Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

صراع الغواية والفضيلة يتجدد على متن "الرحلة 404"

نجح الفيلم المصري في كسر حاجز 400 ألف دولار في مدة قصيرة وموسم قارس البرودة مزدحم بالمباريات

استغرق المشروع 13 عاماً ليخرج إلى النور، والرقابة المصرية اعترضت على اسمه الأصلي (مواقع التواصل)

ملخص

فيلم يكسر حاجز الإيرادات ويعيد الألق للبطولة النسائية... حكاية "الرحلة 404"

تواجه الأفلام البعيدة من الكوميديا والأكشن والجريمة غالباً مشكلات كبيرة في العرض والحماسة من المنتجين والإقبال الجماهيري والتسويق، وبالتأكيد إيرادات شباك التذاكر، لذلك لم يكن غريباً أن يتعرقل طريق فيلم "الرحلة 404"، لأنه فيلم فلسفي بدرجة كبيرة ولا علاقة له بمتطلبات السوق المضمونة النجاح، إضافة إلى أن بطلته من المقدمة للنهاية ممثلة هي الفنانة منى زكي، في وقت تشهد البطولات النسائية في مصر تراجعاً كبيراً من دون أسباب واضحة.

طريق الرحلة

لكن يبدو أن السينما قد تخرج عن سياقاتها المعروفة سلفاً بعد أن نجح الفيلم في كسر حاجز الـ13 مليون جنيه (نحو 401 ألف دولار) تقريباً في شباك التذاكر في مدة قصيرة جداً، وفي موسم شتوي قارس البرودة ومزدحم بالموسم الدراسي المصري ومباريات كروية أفريقية يكرس لها الجمهور المصري اهتماماً كبيراً، ليعيد الثقة في البطولات النسائية وقدرتها على الجمع بين النجاح الجماهيري والفني.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

طريق "القاهرة - مكة"، وهو الاسم المبدئي لفيلم "الرحلة 404"، امتد 13 عاماً ليصبح بذلك أكثر فيلم استغرق إعداد مشروعه وقتاً مبالغاً فيه، إذ عرض المخرج هاني خليفة على منى زكي القصة التي كتبها محمد رجاء فأحبتها بشدة، وكانت تدرك صعوبة تنفيذ فيلم نفسي فلسفي بطلته سيدة، ويختص بقضايا بعيدة من المعلبات المضمونة في قائمة النجاح السينمائي بالمقاييس الحالية.

واجه الفيلم مشكلة عزوف المنتجين الذين يضعون أرباح شباك التذاكر كشرط أساس لقبول فكرة فيلم، وكان الحصول على ممول لفكرة ثرية عميقة ضرباً من الخيال، وحتى بعد حدوث ذلك وبدء تصوير الفيلم استغرق الأمر أربع سنوات كاملة بين تصوير وتعطيل وتأجيل، وتصدى لإنتاجه ثلاثة منتجين هم محمد حفظي وشاهيناز العقاد والمنتج السعودي عبدالإله البسيوني.

وكانت هناك أزمة أخرى أخرت عرض الفيلم جماهيرياً، وهي الرقابة المصرية التي اعترضت على اسم "القاهرة - مكة" لأسباب أهمها استخدام قدسية المدينة الأخيرة في غير موضعها، حتى تغير إلى "الرحلة 404" ليكون أكثر شمولية لحال إنسانية لا تقترب من بلد أو حدث بعينه.

التوبة والغواية

غادة سعيد التي لعبت دورها الفنانة منى زكي، هي سيدة شابة لها ماض ملوث وتاريخ من العهر لأسباب مادية ونفسية، تربطها علاقة وطيدة بسيدة تدير شبكة عاهرات تقوم بدورها شيرين رضا، وتقرر غادة الابتعاد من هذا الطريق وتبدأ أحداث الفيلم وقد شقت لنفسها حياة أخرى وارتدت الحجاب وعملت بشركة عقارات.

 تقرر غادة تتويج رحلة التوبة بزيارة بيت الله الحرام والحج مع والدها، ويتحدد موعد الرحلة 404 إلى مكة، في وقت يختبر القدر توبة غادة ومدى صدقها فتتعرض والدتها لحادثة تتطلب جراحة لإنقاذ حياتها تتكلف مبلغاً كبيراً، وهنا تبدأ رحلة غادة في مواجهة حقيقة توبتها ومدى صدقيتها من جهة، وبين قوة تحملها للغواية وضغط العوز الذي قد يدفعها للإقلاع عن مبادئ كانت تتخيل أنها تتشبث بها وصارت نهجها الوحيد بعد التوبة. وعلى مدى ساعتين تقريباً يسيطر السؤال: هل ستصمد وتجد حلاً وتنجو، أم ستنهزم تحت عجلات الحاجة الملحة وتخلي الجميع عنها واقتراب والدتها من الموت؟

 

 

تتلقى غادة عرضاً من سيدة شبكة الدعارة تطلب منها فيه أن تحضر حفلة واحدة في مقابل المبلغ الكبير الذي سينقذ حياة والدتها، على أن تقابل رجلاً مفتوناً بها لمرة واحدة وتفعل له ما يشاء. وترفض غادة العرض بمنتهى الحسم وتحاول البحث عن معين بعيداً من طريق الرذيلة، وكلما صعبت الأمور تشعر أنها أكثر تعلقاً بالتوبة، وأن هذا اختبار لمدى حقيقة مشاعرها تجاه إحساسها بالتطهر ورغبتها في تحدي الصعاب التي ستعيدها لماض أسود.

ويستعرض الفيلم بشكل درامي رحلة أخرى هي انتقالات غادة من حل لآخر في صورة أشخاص مروا في حياتها، كل منهم يحمل قصة ويشكل مرحلة عانت فيها كثيراً، وتلجأ قسرياً لهم في محاولة التمسك بقشة قد تنقذها من الغرق المحتوم.

وبحرفية شديدة ينتقل المشاهد من أول شخص تحاول غادة اللجوء له إلى من يليه من دون أن ندرك مسار "الحدوتة"، ولماذا لجأت إليه المرأة المتعثرة، ومع كل بطل نعرف قصة موجعة غيرت مسار غادة وشكلت طريقها منذ البداية.

ثم تضعها الصدفة في لقاء أول شخص هو حبيبها منذ أيام الدراسة، الذي تدخل في علاقة عاطفية كاملة معه تفقدها عذريتها برغبة وثقة منبعها العشق، لكنه يتنصل من الزواج بها ويبحث عن امرأة لم تمنحه نفسها كدليل في وجهة نظره حول العفة والشرف. تتذكر غادة القصة وتتألم كثيراً لتكشف الأحداث أسباب تحولها من طالبة جامعية مستقيمة إلى فتاة تحترف البغاء.

 

 

وتنتقل غادة لرجل آخر كحل جديد، ونكتشف من سياق الحوار أنه كان زوجاً لها وعانت عقده النفسية، إذ تزوجها للانتقام من أمه التي كانت فاسدة الأخلاق ولديها علاقات متعددة مع رجال منهم أصدقاء له وفي سنه نفسه، وتسرد الأحداث المتلاحقة عن تاريخ غادة وطارق معاناتها مع هذا الرجل المدمن، الذي يدخل السجن أثناء زواجهما بعد سلسلة من المشكلات أعقبت استفحاله في التعاطي، وبعدها تقرر أن تجهض جنينها خوفاً من أن يكون والده بهذه الحال من التدهور.

أداء متقن

تزيد معاناة غادة مع فشل كل محاولاتها للإفلات من براثن سيدة الدعارة التي لا تزال تساومها وتضغط عليها، وهي الباب المفتوح الوحيد وسط فشل ذريع وإحباط من الجميع. تستسلم غادة وحينها تجد مفاجأة في انتظارها تنهي تلك الرحلة العصيبة التي تصيب كل المتابعين بحالات غضب وهلع وتوتر وسط أداء متقن من بطلة الفيلم منى زكي، التي ظهرت في أفضل حال من النضج والتمكن والبساطة، وبرعت في أن تنتقل بالمشاعر من حال لأخرى، ومن شخص لآخر، بطريقة متمكنة ومحترفة جعلت الجميع يتوحدون مع رحلتها وصراعاتها، وفي الوقت نفسه يسيطر إيقاع جاذب حرص عليه مخرج الفيلم هاني خليفة، وحرفية كبيرة في استخدام موهبته لتوجيه الممثلين محمد ممدوح ومحمد فراج وخالد الصاوي وعارفة عبد الرسول ومحمد علاء وشادي ألفونس فظهروا في حال تقمص لا تتشابه مع أحد، وتضعك أمام صراعات تبدو بسيطة الانفعالات لكنها شديدة العمق والحدة ومن لحم ودم، ولم يكتمل الألق إلا بحوار شديد البساطة والحساسية والعمق للكاتب محمد رجاء، استغرق في صنعه سنوات طويلة فصار حواراً يشبه في حرفيته أعمال الكاتب الراحل وحيد حامد.

يتفق بعضهم على أذواق ومواضيع معينة ويختلف مع أخرى، لكن يبقى العمل جيد الصنع الذي يحمل هوية ورؤية حقيقية وصادقة من دون لي لذراع الدراما، ويتبارى صناعة في الاجتهاد والتفاني ولو استغرق الأمر سنوات طويلة حتى يخرج مكتملاً يليق بفكرته الثمينة، هو العمل الذي يجتمع عليه الجميع، و"الرحلة 404" هو غوص في الأعماق البشرية المتذبذبة بين عشق الملذات والرغبة في التوبة والتطهر وسط مغريات وضغوط وضعف وتيارات مضادة لرغبات الإنسان في إصلاح ذاته وإنقاذها من الخطايا.

اقرأ المزيد

المزيد من سينما