Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حين يصبح الذهب أكثر من الغبار

يحتفظ بموقع الصدارة بين معادن الكوكب لكنه يتسبب أحياناً في حروب دامية بدلاً من كونه رمزاً للسلام

سلاسل ذهب معروضة للبيع في 2010 بإحدى الولايات الأميركية (أرشيفية - أ ف ب)

ملخص

ارتبط وجود الذهب تاريخياً وتوزيعه بشكل "حرماني" فصار في حقب زمنية عديدة أيقونة للجشع والفقر والحروب الدامية بدلاً من كونه أيقونة للرخاء والسلام

لا يزال الذهب معدن الإنسان المفضل في زمننا هذا وفي أزمنة غابرة كثيرة، لكن مصدره الرئيس هو أفريقيا من دون شك، فالمخيلة السينمائية والأدبية العالمية تذهب دوماً إلى القارة السمراء عند التفكير في استخراج المعدن الأصفر النفيس من باطن الأرض. وتاريخياً ارتبط وجوده وتوزيعه بشكل "حرماني" متعمد بين الناس، مع السلطة ورأس المال والفساد فصار في حقب زمنية عديدة أيقونة للجشع والفقر والحروب الدامية بدلاً من كونه أيقونة للرخاء والسلام.

تقول مصادر مختلفة (كتب وأبحاث) إن قصة القارة الأفريقية وتحديداً لدى الفراعنة وفي مملكة مالي قديماً أخذت قسطاً وافراً من أسطورة هذا المعدن ضمن سياقها الطبيعي فالفرعون (الملك توشراتا) زعم أن الذهب انتشر في عصره أكثر من الغبار، فيما وزع ملك مالي منسا موسى (1280-1337م) أثناء رحلة إلى الحج الذهب في القاهرة لدرجة أن المعدن النفيس تحول إلى معدن رخيص الثمن لفترة محدودة من الزمن.

في المقابل لم يعرف الإنسان عصراً ذهبياً تداول فيه الناس بشكل عادل المعدن النفيس، ولفترة وجيزة من الزمن إلا من خلال هذه القارة التي تعد مقره الطبيعي.

معنى العصر الذهبي

يشار إلى العصر الذهبي للإنسان باعتبار أن العدالة تسود فيه على الحرمان، وبهذا المعنى لا يوجد للبشرية عصر ذهبي حقيقي معين، إذ لم تدمغ حقبة تاريخية محددة باسم هذا المعدن النفيس من وجهة نظر صناعية أو علمية كما الحال مع العصر الحديدي أو البرونزي أو حتى الحجري، على رغم دخول المعدن النفيس في مجالات الصناعة والفنون والآدب بشكل دائم، وذلك لأن المعدن النفيس الأصفر لم يكن في يوم من الأيام ملكية عامة للناس.

وتؤكد روايات تاريخية أن هناك فترة وجيزة من الزمن مرت بعد معرفة قيمة الذهب، وهي مرتبطة بهذا المعدن وهي عصر فرعوني في 2600 قبل الميلاد، وتحديداً في عهد الملك توشراتا، ملك ميتاني الذي ادعى فيه أن "الذهب في مصر أكثر من الغبار".

ووفق بحث نشر في مركز الدراسات الأفريقية عام 2022 عن مملكة مالي، فإن الملك منسا موسى "وأثناء قيامه برحلة الحج إلى مكة عام 1324 زار القاهرة برفقة قافلة من الإبل محملة بآلاف الأرطال من الذهب، وأدى منح الهدايا والعطايا إلى خفض سعر الذهب في مصر بشكل ملحوظ حتى بعد مضي فترة من الزمن".

معدن غزا العقول

على رغم ذلك كله غزا المعدن النفيس عقول ومخيلة البشر في كل مكان من العالم وسيطرت أسطورته السلبية على مخيلة التراث الشعبي والفنون والأدب، حتى تحول المعدن اللامع الجميل إلى أيقونة للجشع والصراعات التي تقود الإنسان إلى مزيد من الجوع والمرض والفقر، وتبعده أكثر من الرفاهية والسعادة.

وفي فيلم "ذهب الأغبياء" بطولة كيت هندسون وماثيو ماكونهي، وعشرات الأفلام في هوليوود والسينما العربية والهندية، يعود الحالمون من رحلة البحث عن دفائن الذهب بحراً وبراً وجواً خائبين، بينما يذهب الذهب إلى رجل ثري ومتسلط آخر يحتكر المعدن النفيس من جديد.

مرونة

لذلك لا تكمن أهمية الذهب في كونه نفيساً، أي نادر الوجود في الطبيعة، ولكن لتمتعه طبيعياً بصفة واحدة نادرة الوجود في غيره من المعادن الثمينة، وهي صفة فلزية / كيماوية، وليست شكلية، ويظنها كثيرون ليست ذات أهمية، وهي طراوة هذا المعدن أو مرونته وقابليته للصياغة والتشكيل بسهولة ومتانة عجيبتين، أثارت دهشة الكيماويين.

 

 

ويمتلك المعدن النفيس صفات أخرى مثل مقاومة عوامل الزمن وهو سر انبهارنا به، إذ يتكون الذهب من 24 جزءاً أو عنصراً كيماوياً نادراً آخرين، تجعل من الصعب توافرها في معادن أخرى كثيرة.

خصائص طبيعية

تجتمع في الذهب خصائص الطبيعة المتضادة أحياناً، لذلك لم يتوقع الإنسان لفترة طويلة من الزمن سبقت اكتشاف المعدن أن تجتمع مثل هذه الصفات في جنس معدن واحد، مما جعل منه مطلباً رئيساً للبشرية ضمن مختلف الحقب الزمنية، فهو مطلوب في الصناعة كما في الفنون، وفي العلوم الحديثة والتقنيات، كما في المعارف القديمة وعصور المهارات اليدوية والأدوات.

ويتكون الذهب النقي من 24 جزءاً، وهذا يعني تجارياً أنه يحتوي (24 قيراطاً) من مادة الذهب الخالص، لذلك يبدأ ترتيب سبيكة الذهب لدى عرضها في الأسواق مهما كان وزنها أو حجمها أو شكل صياغتها، من الوحدة المعروفة 24 قيراطاً.

وإذا خلط الذهب طبيعياً أو صناعياً بمعادن أخرى يتغير القيراط أو المعيار إلى أقل من ذلك، حتى يصل إلى 9 أقراط في أقل تقدير، بمعنى أن في السبيكة من نوع 9 أقراط و15 قيراطاً من المعادن الأخرى، وغالباً ما تكون تلك المعادن التي تخلط بالذهب هي الفضة والنحاس.

"التوزيع الحرماني"

لا يقتصر توزيع الذهب في الحياة بشكل "حرماني" أو غير عادل مقصود على سلوك الناس فيما بينهم وحسب، فالطبيعة الأم تحتكر هذا المعدن وتوزعه على الإنسان بشكل غير عادل أيضاً، فالطبيعة الأم ذاتها توزع هذا المعدن النفيس بشكل غامض وعشوائي.

ومعنى التوزيع الحرماني علمياً وطبيعياً هو توزيع الذهب المخزن في باطن الأرض على مناطق جغرافية معينة نتيجة انفجارات عفوية تحدث في البحر ومناطق ساخنة أخرى من الكون مثل البراكين، التي يؤدي ثورانها إلى خروج المعدن من أعماق الأرض واستقرار 25 في المئة من الذهب على سطح الأرض عبر هذه الطريقة العشوائية، فيما هناك 75 في المئة تقذف وفق التوزيع النهري.


 

 

تؤكد الموسوعة العلمية الأوروبية أن نحو 25 في المئة من الذهب الذي عثر عليه يعود سبب ظهوره على السطح إلى عمليات "التوزيع الحرماني" المذكورة سابقاً، في حين أن 75 في المئة المتبقية يوجد فيها الذهب على شكل قطع ذهبية، التي تشير إلى حدوث توزيع نهري، وأظهرت بيانات توزيع النظائر أن النسبة العظمى لظهور الذهب على السطح هو نتيجة التوزيع النهري.

منبع أسطورة الذهب

لا بد لمعدن نفيس مثل الذهب من أسطورة تتناسب مع حجم تأثيره في الحياة، لذلك انقسمت الأسطورة حوله إلى قسمين، الأول بدائي متعلق بمصدره الذي يرتبط بالآلهة، والثاني حداثي لأنه متعلق بكون المعدن ظهر إلى الوجود نتيجة تصادمات بين الكواكب والمجرات الفضائية.

وفي الخيال العربي لا تتوقف أسطورة الذهب كثيراً عند كيفية وصول المعدن إلى حياة الإنسان بل تتعلق بدوره وأثره في الحياة، ومع ذلك ربط الخيال الديني العربي بين ظهور معادن أقل شأناً منه وبين المعتقد الأسطوري بشكل مباشر، كما الحال مع معدن الحديد، إذ أقر القرآن الكريم بكون الحديد معدناً نزل إلى الأرض من الفضاء (السماء)، وذلك وفق آيات قرآنية في "سورة الحديد"، لكن أسطورة الذهب قبل ذلك عند العرب تطورت بشكل مختلف يظهر من خلال مؤلفات أدبية مثل كتاب (إرم ذات العماد) لفاضل الربيعي، الذي تحدث عن مدينة ذهبية أسطورية يلاحقها الملوك وعامة الناس البسطاء على رغم كونها مفقودة الأثر في الصحراء، وتعود ملكيتها لملوك قوم عاد الذين أبادهم الله بسبب فسادهم في الأرض.

أخيراً شاعت صورة الذهب على شكل سبائك مكدسة تتحول إلى مليارات الدولارات بعد الاستيلاء عليها وتصريفها في السوق السوداء في الأفلام، منذ حقبة الأبيض والأسود، وارتبط هذا المشهد بشكل كبير ودائم مع اقتحام خزنات البنوك والمصارف الحديثة التي تعد أكبر تجمعات متخيلة لهذا المعدن على سطح الأرض، مع أنها تنتشر في مناطق تعاني الفقر أحياناً.

ولذلك سادت حقبة سينمائية من الزمن انتشرت فيها أفلام سرقة البنوك للاستيلاء على المعدن النفيس، وذلك منذ حقبة الكاوبوي الأقدم سينمائياً وحتى يومنا هذا.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير