Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إمكانية تطبيق "الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح" والتنازلات المقدمة

طالب وزيران في المجلس الأمني الوزاري المصغر بإصدار قرار رسمي بمعارضة إسرائيل فرض عقوبات على أكثر من نصف مليون مستوطن

ترفض تل أبيب الاعتراف أحادي الجانب بدولة فلسطينية وتؤكد السلطة أن إقامتها مفتاح استقرار المنطقة (اندبندنت عربية)

ملخص

أكثر من 700 ألف مستوطن يهودي في الضفة الغربية والقدس الشرقية، يعيشون على الأرض التي يريد المجتمع الدولي إقامة دولة فلسطينية مستقبلية عليها إلى جانب غزة

فيما تتوالى التصريحات المتفائلة من واشنطن حول خطة مفصلة وشاملة لتحقيق سلام طويل الأمد بين إسرائيل والفلسطينيين، بما في ذلك جدول زمني محدد لإقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح يمكن الإعلان عنها خلال الأسابيع المقبلة، وفقاً لما جاء في صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، يعيش المستوطنون حالة من الغليان ويطالبون بمواصلة الاستيطان وعدم الانصياع للضغوط الأميركية، كيف لا وأكثر من 700 ألف مستوطن يهودي في الضفة الغربية والقدس الشرقية، يعيشون على الأرض التي يريد المجتمع الدولي إقامة دولة فلسطينية مستقبلية عليها إلى جانب غزة. وعلى رغم أن رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو أكد، الأحد، أن "إسرائيل ترفض بشكل قاطع الإملاءات الدولية في شأن التسوية الدائمة مع الفلسطينيين"، عارض بشدة "الاعتراف الأحادي الجانب بالدولة الفلسطينية". فإن المستوطنين يستشعرون الخطر من الدولة الفلسطينية المستقبلية التي يجري الحديث عنها بتأييد دولي، خصوصاً مع اتخاذ الولايات المتحدة مواقف أكثر صرامة تجاههم، وفرضت عقوبات غير مسبوقة على مستوطنين متهمين بارتكاب أعمال عنف أو تخويف بشكل مباشر في الضفة الغربية.

مع بداية العام الحالي، بلغ عدد المستوطنات نحو 176 مستوطنة و186 بؤرة استيطانية، وشكلت ما نسبته 42 في المئة من مساحة الضفة الغربية، ينظر إليها على نطاق واسع بأنها غير قانونية وإحدى العقبات الرئيسة أمام حل الدولتين.

سيطرة عسكرية

بموجب "اتفاق أوسلو" عام 1993 وبمقتضى اتفاق "غزة-أريحا" الذي أعقبه، أسست السلطة الفلسطينية على 22 في المئة فقط من أرض فلسطين، لتكون كياناً موقتاً لإدارة شؤون الحكم الذاتي للفلسطينيين القاطنين في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية. ويبلغ إجمالي مساحة الضفة نحو خمسة آلاف و760 كيلومتراً مربعاً، لكن الاتفاق حدد صلاحياتها بالعمل في منطقتي (أ) التي تبلغ مساحتها 21 في المئة من مساحة الضفة و (ب) التي تقدر مساحتها 18 في المئة، مع سيطرة إسرائيلية كاملة على المنطقة المصنفة (ج) التي تصل إلى 61 في المئة من مساحة الضفة. ومع اندلاع الانتفاضة الثانية عام 2000، أعادت إسرائيل سيطرتها على الضفة بشكل كامل لتسيطر عسكرياً عليها، وتتوسع استيطانياً في المناطق المصنفة (ج)، وهي منطقة تضم 87 في المئة من الموارد الطبيعية للضفة الغربية و90 في المئة من غاباتها و49 في المئة من طرقها، وأسهمت شبكات الطرق الالتفافية التي أقامتها إسرائيل بطول 980 كيلومتراً في اختراق المناطق الفلسطينية وتقطيع أوصال التجمعات الريفية. وبقيت قضية القدس خارج هذه التصنيفات، وأرجئت لمفاوضات الحل النهائي كقضايا اللاجئين والحدود والمياه.

ويرى مراقبون أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية، بالارتكاز على قرار مجلس الأمن رقم 242، الذي يقوم على مبدأ أن انسحاب إسرائيل من الأراضي التي سيطرت عليها عام 1967 كشرط مسبق للسلام، سيكون متسقاً مع التحركات الأخرى التي تم اتخاذها مسبقاً في هذا الاتجاه، وأبرزها مبادرة السلام العربية لعام 2002 التي قبل بها جميع أعضاء الجامعة العربية ودعمتها منظمة التعاون الإسلامي، غير أن الحديث عن الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح الذي يروج له الرئيس الأميركي جو بايدن، بحسب الكاتب أتش إيه هيلير، لا يرد فيه أي ذكر للقرار 242. وأضاف في مقال نشرته صحيفة "الغارديان" البريطانية، "ما يروج له الرئيس الأميركي يبدو أنه دويلة على غرار البانتوستانات في جنوب أفريقيا أثناء الفصل العنصري، أو الدول العميلة لروسيا في شرق أوكرانيا، مما يعني أنها ليست دولة على الإطلاق". وأضاف "إذا تم إنشاء مثل هذه الدويلة الفلسطينية، فلن ينظر إليها الفلسطينيون ولا المنطقة المحيطة ولا حتى المجتمع الدولي، على أنها وفاء من إسرائيل بالتزامات القانون الدولي، ولا كاعتراف بتطلعات الفلسطينيين في إقامة دولة". وطالب هيلير بـ"إجراء إصلاح حقيقي للمجلس الوطني الفلسطيني (الهيئة التشريعية لمنظمة التحرير الفلسطينية)، لجعله قابلاً للمساءلة وأكثر ديمقراطية وأكثر تمثيلاً، إلى جانب أن يعمل الغرب على تهميش وعزل القوى السياسية الإسرائيلية التي تعمل على تقويض سلامة شعب إسرائيل، فضلاً عن المصالح العالمية في المنطقة".

تهديد وجودي

الموافقة على الانسحاب من الجزء الأكبر من المستوطنات في الضفة الغربية، إضافة إلى شطر القدس لتصبح المدينة الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية، ناهيك بضم قطاع غزة والضفة الغربية، كلها أمور يستعصي على الإسرائيليين تصورها أو حتى التفكير في الموافقة عليها في ظل هيمنة الحكومة الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل، الذين عبروا علناً عن رفضهم الخطة المقترحة التي تعمل الولايات المتحدة ودول عربية على صياغتها، من شأنها أن تفضي إلى إقامة "دولة فلسطينية". وقال وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، في تدوينة عبر منصة "إكس"، "لن نوافق بأي شكل من الأشكال على هذه الخطة، التي تقول في الواقع إن الفلسطينيين يستحقون مكافأة على المذبحة الرهيبة التي ارتكبوها بحقنا". وأضاف أن "الدولة الفلسطينية تشكل تهديداً وجودياً لدولة إسرائيل كما ثبت في السابع من أكتوبر (تشرين الأول)". من جانبه، كتب وزير الأمن القومي الإسرائيلي، إيتمار بن غفير، على المنصة ذاتها "قتل 1400 شخص ويريد العالم أن يمنحهم دولة". وأضاف "ذلك لن يحدث". وطالب الوزيران المجلس الأمني الوزاري المصغر "الكابينت" بإصدار قرار رسمي بمعارضة إسرائيل لإقامة دولة فلسطينية وفرض عقوبات على أكثر من نصف مليون مستوطن". بدوره، رفض وزير شؤون الشتات، عميحاي تشيكلي، من حزب "الليكود"، الخطة للاعتراف بالدولة الفلسطينية. وقال إن إسرائيل بحاجة إلى "تهديد الأميركيين بخطوات أحادية الجانب مثل إلغاء اتفاقيات أوسلو مع السلطة الفلسطينية". من جهته، يرى الباحث في شؤون الشرق الأوسط في جامعة بار إيلان بتل أبيب، مردخاي كيدار، أن "حل الدولتين غير قابل للتطبيق". أضاف "الأغلبية الساحقة في إسرائيل تخشى إقامة دولة فلسطينية لأن التأييد لحركة حماس في الضفة الغربية أصبح كبيراً وساحقاً". متسائلاً "ما الضمان ألا تنقلب الدولة فلسطينية المستقبلية علينا، لو قامت، كما فعلت حماس في السابع من أكتوبر؟". من جانبه، يعتقد المحلل السياسي الإسرائيلي، يوبي شتيرن، أن الحكومة الإسرائيلية الحالية لا ترى في الفلسطينيين أكثر من أقليات تعيش تحت حكم الدولة اليهودية، لا يملكون الحق في تقرير المصير".

ورداً على القرار الإسرائيلي الرسمي الرافض قطعياً إقامة دولة فلسطينية إلا من خلال المفاوضات المباشرة بين الجانبين، من دون الشروط المسبقة، قال المتحدث باسم الرئاسة نبيل أبو ردينة، الأحد، إن إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية هي "مفتاح الحل ومستقبل واستقرار المنطقة". ونقلت وكالة الأنباء الفلسطينية عنه قوله "من دون حصول دولة فلسطين على عضويتها كاملة في الأمم المتحدة، وتجسيد استقلالها على الأرض الفلسطينية بعاصمتها القدس الشرقية، والوقوف الفلسطيني العربي الموحد أمام التهجير وجرائم الإبادة، ستبقى المنطقة مشتعلة وفي صراع مستمر وحروب لا تنتهي"، فيما أكد الناطق باسم حركة التحرير الوطني "فتح" حسين حمايل "أن الشرعية الدولية هي من تحتم على كل الساسة في العالم أن تذهب بخيار حل الدولتين، احتراماً لسيادة القانون الدولي والشرعية الدولية التي أعطت الشعب الفلسطيني الحق في تقرير مصيره وإقامة دولته عند حدود 1967". من جانبه، استخف مدير الجمعية الأكاديمية الفلسطينية لدراسة الشؤون الدولية (PASSIA)، عدنان جولاني، بالدعوات الحالية لإقامة دولة فلسطينية، معتبراً إياها "مجرد محاولات أميركية لصرف الانتباه عن الإبادة الجماعية التي يتعرض لها الفلسطينيون في قطاع غزة". وأكد أن الفلسطينيين الذين اعتادوا سماع وعود بدولة فلسطينية بين الانتفاضتين، فقدوا ثقتهم بجدية الخطوة".

عودة اللاجئين

وسط حالة الاحتقان السياسي بين الجانبين وتراشق التصريحات بين ترحيب وتهديد، شكك كثيرون بنجاح المبادرة الأميركية لحل الدولتين كمدخل لحل الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين المتجذر منذ أكثر من 70 عاماً، وأن نزع فتيل الحرب المتوقعة في منطقة الشرق الأوسط، يكمن في إقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح بطريقة تضمن الأمن لإسرائيل، إذ يرى مراقبون أن إمكانية قبول إسرائيل بخطة سلام تحرز تقدماً في إنهاء الصراع ستشترط كما في مرات سابقة، تنازلات كبيرة من قبل الفلسطينيين، تتعلق بشطب حق عودة اللاجئين والاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية، ومطالبة الولايات المتحدة السلطة الفلسطينية بضرورة تلبيتها، وهو الأمر الذي يراه الفلسطينيون تعجيزياً وعقبة حقيقية أمام التوصل إلى السلام المنشود، ويعكس التشدد الذي تتبناه الحكومة الإسرائيلية اليمينية الحالية. ويؤكد عدم نيتها التوصل إلى حل مع الفلسطينيين على الإطلاق.

وعلى رغم أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس أبدى في وقت سابق استعداده لإجراء مساومة تقوم على عودة جزء من اللاجئين ضمن عدد معقول توافق عليه إسرائيل، أكدت دائرة شؤون اللاجئين التابعة لمنظمة "التحرير" الفلسطينية واللجان الشعبية في الضفة الغربية، أن حق عودة اللاجئين غير قابل للتصرف، وأن أي اتفاق سلام من أي نوع سيواجه رفضاً شعبياً إذا لم يكن هناك اعتراف بحق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة. وذكرت في بيان، أن الأمن والاستقرار في المنطقة لن يتحققا إلا بتنفيذ حق العودة لجميع اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وممتلكاتهم، وأن قضية اللاجئين الفلسطينيين هي قضية سياسية وإنسانية يجب أن تحظى بالدعم والتأييد الدوليين لتحقيق العدالة والحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني".

الكاتب في صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية رينو جيرار رأى "أن على إسرائيل أن تختار بين الاحتفاظ بالسيطرة العسكرية على فلسطين الانتدابية كلها مع الاستمرار في العيش في فوضى متقطعة، وبين التخلي عن 22 في المئة منها لإنشاء دولة فلسطينية منزوعة السلاح وكسب السلام على حدودها". وأضاف "على القوى الإقليمية إقناع الفلسطينيين باستحالة عودة اللاجئين إلى إسرائيل التي ترغب في البقاء دولة يهودية". وأكد أن "لدى أميركا الوسائل اللازمة لدعم هذا الحل سياسياً"، مردفاً "إذا لم يغتنم الفلسطينيون هذه اليد الممدودة والفرصة لبناء دولتهم، واستمروا في حلمهم بإلقاء اليهود في البحر، فسيستحقون مصيرهم الكارثي"، على حد تعبيره، في حين أشارت مجلة "فورن بوليسي" الأميركية، إلى أن "حماس لن توافق على نزع سلاحها، وربما لن تنضم الفصائل المسلحة الأخرى في غزة إلى التسوية النهائية". وأضافت "ستكون هناك مخاوف مماثلة من استمرار الاضطرابات، ليس فقط بين هذه الفصائل وإسرائيل، ولكن أيضاً بينها وبين السلطة الفلسطينية المستقبلية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

من جهته، أوضح المحلل السياسي عصمت منصور، أن اتهامات إسرائيل لبعض موظفي وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" بالمشاركة في هجوم السابع من أكتوبر الماضي، وتعاونهم مع "حماس" الذي أدى إلى تجميد عدد من الدول لما كانت تقدمه لها من تمويل، جاء بعد فشل جميع الحلول الإسرائيلية والمبادرات الدولية في طي صفحة حق عودة اللاجئين، وعدم القدرة على تغييبه عن أجندة دوائر صنع القرار الفلسطينية والعربية والإسرائيلية". وهو ما أكده المفوض العام لوكالة "أونروا" فيليب لازاريني، قبل أيام، حين اتهم إسرائيل بشن حملة منسقة "تهدف إلى تدمير المنظمة وفكرة أن الفلسطينيين لاجئون ولديهم الحق في العودة ذات يوم". وقال المحلل والكاتب الفلسطيني هاني المصري "ما هو مطروح على طاولة المفاوضات ليس مقايضة حق العودة بإقامة الدولة الفلسطينية، لأن هذا مرفوض وينتقص من حق ملايين الفلسطينيين اللاجئين في خارج وداخل وطنهم". أضاف "المطروح إسرائيلياً هو التنازل في جميع القضايا عن حق العودة إلى الحدود والقدس والمستوطنات والأمن والمياه". مردفاً "عندما تدرك إسرائيل أن لدى الفلسطينيين بدائل أخرى وليس مفروض عليهم خيار واحد هو الاستمرار بالتعايش مع الاحتلال والتفاوض معه إلى الأبد، ستدرك أن حل الدولة الفلسطينية أفضل لها مما يمكن أن تواجهه مستقبلاً".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير