Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

شيخة حليوى تروي حياة نساء فلسطينيات وموتهن

مرارة وسخرية في المجموعة القصصية "النوافذ كتب رديئة"

لوحة للرسام الفلسطيني إبراهيم حجازي (صفحة الرسام - فيسبوك)

تواصل القاصة الفلسطينية الشابة شيخة حليوى، المقيمة في حيفا، في المجموعة القصصية الصادرة حديثاً عن دار راية "النوافذ كتب رديئة"، الكتابة القصصية عن المرأة بصورة عامة، والنساء العربيات الباقيات وحدهن في مواجهة صلفين، وعدوين، واحد ظاهر هو المحتل، لكنه يتدخل في الإطار العام قتلاً وسحقاً وقمعاً، والآخر المجتمع الذكوري المشرقي الذي يتقاطع مع المحتل من دون أن يتعاون معه في العلن، ولكن القصة عند شيخة حليوى أدب وتخييل ومواراة ولعب ذكي ولغة سيالة تجد سبيلها وإيقاعها ومناخها المناسب تحوط بها السرد المتلاحق والكثيف، على جاري المألوف في كتابة القصة القصيرة، وهذا دأبها في القصص التسع التي تألفت منها المجموعة القصصية المقصودة بالمراجعة، ههنا.

النوافذ كتب رديئة

في القصة الأولى من الكتاب، وهي بالعنوان المذكور أعلاه، ترسم الكاتبة ملامح شخصية وسطى، من هواة عناوين الكتب، لا قراءتها، وهو زميل مثقفين كبار، على ما تنقله القاصة. ولما كان لفته عنوان كتاب "الحرية أو الموت" لأديب نسي اسمه، ظن أن بمقدوره إحقاق الحرية، وتحرير من كان أسيرا، فما كان منه إلا أن أحرق خيمة جار له ليخلصه من ظلم كان لحق به من جراء فقدانه بيته في عملية احتيال متقنة، فمات الجار المظلوم حرقاً، وحكم على القاتل من غير قصد بـ12 سنة سجناً. وفي خلال هذه السنوات، كانت زوجته تعنتني بتربية أبنائهما على خير ما فطرت عليه من حب وحدب عليهم. ولما خرج من سجنه، ووجد أن جارهم الشاب يلتفت إلى امرأته، فسارع إلى قتل الشاب، بعد أن "نزع الستائر".

وبالطبع، لا يسع القارئ إغفال قدرة الكاتبة على التحكم الدقيق بمجرى السرد السلس، والمنطقي، عبر الحبكة المشغولة بعناية، شأنها في سائر القصص، إلى جانب الحوارات الدالة على خطاب الشخصية المأزومة والمستلبة، والفاقدة قدرتها على التمييز بين الواقع والخيال، وبين الحقيقة والخطأ.

"هي الحرب على الظلم. والخطأ يمكن تبريره لأنه الطريق الموصلة إلى الحقيقة، هذا ما يقوله دوستويفسكي، وها نحن ندفع ثمن الخطأ ونحن نبحث عن الحقيقة...".

هنا لا صوت للسماء

بداية، لا بد من التنبيه إلى أن اختياراتي من القصص التسع التي تتألف منها مجموعة الكاتبة شيخة حليوى، وإن تكن محصورة بعدد تتيحه طبيعة المراجعة النقدية، فإنها تمثل بعضاً من خصائص أسلوب القاصة، وجزءاً لا بأس به من عالمها المحصور بمحيط قروي، قائم "على سفوح جبل الكرمل"، ومتداخل مع مدينة حيفا، وقد تقصدت الكاتبة عدم ذكر أي اسم لمعلم من ذلك المحيط، ربما ليقينها أن عالم شخصياتها الداخلي هو الأحق بالإضاءة والإبانة عن تصورها الرمزي عن الظلم اللاحق بالمرأة المنصرفة إلى إبداعها، شأن المرأة صانعة السجاد، وقد سحبت سجادتها من تحت قدمي الوزير فسقط على رأسه ومات، فاتهمت بمقتله. ففي مرافعة بليغة أمام القاضي، وبأسلوب شعري غني بالصور، يخالطه قدر من الشجن والعبثية، تطلق المتهمة المظلومة دفاعاً عن نفسها وحرفتها السامية، في مقابل تجريدها شخصية الحاكم الطاغي من صفات الحلم واللطف، ونسبته إلى الغلظة والقساوة والاستبداد والاستخفاف بمهن أبناء الرعية البسطاء. تقول: "سيدي القاضي، بنصل قلبي أصنع السجادة. يدي ليست سوى رسول يتقن فن البشارة، أقصد طبعاً فن حياكة اللوحات الملونة. أنثر على فراغها ذاكرة لحمي الهش وأوقع ذيلها بوردة من دمي. تستطيع أن تراها إذا دققت النظر في أسفلها الأيمن. ألم تعرض عليك، وهي الدافع لجريمتي كما يسميها مجلسك الكريم؟ ودرة حمراء لا تذبل أبداً، بل تزداد إشراقاً مع الأيام، هي عيني التي تراقب روح الألوان. بنصل قلبي أحرر الخيوط الملونة وأترك لها ممارسة الحب بحرية. أعينها فقط على المرور من ثقب فراغ...".

للحرب أنف كبير

في القصة السابعة، بحسب ورودها في المجموعة، تشيع القاصة أجواء من الفكاهة السوداء، ربما للتقليل من ضغط الحرب التي تشغل ذهن الشخصية الرئيسة التي لا نعرف لها اسم علم لها - شأن غالب الشخصيات في القصص المشار إليها بصفاتها وسماتها النموذجية فحسب - بل نعرف أنها امرأة شابة، وأن ثمة حرباً ضروساً تجري في جهة ما من البلاد، وأن ثمة لاجئين إلى "الدولة القريبة"، ولا شاغل لها، في حينه إلا تسوية أنفها الكبير، وعلاجه لئلا تموت وهي على بشاعة أنفها: "ولو كتب لي الموت في أحد الشوارع أو في سريري أريد أن أموت بأنف جميل معقول الحجم، ولو كانت عيناي ساعتها مغمضتين، وشفتاي جافتين زرقاوين...".

ويا للصدف البريئة، بل المعجزة! إذ تدهمها قذيفة، وهي في طريقها إلى العمل، وتصيبها شظية منها في أنفها الذي كثيراً ما عن لها تسويته أو تصغيره. وعلى رغم أن المستشفى الذي أدخلت إليه كان بدائيا، وأنه كان يجري تفريغ الإصابات الطفيفة منه للتركيز على الإصابات البليغة والخطرة، الناجمة عن الحرب الدائرة رحاها، غير بعيد عنها، فإنها استيقظت على دهشة، إذ اكتشفت حال رفعها الضمادة عن أنفها أنه صار "كما حلمت به، بل هو أجمل".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

بالطبع، ذلك هو أسلوب الالتفات الأكبر، تماثلاً بالالتفات الأصغر، باعتبار أن القاصة بعد أن تلفت انتباه القراء إلى طغيان أجواء الحرب في محيط الشخصية الراوية والمعنية الوحيدة بالسرد، تعود وتتحدث عنها مواربة من خلال إثارتها، على نحو هزلي ومفارق، هاجساً مقيماً لدى فئة من النساء لإجراء عمليات تجميل (للأنف) من أجل مزيد من الحظوة لدى الرجال، أو لتمكين صورة جمالهن في أعينهن. ولعل في إقحام القاصة حكاية الأنف، وصلته المعروفة بجسم الشابة، والحرب الدائرة فصولها من حولها، تورية على ذلك الخطر الداهم واليومي الذي يحياه الفلسطيني في دياره، إذ تنهي سردها بالقول: "للحرب أنف كبير أسوأ من أنفي".

عالم ولغة وشجون

كثيرة هي الانطباعات التي يخرج بها قارئ قصص الكاتبة شيخة حليوى، ولا سيما بعد رسوخ القص لديها على هيئته الحالية، أسلوباً ولغة متينة، وموضوعات، وتنبهات دقيقة للنوع (القصة القصيرة)، من حيث فن الاختزال، وإتاحة المجال لتأويل القارئ وملء الفراغات المتروكة له، وضبط عملية التخييل لتخدم الرؤية العامة التي انطلقت منها الأديبة لابتداع الحبكة، وتوقيع الشخصيات الأنثوية في الغالب، وتحميلهن شجون وضعهن واستضعافهن من قبل المحيط الذكوري، والمتسلط، والمفتون بعنفه.

لا تتجاوز شيخة حليوى القسوة التي في قصص زكريا تامر، في "حرائق دمشق"، ولا تتعدى ألعاب التخييل في قصص ياسين رفاعية عبر مجموعته القصصية "عصافير"، وتنأى عن الواقعية الملتزمة التي اتبعها غسان كنفاني في "عالم ليس لنا"، بل إنها تنسج عالمها الشديد الخصوصية من معين إنسانويتها البينة، من تعاطفها مع الأم شهيدة أمومتها (من أسدل الستائر)، ومن حساسيتها الفنية العالية (أبعد من الشمس قليلاً)، ومن ترفعها عن تفاهات النساء (للحرب أنف كبير)، وبعض نقاء فني ذكوري (قبلة على خد شجرة).

وللكاتبة شيخة حليوى عديد من الأعمال القصصية والشعرية، من مثل: "أمهليني صيفاً آخر"، و"الهوة"، ، و"خارج الفصول تعلمت الطيران"، و"سيدات العتمة"، و"الطلبية "C345 التي نالت عليها جائزة "الملتقى للقصة العربية القصيرة" لعام 2018.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة