Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تبددت خطط واشنطن لإنهاء حرب السودان؟

تشكل الولايات المتحدة والسعودية الجهتين الفاعلتين الوحيدتين اللتين تُجمع عليهما الأطراف المتحاربة وتستجيب لنداءاتهما للحوار

على رغم تأرجح جهود واشنطن في الوساطة لحل الأزمة السودانية، لكن من المبكر الحكم عليها بالفشل (موقع لجنة الإنقاذ الدولية)

ملخص

مع اندلاع الحرب في السودان تلقى بايدن توصية من فريق الأمن القومي التابع له، مفادها أنه "لا نهاية محتملة في الأفق للقتال"

على رغم أن المسؤولية المباشرة عن اندلاع الحرب في السودان تقع على عاتق قائد الجيش الفريق عبدالفتاح البرهان، وقائد "قوات الدعم السريع" محمد حمدان دقلو حميدتي، فإن البحث في جذور الشقاق الكبير في المؤسسة العسكرية يعود إلى أن الولايات المتحدة تتحمل مسؤولية صياغة الدستور الانتقالي لعام 2019، الذي نصّ على أن الفترة الانتقالية سيتولاها المكون العسكري لمدة سنتين، ثم يعقبه المكون المدني لعام ونصف العام. وعليه، كانت الإدارة الأميركية على اتصال بالقادة العسكريين في السودان، وشاهدة على أسباب الخلافات العديدة بين المكونين من دون أن تعيد تقييمها للتغيير الحديث بعد فترة ديكتاتورية استمرت لثلاثة عقود.
في تلك الفترة كان السفير الأميركي المعيَّن حديثاً في السودان جون غودفري، الذي قدم أوراق اعتماده في سبتمبر (أيلول) 2022، لرئيس مجلس السيادة الانتقالي عبدالفتاح البرهان، منغمساً في كل شيء في السودان إلا السياسة. وما عدا زياراته إلى معسكرات النازحين في إقليم دارفور، فإن نشاطه الواسع اقتصر على التعبير عن رغبته في فهم الشعب السوداني، مشيراً إلى أن "فهم الشعوب هي مهمة كل الدبلوماسيين في البلاد التي يعملون بها". وكان اهتمامه وظهوره السياسي ضعيفاً، في وقت يحتاج فيه السودان إلى الدعم لتحقيق الانتقال الديمقراطي.
اندمج غودفري في الثقافة السودانية، وشارك بعض الأسر طريقة إعداد وتناول الطعام السوداني، بما فيها إفطارات رمضان التي تقيمها الأسر في شوارع الأحياء السكنية. وقال "سأكون سفيراً لكل السودانيين، وسأسافر لكل أنحاء البلد لفهم الثقافة السودانية، وأرى الضيافة المعروف بها السودان". وبالفعل أوفى بوعده، حيث سافر غرباً إلى جبل مرة، وشرقاً إلى جبال التاكا، وشمالاً إلى جبل البركل وزار الآثار السودانية في منطقة "المصورات"، ومنطقة الكاسنجر السياحية، والتقى رجال الطرق الصوفية والمطربين الشعبيين، وغير ذلك.


إنهاء القطيعة

انتهت فترة السفير غودفري من دون أن يترك بصمة واضحة كان السودان بحاجة لها، خصوصاً أن مجيئه وقتها شكل إنهاء قطيعة دبلوماسية بين السودان والولايات المتحدة امتدت ربع قرن، منذ مغادرة تيموثي إم. كارني الذي شغل منصب سفير فوق العادة ومفوض، لمدة ثلاثة أشهر فقط من يونيو (حزيران) إلى سبتمبر (أيلول) 1995. وأغلقت السفارة في عام 1996 بعد تصنيف السودان في عام 1993 كدولة راعية للإرهاب، ثم فرضت واشنطن عقوبات اقتصادية وتجارية ومالية شاملة على السودان في عام 1997. وأعادت مرة أخرى فتح البعثة الدبلوماسية بالخرطوم في عام 2002، ولكن عبر ضباط خدموا تحت مسمى القائم بالأعمال بالإنابة.
بعد أن تقدم جون غودفري باستقالته رسمياً، أعلنت الإدارة الأميركية، الإثنين الماضي، عن تعيين توم بيرييلو مبعوثاً خاصاً للسودان، وأنه سيعمل على "تنسيق سياسة الولايات المتحدة في شأن السودان، وتعزيز الجهود لإنهاء المعارك وتأمين وصول المساعدات الإنسانية من دون عوائق، ودعم الشعب السوداني في سعيه لتحقيق تطلعاته من أجل الحرية والسلام والعدالة".
إلى جانب بيرييلو، الذي سبق وكان مبعوثاً أميركياً خاصاً لمنطقة البحيرات العظمى في أفريقيا، سيتولى دانيال روبنشتاين منصب القائم بالأعمال الموقت في السودان بصفته مديراً لمكتب الشؤون السودانية. وشغل روبنشتاين من قبل منصب رئيس وحدة المراقبة المدنية في القوة متعددة الجنسيات، وخبير فصل القوات في شبه جزيرة سيناء، وخدم مع سلطة التحالف الدولي الموقتة في بغداد، بيد أن أهم محطة عمل تشابه دوره المرتقب بالسودان، كانت في سوريا، حيث كان عليه أن يعمل على إعادة ترسيم الحدود بين الأطراف المتقاتلة، تمهيداً لمرحلة ما بعد الحرب. كما ترأس وفد الولايات المتحدة في محادثات ومبادرة جدة لاستئناف جهود الحوار بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع"، التي شارك فيها غودفري أيضاً في يوليو (تموز) الماضي.

آثار الصراع

 قبل نشوب الحرب في السودان، توقع مراقبون أن تتمكن حكومة الفترة الانتقالية من حل الأزمة الاقتصادية والسياسية، ولكن تحطم هذا الأمل بالانشقاقات المتكررة بين المكونين المدني والعسكري من جهة، وداخل كل مكون من جهة أخرى.
وكلفت الفترة الزمنية التي تقترب من العام منذ اندلاع الحرب في السودان، البلاد حالة من التدهور الإنساني المريع، إذ سجل السودان أكبر عدد من النازحين داخلياً على مستوى العالم. وقال وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ بالسودان مارتن غريفيث، إن العدد في بدايات هذا العام 2024، تجاوز ثمانية ملايين شخص.  كما شهدت البلاد موجات لجوء كبيرة إلى دول الجوار، فقد أكد الأمين العام للمجلس النرويجي للاجئين، يان إيغلاند، في شأن اللاجئين إلى دولة جنوب السودان وحدها، بأن العدد "تخطى 500 ألف شخص أي أكثر من 30 في المئة من جميع اللاجئين وطالبي اللجوء". وتابع، "يضاف هذا العدد إلى نحو تسعة ملايين شخص من سكان جنوب السودان بحاجة إلى مساعدات إنسانية، ويواجه ما يقرب من 60 في المئة منهم مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي".
كما كشف "التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي"، في آخر تحديث له أن الصراع الشديد والعنف المنظم، إلى جانب التدهور الاقتصادي المستمر، دفع ما يقرب من 18 مليون شخص في جميع أنحاء السودان أي نحو 37 في المئة من السكان، إلى مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد، المصنف في المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي المتكامل، في الفترة فقط بين أكتوبر (تشرين الأول) 2023 وفبراير (شباط) 2024، كأسوأ أزمة عالمية. وأضاف التصنيف أن من بين هؤلاء، نحو خمسة ملايين شخص أي 10 في المئة من السكان في المرحلة الرابعة من التصنيف المتكامل في حالة "الطوارئ"، وما يقرب من 13 مليون شخص أي 27 في المئة من السكان في مرحلة "الأزمة".
وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، دعت العالم إلى عدم غض الطرف عن مأساة أطفال السودان التي أصبحت الآن أكبر أزمة نزوح للأطفال في العالم.


عملية نادرة

ومنذ اندلاع انتفاضة 2018، التي أطاحت الرئيس السابق عمر البشير في عام 2019، وتشكيل حكومة الفترة الانتقالية، كان يُتوقع أن يحدث ذلك تغييراً في سياسات الولايات المتحدة تجاه السودان، ولكن تأرجحت إدارة ملف السودان لدى واشنطن بين فرض النفوذ والتجاهل. وعندما نشبت الحرب، ظل ملف السودان يتعرض لخلافات عدة بين المؤسسات الأميركية.

 بعد اندلاع الحرب، أمر الرئيس جو بايدن القوات الأميركية بإجلاء موظفي السفارة والمواطنين الأميركيين الذي قُدِّر عددهم بنحو 16 ألف مواطن أميركي، بعد تعرض موكب السفارة الأميركية لهجوم في الخرطوم، كما أدت أعمال العنف إلى حوادث قُتل أو أصيب أو اعتُدي فيها على دبلوماسيين أجانب وعمال إغاثة. وتلقى بايدن وقتها توصية من فريق الأمن القومي التابع له، بأنه "لا نهاية محتملة في الأفق للقتال". ونفذت قوات العمليات الخاصة الأميركية المكونة من نحو 100 جندي أميركي في ثلاث مروحيات، عملية إخلاء للسفارة الأميركية في الخرطوم، كانت محفوفة بالمخاطر، ودخلت العاصمة الخرطوم بطائرات هليكوبتر لمدة أقل من ساعة. وكانت القيادة الأميركية في أفريقيا ورئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال مارك ميلي، على اتصال مع الفصائل قبل وأثناء العملية لضمان حصول القوات الأميركية على ممر آمن لتنفيذ الإخلاء. ومع خروج آخر موظف في السفارة من الخرطوم، أغلقت الولايات المتحدة بعثتها الدبلوماسية إلى أجل غير مسمى، بينما بقي بعض أفراد البعثة الأميركية يعمل من مواقع عدة لتسهيل المساعدات الإنسانية، وحماية المدنيين وتأمين وقف إطلاق النار، ودعم الشعب السوداني.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


كما نفذت السعودية عملية إجلاء واسعة النطاق، شملت رعايا دول عدة من ضمنهم موظفين في السفارة الأميركية ومواطنين أميركيين من بورتسودان، واستضافت فريق الموظفين المحليين بالسفارة بمدينة جدة.
وتُعد عملية إجلاء السفارة الأميركية من الخرطوم من العمليات النادرة التي نفذها الجيش الأميركي، حيث تمت في ظل ظروف قاسية، شبهها صحافيون أميركيون بما تم من قبل عند إغلاق السفارة الأميركية في كييف مع اندلاع الحرب الروسية- الأوكرانية في فبراير 2022. وقبل ذلك في أفغانستان في عام 2021، وحين رافقت القوات الأميركية أفراداً من السفارة الأميركية في العاصمة الليبية طرابلس، في قافلة برية إلى تونس عندما تم إجلاؤها في عام 2014.

مبادرات متنافسة

وعلى رغم تأرجح جهود واشنطن في الوساطة لحل الأزمة السودانية، لكن من المبكر الحكم عليها بالفشل لا سيما أنها تقود هذه الجهود إلى جانب السعودية التي عكست مساعي واضحة وآلية لفض النزاع كان يمكن أن تثمر من جولاتها الأولى لولا حالة الفوضى في اتخاذ القرار التي تلازم الحكومة السودانية مما يشكل خطراً يتمثل في ضياع فرص عدة.
وفي الإطار نشأت مبادرات متنافسة من قبل الاتحاد الأفريقي ومنظمة "إيغاد"، أدت إلى تعدد المسارات التفاوضية وكادت تقوض علاقات السودان مع دول الإقليم، مما جعل الولايات المتحدة والسعودية الجهتين الفاعلتين الوحيدتين اللتين تُجمع عليهما الأطراف المتحاربة وتستجيب لنداءاتهما لإجراء محادثات رسمية، بغض النظر عن النتائج. وفي ذلك أكد مسؤولون أميركيون منذ توقف مفاوضات "منبر جدة" في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أن بإمكانهم القيام بعمل أفضل وبشكل أوثق مع شركاء وإلى جانب الرياض في أي محادثات مستقبلية، وهذا الموقف يعد تطوراً لرعايتها المفاوضات في المنطقة التي كانت تعتمد فيها على دول الاتحاد الأفريقي و"إيغاد".
وتنبع مخاوف الولايات المتحدة من الأزمة السودانية من علاقة "الدعم السريع" بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وقوات "فاغنر"، مما يرجح تمويل تكاليف حرب روسيا في أوكرانيا من خلال الاستثمار في مناجم الذهب بالسودان. كما أن إطلالة السودان على البحر الأحمر تمثل سيفاً ذا حدين، فمن ناحية يمكن لواشنطن استغلال هذا الموقع الاستراتيجي للإشراف على ما يهدد مصالحها، خصوصاً في منطقة مليئة بالتعقيدات الأمنية والسياسية، ومن ناحية أخرى يحيط بهذا الموقع تنافس دولي مهدِد للاستقرار في وقت لا تسمح فيه التعقيدات نفسها بتدخل الولايات المتحدة في أكثر من نقطة في المنطقة ذاتها. ويضاف إلى ذلك، أن الفراغ الدبلوماسي الأميركي في السودان، مع احتمال طول أمد الحرب وما يمكن أن يؤدي إلى كارثة إنسانية ربما تعرض منطقة القرن الأفريقي إلى مزيد من كوارث الجفاف وانعدام الغذاء والاستقرار.


سيناريوهات مختلفة

مع التوقعات العامة من بيرييلو وروبنشتاين بأن يكون لهما دور في تعزيز العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة والسودان، وبحث سبل إيقاف الحرب، وبالنظر إلى رغبة واشنطن في إنهائها، فإن ذلك لا يعني بالضرورة أنها ستخطط لتنفيذها بشكل موضوعي، وفقاً لما هو معروف عن سياساتها في الشرق الأوسط وأفريقيا بأن ما تريده يستند دوماً إلى ما يمكنها تحقيقه.
ربما تفكر الإدارة الأميركية في سيناريوهات مختلفة في الوقت الحالي، نظراً إلى نقاط الضعف الواضحة في الموقف السوداني وعدم رضا واشنطن عن أيّ من طرفي النزاع. وتذبذب موقف واشنطن بين الإدانة التي أعقبها فرض عقوبات على قادة الحرب وكيانات شاركت في تهديد السلام والأمن والاستقرار في السودان، في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تعهدت واشنطن محاسبة الذين يقوضون جهود إنهاء الحرب المستمرة في السودان منذ منتصف أبريل الماضي، وبين التركيز على وقف الحرب سواء بهدنة أو غيرها للسماح بمرور المساعدات الإنسانية، ثم بعد ذلك النظر في وسيلة الحكم.
تعتقد واشنطن أن الوقت الذي يدير فيه عسكر السودان حربهم، يصب في صالحها إلى حين الفراغ من الحرب في أوكرانيا وغزة، أو إدارتها بوصفها "مهمة ثانوية". وحاول السفير السابق التأكيد على رواية الحرب السودانية التي تم قبولها في أجزاء كثيرة من العالم، بأنها من أجل الديمقراطية ونتيجة لفرض الفريق البرهان إجراءات مكبِّلة لتحرك المكون المدني وإلغاء العمل بالوثيقة الدستورية لعام 2021. وعلى رغم غموض طريق المبعوث والقائم بأعمال البعثة، يُرجح أن نهجهما بالسير في اتجاه سلفهما لن يختلف، وإن اختلفت التفاصيل.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل