تهتم الأديبة الفلسطينية شيخة حليوي، في كتاباتها بأن يعرف قارئ نصها أن الفلسطيني له كامل الحق في أن يحب ويكره ويتخيّل، ويتضح ذلك في مجموعاتها القصصية الأربع التي صدرت لها حتى الآن، "سيدات العتمة" (2015)، "النوافذ كتب رديئة" (2016)، و"الطلبية C345" عام 2018، والتي حصدت أخيراً جائزة الملتقى للقصة العربية في الكويت (قيمتها 20 ألف دولار أميركي)، بعد منافسة قوية مع 209 مجموعات قصصية تقدمت للمنافسة على الجائزة في دورتها الرابعة.
كما أصدرت كتاباً بعنوان "خارج الفصول تعلمتُ الطيران"، وتُرجمت نصوصها إلى الإنجليزية والألمانية والبلغارية، وفي حوار أجرته معها "اندبندنت عربية"، قالت حليوي إن الجوائز لا تصنع كاتباً، وألقت الضوء على مجموعتها الفائزة، وأعمالها السابقة، وأشارت إلى شعورها بمسؤولية كبيرة تجاه لهجتها البدوية، في ظل ما تراه من تغييب لها عن الأدب الفلسطيني، وربما هذا سبب تضمينها كلمات بالعامية الفلسطينية في نصوصها المكتوبة بالفصحى.
حين تؤخذ الجوائز بالتمني!
بخصوص الجائزة وما إذا كانت توقعت حصدها، قالت إن "التوقّع أمرٌ يختلف عن التمنّي، إذ لا أعوّل على التوقّع فقد خذلني في مواقف كثيرة، بل أعوّل على الحلم، فأنا لا أتوقّف عن الحلم وعن العمل والسعي"، مضيفة "كُنتُ على ثقة من أنني قدّمت عملاً جيّداً ومختلفاً، وبالتالي تمنيّت أن يصل إلى النهايات وظلّ هذا التمنّي يرافقني حتى سمعت اسمي من على منصة الاحتفال".
وترى حليوي أن "الجوائز لا تصنع كاتباً، فإن لم يكن العمل المُقدّم يستحق التقدير سيموت ويندثر الكاتب معه".
الخروج من المحلي إلى الكوني
وتتحدث عن مجموعتها قائلة "أراها مختلفة عما سبقها من مجموعات، حيث خرجتُ فيها من المحليّ المكاني إلى الكوني الأشمل، إلى (نحنُ) جميعاً في هذا الكون، وأعتقد أنني حين أكتب أرسم دوائر تبدأ بصغيرة ضيقة، ثم تكبر وتتسع لتبتعد عن المركز، ففي مجموعتي الأولى (سيدات العتمة) كانت الدائرة الصغيرة الضيقة، نساء قريتي البدويّة وأنا، وفي (النوافذ كتب رديئة) خرجتُ إلى الدائرة الوسطى، تلك التي تقع بين المحلي العربي إلى الكوني، أما (الطلبيّة) فهي الدائرة الأبعد والأوسع، هي الكون بكل مكوّناته من البشر وغيرهم".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
قضايا المرأة... ووصية فيرجينيا وولف
ثمة كاتبات كثيرات يكرسن أقلامهن للذود عن حقوق المرأة ومناقشة قضايا حواء المهمة في نصوصهن الأدبية. الأمر ذاته تفعله حليوي "تشغلني قضايا المرأة بالقدر الذي يشغلني كل ظلم يقع على أي إنسانٍ، ولكنّي أثق بالطرح الشمولي، فأي حديث عن ظلم وقهر يشمل ذلك الواقع على المرأة، وكل ما أكتبه عن المرأة وللمرأة لا يتباكى ولا يستجدي، حتى وأنا أصوّر أقسى حالات القهر والسلب التي تتعرّض لها المرأة أحرص أن أترك لها عالماً خاصاً بها أو غرفة كما أوصت فيرجينيا وولف".
"خارج الفصول"... ليس شعراً
ينتبه القارئ لنصوصها إلى أنها تكتب نفسها من دون اكتراث بشكل القالب الأدبي، مثلما الحال في كتابها "خارج الفصول تعلمتُ الطيران"، وهنا توضح الكاتبة "لم أعنوِّن كتابي هذا بالشعر، بل اخترت كلمة (نصوص) كي أخرج من مأزق التجنيس، وكثيرون اعتبروا ما كتبته فيه شعراً، وآخرون نظروا إليه كنصوص أو خواطر".
أما بالنسبة إلى التجنيس الأدبي وبخاصة في الشعر، فتقول "لا تعنيني قوالبه ولا نقده، فأنا أكتب ما أشعر به مباشرة، وللناقد أن يصنّفه في أي خانة يحب".
اللهجة البدوية... تراث شفهي للأرض المحتلة
الملاحَظ أيضاً أنها تكتب بالفصحى، لكنها تحرص على مزجها بكلمات من العامية الفلسطينية، وهنا قد يذهب المتلقي إلى أن ما تقوم به سعي منها إلى حفظ جزء من التراث الشفهي للأرض المحتلة، فيما توضح الكاتبة مقصدها بقولها "أعتقد أن بعض القصص والنصوص الشعرية لا يمكن أن تكون صادقة وملامسة للروح والعقل إذا زُيفت، والتزييف هو إنطاق الناس بغير كلامهم".
وتوضح "حينما كتبت عن بيئتي البدوية في مجموعتي الأولى (سيّدات العتمة) وأيضاً في نصوص (خارج الفصول) كنتُ أشعر بمسؤولية كبيرة تجاه لهجتي البدوية التي غُيّبت عن الأدب الفلسطيني كما الناطقون بها، وكنتُ وأنا أدوّن حوارات الشخصيات أو أفكارها أُزيل عنهم إحساس الغبن والظلم الذي طال البدو في فلسطين. عدتُ أمرّنُ لساني على كل الحروف الحلقيّة وأعيد إلى لهجتي التي لحنتها لهجة المُدن، المكانة التي تستحقها بين لهجات فلسطين. كان الأمر أكبر من نقل للواقع القرويّ، كان وما زال رسالة ودَيناً أدين به لقبيلتي وأهلي وأسرتي".
الترجمة... وخانة المسؤولية
المسؤولية تواصل انكفاءها على كاهل كاتبتنا، لكن هذه المرة من زاوية أخرى، هي الترجمة، إذ نُقلت بعض نصوصها إلى لغات عِدة، وفي هذا الإطار تقول "إن الترجمة أيضاً تضعني في خانة المسؤولية الكبيرة"، متسائلة "ماذا يصل إلى القارئ غير العربي من أدبنا؟ وهل هو صورة مُشرّفة عن المشهد الأدبي هنا؟"، ثم تجيب "يهمّني أن يتعرّف القارئ على بيئتنا بجمالها وعيوبها من باب التقدير وليس من باب التعالي، ويهمني أن يجد نصاً نداً لما يُكتب في بلاده".
تتابع "يهمّني أن يعرف القارئ لنصّي بلغة أخرى أن الفلسطيني، رغم عذاباته ومعاناته هو إنسانٌ كأي إنسان في هذا العالم، له كامل الحق أن يحب ويكره ويتخيّل ويُخطئ".
تكريس القضية الفلسطينية
"القضية" أيضاً حاضرة في كتاباتها دائماً، ويبدو الأمر كأنه تكريس لها في رؤوس الأجيال الجديدة عبر بوابة الأدب، لذا تقول حليوي "القضية الفلسطينية هي قضيّة إنسان! ولها حضور دائم في كل حرف أكتبه"، لافتة إلى أنها في بدايات الكتابة كانت تكتب المقالات الاجتماعية السياسية التي تصوّر واقع الفلسطيني اليومي بأسلوب ساخر متهكم، ثم لاحقاً في قصصها ونصوصها الشعرية، لكنها لا تكتب فلسطين المتباكية المُستجديّة، بل تلك الحاضرة الحيّة جداً والساخرة أيضاً، والتي تسعى إلى العيش كأي شعب في هذا العالم، مضيفة "حتى عندما كتبت قصائد عن النكبة بعفوية رحتُ إلى أماكن أظنها جديدة في الطرح الأدبي الفلسطيني".
قصص قصيرة جداً
في نهاية الحوار تقول "أعملُ على مجموعة قصصيّة جديدة ببطء شديد، وبخاصة أنني أبحث عن أساليب جديدة ولغة جديدة، حيث بدأت أكتب القصة القصيرة جداً، معتمدة على التكرار وتيار الوعي في كثير منها، أما الرواية فما زالت مشروعاً مؤجّلاً".