Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أوروبا تستوعب درس "جدار برلين" بعد عامين من حرب أوكرانيا

تبحث عن دفاع ذاتي من دون مساعدة الولايات المتحدة وماكرون: لا يمكننا ترك أمن القارة رهن أهواء الناخب الأميركي

في مؤتمر صحافي قال ماكرون إن على أوروبا أن تفكر فعلاً في تغيير اقتصادها إلى اقتصاد حرب (أ ف ب)

ملخص

ما الذي تغير في خريطة العلاقات الدولية بعد عامين على الحرب في أوكرانيا، وما هي السيناريوهات الممكنة للخروج منها؟

استقبلت باريس مساء أمس الإثنين، اجتماع رؤساء دول وحكومات أوروبا لمناسبة مرور عامين على الحرب في أوكرانيا ولبحث سبل مواصلة دعمها في حربها مع روسيا في ظل تعثر المساعدات الأميركية لكييف.

وناقش الرؤساء في اجتماعهم سبل مضاعفة المساعدات، فذكر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عبر الفيديو أن بلاده لم تتلقَّ سوى 30 في المئة من المساعدات التي وعدت بها أوروبا.  

وفي مؤتمره الصحافي قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إن على أوروبا أن تفكر فعلاً في تغيير اقتصادها إلى اقتصاد حرب، مشدداً على أنه لا يمكن لأوروبا أن تترك روسيا تنتصر ومشيراً إلى وجود ثمانية تحالفات قدرة دفاعية يتعين تعزيزها، إضافة الى الدفاع السيبراني وإنتاج الأسلحة بصورة مشتركة.

ولفت إلى أن هذه الحرب تشكل وعياً لأوروبا بأن أمنها "لا يجب أن يكون تحت رحمة أهواء الناخب الأميركي وعليها أن تبني دفاعها".

ولم يستبعد ماكرون إمكان إرسال جنود على الأرض إذا تطلب الأمر ذلك لاحقاً، مؤكداً أن هذا الاحتمال يجب أن يكون وارداً في وقت من الأوقات، وهو تصريح استخدمته وسائل الإعلام الفرنسية على نحو موسع.

لكن ما الذي تغير في خريطة العلاقات الدولية بعد عامين على الحرب في أوكرانيا، وما هي السيناريوهات الممكنة للخروج منها؟

يعتبر أستاذ العلاقات الدولية في معهد العلوم السياسية في باريس برتران بادي أن ما يحصل اليوم في غزة وقبله الحرب في أوكرانيا، يعكسان فقدان الولايات المتحدة لقوتها المستقطبة، فهي لم تتمكن من إعادة تشكيل قوة الجذب بعد موت القطبية الثنائية، واصفاً العالم الذي وصلنا إليه بأنه "مائع، تتشكل فيه العلاقات وتنحل لتعود وتتشكل ثانية بحسب الظروف والرهانات. وفي ظل هذا الواقع بات من المستحيل التنبؤ بموازين القوى في العلاقات الدولية".

محور روسيا والصين وإيران

وينفي بادي في تصريحات إلى "اندبندنت عربية" صفة المحور المتمثل في الصين وروسيا وإيران، مبرراً ذلك بالقول إن الصين لم تكن حليفاً لأي طرف على مر تاريخها الممتد على مدى 4000 سنة، فهي لا تكف عن تغيير موقعها بحسب الظروف والرهانات من دون أي التزام. وإذا راقبنا موقفها، سواء حيال القضية الفلسطينية، أو الحرب في اوكرانيا، أو الصراعات الدولية الأخرى كافة، سنجد أنها تتبنى على الدوام موقفاً حذراً ومتحفظاً. والخطأ الذي يرتكبه الغرب اليوم، بحسب رأيه، هو أنه يدفع الصين نحو روسيا عبر الحديث عن "محور ديكتاتوري" وما إلى ذلك، فقوة إيران تختلف عن قوة الصين وروسيا ولا يمكن مقارنتها بهما.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويتابع أنه "منذ تشديد العقوبات على إيران (بعد أن نقضت الاتفاق حول برنامجها النووي في 2015) تم دفعها نحو روسيا. فإيران كما نرى، استناداً إلى مواقفها الإقليمية، سواء في ما يتعلق بالخلاف مع إسرائيل أو عبر مصالحتها مع السعودية، تشير إلى عدم اصطفافها إلى جانب أي طرف، لكن المعلقين الغربيين يروجون لشيء يساعدون هم على تحقيقه".

ويرى أن تركيز الغرب على مقولة المحاور ليس سوى "تبسيط وانعكاس لنزعة متأصلة لديه، فهو يعكس صورته على الغير"، موضحاً أن "التحالف هو نتاج غربي، وأبرز تعبير عنه هو حلف شمال الأطلسي (ناتو)، والصين لم تسجن نفسها في لعبة تحالفات مع أي طرف".

وحول تفسيره لتهديد ترمب بمعاقبة الدول التي لا تسهم في موازنة حلف الأطلسي، يشير برتران بادي إلى ضرورة التعاطي مع هذه المسألة بحذر، فقد أثارت المشاعر في أوروبا بسبب حال الغموض السائدة حالياً. كما يجب ألا ننسى أن تصريحات ترمب تأتي ضمن سياسة ترويج انتخابية، وهو لا يبحث عن تحديد سياسات خارجية بل عن إطلاق شعارات انتخابية تروق للناخب الأميركي، وهذا الناخب بات يحب التقوقع على اعتبار أن بلاده تنفق كثيراً على الحروب التي تكلفه غالياً ولا تعود بأية فائدة عليه.

وأوضح برتران بادي أن الغموض السائد يطرح عدداً من التساؤلات حول القدرة الدفاعية الأوروبية لأن أوروبا تواجه أزمة مزدوجة، اقتصادية تقودها لرفض رفع موازنة الدفاع بصورة جدية، وأزمة في العلاقات الأورو- أطلسية، وهذه سابقة في تاريخ العلاقات مع الولايات المتحدة التي لم تبتعد يوماً منذ عام 1945 من مشكلات أوروبا وأزماتها بهذا الوضوح.

إشكالية الدفاع الأوروبي

اجتماع الأمس شدد على ضرورة بناء أوروبا دفاعياً، لكن التوصل إلى بناء قوة دفاعية أوروبية مشتركة أمر صعب مليء بالعقبات. ويبرر بادي ذلك بالقول إن "الدفاع هو أداة ترتبط بسياسة خارجية أوروبية موحدة، وهذه السياسة غير موجودة في القارة"، متسائلاً عن العامل المشترك بين السياسة الخارجية في إسبانيا أو البرتغال من جهة، والسياسة الخارجية في بولندا أو المجر من جهة أخرى ومشدداً على أن المشكلة نجمت أساساً عن عدم إدراك أوروبا بعد سقوط جدار برلين بضرورة إعادة رسم الهندسة الأوروبية.

ويتابع أن "أوروبا لم تعرف كيف تدير مرحلة ما بعد سقوط جدار برلين، ولم تفهم أن اختفاء الاتحاد السوفياتي يفرض ذلك. لكنها تغاضت عنه وواصلت التصرف وكأن شيئاً لم يحدث، وأبقت على الحلف الأطلسي من دون أن تعي أن المعطيات تغيرت وأن من الصعب أن تحدد هويتها في إطار وضعية مختلفة وجديدة تماماً".

وحول إمكان الدخول في حدود مشتركة مع روسيا عبر انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي، يرى برتران بادي أن الحدود المباشرة مع روسيا موجودة عبر دول البلقان، فهي ليست في أوروبا لكنها في "الأطلسي"، ودول أخرى على غرار فنلندا، أو مع بيلاروس عبر بولندا.

ويشدد على "وجوب الحفاظ على التحليل بدم بارد، فقبول أوكرانيا كمرشحة رسمية للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي لا يعني انضمامها، هذا سياق طويل ومعقد، ولا يمكن أن تنضم إلى أوروبا في ظل الظروف الحالية".

مفاوضات لإنهاء الحرب

ويعتبر بادي أن "المفاوضات لا يمكن أن تضع حداً للحرب التي لا أحد يعرف كيف ستنتهي، فهي إما ستطول أكثر من ذلك أو تنتهي وحدها عبر الإنهاك أو عن طريق رفض المواصلة في الاستثمار بمجهود الحرب، كما يمكن أن نتخيل عمليات انسحاب. لكن ذلك لا يقضي على أمل التوصل إلى تسوية، وكل السيناريوهات تتطلب وقتاً طويلاً. والحل الأول يمكن أن يأتي عبر وساطة محتملة تقودها دولة عظمى خارجة عن القارة الأوروبية كالصين مثلاً، وهذا سبق أن تمت الإشارة إليه".

المقاربة الأخرى يمكن أن تقودها دولة من الجنوب، ويستبعد بادي هنا أن يأتي الحل عن "طريق المنظمات الإقليمية الأوروبية، ولا عبر الأمم المتحدة التي هي مجمدة بسبب الفيتو الروسي على أوكرانيا"، مشيراً إلى أن "هذا الحل يبقى افتراضياً. لكن هناك مبادرة يمكن أن تكون أكثر واقعية، وتتمثل في تنظيم مؤتمر أمني أوروبي لا يأخذ شكل مفاوضات بين عدوين هما أوكرانيا وروسيا، بل مفاوضات بين مجمل الشركاء الأوروبيين للقيام بما كان يجب القيام به منذ 1991، أي بعد سقوط جدار برلين، بحثاً عن شروط هندسة أمنية جديدة في أوروبا، فعدم البحث في هذا الجانب كان وراء نشوب هذه الحرب".

 

وفي النهاية يرى برتران بادي أن تجميد المساعدات إلى أوكرانيا في الكونغرس، والتي لم توافق عليها غرفة النواب في الولايات المتحدة وتبلغ 60 مليار دولار، ناجم عن اللعبة السياسية الداخلية على غرار جملة ترمب المرتبطة بالمرحلة الانتخابية.

ويعزو رغبة الولايات المتحدة في الانسحاب إلى أسباب اجتماعية وليست استراتيجية، مشيراً إلى أن "الولايات المتحدة تشهد نهاية حقبة المحافظين الجدد التي بدأت مع جورج دبليو بوش، وأطلق عليها اسم مرحلة تغيير النظام، والولايات المتحدة لا تريد مواصلة الاستثمار في مثل تلك العمليات. واليوم علينا التكيف للعيش في ظل علاقات دولية تسيطر عليها مراكز جاذبة أخرى خارجة عن ضغط الهيمنة الأميركية التي أججها جورج دبليو بوش والمحافظون، لكنها كانت موجودة منذ نهاية القرن الـ19 حين خرجت الولايات المتحدة إلى ما بعد حدودها لتهتم أولاً بأميركا اللاتينية، ثم بأوروبا وقضايا العالم، وهذا الدور لن ينتهي لكنه في حال انكماش، مقارنة بما عرفناه سابقاً في القضايا الدولية".

أما قضية تزويد أوكرانيا بالسلاح والذخيرة فهي، بحسب بادي، "تكشف عن مسألتين، الأولى متعلقة بالإرادة والثانية بالقدرة، فهل تريد الولايات المتحدة مواصلة الالتزام؟ كما أوردت سابقاً هناك نزعة للانسحاب والتردد، على رغم أن هذا التردد أضعف تجاه إسرائيل مما هو حيال أوكرانيا. أما بالنسبة إلى مسألة القدرة، أي قدرة تحويل اقتصاد الولايات المتحدة واقتصاد أوروبا إلى اقتصاد حرب، فهذا له حدوده، من دون أن ننسى المسألة الأهم التي تتعلق بالمخزون الاستراتيجي، فمواصلة تزويد السلاح يضع المخزون في حال خطرة، كما أن تحويل آلات الصناعة إلى آلات صناعة حربية له حدوده هو الآخر، وبوتين يعلم أن الاثنتين (الإرادة والقدرة) لا يمكنهما المواصلة".

المزيد من تقارير