Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

قصة عملية احتيال بقيمة 100 مليون دولار في مؤسسة "آندي وارهول"

الكتاب الجديد للناقد الفني ريتشارد دورمنت المعنون "وارهول بعد وارهول" يروي قصة مثيرة عن الاحتيال والأضاليل المحيطة بالفنان الأميركي الأشهر في القرن العشرين

آندي وارهول في ديسمبر 1980 (غيتي)

ملخص

القصة الفريدة لمصادرة لوحات وارهول المزيفة ثم بيعها بملايين الدولارات بحجة أنها أصلية

يوثق هذا المقطف من الكتاب اللحظة الصادمة حين قام جو سايمون، عبر محاميه براين كير، بكشف حجم ونطاق المخالفات الجنائية المرتكبة من قبل "مؤسسة آندي وارهول" Andy Warhol Foundation و"مجلس آندي وارهول للمصادقة على الأعمال الفنية" Andy Warhol Art Authentication Board. وركز تحقيقي الأولي بشكل بسيط على ما إذا كانت سلسلة "بورتريهات الذاتية الحمراء" Red Self-Portraits لعام 1965 أصلية، كما يعتقد سايمون، الذي يمتلك إحدى اللوحات، أو أعمالاً مزيفة لا قيمة لها ولا علاقة لها بوارهول.

ومنذ بداية الطريق تلقى سايمون تحذيراً من وكيل المبيعات في مؤسسة آندي وارهول، فينسنت فريمونت، كي لا يرفع دعوى قضائية ضد قرار "المجلس" [مجلس المصادقة على الأعمال الفنية]) والقاضي بنفي أصالة اللوحة التي يملكها. "لا تفكر حتى بهذا الأمر. سيجرجرونك في المحاكم إلى أن تفلس. فهم لا يخسرون أبداً"، قال له فريمونت.

لكن سايمون كعادته أصر على المضي في القضية مهما كلف الأمر، متسلحاً فقط بيقين مطلق أنه يقوم بالأمر الصواب. أحداث هذا المقطع تدور أثناء الجلسة التمهيدية قبيل المحاكمة. محامي سايمون يقوم باستجواب موظفين في "مجلس آندي وارهول للمصادقة على الأعمال الفنية" وفي "مؤسسة آندي وارهول". سايمون يحتل المقعد خلف محاميه مباشرة ويمرر له ملاحظات مكتوبة على ورقة صفراء مربعة صغيرة، تخطره بما ينبغي أن يقول بعد ذلك.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

من ثم يخرج من السياق، متجاهلاً الـ"بورتريهات الذاتية الحمراء" كي يقوم بكشف معلومات جديدة عن "مؤسسة وارهول" لتُدرج في المرافعات القضائية. فهو عثر على دليل موثّق يشير إلى أن المؤسسة، وفي إساءة صارخة للقيم التي ادعت تمسكها بها، قامت بمصادرة لوحات من المشغل البعيد الذي شهد صنع معظم أعمال وارهول، وذلك بذريعة أنها لوحات مزيفة، ثم أرسلتها إلى مجلسها المتخصص بالتدقيق في الأعمال للقيام "بتحقيق" زائف، ضمن في نهاية المطاف إعلانها لوحات أصلية لوارهول بيع العديد منها بملايين الدولارات.

حسن المظهر، موهوب وعديم الأخلاق، قام روبرت جايسن سميث بخداع وارهول وغيره من الفنانين من خلال إنشاء وبيع مطبوعات غير مصرح بها لأعمالهم على نطاق تجاري...

استجواب براين كير لوسيط المبيعات فينسنت فريمونت في 7 يوليو (تموز) 2010 كان أكثر حدةً من المعتاد، إذ إن كير ساءل الشاهد بالدرجة الأولى عن مجموعة من 44 لوحة صادرها ورثة آندي وارهول من أصحابها الأصليين، بذريعة أنها مزيفة. مدفوعاً بالمعلومات التجريمية التي وجدها خلال توصله إلى ذاك الاكتشاف، لم يوجه كير لفريمونت أي سؤال لا يعرف جوابه مسبقاً. وبسبب طبيعة الاستجواب هذه، أدرك فريمونت - أو اشتبه - بالقدر نفسه.

لقد كان فريمونت يقظاً ومستعداً لكنه كان أيضاً تحت القسم. فإذا حنث باليمين ورفعت القضية إلى المحكمة سينكشف كذبه. هل يخاطر فريمونت بذلك أم يقوم بقول الحقيقة؟ لفهم ما حصل في الدقائق القليلة التالية علينا الرجوع بالزمن إلى 25 سبتمبر (أيلول) 1991، عندما قام فريمونت، ممثلاً هيئة إدارة تركة آندي وارهول، بالكتابة إلى وصي روبرت جايسن سميث، فريد دورفمان ووريثه مارك سميث.

وقد طلب فريمونت منهما برسالته تسليم قرابة 44 لوحة محددة موجودة في استديو سميث. والأخير، المبدع في طباعة الأعمال الفنية، تخطت موهبته كمحترِف تلوين قدرات رسامي عصره. وهذا الرجل الوسيم والموهوب وغير الأخلاقي خدع وارهول وفنانين آخرين عبر صنع طبعات غير مرخصة من أعمالهم، وبأعداد كبيرة، وبيعها (في محترفه البعيد والمنعزل). ومن غير المعروف إن كانت تلك المجموعة المؤلفة من 44 لوحة قد صنعت خلال حياة آندي وارهول أو بعد وفاته عام 1987. لكن عندما توفي سميث عام 1989، غدت تلك اللوحات جزءاً من تركة هذا المحترف الطباعة الموهوب. وقد صادر فريمونت الصور لمصلحة المؤسسة [آندي وارهول] لأنها لم تكن "من أعمال وارهول"، إذ كما تابع قائلاً في رسالته:

"... بسبب شبه اللوحات بأعمال وارهول الأصلية، فإن تركها بالتداول قد يهدد نزاهة سوق الفن، كما يهدد سمعة آندي وارهول. من هنا فإن إدارة تركة وارهول طلبت منكم التنازل عن أي حقوق أو ملكية أو مصلحة قد ترتبط بكم بالنسبة للوحات المذكورة، وتقوم بمنح كل حق لإدارة تركة وارهول... بتوقيعك على هذه الرسالة تؤكد سريان وحصول وإسناد الاتفاقية. ونحن نقدر تعاونك في هذه المسألة".

لقد قام دورفمان شخصياً، كما طُلب منه، بتسليم الصور إلى إدارة تركة وارهول من دون الحصول على أي تعويض أو طلب الحصول عليه. وفي رسالته كتب فريمونت: "وصلت إدارة تركة وارهول إلى الرأي القائل إن هذه اللوحات ليست من صنع آندي وارهول، وكما ورد في رسالة الاتفاقية، فإن إشارة بهذا المعنى ألحقت بخلفية كل لوحة". إذاً بلغة صريحة جرى ختم الأعمال المصادرة بعبارة "مرفوض" للإشارة إلى حكم "إدارة تركة وارهول" الذي اعتبر تلك الأعمال مزيفة.

لكن كان هناك معضلة. إذ إن ختم "إدارة تركة وارهول" كان مختلفاً تماماً عن الختم الذي اعتمده لاحقاً "مجلس مؤسسة وارهول للمصادقة على الأعمال الفنية" لوسم لوحة سايمون. والاختلاف الرئيس هو أن أعمالاً مثل لوحة سايمون كانت مطبوعة بحبر أحمر غير قابل للمحو. فيما بالمقابل هناك أعمال تملكها المؤسسة كانت ممهورة بشكل رقيق بوسم "تركة وارهول" بواسطة حبر قابل للذوبان يمكن محوه بسهولة بواسطة الماء إن قام مثلاً "مجلس المصادقة" بتبديل رأيه، أو إن قررت "مؤسسة وارهول" لسبب أو لآخر بيع تلك الأعمال واعتبارها أعمالاً أصلية. ووفق ما قالته المؤسسة يمكن محو ذاك الختم "إذا اقتضت الظروف". وتلك اللوحات الـ 44 المذكورة هي رسومات على قماش من بينها أعمال شهيرة لوارهول مثل البورتريه الذاتي من عام 1986 "شعر مستعار" Fright Wig التي تشكل نموذجاً معبراً لما باعته [مؤسسة المزادات العلنية] "سوثبي" بالنيابة عن المصمم توم فورد في مايو (أيار) 2010 مقابل أكثر من 32 مليون دولار.

كل هذه المعطيات كانت معروفة لدى كير. وهدفه من استجواب فريمونت تمثل بإجبار الوسيط الفني على أن يخبر بلسانه ما حصل بعد ذلك. وكان يمكن لفريمونت أن يكذب. كان يمكن أن يقول إنه عاجز عن تذكر ما حصل للوحات. لكنه لم يفعل ذلك. بل قال إنه كلما راح يحدق بالأعمال المصادرة من استديو روبيرت جايسن سميث، كلما ازداد شعوره بأنها تشبه أعمالاً "أخرى" تملكها المؤسسة سلفاً (ويفترض أنها أعمال حقيقية، أو على الأقل حاصلة على المصادقة). وقد بدأ يشعر "أن الأمور الإشكالية لا تني تتضاءل – ما عدا مسألة التوقيعات... وأحجام بعض الأعمال، لكنها باتت بالنسبة له أموراً تستحق المراجعة". وهو قصد بعبارة "المراجعة" إعادة النظر بالأعمال من قبل "مجلس المصادقة". وتابع قائلاً: "اقترحت للمؤسسة أن هذه الأعمال ربما ينبغي أن تراجع مرة أخرى، من قبل طرف مستقل – لا من قبلي، بل من قبل هيئة مستقلة، تلعب دور [مجلس المصادقة]".

ذاك "الطرف المستقل" ترأسه طبعاً، رئيس "مؤسسة آندي وارهول" جويل واكس، بمشاركة ثلاثة موظفين ثابتين في المؤسسة، ويتلقى استشارة من قبل فريمونت شخصياً – الذي حضر كل اجتماع من اجتماعاتهم من موقعه "كمستشار". وتلك الأعمال الـ 44 لم تكن مختلفة عن مئات أعمال أخرى صنعها سميث إلا من ناحية بعض التفاصيل المهمة: حجم قماش كل لوحة من هذه اللوحات التي طبعت على نحو يختلف عن قريناتها الأصلية، وكلها ما عدا ثلاث وسمت بتوقيع مزور لاسم وارهول خطه بطريقة غير متقنة شخص قلد توقيع الفنان. وعلى رغم وجود ما يمكن المحاججة به من ناحية مصادقة عدد كبير من الأعمال التي طبعها سميث بطريقة غير قانونية، إلا أن التوقيعات المزورة على هذه اللوحات عنت أنها صنعت بهدف الخداع.

وتابع فريمونت شهادته. وبناء على توصيته جرى إرسال اللوحات إلى "مجلس المصادقة" كي يعاد فحصها والتدقيق بها. وفي يونيو (حزيران) 2003، قام كل من نيل برينتز وسالي كينغ-نيرو من "مؤسسة آندي وارهول" بتفحص اللوحات من جديد. وحين سأل محامي سايمون عن ماذا حصل بعد ذلك، أجاب فريمونت أن (اللوحات) "مرت بالمسار المعتاد. بعضها حاز المصادقة، أما بعضها الآخر فلا". حينها قام كير بمفاجأة فريمونت بسؤال عن إذا ما قام مرة ببيع عمل تملكه المؤسسة وحاز المصادقة من مجلسها. وقد جاء جوابه صريحاً: "حدث هذا الأمر مرة واحدة فقط في ما خص لوحات فريد دورفمان". وبرأيي ذاك يشير على ما يبدو إلى مشكلات أكبر وأوسع تتعلق بكل من له علاقة بالقضية. وقد سعى سؤال كير التالي إلى إيضاح درجة تورط فريمونت بعملية الخداع والتزوير. وتطلب سؤاله إجابة بنعم أو لا. هل الأعمال التي صادق عليها [المجلس] باجتماعه عام 2003 تحمل مصادقة مؤسسة ’آندي وارهول‘ في الأصل؟ جواب فريمونت تحت القسم كان "لا أعرف الوقائع".

لكن، بوقت سابق في عام 2003، كان نيل برينتز أخبر فريمونت أن إدارة تركة وارهول "اعتبرت" هذه اللوحات "غير أصلية"، وأنها لوحات "مبتكرة تحت ذرائع زائفة" وممهورة بتواقيع "غير صحيحة". ولأنه يعرف ذلك، ضغط كير على فريمونت ليقول ما الذي يجعل تلك اللوحات أعمالاً أصلية. أجاب فريمونت أن المجلس "أعلنها أصلية". ولم يقدم أي معلومة منطقية أخرى. فريمونت الذي صادر تلك الأعمال باعتبارها أعمالاً مزورة، كان الشخص نفسه الذي قدم الاستشارة للمجلس الذي صادق عليها باعتبارها أصلية، وطبعاً الشخص نفسه الذي قدر له بيعها كأعمال أصلية، وقام بعملية البيع فعلاً.

بحلول فصل الخريف بعد استجوابه، لم يعد فريمونت يعمل في "مؤسسة آندي وارهول للفنون البصرية".

لماذا أدلى فريمونت بالحقيقة؟ لأن الوثائق التي تثبت هذه الوقائع جرى تسليمها إلى محامي سايمون خلال فترة الاكتشافات الأولية. لو قام بالإدلاء بمعلومات كاذبة، ولو طرحت القضية أمام القاضي سواين، لكان من الممكن اتهامه بحنث اليمين. لذا قال إن ذلك حصل "في مناسبة واحدة فقط"، هي المناسبة التي يملك إزاءها محامو سايمون دليلاً موثقاً.

ولم يتصرف فريمونت أبداً بمفرده. إذ قبل أن يتمكن من بيع أي لوحة، احتاج إلى موافقة المجلس (مجلس المصادقة). إلى ذلك، وبسياق استجوابه، أشار جويل واكس إلى أنه صادق شخصياً على كل لوحة باعها فريمونت وكانت تملكها المؤسسة.

وقد احتفظت المؤسسة بسجلات البيع والحفظ والتأمين المتعلقة بتلك اللوحات. وخلافاً لأمر المحكمة حُجبت هذه الوثائق خلال فترة الاكتشافات (والتحقيقات) الأولية. لذا نحن نعرف أن عمليات البيع حصلت، لكننا لا نعرف التواريخ أو هوية المشترين. وإذا كانت أعمالاً مزورة على نحو بدائي نسبياً كهذه التي أعلنت أصلية، ماذا سيكون الحال إزاء آلاف أعمال وارهول المشكوك بمصدرها، والتي لا تحوي أي إشارة تظهر أنها مصنوعة للخداع؟ وأمام أعمال سميث الـ44 التي أجريت المصادقة على أصالتها من الصعب جداً تصديق عدم التعامل مع الكثير من مثيلاتها بالطريقة نفسها.

في السياق، ومسلحاً بالمعلومات التي تقول إن شخصاً من المؤسسة [مؤسسة وارهول] أرسل الأعمال الـ44 المزورة إلى المجلس [مجلس المصادقة]، مضى كير قدماً مصعّداً استجواباته. وأوضحت المعلومات الجديدة عدم الارتياح الذي لاحظته بشأن العلاقة بين "مؤسسة آندي وارهول" و"مجلس آندي وارهول للمصادقة على الأعمال الفنية".

وقد أعلن فريمونت أنه وواكس على حد سواء شاركا في اجتماعات مجلس المصادقة من دون حق التصويت. لكن لماذا؟ فالرجلان عملا لمصلحة "المؤسسة" وليس "المجلس". هل من الوارد أن المؤسسة والمجلس كانا متناغمين عندما تعلق الأمر بالمصادقة وببيع أعمال وارهول؟ وإن كانت الحال كذلك، ماذا حصل عندما عرضت أمام المجلس أعمالاً تملكها المؤسسة؟ كان ينبغي على أحدهم أن يشرف على الأمر، ولم يكن ذلك بريتز وكينغ-نيرو (عضوا المجلس)، أو سكريتيرته كلوديا ديفيندي. فهؤلاء كانوا جنوداً في سلاح المشاة. نفذوا ما أمروا به. من كان يكذب إذاً؟ رئيس المؤسسة جويل واكس، أم مديرها المالي كي سي مورير؟ بتقديري كلاهما.

تشير مقدمة الكاتالوغ بوضوح إلى أن الصورة "موقعة مرتين ومؤرخة على الشكل التالي: [آندي وارهول 79 – 86]. طبعاً هي موقعة – لكن التوقيع هذا لا قيمة له...

لكن هذا حصل لاحقاً في المستقبل. فقد عجز كير عن متابعة تحقيقاته لأن جلسات الاستماع تعلقت بلوحات سايمون، وليس بالأعمال الـ44 المزورة. لكن مؤلف هذا الكتاب غير خاضع لقيود كهذه. فبعد سنوات عدة تمكنت من قراءة محضر اجتماع مجلس المصادقة المنعقد في 23 يونيو 2003. وذاك كان الاجتماع الذي رفض فيه نيل برينتز بشدة اقتراح فريمونت باعتبار اللوحات أصلية، وهو الاجتماع الذي رفض فيه المجلس المصادقة على اللوحات بذريعة أن "بعض التوقيعات" كان سيئاً، إضافة إلى ذرائع أخرى. محضر هذا الاجتماع جاء على شكل تدوينات سريعة اتسمت غالباً بالاجتزاء، لكن بدا واضحاً أن برينتز هو المتكلم:

"... إنها مساحة رمادية، لوحات تأتي من مشغل روبرت الذي لم يره وارهول أبداً. التوقيع ليس ثانوياً في هذه الحالة، وجميع اللوحات تعاني من المشكلة نفسها. لماذا تبدو هذه اللوحات مختلفة؟ وارهول عمل بنفس الطريقة، بيد أن الظروف التي صنعت فيها هذه اللوحات غير صادقة بطبيعتها. لوحات: ليس هناك من طبعة واضحة [مثلاً مجموعة لوحات معينة كان وارهول على علم بها] حيث يمكن أن يقوم ر ج س [روبرت جايسن سميث] بصناعة هذه اللوحات من دون علم [وارهول]، وكم لوحة يصنع ر ج س، على اعتبار أنها ستظهر للعالم على أنها لوارهول [؟] – لا، لا ينبغي أن تكون كذلك. خلاصة: هذه اللوحات يجب أن تحصل على حرف "ب" كعلامة [أي مرفوضة] أو على حرف يشير إلى أنها من مشغل روبرت جايسن سميث [أي صنعها روبرت جايسن سميث وليس آندي وارهول].

أي مؤرخ فني مستقل ومؤهل كان سيقول الأمر ذاته. وذاك كان سينهي المسألة. لكن حينها حصل شيء غير عادي. إذ تستخلص ملاحظات الاجتماع بمقطع في الحاشية: مسألة أصالة هذه اللوحات "ستناقش مرة أخرى في اجتماع أكتوبر (تشرين الأول) 2003". لماذا؟ النقاش انتهى. والقضية سويت والنقاش انتهى. لكن لم يكن الأمر كذلك.

في الاجتماع التالي يوم 23 أكتوبر 2003، استنتج المجلس في النهاية أن أكثرية اللوحات الـ 44 كانت أعمالاً أصيلة لآندي وارهول. والأعمال التي لم تحصل على المصادقة مباشرة جرى "تعليق البت بها" مرة أخرى كي تناقش في اجتماعات مستقبلية. لذا، مع تنحية اعتراضات برينتز، أشرف المجلس على تحويلها من لوحات مزورة لا قيمة لها إلى أعمال أصيلة صنعها آندي وارهول. وأصبح بمقدور فريمونت أن يبيعها الآن كلوحات أصيلة، ويدر بالتالي على المؤسسة عدة ملايين من الدولارات ويأخذ عمالة تقدر بعشرة في المئة من كل لوحة تباع.

على أي أساس قام الحاضرون في اجتماع 23 أكتوبر بعكس وتغيير استنتاجهم السابق؟ كيف عللوا انقلابهم المفاجئ؟ لا نعرف الجواب، وذاك يمثل الدليل الأكثر بروزاً بين كل الأدلة الأخرى. وعلى رغم وجود أمر من المحكمة الفيدرالية يقضي بتسليم "جميع الوثائق ذات الصلة"، يبقى محضر اجتماع 23 أكتوبر مفقوداً. وفق القانون كان مطلوباً من محامي المؤسسة، "مكتب بويس شيلر وفليكسنر"، تقديم المحضر نيابة عن موكليهم، لكن كما اتضح، فإن هذا المحضر المهم لن يقدم أبداً إلى محامي سايمون ولا إلى القاضي للإطلاع عليه.

لقد نقض الشخص ذاته، أو الأشخاص ذاتهم، قرار المجلس الصادر في يونيو السابق. كيف حصل ذلك، لا نعرف، أكان عبر ممارسة الضغط على برينتز، ربما، أو عبر إغفال اعتراضاته. سواء تصرف بمفرده أو مع آخرين، فإن جويل واكس وحده كان لديه السلطة للتوقيع على قرارات المصادقة أو البيع. فريمونت لم يقم إلا بتنفيذ التحويلات (المالية).

حسناً، ماذا عن برينتز؟ في اجتماع يونيو أصر على أن اللوحات كانت مزورة. ولو أذعن للمصادقة على اللوحات ذاتها في أكتوبر، لجرى اتهامه بالمشاركة في الجريمة. بدلاً من وضعه في هذا الموقف طُلب منه عدم التدخل. لكن هذا لا يبرئه، لأن كان بوسعه أن يرفض، أو أن يستقيل، أو الأمرين معاً. علينا الاطلاع على ذلك المحضر كي نعرف ما حصل.

عندما كتبت عن هذا الأمر في مجلة "نيويورك ريفيو أوف بوكس" New York Review of Books بالعدد المؤرخ 23 يونيو 2013، لم أورد عناوين الأعمال الـ44، ولم أقل كم عملاً من هذه اللوحات حاز المصادقة. لكن بعد مضي أشهر قليلة كنت أراجع وثائق متعلقة بالقضية عندما وجدت نفسي أمام ورقة صغيرة أخبرتني عن كل شيء أردت معرفته. كانت هذه الورقة لائحة باللوحات الـ44 المصادرة عام 1991 من أملاك سميث. هذه اللائحة وضعت بعد اجتماع المجلس في أكتوبر 2003، ويرد فيها عنوان كل لوحة و"رقم المصادقة" الذي يشير إلى أصالتها. الوسم "ألف" A كان يشير إلى إتاحة المجال أمام المؤسسة لبيع العمل (الممهور به) – وذلك بملايين الدولارات كما يفترض. أما الوسم "باء" B أشار إلى أن العمل ليس من صنع وارهول وبالتالي فهو من دون قيمة. فيما "جيم" C أشار إلى أن المجلس لم يحسم قراره بعد، ما يعني أن تصنيف العمل في حالة من عدم اليقين. لم تضم اللائحة أي وسم "باء".

وكان المجلس أصدر حكمه بجميع الأعمال الـ44. وقد حاز 35 عملاً منها تقييم "ألف" التي تعني أنها أعمال أصلية. الأعمال التسعة الباقية أعطيت وسم "جيم"، ما يعني أن المجلس قادر بأي وقت يختاره، أن يلوح بالعصا السحرية التي يملكها من دون غيره كي يحوّل الأعمال التي كانت مزورة إلى أعمال أصلية لآندي وارهول. السؤال الثاني كان: هل باعت المؤسسة هذه الأعمال؟ قمت بالتدقيق من جديد في إفادة فريمونت التي أدلى بها تمهيداً للمحاكمة. حين سئل إن كان قد باع أي عمل تملكه المؤسسة وجرت المصادقة عليه من قبل مجلسها، أجاب أنه قام بذلك مرة واحدة: "لوحات فريد دورفمان".

نشرتُ هذه المعلومات في عدد نوفمبر (تشرين الثاني) 2013 في "آرت نيوزبيبر" Art Newspaper، التي لم تقم فقط بنشر لائحة الـ 44 عملاً مع تقييمي "ألف" و"جيم" إلى جانب كل عمل، بل نشرت أيضاً رقم الجرد المتعلق بكل عمل تضمه اللائحة. وأنا افترضت أن ثمة شخصاً من المجلس أو من المؤسسة كلف بمحو أرقام الجرد، لكني بقيت آمل بأن يظل بوسع الأشخاص الذين اشتروا لوحات مباشرة من المؤسسة، أو من وسطاء عملوا بالتعاون مع المؤسسة بعد عام 2003، أن يعرفوا إن كان العمل الذي يملكونه من بين الأعمال المزورة. لو لم يجر بيع أي عمل من تلك الأعمال، فإن نشر أرقام الجرد، من الناحية النظرية، سيضمن أن تقوم المؤسسة مجبرة بتأمين مرجعية كاملة للعمل إن عرضت بيعه. مرة أخرى كان يمكن محو أرقام الجرد لكن ربما تبقى بعض الآثار أو التشويه جراء العملية [عملية المحو] ظاهراً.

إن الشخص الذي حرر مقالي في "آرت نيوزبيبر" قام بإضافة جملة واحدة بنهاية المقال تقول: "نحن [في آرت نيوزبيبر] ندعو أيضاً أي طرف له علاقة بالمسألة إلى الاتصال بنا". إلى اليوم لم يجر على نحو قاطع ومضمون تعيين وتحديد لوحة واحدة من اللوحات الـ44. وهذا ربما يعود إلى أسباب عدة. إذ بعد ظهور المقالة في "آرت نيوزبيبر" كان بإمكان المؤسسة الاتصال بوسطاء اشتروا بانتظام أعمالاً من فريمونت، منبهة إياهم إلى المشكلة. حينها كان سيعود الأمر إلى الوسطاء للحديث مباشرة مع كل زبون من الزبائن الذين اشتروا من الأعمال الـ44، وعرض عليهم استبدال العمل الذي اشتروه، أو التعويض عليهم إن لم يرضهم استبدال العمل.

وكل اتفاق من هذا القبيل كان بوسعه أن يكون مشروطاً بتوقيع اتفاقية عدم إفشاء. وثمة إمكانية أخرى: لو قام فريمونت بإخبار الوسطاء الذين باعهم الصور المصادق عليها حديثاً عن تاريخها المعقد، لما تعرضت هذه المعاملات بالضرورة للمساءلة. لكن هناك أيضاً تعقيد إضافي. فحتى لو قام فريمونت بأمانة بإخبار الشاري أن تصنيف الصورة التي اشتراها تبدل أخيراً من "مزور" إلى "أصيل"، كيف يمكن معرفة أن الوسطاء أخبروا زبائنهم بكل الحقائق؟ ولو كان الوسيط مدركاً لتاريخ كل صورة من الصور، لكنه مضى ببيعها من دون إخطار الزبون بوضعيتها، من يكون مسؤولاً من الناحية القانونية في هذه الحالة؟

هذا الأمر مثل مدى الصعوبة التي قد تتسم بها مسألة تحديد المسؤولية بتلك الحالات. إذ من بين الرسائل الإلكترونية التي سلمتها المؤسسة والتي تضمنت رسالة سايمون إلى القاضي سوين، ثمة رسائل متبادلة بين ممثل عن دار مزادات علنية في لندن وبين سالي كينغ – نيرو. وكان دار المزادات العلنية ذاك على وشك تنظيم أمسية مبيعات تتضمن بعض أعمال وارهول. في 4 مايو 2007 قامت الباحثة التي كانت تكتب كاتالوغ أمسية المبيعات باتباع الاجراءات الصحيحة وسألت كينغ – نيرو عن الأرقام المحفورة على مجموعة الصور المتتابعة التي تشكل عمل "أربع مارلينات" Four Marilyns المؤرخ في 1979-1986. وقد احتارت الباحثة في أمرها لأن العمل كان ممهوراً برقمي مجلس المصادقة: "B291.03" و"A291.1". وهي أدركت أن التصنيف "A" أو "ألف" عنى أن اللوحة أصلية، والتصنيف "B" أو "باء" عنى أن اللوحة ليست من أعمال وراهول.

وفي جوابها المؤرخ في 14 مايو، شرحت كينغ – نيرو أن الـ"ألف" تشير إلى اللوحة، والـ"باء" تشير إلى التوقيع. حسناً. لذا قام المجلس باعتبار الصورة أصلية، وليس التوقيع. إلى هذا الحد فإن الأمر واضحاً ومباشراً للغاية.

والآن انظروا ما حصل. في ذلك الوقت كان دار المزادات العلنية يتبع سياسة منح أصحاب الصور الثمينة جداً كفالة تقول إنهم سيتلقون مبلغاً متفقاً عليه إن حققت صورتهم سعرها الاحتياطي أم لم تحققه. وذاك عنى أن دار المزادات العلنية لديه حافزاً مالياً قوياً لتقديم العمل في أفضل طريقة ممكنة. وإن نظرنا إلى كاتالوغ المبيعات المطبوع، فإن تقييم "ألف" الذي يشير إلى أصالة الصورة يظهر مكتوباً لكن من دون تقييم "باء" الذي يشير إلى أن التوقيع لا يعود إلى وارهول. ومقدمة الكاتالوغ تقول صراحة إن الصورة "موقعة مرتين ومؤرخة": [آندي وارهول 79-86]. طبعاً هي موقعة – لكن التوقيع لا قيمة له.

كتاب "وارهول بعد وارهول" لريتشارد دورمنت صدر عن دار "بيكادور"

© The Independent

المزيد من كتب