضاء في عام 2018. وعلى رغم ذلك، لم يقم بزيارة رسمية حتى الآن. وتعد الفترة الطويلة من التقلبات التي شهدتها العلاقات الثنائية منذ عام 2021 إلى 2023 عائقاً لزيارته الرسمية.

المزيد من متابعات