Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

استمرار توقف الاتصالات في السودان والمعارك تحتدم بأم درمان والفاشر

الحكومة أكدت التزامها التفاوض مع "الدعم السريع"، في منبر جدة رافضة نقل التفاوض إلى أي مكان آخر

دمرت الحرب المستمرة البنية التحتية للبلاد وأثارت تحذيرات من المجاعة ودفعت ملايين للنزوح (رويترز)

بات الوضع في السودان بغاية التعقيد بسبب تردي الأوضاع في شتى جوانب الحياة خصوصاً من ناحية تفاقم أزمة نقص الغذاء بشكل كبير في مناطق الصراع وإيواء النازحين بعدد من الولايات، مما أدى إلى وفيات نتيجة الجوع، وازداد الأمر سوءاً مع تعطل خدمة الاتصالات في كل أنحاء البلاد لليوم الرابع على التوالي لأن غالبية المواطنين يعتمدون على التطبيقات البنكية لشراء احتياجاتهم، في وقت تشهد المعارك بين الجيش وقوات "الدعم السريع" بالعاصمة الخرطوم وخارجها تصاعداً عنيفاً في ظل مخاوف من ارتكاب انتهاكات واسعة في حق المدنيين من قبل طرفي النزاع في أعقاب توقف شبكات الاتصال والإنترنت.

وتواصلت أمس الجمعة العمليات العسكرية بين الجانبين المتحاربين، إذ تبادلا القصف المدفعي من منصاتهما المختلفة بمدن العاصمة الثلاث الخرطوم وأم درمان وبحري، وبحسب مصادر عسكرية فإن "الدعم السريع" استمرت في قصفها محيط القيادة العامة للجيش بوسط العاصمة وسلاح الإشارة ببحري، بينما يبسط الجيش سيطرته على منطقة أم درمان القديمة بعد أن تقدم في محاور عدة بهدف فك الحصار على منطقة سلاح المهندسين الواقع جنوب المدينة.

كما شن الطيران الحربي التابع للجيش غارات جوية عنيفة على مناطق تجمع "الدعم السريع"، شرق مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، وسمع دوي الانفجارات وأصوات المضادات الأرضية، مما أثار موجة من الخوف والهلع وسط المواطنين.

وقال الجيش السوداني في بيان على "فيسبوك" إن الفرقة السادسة بالفاشر كبدت عناصر "الدعم السريع" خسائر كبيرة في الأرواح والعتاد إثر محاولة تسلل في الاتجاه الشمالي الشرقي للمدينة.

وأكد الجيش في بيانه أن الفرقة السادسة نصبت كميناً محكماً لعناصر "الدعم السريع" و"تمكنت من دحرها وتكبيدها عدداً كبيراً من القتلى والجرحى، كما دمرت عدداً من المركبات القتالية وتسلمت أخرى بكامل تسليحها وذخائرها، كذلك تمت مطاردة الميليشيا المدحورة إلى خارج المدينة ورفع القائد الميداني تمام النصر إلى قائد الفرقة اللواء الركن محمد أحمد الخضر".

وشهدت الفاشر قبل أسبوع معارك ضارية بين الجيش و"الدعم السريع" في أعقاب مقتل أحد أفراد الأخيرة داخل المدينة، مما دفع هذه القوات لمهاجمة المدينة من اتجاهي الشرق والشمال، إذ أدى الهجوم إلى نزوح أعداد كبيرة من المواطنين من الأحياء الشمالية والشرقية إلى الأحياء الجنوبية.

منبر جدة

في الأثناء، أكدت الحكومة السودانية التزامها التفاوض مع "الدعم السريع"، في منبر جدة، الذي ترعاه السعودية والولايات المتحدة، رافضة نقل التفاوض إلى أي مكان آخر، لكنها قالت إن "أي تفاوض مع أي جهة إقليمية أو دولية لن يتم إلا عبر منبر جدة".

وذكر المتحدث باسم الحكومة، وزير الإعلام جرهام عبدالقادر، عقب اجتماع مجلسي السيادة والوزراء أن منبر جدة هو الوحيد الذي يتم التفاوض فيه في شأن الحرب.

وأكد عبدالقادر أن أي ادعاءات أخرى حول التفاوض سواء عبر الأجهزة الإلكترونية أو في أي مكان آخر هي معلومات مغلوطة ولا أساس لها من الصحة.

ظلال قاتمة

أستاذ الاقتصاد السياسي في الجامعات السودانية، حسن بشير محمد نور، قال في حديثه إلى "اندبندنت عربية" إن "الوضع في السودان يتعقد ليس يوماً بعد يوم بل ساعة بعد ساعة، فالحرب تلقي بظلالها القاتمة يومياً على حياة المواطنين". وأضاف أن "آخر المستجدات استخدام سلاح الاتصالات في الحرب، وهو أمر متوقع لأنها حرب غاشمة يستخدم فيها أي سلاح متاح، بيد أن طرفي الحرب لا يعبآن بما يصيب المواطنين والمؤسسات العامة والبنى التحتية من ضرر، ولا بالأوضاع المتردية التي تسير كل لحظة إلى الأسوأ، فالآن هناك تهديد جدي وخطير للغاية بالمجاعة، إذ يموت أعداد من الناس بالجوع بالمعنى الحرفي، كما أن توقف الاتصالات يؤدي إلى ضمور الحصول على الموارد النقدية من المصارف والتطبيقات البنكية، في وقت يعتمد كثير من المواطنين سواء في داخل السودان أو خارجه على التحويلات البنكية كوسيلة أساسية للعيش، ومن ثم فإن الوضع في غاية من السوء".

وأضاف محمد نور "للأسف الشديد أن استجابة المجتمع الدولي لنداء الأمم المتحدة في شأن مساعدة المتضررين من حرب السودان ضعيفة على رغم مرور قرابة الـ10 أشهر من الحرب، لذلك فإن هذا التقاعس وعدم الاهتمام بأوضاع السودانيين سيزيد من معاناتهم والتي بلا شك ستستمر حتى تحدث مآس أكبر، وأخشى أن يموت الناس في الشوارع نتيجة لهذا العبث غير المسبوق في التاريخ الحديث للبشرية، فمنذ الحرب العالمية الثانية لم نشهد حرباً بهذا العبث من ناحية العشوائية والفوضى والجوانب المتعلقة بالانتهاكات التي لا حدود لها، فضلاً عن نهب ممتلكات المواطنين والسكن في منازلهم وتدمير البنى التحتية بلا حساب، والعبث بكل المقومات كما حدث مثلاً بالجهاز المصرفي والكهرباء والمياه وأخيراً الاتصالات".

وفي ما يتعلق بمسألة المفاوضات لإنهاء هذا الصراع، أوضح بأنه "ليس هناك أفق واضح في هذا الشأن، فقوات (الدعم السريع) تعلن بشكل مستمر في العلن بأنها مستعدة للتفاوض في أي منبر من المنابر وفي أي وقت من الأوقات، أما حكومة الأمر الواقع فهي في حالة مراوغة مستمرة، وفي رأيي أن ما صدر من وزير إعلامها عقب الاجتماع المشترك لمجلسي السيادة والوزراء الخميس بأن حكومته على استعداد للذهاب إلى منبر جدة لاستئناف المفاوضات مع (الدعم السريع)، فهو حديث لا معنى له لأنه لا توجد مفاوضات قائمة الآن، لكن إذا انعقد المنبر مجدداً وتمت دعوتهم لاستئناف المفاوضات سيعودون لوضع الشروط المعروفة بخروج (الدعم السريع) من منازل المواطنين والمرافق العامة، وهي الشروط نفسها التي انتكست بسببها المفاوضات السابقة".

وواصل أستاذ الاقتصاد السياسي "في رأيي أن القائمين على منبر جدة لن يعودوا لانعقاده مرة أخرى إلا في حال حصل تأكيد تام من طرفي الصراع بأنهما فعلاً سيذهبان للتفاوض بإرادة حقيقية لتحقيق نتائج إيجابية في شأن إيقاف الحرب، فضلاً عن التزام مخرجات ما سيتم الاتفاق عليه".

ونوه محمد نور بأن أي مستقبل للسودان يعتمد على طبيعة الحكم التي ستكون بعد الحرب، فلا بد من أن تجد الحكومة المقبلة القبول الداخلي والخارجي الذي يمكنها من الاستمرارية وممارسة مهامها كما ينبغي، ويفتح أمامها سبل الوصول للدعم الخارجي وإقامة الشراكات، إضافة إلى جذب الاستثمار الأجنبي والتحويلات من الخارج. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

انتهاكات مروعة

حقوقياً، كشف تقرير صادر عن شبكة نساء القرن الأفريقي "صيحة" عن "انتهاكات مروعة ارتكبتها قوات (الدعم السريع) في ولاية الجزيرة، بعد اجتياحها في الـ18 من ديسمبر (كانون الأول) الماضي، حين منع المدنيون من مغادرة الولاية وتعرضوا للابتزاز والإساءة والعنف الجسدي الذي وصل درجة القتل".

وجمعت الشبكة إفادات من القرى التي تعرضت لاعتداءات شملت القتل والنهب والعنف الجنسي، إذ تم استهداف مراكز بحوث ومرافق تخزين الحبوب وعدد من المدارس والمستشفيات والمرافق الحكومية والبنوك.

وأشار التقرير إلى مقتل 25 مدنياً على يد قوات "الدعم السريع"، بينما قتل 10 آخرون بقصف الطيران الحربي التابع للجيش في منطقة الحاج عبدالله. كما سجلت حالات اختفاء لنحو ثلاث سيدات في الأقل، لافتاً إلى تعرض نحو 25 فتاة للاغتصاب والضرب والقتل في بعض الأحيان.

وطالبت الشبكة بتنفيذ فوري لإطار متكامل لحماية المدنيين يستجيب ويتضمن احتياجات النساء والفتيات ويضمن الوصول من دون عوائق إلى المساعدات الإنسانية، على أن يتضمن الإطار الوقف الفوري للأعمال العدائية، والإشراف على تنفيذ ذلك برقابة دولية على الأرض، فضلاً عن إنشاء مناطق آمنة للمدنيين.

وأضافت "نريد أن يتم ذلك تزامناً مع عملية سياسية واسعة النطاق وشاملة بقيادة مدنية تتحقق فيها للنساء أدوار قيادية وفعالة". 

كما أوصى التقرير بإنشاء محكمة جنائية دولية على غرار المحكمة المنشأة للنظر في جرائم الإبادة الجماعية في رواندا، وذلك للنظر في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبت خلال الحرب في السودان.

ونوه بضرورة الضغط على القوات المسلحة السودانية للجلوس إلى طاولة المفاوضات من خلال عملية سياسية جادة وقابلة للاستمرار بمشاركة قوى المجتمع المدني السوداني بما في ذلك النساء والشباب، على أن تضمن تلك العملية بشكل واضح عدم مشاركة قوات "الدعم السريع" والقوات المسلحة السودانية في أي من هياكل الحكم في السودان.

إطلاق أسرى

إلى ذلك، أوضح المستشار القانوني لقوات "الدعم السريع" محمد المختار النور، بأنه تم تشكيل لجنة مشتركة مع تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم)، لتنفيذ بنود اتفاق أديس أبابا، الخاص بإطلاق سراح 450 أسيراً من القوات المسلحة.

وأوضح النور أن الترتيبات تجري من خلال اللجنة المشتركة لإطلاق سراحهم خلال أربعة أو خمسة أيام، بعد اكتمال الإجراءات الإدارية الخاصة بـ"الدعم السريع"، وكذلك ببعض المنظمات المعنية مثل الصليب الأحمر الذي لا بد من التنسيق معه في عمليات إطلاق سراح الأسرى.

ولفت إلى أنهم خاطبوا (تقدم) رسمياً بأن "الدعم السريع" جاهز لتفعيل اللجنة لتنفيذ كل النقاط التي تم الاتفاق عليها، وأن إطلاق سراح الأسرى سيكون من أولويات عمل هذه اللجنة.

ونوه بأن القيادة الميدانية أعدت كشوفات المشمولين بقرار إطلاق سراح الأسرى. كما أن الهيئة الخاصة بحقوق الإنسان في قوات "الدعم السريع" خاطبت اللجنة الدولية للصليب الأحمر لوضعها في صورة التطورات وليكون ممثلوها حاضرين ليتم تسليم الأسرى إلى عائلاتهم عبر الصليب الأحمر.

وأشار المستشار القانوني لـ"الدعم السريع" إلى أن الأسرى الذين سيتم إطلاق سراحهم هم من منسوبي القوات المسلحة الذين تم أسرهم خلال المعارك، وأن الكشوفات لم تضمن أي مدنيين، وأنه في حال اتضح أن هناك مدنيين اعتقلوا خلال المعارك فحينها سيتم توضيح الأمر.

سوء التغذية

دولياً، حذرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسيف" من احتمال معاناة 700 ألف طفل في السودان من أخطر صور سوء التغذية هذا العام، مع احتمال وفاة الآلاف.

وأشار المتحدث باسم "يونيسيف" جيمس إلدر إلى أن المنظمة لن تتمكن من علاج أكثر من 300 ألف من هؤلاء من دون تحسين إمكانية الوصول ومن دون دعم إضافي، وفي هذه الحالة سيموت عشرات الآلاف على الأرجح.

وتوقع أن يعاني 3.5 مليون طفل سوء تغذية حاداً وشديداً يجعل الطفل أكثر عرضة للوفاة بنحو 10 أمثال بسبب أمراض مثل الكوليرا والملاريا. وبين أنه على رغم حجم الاحتياجات فلم يتسن الحصول على التمويل الذي سعت إليه "يونيسيف" في 2023 لنحو ثلاثة أرباع الأطفال في السودان.

ودعت الأمم المتحدة الدول إلى عدم نسيان المدنيين الذين يعانون الحرب في السودان، وحثت على جمع 4.1 مليار دولار لتلبية احتياجاتهم الإنسانية، ودعم أولئك الذين فروا إلى دول مجاورة.

وتوفر "يونيسيف" للسودان أغذية علاجية جاهزة للاستخدام، وهي مواد غذائية منقذة للحياة تعالج الهزال الشديد لدى الأطفال دون سن الخامسة، حاثة على جمع 840 مليون دولار لمساعدة ما يزيد قليلاً على 7.5 مليون طفل في السودان هذا العام، لكن المتحدث باسم "يونيسيف" أبدى أسفه لعدم كفاية الأموال التي تم جمعها في النداءات السابقة.

ويحتاج نصف سكان السودان، أي نحو 25 مليون شخص، إلى المساعدة الإنسانية والحماية، في حين فر أكثر من 1.5 مليون شخص إلى أفريقيا الوسطى وتشاد ومصر وإثيوبيا وجنوب السودان.

ودمرت الحرب المستمرة منذ 10 أشهر البنية التحتية للبلاد، وأثارت تحذيرات من المجاعة ودفعت ملايين إلى النزوح داخل البلاد وخارجها.

المزيد من تقارير