Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هوامش مثيرة عشية مرور عامين على الحرب الأوكرانية

مقابلة بوتين مع كارلسون وتعيين روسي قائداً لجيش كييف ثم موت نافالني في القطب المتجمد

قصة صعود بوتين ترتبط بعمل جهاز الـ"كي جي بي"، وبعض أسباب الإعجاب به تعود لسيرته كضابط استخبارات سوفياتي (أ ف ب)

يبدو أن أنباء الحرب الروسية- "الغربية" المسلحة فوق الأراضي الأوكرانية تراجعت قليلاً أمام حروب من نوع آخر، سلاحها الإعلام والإعلاميون والإشاعة ومشيعوها والمؤامرة ونظرياتها.

في موسكو توتر يزداد حماوة مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في الـ 17 من مارس (آذار) المقبل، وهذه المرة أيضاً سيكون الرئيس فلاديمير بوتين مرشحاً من دون منافس تقريباً، فصحيح أن لجنة الانتخابات العليا استقبلت وقبلت نحو 10 ترشيحات حازت على التواقيع المطلوبة، لكن بوتين فاز بنسبة التواقيع هذه سلفاً.

المرشحون تمكنوا من جمع أكثر من مئة ألف صوت فيما حصد بوتين الملايين، والقرار متخذ سلفاً بالفوز، أما ألكسي نافالني المعارض الأكثر وضوحاً فمات فجأة في السجن القطبي.

احتاجت ماكينة الدعاية في الكرملين إلى شيء من الإثارة عشية الانتخابات الرئاسية واقتراب نهاية العام الثاني من حرب "العملية الخاصة" في أوكرانيا من دون تحقيق أي من الأهداف المعلنة لها، فلا نظام فولوديمير زيلينسكي أطيح ولا الشروط التي وضعتها موسكو عن حل الجيش والحكومة الأوكرانيين تحققت، فيما المراوحة سائدة على خطوط الجبهة مع اختراقات متبادلة ليست ذات أهمية استراتيجية.

وأثار تغيير الرئيس الأوكراني زيلينسكي قائد جيشه المعروف الجنرال زالوجني وتعيين الجنرال الروسي الأصل ألكسندر سيرسكي قائداً للقوات الأوكرانية عاصفة من التعليقات الروسية، إذ إن القرار الأوكراني كان منتظراً منذ مدة، فزالوجني بات شخصية بارزة لها رأيها، وموسكو كانت تراهن أنه سيحل محل زيلينسكي، ربما بعد "مقتل" هذا الأخير أو التخلص منه كما توقع أو تمنى محللون روس.

فجأة يطيح الرئيس، المتهم بالنازية وتنفيذ أوامر واشنطن ولندن "بديله" ويجعله مستشاراً له، ويأتي بضابط روسي، مولود في فلاديمير قرب قازان، وأرسل إلى الخدمة في أوكرانيا كعسكري سوفياتي، ثم بقي في البلاد بعد استقلالها عن الاتحاد المنهار وانضم إلى الجيش الأوكراني ليصبح قائداً له في مواجهة "أبناء بلاده" الذين يواصلون حربهم لإسقاط أوكرانيا وتطويعها.

احتل خبر الجنرال الروسي (سيرسكي) الذي سيقود الدفاع الأوكراني مرتبة متقدمة في روسيا، وهرع المراسلون إلى لقاء والد ووالدة الجنرال الأوكراني. وجدوا أن العائلة على اتصال بابنها و"اكتشف" بعضهم أن الجنرال الروسي شخص جبان وهارب من الخدمة في حرب الشيشان.

لكن الواقعة وقعت، فليس سهلاً أن يحصل روسي على موقع كهذا، فهو سيصنف خائناً على أي حال، ولنا أن نتخيل أوكرانياً يصبح زعيماً لروسيا أو قائداً لجيوشها الآن، حصل ذلك في زمن خروتشيف وبريجنيف لكنه كان زمان السوفيات والأممية والحزب الشيوعي، وهذا الوقت انتهى.

قرار زيلينسكي ووزير دفاعه رستم عميروف تعيين الضابط "الروسي السوفياتي" الأصل (خريج المدرسة العسكرية في موسكو 1986) يمكن إدراجه، إلى كونه قراراً سياسياً وعسكرياً، تحت بند الحرب الإعلامية- النفسية التي تخوضها أوكرانيا ضد روسيا في زمن المراوحة العسكرية، ونجحت إلى حد كبير في ذلك. الصحف الروسية تناولت القرار من باب التجريح الشخصي بالجنرال القائد. فكتبت "كومسومولسكايا برافدا" أن "قائد الجيش الأوكراني الجديد حاول الالتحاق بالجيش الروسي لكنه خاف الشيشان".

يعيش والدا سيرسكي في مدينة فلاديمير الروسية القديمة، حيث يعمل شقيقه الأصغر حارساً للأمن، والأم ليودميلا والأب ستانيسلاف متقاعدان، والوالدة تغني في جوقة المحاربين القدامى والأب يشارك في "فوج الخالدين" إحياء لذكرى الجد المقاتل مع الجيش الأحمر في معركة لينينغراد.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تروي جارة والدة سيرسكي أنه زار عائلته للمرة الأخيرة عام 2014 (بعدها تولى جبهة دونباس ضد الروس)، وتنقل "كومسومولسكايا" أنه قال لعائلته في تلك الزيارة "إننا نجلس مع الجيش الأوكراني في المقار نفسها، نصفنا روسي والنصف الآخر أوكراني، نكرههم جميعاً لأنهم ماكرون، مخادعون، يتملصون كالثعابين".

تلك كانت رواية الصحيفة الروسية عن العسكري الروسي الذي يقود "جيش العدو" ولا يزال يتواصل مع والديه، إذ "لا يمر يوم من دون اتصال أو رسالة في الأقل، أنا حي أرزق والأحفاد بصحة جيدة".

إنها رواية الإيحاء بأن سيرسكي "الجبان" في الحرب لا يزال متمسكاً بانتمائه الأصلي الروسي والخلاصة تشكيك في الخيار الأوكراني و"تطمين" لشارع روسي تستميله روايات الاستخبارات عن صنع القادة.

قصة صعود بوتين نفسه ترتبط بعمل جهاز الـ"كي جي بي"، وبعض أسباب الإعجاب به تعود لسيرته كضابط استخبارات سوفياتي في ألمانيا الشرقية، وربما لإسهام الجهاز ذاته في صعوده السريع.

قبل الذكرى الثانية للحرب وأسابيع قليلة من الانتخابات الرئاسية الروسية، وفي مصادفة مثيرة وتزامن لافت مع التغيير في القيادة العسكرية الأوكرانية، اختار الرئيس الروسي تخصيص الصحافي الأميركي تاكر كارلسون بمقابلة طويلة رفض سابقاً منحها لصحافيين غربيين آخرين. صار الحديث يدور عن كارلسون مثلما يدور عن القائد العسكري الروسي لجيش أوكرانيا. الوقائع والحقائق في مكان والأنظار تذهب إلى مكان آخر. إنها لعبة تدار بإتقان هدفها رأي عام يكاد يتحول عن الاهتمام بالمراوحة على الجبهة العسكرية كما بالمراوحة في ديمقراطية الانتخابات الرئاسية.

بثت مقابلة بوتين وجرى تعيين سيرسكي في الأسبوع نفسه. الكرملين برر تخصيص الصحافي كارلسون في المقابلة لأن نهجه يختلف عن التغطية "أحادية الجانب" للصراع في أوكرانيا التي يمارسها آخرون. كارلسون على علاقة وثيقة بالجمهوريين الأميركيين بل هو على يمينهم، والمرشح الرئاسي دونالد ترمب معجب به وقال إنه قد يختاره نائباً للرئيس.

الباحث الروسي في الشؤون الأميركية ديمتري دروبنيتسكي يشرح لصحيفة "فزغلياد" الروسية أن "تاكر يمثل صوت أميركا المحافظة. سيرغب كثيرون في الولايات المتحدة في مشاهدة هذه المقابلة لسبب إضافي هو أن الأميركيين سئموا من الأجندة الليبرالية التي يمثلها الحزب الحاكم، فهم لا يفهمون لماذا تذهب ضرائبهم لتمويل أوكرانيا".

ويوضح موقع "روسيا اليوم" صراحة أنه "يمكن وصف المحادثة بين بوتين وكارلسون بأنها ضربة قوية لحملة الديمقراطيين الانتخابية".

أراد بوتين عشية إعادة انتخابه القول إنه عامل مؤثر في خيارات الأميركيين السياسية، وأرادت أوكرانيا، ومن ورائها أميركا القول إنها قادرة على جعل روسي قائداً لجيشها، وفي الحركتين معركة في الفضاء الإعلامي وتعويض عن انتصارات لم تتحقق في الجبهات. لم يكُن ينقص المشهد سوى تلك الحركة الثالثة، موت نافالني الغامض الذي سيتيح للغرب تصعيد حملته ضد بوتين، ليردّ الزعيم الروسي في تحريك وتأجيج وطنية روسية ضد التآمر الأجنبي الذي يستهدف الإمبراطورية.

المزيد من آراء