Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بعد أحداث سبتمبر ... رياح الكراهية تعصف في الشرق والغرب

الولايات المتحدة خاضت حربي أفغانستان والعراق لاستعراض القوة... والهجمات الإرهابية بلغت 4 أضعافها منذ 2001... وإيران اخترقت أمن المنطقة العربية

أميركي يجلس قرب تمثال الحرية بعد هجمات سبتمبر مرتديا قميصا يدعو للتخلص من أسامة بن لادن (غيتي)

لا تزال هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001، التي وصفت أميركياً بـ "الثلاثاء الأسود"، بعدما استهدفت رمزي الاقتصاد والقوة الأميركية، تلقي بظلالها على العلاقات بين الغرب والشرق. وعلى الرغم من مرور 18 عاما على وقوعها، فإن تبعات تلك الهجمات حاضرة في تفاصيل مشاهد الاضطراب بالمنطقة إلى اليوم، لما مثلته من نقطة فاصلة في التعاطي الأميركي مع الإرهاب، وخوضها لحربين الأولى في أفغانستان بدأت في أكتوبر (تشرين الأول) 2001، والأخيرة بالعراق بدأت في مارس (آذار) 2003، فضلاً عن الحروب التي خاضتها بالوكالة في دول أخرى.

وشكّلت الهجمات، التي نفذها تنظيم "القاعدة" بقيادة أسامة بن لادن، نقطة تحول كبرى في تاريخ الولايات المتحدة، على مستوى سياساتها الداخلية أو الخارجية، وعلى صعيد العلاقات الدولية، ليتجدد معها في كل ذكرى، محاولات المفكرين والساسة وحتى المواطنين العاديين من الأميركيين والعرب الإجابة عن تساؤل أطلقته الأوساط الأكاديمية الأميركية في أعقاب الهجمات كان مفاده "لماذا يكرهوننا؟"، مبقية الحيرة بشأن مستقبل العلاقة بين الشرق والغرب، بعد أن قسّم بوش العالم بجملته الشهيرة "من ليس معنا فهو ضدنا".

حروب اختيار أم ضرورة؟

بعد أسابيع من هجمات سبتمبر غزت إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش أفغانستان بهدف تدمير تنظيم القاعدة، الذي منحه نظام طالبان المتطرف الملاذ الآمن، وفق تبرير الإدارة الأميركية. وبدعم من عشرات الحلفاء، أسقط الاجتياح الأميركي سريعاً حكومة طالبان.

وعلى الرغم من مقتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن في العام 2011، فإن القوات الأميركية لاتزال منخرطة عسكريا في "مستنقع كابول"، رغم المحاولات المتكررة لسحب قواتها العسكرية من هذا البلد الغارق في العنف وعدم الاستقرار، وذلك بالتزامن مع جهود ومفاوضات مضنية مع حركة طالبان للوصول إلى اتفاق يُفضي في النهاية إلى الانسحاب الأميركي.

 

وبعد نحو عامين من غزو أفغانستان، دخلت واشنطن بدعم مماثل من الحلفاء العراق عسكريا، وأسقطت حكم الرئيس صدام حسين، لمزاعم أميركية بتطوير نظامه أسلحة دمار شامل تهدد السلم والاستقرار العالميين، وهو ما نفته تحقيقات مستقلة ودولية لاحقا.

وتباعا أدى احتلال العراق الذي جرى بـ"شكل سيئ وخاطئ"، إلى زعزعة استقرار المنطقة برمتها، بحسب المراقبين، وقاد إلى فوضى طويلة المدى في بلاد الرافدين، فضلا عن إفساح المجال أمام تعزيز نفوذ إيران الإقليمي في الشرق الأوسط على نحوٍ أوسع، وصعود تنظيم داعش الإرهابي، وخلق اضطرابات مستمرة أدت إلى حروب أهلية، وهجمات إرهابية لا حصر لها.

وبحسب تقارير أميركية رسمية، تجاوزت التكلفة الأميركية للحرب في هذين البلدين أكثر من 5.6 تريليون دولار. وتوسعت معهما الحرب الأميركية على الإرهاب في 76 دولة، حيث قام الجيش الأميركي الآن بأنشطة مكافحة الإرهاب، بدءاً من ضربات الطائرات بدون طيار وحتى عمليات الرصد والمراقبة.

وبعد سنوات طويلة من بداية الحرب الأميركية على الإرهاب، بقي الانقسام الأميركي حول جدوى هذه الحرب، وما إذا كان امتدادها لبعض الدول كان "ضرورة أم اختيارا"، وهو ما أجاب عنه الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، خلال خطابه إلى العالم الإسلامي بجامعة القاهرة في يونيو (حزيران) 2009، بقوله "إن الحرب في أفغانستان كانت (ضرورة)، فيما كانت الأخرى بالعراق (اختيارا)".

ووفق مايكل موريل، النائب السابق لمدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية، الذي تقاعد من منصبه عام 2013، "كانت حرب العراق بمثابة خطأ فادح"، مفسرا في كتابه "الحرب العظمى في زمننا.. حرب المخابرات المركزية ضد الإرهاب من القاعدة إلى داعش"، "أن صدّام حسين بالغ في تقييم قدرة الأجهزة الاستخباراتية الأميركية على جمع المعلومات، وأراد الرئيس العراقي نشر خدعة امتلاكه أسلحة دمار شامل لتهديد عدوه الأول إيران، ولكنه أخطأ عندما افترض أن الاستخبارات الأميركية قادرة على اكتشاف عدم امتلاكه لهذه الأسلحة".

وذكر موريل، الذي تسلّم منصب "مقدم الملخص اليومي" للرئيس الأميركي جورج بوش الابن، في ديسمبر (كانون الأول) 2000، "أنه لا يوجد أدنى شك أن تركيز بوش على العراق قد بدأ مع هجمات 11 سبتمبر"، معتبراً أن "الحرب على العراق كانت اختيارية، حيث قاد الرئيس الأميركي الولايات المتحدة إليها لاعتقاده بأنها ضرورية لحماية الشعب الأمريكي"، وتابع "أن هذه الحرب دعمت روايات تنظيم القاعدة عن واشنطن، بل ساعدت على نشر أيديولوجية التنظيم".

 

وذكر موريل "أن أجهزة الاستخبارات الأميركية أخطأت في غالبية أحكامها بشأن العراق وأسلحة الدمار الشامل"، متهماً نائب الرئيس الأميركي حينذاك "ديك تشيني" بالضغط على المحللين في وكالة الاستخبارات لإيجاد روابط لم تكن موجودة بين العراق وتنظيم "القاعدة"، بالإضافة إلى محاولة تسييس التقارير الاستخباراتية حول العراق".

وبحسب موريل، "يمكن للمرء أن يلوم ثغرات محددة في عمل وكالة الاستخبارات المركزية ومكتب التحقيقات الفيدرالي ووكالة الأمن القومي خلال الهجمات، غير أن الشعب الأميركي مُشارك في ذلك الفشل"، موضحاً "أن الأميركيين لم يؤيدوا الأفعال الواجب اتخاذها لدرء هذه المخاطر، بل رفضوا زيادة موارد الأمن الوطني في الميزانية، ورفضوا خوض الحرب في أفغانستان بعد تفجير السفارتين الأميركيتين في شرق أفريقيا، والمدمرة كول في اليمن".

في الاتجاه ذاته وبعد صمت طويل، أقرت كونداليزا رايس، المستشارة السابقة للأمن القومي (2001-2005)، في حوار لها مع معهد "بروكينغ" الأميركي في مايو (أيار) 2017، "بأن الولايات المتحدة لم تذهب إلى أفغانستان (2001) والعراق (2003) لتحقيق الديموقراطية بل لمعالجة قضايا الأمن الإقليمي"، وهو الأمر الذي يتناقض مع مواقف سابقة لإدارة الرئيس الأميركي جورج بوش الابن (2001- 2009)، الذي أطلق في 2003؛ مشروع "الشرق الأوسط الكبير" لنشر الديموقراطية في دول عربية وإسلامية. وأضافت "أطحنا حركة طالبان لأنها أصبحت تشكل ملاذا آمنا لتنظيم القاعدة بعد 11 سبتمبر".

وفي مطلع 2005، نقلت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، عن رايس "أن الولايات المتحدة بتحركاتها في الشرق الأوسط تنوي نشر الديموقراطية بالعالم العربي، والبدء في تشكيل ما يُعرف بـ(الشرق الأوسط الجديد)، عبر نشر (الفوضى الخلاقة)".

وعن تفاصيل عمل أجهزة الاستخبارات الأميركية في تلك الفترة التي أعقبت هجمات سبتمبر، قال وزير الدفاع الأميركي السابق روبرت غيتس، في كتابه "الواجب: مذكرات وزير حرب"، "كنت دائما داخل المطبخ السياسي الأميركي في السلم والحرب، أو بالقرب من صناع القرار في السياسة الخارجية والصراعات الدولية، والمشاحنات إلى حد العراك مع أعضاء الكونغرس والبنتاغون والبيت الأبيض. وشاركت في اتخاذ أصعب القرارات المصيرية لواشنطن على مدى عقود".

وتابع: "كان محور عملي الأساسي هو: كيف توفق الولايات المتحدة بين حربنا ضد الإرهاب على جبهات متعددة في الخارج، والرأي العام في الداخل الذي يطالبنا بالحقائق السياسية: لماذا حاربنا؟ وما هي نتيجة هذه الحروب؟".

وبحسب غيتس، "لقد حققنا مكاسب بالفعل على الجبهتين (العراق وأفغانستان)، لكنها أُهدرت بالكامل، نتيجة للأخطاء القاتلة وقصر نظر المسؤولين، مما عرض بلادنا لحملات من الانتقادات الشرسة سواء لأدائنا على جبهات القتال في الإعلام الخارجي، أو أمام الرأي العام الأميركي".

مأزق مستمر للعلاقة بين الشرق والغرب

عندما غادر الرئيس بوش البيت الأبيض في العام 2009، أجمع مراقبون "أنه ترك وراءه أسوأ مُـستوى في تاريخ العلاقات الأميركية بالعالم الإسلامي ومنطقة الشرق الأوسط، بسبب سياساته العدوانية واستخدام القوة العسكرية ضدّ عدد من الدّول الإسلامية، وغزوه للعراق، وتطاوله على الإسلام بعبارات، مثل الفاشية الإسلامية، وخلطه بين الحرب على الإرهاب والحرب على الإسلام".

وعلى الرغم من مساعي خلفه باراك أوباما لفتح صفحة جديدة باعتبار أن "الإسلام والولايات المتحدة ليسا في عداء، وأن التاريخ المشترك بين الطرفين يثبت أن هناك من التكامل والاندماج أكثر من الاختلاف"، ظل التوتر في العلاقات بين الغرب والشرق قائما حتى مع الرئيس القادم من مجتمع المال والأعمال دونالد ترمب.

وفي رأي مؤرخين أميركيين "فإن الحرب التي شنتها بلداهما على العراق، وأنهت نظام الرئيس السابق صدام حسين لم تهدف إلى ما وصفاه بتحرير العراق، أو الخوف من وجود أسلحة دمار شامل هناك بقدر ما كانت نوعا من استعراض القوة واسترداد أميركا لهيبتها بعد هجمات 11 سبتمبر".

وقال وليامسون موراي، وروبرت سكايلز جونيور في كتابهما المشترك "حرب العراق"، "إن الحرب التي شنتها أميركا على العراق في 19 مارس 2003، وأنهت حكم صدام باحتلال العاصمة بغداد في التاسع من أبريل (نيسان) من العام نفسه كانت كالعمليات في أفغانستان (في نهاية 2001) تهدف إلى إعلام العالم بأسره أن الولايات المتحدة في أعقاب 11 سبتمبر لديها ما يكفي من القدرة والإرادة لهزيمة الدول الشريرة ولمواجهة أولئك الذين يهددون المصالح الحيوية للشعب الأميركي".

وبحسب طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأميركية، "فإن الشرق الأوسط دفع الكثير بعد هجمات سبتمبر، لأن المنفذين كانوا عربا ومسلمين، كما بقي ملف دفع التعويضات سيفاً مُسلطاً على رقاب بعض الدول".

ويرى فهمي، "أن ما تشهده المنطقة حتى اليوم من اضطرابات وفوضى هو نتيجة السياسة الأميركية على مدار السنوات التي تلت هجمات سبتمبر"، معتبرا أن "هذه الاضطرابات ستبقى إلى حين". موضحاً أن "الولايات المتحدة شنت حروباً ربما كان بعضها غير عادلٍ، أو غير أخلاقي، قادت في النهاية إلى نشر الإرهاب والجماعات المتطرفة في الشرق الأوسط".

وبحسب آخر تقرير للخارجية الأميركية حول مكافحة الإرهاب في العالم، الصادر في سبتمبر 2018، والذي كشف عن تزايد خطر الإرهاب في المنطقة رغم الجهود الأميركية لمكافحته.

وألقى التقرير الضوء على أخطار إيران التي تجاوزت سوريا والعراق واليمن والبحرين والكويت ووصلت إلى دول أوروبية، ووفقا للتقرير "فإن طهران تبقى الدولة الرائدة في العالم كراعية للإرهاب، ومسؤولة عن تكثيف الصراعات المتعددة وتقويض المصالح الأميركية في سوريا وفي اليمن وكذلك في العراق وفي البحرين وفي أفغانستان وفي لبنان باستخدام عدد من الوكلاء وغيرهم من الأدوات مثل حزب الله اللبناني وفيلق القدس التابع لحرس الثورة الإسلامية. كما أن التهديدات التي يشكلها دعم إيران للإرهاب لا تقتصر على الشرق الأوسط، وهي بالفعل عالمية النطاق".

ولفت التقرير إلى "أنه وعلى الرغم من جميع النجاحات العديدة. فإن المشهد الإرهابي ازداد تعقيدا في سنة 2017. وأثبت تنظيم داعش والقاعدة وأتباعهما أنها لاتزال قادرة على المقاومة، بعدما تكيفت مع الضغوط المتزايدة لمكافحة الإرهاب في العراق وسوريا والصومال وغيرها. وتوجه المقاتلون الإرهابيون الأجانب إلى بلادهم من منطقة الحرب في العراق وسوريا أو يسافرون إلى بلدان ثالثة لينضموا إلى فروع داعش بها. كما أننا نشهد زيادة في الهجمات التي يشنها إرهابيون محليون، أي الأشخاص الذين يستوحون الإلهام من داعش من دون أن تطأ أقدامهم سوريا أو العراق. وقد رأينا هجمات وجّهها التنظيم خارج منطقة الحرب على أهداف سهلة، وفي الأماكن العامة مثل الفنادق والمنتجعات السياحية والمواقع الثقافية".

وفي تقرير دولي سابق، للعام 2016، لمعهد علم الاقتصاد والسلام، وهو مركز أبحاث مقره الولايات المتحدة وأستراليا للعام، "فإن عدد الهجمات الإرهابية تضاعف أكثر من 4 مرات منذ أحداث سبتمبر (أيلول) 2001، وأن أكثر البلاد التي تأثرت كانت العراق وباكستان وأفغانستان".

وذكر التقرير "أن العراق وباكستان وأفغانستان واليمن كانت الدول الأكثر تأثرا بالإرهاب على الترتيب وفقا لمقياس يستند إلى عدد الهجمات وعدد الضحايا والإصابات ومستوى الأضرار التي لحقت بالممتلكات".

وفي غضون ذلك لا يزال يشدد مفكرون معظمهم أميركيون على "زيف" الرواية الرسمية الأميركية عن هجمات 11 سبتمبر، ففي كتابهما "الحادي عشر من سبتمبر والإمبراطورية الأميركية"، سجل ديفيد راي جريفين وبيتر ديل سكوت، محررا الكتاب، "أن باحثين لا ينتمون إلى التيار السائد توصلوا إلى أدلة تفند الرواية الرسمية بشأن المسؤول النهائي عن تلك الهجمات التي أصبحت بمثابة الأساس المنطقي وراء ما يقال إنها حرب عالمية على الإرهاب استهدفت حتى الآن كلا من أفغانستان والعراق، وبمثابة المبرر وراء التدني المسرف في سقف الحريات الممنوحة للشعب الأميركي".

المزيد من سياسة