أعراس الحرب... معركة الثبات على الفرح

وسط شلال الصور القاتمة والمأساوية تنجح بعض اللقطات الملونة والمبهجة في أن تجد لها مكاناً داخل المشهد، من خلال حدث نادر غير متوقع يجري بينما يضيء القصف في السماء، يقتل ويشرد.

مشهد شديد التناقض، لكنها الحياة التي يحتفي أناسها بالولادة وهم يودعون موتاهم، ويمنحون البركة لعائلة جديدة تأمل في أن تصنع قصتها، بينما يطوون حكايات أسر بأكملها. تلك التفاصيل في أكثر معانيها وضوحاً هي ما يحدث على الأراضي الفلسطينية، إذ دخلت الحرب شهرها الخامس، وحيث تمتد المآسي من شمال غزة إلى خان يونس ودير البلح وصولاً إلى رفح، كما لم تسلم الضفة الغربية من المواجهات.

تزداد وطأة المعاناة بسبب الحصار الخانق الذي جعل كسرة الخبز نفسها حلماً، وجعل حتى النازحين غير آمنين في خيامهم وإن كانوا في كنف ممثلي مؤسسات الإغاثة والمنظمات التابعة للأمم المتحدة، وعلى رغم كل ذلك لم تختف مشاهد الأعراس، حيث تطالعنا الأخبار بين يوم وآخر بمعلومات وصور عن زفاف هنا وآخر هناك، وإن كانت تلك الطقوس خالية من جميع المظاهر المعروفة، لكن هناك على ما يبدو إصراراً على توجيه رسالة ما.

في غزة وسط ركام القصف (مواقع التواصل)

فهل يعاني أبطال تلك القصص من لا مبالاة تجاه ما يحدث، أم اتخذوا على العكس طريقة صعبة لإعلان موقفهم منه؟ وكيف يمكن تفسير تعدد حالات الزواج في زمن الحرب، من أوكرانيا إلى الأراضي الفلسطينية، وقبلها في اليمن وسوريا والعراق، وحتى بالعودة لزمن الكوارث الكبرى مثل الحربين العالميتين. هل هي شجاعة نادرة تستدعي التحية، أم انفصال كامل عن الواقع وتصرف عبثي في غير محله، أم أن هناك طرفين قلقين للغاية من أن تستمر الحرب طويلاً ويخسران مزيداً من سنواتهما معاً، أم هي الرغبة في مشاركة هذا القلق مع شريك حياة، أم يأس كامل من تحسن الأوضاع، أم تعبير عن الأمل في الغد بتتويج قصة الحب بالرباط المقدس حتى لو كانت كل الشواهد تشير إلى أنه ربما لا يكون هناك غد من الأساس؟

أعراس النزوح

قد تكون رغبة نفسية في الشعور بأن الحياة مستمرة، أو وسيلة من وسائل المقاومة ومحاولات للإفلات من ضغوط هذا الوضع، لكن المؤكد أنه تصرف لا يفرق بين ثقافة وأخرى، إذ شهدت أغلب مناطق الصراع وفي عز اشتعال الجبهات سلوكاً متشابهاً، لعل أحدثه زفاف عروسين في مخيم دير البلح للنازحين بوسط قطاع غزة المنكوب، إذ أقيمت المراسم بملعب رياضي يأوي آلاف النازحين، وأظهرت اللقطات شاباً يقف بملابس عادية للغاية مع عروسه التي ارتدت زياً ملوناً بالأحمر والأبيض يحمل لمسات من الثراث الفلسطيني.

لم تكن هناك أي مظاهر سعادة أو فرح، وتم زف الشابين بين الخيام المتهالكة التي لا تحمي من البرد ولا تقي ساكنيها العواصف، لكن الاحتفاء الأكبر كان عبر مواقع التواصل الاجتماعي، التي تمنى روادها لهما النجاة، وعقب أيام قليلة من هذا الخبر تداولت وسائل الإعلام نبأ استهداف عروسي المخيم بغارة إسرائيلية وسط صدمة من احتفوا بهما عبر الفضاء الإلكتروني، قبل أن يظهر الثنائي في فيديو متداول لتأكيد أنهما لا يزالان على قيد الحياة. لكن الفيديو نفسه كشف فيه العريس عن أن هناك عروسين سبقاهما إلى الزواج بأيام قليلة في منطقة مجاورة وفارقا الحياة معاً إثر تعرض المكان الذي يسكنان فيه للقصف، فالحكاية الحزينة صحيحة ولكن تبدلت الأسماء.

أمام أنقاض منزلها في بئر العبد في الضاحية الجنوبية لبيروت (أ ف ب)

فما رمزية هذا النوع من الزيجات على رغم يقين أصحابها أن فرص نجاتهم ضئيلة للغاية وأنهم مشاريع موتى؟ ترى أستاذة علم الاجتماع الأكاديمية هالة منصور أن الزواج في أثناء الحروب ولا سيما ما يتعلق بالوضع الفلسطيني هو بلا شك نوع من أنواع المقاومة ورسالة واضحة بأن الحياة مستمرة، وبأن هذا الشعب لا ينكسر مهما كانت النكبات. مشددة على أن هذا النوع من التصرفات يمثل استفزازاً للعدو.

وتابعت "كأنه خطاب سياسي ينادي بالتحدي والصمود وإثبات الوجود"، تفسر منصور الأمر بأن الشعب الفلسطيني يعيش أوضاعاً استنفارية طوال الوقت، ومنذ نكبة 1948 وهم مهددون ومطاردون، بالتالي فقد اعتادوا أن يقيموا مناسباتهم دوماً بأقل الإمكانات وبالاستغناء عن كثير من المقومات، وفي ظروف غير ملائمة في أغلب الأوقات.

تتنوع قصص عرسان النزوح الذين فروا مع ما يقرب من مليونين من سكان شمال غزة المشتعل إلى المخيمات التي تديرها الـ"أونروا"، في محاولة للابتعاد عن المعارك الدائرة على قدم وساق. من بينهم ياسمين جبر وحمادة حجو اللذان تزوجا في منزل أحد أقاربهما في الجنوب بلا أية مظاهر احتفالية بعد أشهر من خطبتهما، ومثلهما أيضاً عروسان آخران تزوجا في مخيم خان يونس بعد أن فقدا الأمل في إقامة زفاف لائق نظراً إلى أن الأوضاع في رأيهما لن تتحسن قريباً، بالتالي اتخذا القرار وتزوجا بإحدى المدارس التي تشرف تعتني بها منظمات الإغاثة.

بحسب ما قال العريس سالم عوض في تصريحات لـ"بي بي سي"، فإنه أمضى سنوات طويلة من عمره يعمل في مهن شاقة من أجل أن يحصل على أجر يومي أقل من 10 دولارات، وذلك ليتمكن من بناء بيت يؤسس فيه عائلة، لكن دمرت الحرب البيت ومعه أغلب معارفه. متابعاً "لم ينج البيت ولا الجيران والأصدقاء، لم يبق شيء لي إلا خطيبتي، لهذا قررنا أن نتزوج ولم أكن أنوي أن يزفني أحد، لكن النازحين أجبروني أن أبتسم وأفرح، لأن غزة لا يكسرها حزن أو ألم"، بحسب تعبيره.

هرباً من الواقع

تصريحات الشاب سالم عوض تشير إلى أن الاحتماء في العلاقات الإنسانية الوطيدة من الأسباب الرئيسة لاتخاذ قرارت توثيق الارتباط العاطفي بخاصة في مثل تلك الظروف، حيث القتال دائر منذ عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، من شمال غزة حتى رفح الفلسطينية، الذي خلف أكثر من 30 ألف ضحية بخلاف الجرحي.

يحاول استشاري الصحة النفسية وليد هندي شرح تلك الظاهرة، متحدثاً عن القيمة الوجدانية والاجتماعية لهذا السلوك وكذلك عن رمزية الاحتفال بالزفاف حتى لو خيمت عليه مظاهر الحزن، ومشيراً إلى "البعض يلجأ للزواج كوسيلة للهرب من الواقع المرير المتمثل في الصراخ والعويل والخراب والدمار والدماء، كذلك بسبب الحاجة إلى الشعور بالأمان النفسي والبحث عن الرومانسية وسط الأزمات الطاحنة، والاحتماء في شخص قريب وجدانياً، مما يدعم غريزة البقاء بسبب تأكيد الارتباط بفعل اجتماعي مثل الزواج العلني، وأيضاً من أجل الإنجاب فبعض الأشخاص يرغبون في الاطمئنان إلى أنهم سيتركون ورثة على الأرض في حال طاولت أحد الزوجين نيران الحرب".

ويشدد هندي على أن "هذا واضح للغاية في الحال الفلسطينية، فالإصرار هنا معناه إرسالة رسالة للعالم تؤكد الحق في الحياة والاستمرار على الأرض، ففي أوقات الحروب قد يكتشف الأشخاص جوانب إنسانية فريدة في بعضهم بعضاً لا تظهر إلا في وقت الشدة، وتنمو مشاعر الإعجاب بأحدهم لأنه أظهر شجاعة في موقف ما أو خلال ظرف قاس، وكل هذه دوافع لاتخاذ قرار الارتباط السريع وتتويجه بالزواج".

كما شهدت فترة التهدئة القصيرة في غزة أيضاً حالات زواج عدة من بينها ماجد الدرة وعروسه سارة أبو توهة اللذان تزوجا بمدرسة الإيواء شرق المغازي وسط قطاع غزة على رغم فقدانهما جميع ممتلكاتهما بما فيها مصوغات العروس وشقة الزوجية. ولم يحرمهما أقرانهما النازحون من بعض الأهازيج والأغنيات الفولكلورية لمحاولة كسر حال الحزن والأسى المسيطرة، فيما ظهر شاب آخر في شهر يناير (كانون الثاني) الماضي يدعى محمد الغندور وهو يزين خيمته لاستقبال عروسه وسط زغاريد من حوله، وتحدث في الفيديو متعهداً بأن يقيم حفلة زفاف ضخم لشريكة حياته حالما يهدأ الوضع.

ظاهرة عالمية

ببساطة قد لا يجيء السلم إلا بعد أعوام طويلة، لهذا اختارا الزواج على رغم صور الألم المحيطة، التي تتناقض تماماً مع الفكرة الأساسية المرتبطة بالزواج والمتعلقة بالأمل في تأسيس حياة جديدة وأسرة سعيدة هانئة مستقرة، وعلى ما يبدو فإن تلك الأفكار كانت هاجساً مسيطراً على المواطنين في أوكرانيا فقد حدثت انتعاشة كبيرة في أعداد الزيجات التي تم تسجيلها رسمياً عقب فترة قصيرة من الضربات الروسية على البلاد، التي انطلقت في فبراير (شباط) عام 2022، وبحسب منشور لوزارة العدل الأوكرانية على "فيسبوك"، فقد شهدت الأسابيع القليلة التي أعقبت اندلاع الحرب تسجيل أكثر من 15 ألف زيجة، وجاء في تدوينة للحساب الرسمي للوزارة في الأسبوع الأخير من شهر مارس (آذار) 2022، "الحب يفوز.. تسجيل 15 ألفاً و443 زواجاً خلال شهر اندلاع الحرب في أوكرانيا، نؤمن بأن الحب الصادق لا ينطفئ بالانفجارات، ولا يحترق بالنار، ولا يسوى بالأرض بالمدفعية الثقيلة، ولا تكسره الحرب".

 عند نقطة تفتيش على مشارف كييف (غيتي)

وامتلأت صفحات مواقع التواصل الاجتماعي بصور وفيديوهات لأزواج من أوكرانيا يحتفلون على طريقتهم، على رغم الخطر الذي كان يتهددهم وقتها، بل إن اليوم الثاني للحرب شهدت حفلة زفاف لعروسين تطوعا في فريق الدفاع عن الوطن، وصرحا حينها بأنهما كانا خططا لإقامة الحفلة عقب أشهر من هذا التاريخ، لكنهما بدلاً من ذلك قررا أن يكونا معاً في تلك الظروف.

العروسان هما نائبة إدارة مدينة كييف يارينا أريفا وزوجها سفياتوسلاف فورسي الذي ذهب إلى جبهة القتال عقب الزفاف مباشرة، فيما كانت تنتظره هي على وقع صافرات الإنذار وتطوعت مع إحدى الفرق الدفاعية المحلية في المدينة، ونشرت صوراً عدة وهي تحمل السلاح، إذ كانت صور الأزواج الجدد بالزي العسكري شائعة للغاية في الأسابيع الأولى بعد بدء الحرب، وكان من بينهما العروسان ليسيا وفاليري فيليمونوف اللذان احتفلا بزواجهما في نقطة تفتيش بالعاصمة كييف، وحضرت الحفلة التي بدت خيالياً وعبثياً بعض الشيء عمدة المدينة مرتدياً سترة واقية، فيما كان الجنود يلهون بالقذائف.

شهدت تلك الفترة انضمام كثير من المدنيين إلى قوات الدفاع عن البلاد وحملوا السلاح واختاروا التجول بزي عسكري، كما أن القس الذي أشرف على العقد ارتدى أيضاً ملابس عسكرية، كما صرحت عروس أخرى وهي داريا ستينيوكوفا لوكالة الأنباء الفرنسية، أنها حرصت على إتمام زفافها على رغم سقوط صاروخ روسي في مدينتها أدى إلى مقتل 26 شخصاً في اليوم نفسه. وعلقت بالقول "لقد كانت رسالة تحد للعالم أجمع تؤكد قوة الأوكرانيين، وملخصها أننا مستعدون للزواج حتى لو كانت الصواريخ تحلق فوقنا". وحرصت العروس على التقاط الصور مع عريسها فيتالي زافالنيوك على انقاض شقتها المدمرة كعلامة على أنها لا تأبه بشيء.

الزفاف كرسالة سياسية

على الجبهة الأخرى تم إرسال رسالة سياسية مضادة تماماً لهذا الفريق كان بطلاها عروسين يواليان الجانب الروسي هما إيلينا كولينكينا وأرسين بافلوف، ولقبه المعروف "موترولا" زعيم المتمردين في مدينة دونيتسك شرق أوكرانيا التي أعلنت انفصالها ودخلت في مواجهات مع الجيش الأوكراني، وحرص الزوج على ارتداء الزي العسكري فيما كان يعاني إصابة في ذراعه جراء القتال. أما العروس فعلى رغم ارتدائها فستاناً أبيض فإنها حرصت على الظهور بمسدس لاستعراض القوة، وبث التلفزيون الروسي مراسم الزفاف، وبحسب التفاصيل التي رصدتها صحيفتي "ديلي ميل" و"نيويورك تايمز"، فإن العاملين في المكتب المعني بتسجيل الزواج أكدوا أن المراسم حدثت بالإكراه ومن دون توثيق لعدم وجود أي أوراق ثبوتية.

عائلة جديدة في قلب المعركة (وزارة العدل في أوكرانيا)​​​​​​​

وفقاً للمشاهد المتناثرة هنا وهناك، فالفارق كبير بين أجواء الزفاف على وقع الحرب الأوكرانية - الروسية، وبين نظيرتها في بلدان عربية أخرى وأبرزها بالطبع الأراضي الفلسطينية، حيث سوء الوضع الإنساني الذي وصل إلى مداه، سواء في ما يتعلق بعدد الضحايا أو في عدم توافر أساسيات الحياة مثل المأكل والمشرب ووسط موجة البرد القاسية التي تسببت في وفيات إضافية بخلاف الجوع. فيما الزيجات الأوكرانية على رغم أن كثيراً منها أقيم في ظل توتر الأوضاع على الجبهة فإن مظاهر الحياة كانت حاضرة، سواء في الملابس المنمقة أو الزهور المتناثرة على العروسين أو بقية التفاصيل الطبيعية المعتادة. وبحسب البيانات الرسمية سجلت العاصمة الأوكرانية وحدها 9120 زيجة خلال خمسة أشهر من اندلاع الحرب، في مقابل 1110 عقود في الفترة نفسها من عام 2021.

بلا أعباء مادية

تقول أستاذة علم الاجتماع هالة منصور، "تحدث انتعاشات كبيرة في الزيجات إبان الحروب لا سيما بعد أن تمر أيام الارتباك الأولى التي تشهد الصدمة والتوتر". ووفقاً لتقرير مطول أعدته وكالة الأنباء الفرنسية عام 2020 فإن الزيجات في مناطق الصراع بسوريا واليمن والعراق انتشرت بشكل كبير لا سيما عقب الهدوء النسبي في العمليات الحربية، وحرص أصحابها على الاحتفال وفق طقوسهم الخاصة على رغم مشكلات الأمن والاقتصاد وضيق الحال. وكان لافتاً في التقرير الذي استطلع آراء عدة من مناطق مختلفة أن هذه الظروف جعلت العائلات أقل تحكماً في ما يتعلق بالمتطلبات المادية للزفاف، سواء المهور أو مواصفات مسكن الزوجية أو حتى الفارق العمري بين الزوجين حتى لو وصل إلى عشرات السنوات. كما بدا واضحاً أن العائلات تتلمس الفرح وتحاول تأمين مستقبل بناتها، بخاصة بعد أن فقد كثير منهم عدداً من ذويهم وخسروا أموالهم ومنازلهم وتحولوا إلى لائجين ونازحين ومشردين، وهو ما يراه وليد هندي استشاري الصحة النفسية "ظاهرة ملحوظة"، مضيفاً أن الأمر يمثل تحرراً من الضغوط المجتمعية المتعلقة بتفاصيل الزواج المادية المرهقة مما ييسر من عملية الزواج.

جندي أمريكي وفتاة بريطانية في بورنموث، إنجلترا، 1941 (ويكيبيديا)

رصدت السينما العالمية والعربية مئات قصص الحب والزواج التي تزامنت مع الحروب التي جرت في مختلف العصور، فعربياً مثلاً كان هناك "العمر لحظة" و"بدور" و"الرصاصة لا تزال في جيبي" و"أبناء الصمت" و"حتى آخر العمر"، وهي أعمال رصدت حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر في مصر، ويعتبر وليد هندي استشاري الطب النفسي أن تلك القصص ليست مجرد حكايات رومانسية من نسج الخيال، لأن الواقع يؤكد أن الحروب تنمي الشعور بالرغبة في التمسك بالأحبة، متابعاً "الآن الوضع أصبح أكثر يسراً حتى في عز الدمار، إذ تساعد التكنولوجيا الأشخاص في التواصل بصورة أسرع وأسهل، مما يسهم في إنجاز ترتيبات الزواج بين المعنيين".

عروس الحرب

بالبحث يتضح أن الحروب دوماً تزيد من وتيرة الزواج، وهو أمر كان واضحاً للغاية على سبيل المثال في الحربين العالميتين، وانتشر حينها تعبير "عروس حرب"، وكان يطلق على النساء اللاتي تزوجن من جنود في الخدمة، إذ تركوهن وذهبوا إلى الجبهة، بخاصة النساء اللاتي تزوجن من جنود أجانب، فقد تزوج ما يزيد على 60 ألف جندي أميركي من نساء غير أميركيات أثناء قضائهم الخدمة خارج الدولة. وانطلقت في ما بعد ظاهرة "عروس الحرب" عقب عام واحد من انتهاء الحرب العالمية الثانية، وعلى مدى الأعوام نقلت 300 ألف عروس أجنبية إلى الولايات المتحدة للحاق بأزواجهن. وداخلياً سجلت مختلف الولايات ما يقرب من مليوني حالة زواج خلال عام واحد من 1941 إلى 1942، بارتفاع يتجاوز الـ80 في المئة عن النسبة المعتادة.

يلخص استشاري الصحة النفسية وليد هندي تلك الظاهرة بشكل عام بالقول، إن الزواج في أثناء الحروب سلوك إنساني له دوافع نفسية واجتماعية، ويهدف من ضمن ما يهدف له إلى رفع راية التحدي أمام العدو، حتى لو افتقد العريسان أقارب ومحبين لكنهما يؤكدان صمودهما بهذا التصرف، وهو يعكس التمسك بالأمل كما أنه رمزية لكسر حاجز الخوف وتبديد مشاعر القلق ورفع الروح المعنوية لمن يخوضون المواجهات، إذ يشعرون أن هناك أسرة تنتظرهم مما يكون محفزاً كبيراً على الانتصار والعودة للوطن.