Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما الاضطراب الهرموني الذي يدمر صحة النساء النفسية؟

تعاني ما بين اثنتين إلى ثمانية من كل 100 سيدة هذه الحالة المنهكة. ومع ذلك لا يزال هناك نقص كبير في الفهم حولها

تشمل أعراض اضطراب ما قبل الطمث الاكتئابي الإرهاق والنسيان وسهولة الاستياء والقلق والاكتئاب والعدوانية (غيتي)

ملخص

بالنسبة إلى كثيرات، تكبل هذه الحالة حياتهن وتتسبب لهن شهرياً باعتلال كبير يصيب عافيتهن النفسية والجسدية

كل شهر، تمر بي بضعة أيام أشعر فيها بحزن شديد يكاد يمنعني من مغادرة المنزل. كما تنتابتني نوبات ذعر ومشاعر يأس وأفكار انتحارية. ولأن معاناتي هذه لم تبدأ سوى خلال السنوات الأخيرة، توفر أمامي كثير من المبررات التي يمكن أن أعزيها إليها. فإما العمل، أو العائلة، أو الأمور المالية، أو العلاقات، أو الصحة، أو موانع الحمل، أو أصحاب المنازل التي أقيم فيها. باختصار، كانت أي مسألة قد تطرأ في حياة أي منا هي المسؤولة، في وقت من الأوقات، عن معاناتي من حالة نفسية سيئة كل شهر.  

لكني لم أطلع على ما يسمى اضطراب ما قبل الطمث الاكتئابي حتى العام الماضي فقط، حين كنت أجري أبحاثاً من أجل كتابة مقالة أخرى عن الصحة النسائية. يعتبر هذا الاضطراب شكلاً حاداً من أشكال متلازمة ما قبل الحيض، وهو يؤثر في الصحة النفسية بشكل خاص. وتعاني ما بين سيدتين إلى ثمانية من كل 100 سيدة اضطراب المزاج هذا، وهو قائم على أساس هرموني وقد يتسبب بمجموعة أعراض سلوكية وعاطفية مشابهة لمتلازمة ما قبل الحيض، غير أنها أسوأ منها بكثير. وتتراوح ما بين الإرهاق والنسيان وسهولة الاستياء إلى القلق والاكتئاب والعدوانية. 

وبالنسبة إلى كثيرات، تكبل هذه الحالة حياتهن وتتسبب لهن شهرياً باعتلال كبير يصيب عافيتهن النفسية والجسدية، وكانت إحدى الدراسات قد خلصت إلى أن عدم علاج هذا الاضطراب قد يفقد النساء اللاتي يعانينه ثلاث سنوات مصححة بجودة الحياة [مقياس يستخدم في اقتصاديات الصحة لتقييم قيمة التدخلات الطبية أو العلاجات. فهو يجمع بين كمية ونوعية الحياة التي يعيشها الشخص بعد حالة صحية معينة أو علاج معين]. لكنه في الوقت نفسه، قد يؤدي إلى هلاك بعضهن: وجدت دراسة من عام 2021 أن النساء اللاتي يعانين اضطراب ما قبل الطمث الاكتئابي أكثر عرضة بسبع مرات لمحاولة الانتحار. ومع ذلك، ما زلنا لا نعرف سوى قليل جداً عن هذا الاضطراب.   

لم يضف اضطراب ما قبل الطمث الاكتئابي إلى الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية الذي يستخدمه العاملون في مجال الرعاية الصحية حول العالم سوى في عام 2013. وفي عام 2019، أضيف هذا الاضطراب إلى التصنيف الدولي للأمراض الذي أجاز تشخيصه الطبي حول العالم بعد طول انتظار. لن تفاجئ أياً من هذه التفاصيل أي شخص بحث في موضوع كره النساء ضمن المجال الطبي وبكيفية تسبب تاريخ طويل من الاستخفاف بالقضايا الطبية النسائية بإعاقة الأبحاث والتشخيص والتطوير. ففي النهاية، منذ فترة غير طويلة نسبياً- في عام 2002- شكك بعض الأطباء علناً في كون اضطراب ما قبل الطمث الاكتئابي حقيقياً.    

 

وتقول جيما باري، مؤسسة مشروع Well Woman ومؤلفة كتاب ليس من المفترض أن يؤلم الحيض Periods Aren’t Meant to Bloody Hurt "هناك قلة أبحاث في جوانب كثيرة تمس بصحة النساء ولا يختلف الوضع مع اضطراب ما قبل الطمث الاكتئابي. ألصقت بالنساء صفة الهستيريا لمئات عدة من السنين ونتج من ذلك الاستخفاف بأعراض كثيرة تعانيها النساء جراء الحيض وتأثير الهرمونات. تعتبر أجسامنا شديدة التعقيد وفيها متغيرات كثيرة بسبب الدورة الشهرية، مما يعوق إجراء اختبارات علينا. ولهذا السبب، تجرى كل الدراسات تقريباً على ذكور الفئران والجرذان ثم الذكور من البشر".  

قد يتطلب الأمر 12 عاماً بالمعدل للحصول على تشخيص باضطراب ما قبل الطمث الاكتئابي. ويعود التأخير جزئياً لقلة الأبحاث والدراسات التي يفاقمها بلا شك أن عالم الطب لم يدرج هذه الحالة ضمن الحالات الطبية المشروعة سوى في الآونة الأخيرة. ويقول ناريندرا بيزال، استشاري الطب النسائي في عيادة الطب النسائي London Gynaecology: "يضم اضطراب ما قبل الطمث الاكتئابي مجموعة من الأعراض، مما قد يصعب تشخيصه وربطه مع الحيض. تلاحظ نساء كثيرات هذه الأعراض لكن قد يتطلب الأمر وقتاً، ربما سنوات أحياناً، قبل أن يربطن هذين الأمرين. كما أن اضطرابات المزاج مثل الاكتئاب الحاد واضطراب ثنائي القطب يمكن أن تزداد سوءاً خلال فترة ما قبل الحيض فتشبه أعراضها اضطراب ما قبل الطمث الاكتئابي، وهذا يصعب عملية التشخيص".     

تقول هانا، 25 سنة، "زرت طبيب الصحة العامة أول مرة عندما كان عمري 11 سنة بعد بداية دورتي الشهرية، بسبب شعوري أحياناً بدوار وإعياء شديدين. لم أشخص عندها لكن الطبيب أخبرني بأن المشكلة هرمونية وإنه علي مراقبة الوضع. بعد سنة تقريباً، بدأت الأعراض العاطفية تنتابني، وهي تأتي قبل أسبوع من موعد الحيض وتتفاوت بين قلق يعادل بحدته النوبة القلبية من جهة واكتئاب يصل إلى مستويات المرض السريري من جهة أخرى. كما كنت أشعر بإنهاك وإرهاق شديدين: كان بإمكاني الحصول على 12 ساعة من النوم وما زلت أستيقظ وأنا أشعر وكأنني تعرضت لضربة على رأسي".

لم تبدأ هانا بالبحث في اضطراب ما قبل الطمث الاكتئابي سوى بعد بلوغها الـ20 من العمر وعلى رغم الأعراض، إلا أنها لم تتلق تشخيصاً رسمياً بعد. وتقول: "الشهر الماضي، مررت بثلاثة أيام احتجت فيها إلى طمأنة وتأكيد متواصل من شريكي بأنه لن يهجرني ولا يعتقد أنني 'أتطلب جهداً كبيراً' أو أنني 'أهمل نفسي'. تراوح مزاجي بين الشعور بالخدر التام، وعدم الرغبة في الخروج من السرير والبكاء الهستيري. ثم كالعادة، بعد يومين من بداية الحيض، عدت إلى طبيعتي وأخذت أعتذر لكل شخص تجاهلته أو انفجرت في وجهه".   

لم أشخص بالإصابة باضطراب ما قبل الطمث الاكتئابي بعد؛ ما زلت أناقش الموضوع مع طبيب الصحة العامة. وأحد الأسباب التي تصعب تشخيص هذا الاضطراب هي أنه قد يشبه متلازمة ما قبل الحيض، وبسبب التشابه بين أعراضه وأعراض اضطرابات المزاج الأخرى، من الصعب أن تعرفي فعلاً ما الذي يحدث داخل عقلك وجسدك. وهو يختلف من امرأة لأخرى. لكن أفضل الأدوات التي تملكينها هي التوقيت.   

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويقول بيزال "من المهم جداً أن تدوني يومياتك والأعراض التي تشعرين بها وتربطيها بالدورة الشهرية. كما تتوفر أدوات موثوقة لتسجيل أعراض ما قبل الحيض، ومنها تقويم أعراض ما قبل الحيض. ولو عرضت هذه المعلومات على طبيبك العام، ستساعدينه في التوصل إلى تشخيص معقول وبالتالي إحالتك إلى الاختصاصي المناسب". 

بينما لا شك في أن اضطراب ما قبل الطمث الاكتئابي هو حالة هرمونية، لا نعلم بعد ما الذي يتسبب بها بالتحديد. قد يشكل وجود تاريخ عائلي من اضطرابات المزاج عاملاً مساهماً فيها. وتضيف باري "طرحت في هذا السياق مسألة السمات الوراثية والعوامل البيولوجية لطريقة معالجة الهرمونات في الدماغ، لكن ما زلنا بحاجة إلى مزيد من الدراسات. وضعت بعض النظريات عن احتمال وجود ارتباطات مع صدمات الطفولة، كما أن الاضطراب قد يتفاقم في أوساط من عانين اكتئاب ما بعد الولادة".   

يشير بيزال إلى دراسة نشرت في عام 2017، وجدت أساساً جينياً للحساسية غير الاعتيادية على الأستروجين والبروجستيرون لدى من يعانين اضطراب ما قبل الطمث الاكتئابي. ويضيف "لكن كما ترون، كل هذه المواضيع حديثة جداً ويؤدي نقص التوافق والمعرفة إلى مشكلات التشخيص الخاطئ".

شخصت ماريا، 45 سنة، منذ ستة أشهر بهذا الاضطراب، بعد عقود من مكافحة أعراضه. وتقول "اعتقدت بأنني أفقد صوابي. راودتني أفكار انتحارية، سيئة جداً، حيث كنت أكاد أسمع صوتاً يقول لي إنه علي أن أقتل نفسي. كنت أمر فجأة بنوبات غضب شديد من دون أي سبب فعلي، وأفتعل جدالات كثيرة وعنيفة مع زوجي وأطفالي. كانت أعصابي متوترة وأرتاب كثيراً وأفرط في تحليل أقوال الناس وأفعالهم. اعتقدت بأنهم يضمرون لي شراً".        

أما أنا فتنتابني أعراض أقرب إلى الاكتئاب: الإرهاق وسوء المزاج وأفكار انتحارية. لكن مثلما يحصل مع هانا، تختفي هذه المشاعر بعد بداية الحيض بقليل. أقله لشهر آخر. وتقول باري "إن العلاقات الشخصية والمهنية قد تتضرر بالنسبة إلى اللاتي يعانين هذا الاضطراب. إضافة إلى مشاعر الخجل والذنب التي تنتاب المصابة بهذا الاضطراب تجاه سلوكها، قد تشعر أيضاً بالتوتر إزاء هذا الدمار الوشيك كل شهر، فيبدأ هذا الشعور بالتأثير في الفترات 'الجيدة' من الدورة الشهرية. قد تشعر اللاتي يعانين هذا الاضطراب بأنه مغلوب على أمرهن لأنهن يخضعن لتأثير شيء يبدو خارج سيطرتهن".      

ما العمل إذاً؟ للأسف، ما يزال هذا السؤال قيد البحث. تنصح الاستشارية النفسية جورجينا ستارمر التي تعالج مصابات عدة بهذا الاضطراب بالتالي "بسبب طبيعة اضطراب ما قبل الطمث الاكتئابي، غالباً ما يبدو للمصابة بالاضطراب أنها فقدت السيطرة على مشاعرها لذلك قد يفيدها أن تفكر في العوامل المرتبطة بأسلوب حياتها، وبطرق العناية بالذات التي يمكنها أن تسيطر عليها. ربما يعني ذلك التمارين الرياضية أو التغذية أو نوعية النوم الجيدة وأيضاً البحث عن طرق لتنظيم المشاعر بشكل يساعدها في التعامل مع أحاسيسها".    

وقد يساعد في ذلك أيضاً التخفيف من عوامل التوتر، مثل تفادي الكافيين، والسكر، والتدخين، والكحول. وربما يقترح بعض الأطباء تناول حبوب تنظيم الحمل التي تنظم مستويات الهرمونات عبر منع الإباضة. ويضيف بيزال: "في حال الأعراض الشديدة المتعلقة بالمزاج، قد يقترح عليك طبيبك أن تتناولي مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية التي تؤدي أيضاً وظيفة مضادات الاكتئاب. كما أن تناول فيتامين بـ6 بيريدوكسين وأقراص زيت زهرة الربيع المسائية (وهما متوفران من دون وصفة طبية) قبل الحيض بأسبوعين قد يساعدان أيضاً".   

تركز هانا في مسألة العلاج على العناية بنفسها، أقله ريثما تحصل على تشخيص رسمي من طبيبها. وتقول "لا أؤمن بوجود عصا سحرية للتعامل مع اضطراب ما قبل الطمث الاكتئابي. لكنني أسعى دائماً إلى أن أكون عملية وأقوم بما ينفعني سواء كان الاستحمام في الحوض أو رفع الأثقال أو تناول كوب قهوة لذيذ أو حتى الذهاب إلى المتاجر سيراً".   

خلافاً لغيره من اضطرابات الصحة النفسية، ما نعلمه عن اضطراب ما قبل الطمث الاكتئابي هو أن هذه المشاعر والأفكار موقتة وزائلة. وتقول هانا "هناك فعلياً ما يطمئنك بأن كل ما يحدث لك موقت. تستمر الأعراض في حالتي لمدة أسبوع على أبعد تقدير. قد يصبح مزاجي سيئاً للغاية لكن ما يريحني هو يقيني بأن هذه الحالة ستنتهي".

© The Independent

المزيد من صحة