Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

شركات عالمية تنقل مصانعها من الصين والهند وجهة الاستثمار

يرجح محللون إمكانية أن تخلف نيودلهي بكين في مكانتها الاقتصادية والسياسية لتصبح الأكثر هيمنة على القارة الآسيوية

تعمل نيودلهي على تقوية دفاعها وإرساء العديد من الشراكات الدفاعية من مختلف دول العالم (أ ف ب)

ملخص

بدأت الشركات الكبرى بتحويل مصانعها إلى الهند مقابل خروج رؤس الأموال من الصين التي تم الرهان على نموها لعقود

تمثل الهند حالياً إحدى القوى الصاعدة في آسيا وعلى الساحة العالمية، بل تتوقع الدراسات إمكانية أن تنافس الهند الصين على الصعيد الدولي والآسيوي، بخاصة مع تخطي الهند رسمياً العام الماضي الصين في التعداد السكاني. هناك أوجه تشابه بين الهند والصين كتقدم الثقافة والتقارب الأسري وأولوية الاستثمار في التعليم والتوافق الفلسفي الديني، لكنهما تختلفان في أمور عدة، فعلى رغم مكانتهما الآسيوية، تبقى الهند ذات اقتصاد قوي مع ابتعادها عن منافسة الصين حالياً. كما أن الصين تشكل قوة عسكرية مستقلة تُعَد الأكبر آسيوياً، ولا تعتمد بشكل كبير على الشراكات العسكرية مع غيرها من الدول. في المقابل، لا زالت الهند وبشكل مباشر وقوي تعتمد على الشراكات في قوتها وعتادها العسكري. كما أن الإشكاليات الجيوسياسية بين القوتين شكلت اضطراباً في علاقاتهما سيمتد لأعوام. كما بدأت الشركات الكبرى بتحويل مصانعها إلى الهند يقابله خروج رؤس الأموال من الصين التي تم الرهان على نموها لعقود.

علاقات مضطربة ومجتمع متقارب

يمكن للمراقب أن يرى تشابهاً ملحوظاً بين المجتمعين الصيني والهندي إلى حد كبيرـ فتعد الثقافتان الصينية والهندية من أقدم الثقافات الحية في العالم وكلاهما أكثر توجهاً نحو الأسرة مقارنة بالمجتمعات الغربية. كما أن هناك اهتماماً لافتاً بالتعليم، إذ يعطي كلا البلدين أولوية عالية للغاية لاستثمار وقت الطلاب بجدية في المدارس والكليات والجامعات، وتعزيز المواقف تجاه المعلمين والتعليم وتربية الأطفال، وكذلك التوافق الفكري الفلسفي والديني على رغم اختلاف الديانات بينهما.

وعلى رغم ذلك، تتسم العلاقات الهندية - الصينية بالاضطراب، الذي بلغ ذروته عام 2020. ففي يونيو (حزيران) من ذاك العام، وقعت اشتباكات بين الجنود الصينيين ونظرائهم الهنديين على الحدود المتنازع عليها في هضبة الهيمالايا، أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 20 جندياً هندياً وأربعة من الجنود الصينيين. هذه الاشتباكات أطرت العلاقات بين البلدين في السنوات المقبلة، وانخرط البلدان بحسب تقارير دولية في منافسة محمومة بمجال بناء البنية الأساسية في المنطقة الحدودية، تحسباً لتعزيز قدراتهما لأي حرب محتملة في المستقبل. كما شهد عام 2022 بعض الاشتباكات في المنطقة الحدودية المتنازع عليها، ما ينذر بإمكانية وقوع مزيد من الحوادث الحدودية مستقبلاً.

تلقي هذه الاضطرابات الحدودية بظلالها على التنافس بين نيودلهي وبكين على الساحتين الآسيوية والعالمية. فمع صعود الهند خلال السنوات الأخيرة كإحدى القوى المؤثرة على الساحة الجيوسياسية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، يتبادر إلى الذهن مباشرة اصطدام ذاك الصعود بالقوى الآسيوية الأبرز وهي الصين التي تُعَد أكبر قوة عسكرية عالمياً، وثاني أكبر اقتصاد دولي.

شيوخ الصين والهنود الشباب

على رغم ما تتسم به الصين من قوة عسكرية واقتصادية، يرجح بعض المحللين إمكانية أن تخلف الهند في العقد القادم أو السنوات المقبلة الصين في مكانتها الاقتصادية والسياسية لتصبح الأكثر هيمنة على القارة الآسيوية وإزاحة الصين عن عرشها، بعدما تخطى عدد سكان الهند عدد سكان الجارة الصين العام الماضي للمرة الأولى منذ الخمسينات.

وتشير التوقعات إلى ارتفاع القوة البشرية الهندية، وسيبلغ عدد سكان الهند ذروته ليبلغ حوالى 1.7 مليار نسمة عام 2063، في المقابل، سيستمر عدد سكان الصين في الانخفاض. ويمثل هذا تناقضاً كبيراً بين البلدين، بخاصة وأن عدد سكان الصين انكمش للمرة الأولى منذ ستة عقود عام 2022، بعد ارتفاع عدد السكان إلى مستوى قياسي بلغ ما يزيد قليلاً عن 1.4 مليار نسمة عام 2021.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن متوسط أعمار الهنود أصغر سناً بكثير من الصينيين، فقد بلغ متوسط العمر في الصين العام الماضي 39 سنة، في حين أن متوسط العمر في الهند  قارب 28 سنة. وفي عام 2021، بلغت نسبة السكان الذين تقل أعمارهم عن 14 عاماً في الهند 26 في المئة، مقارنة بـ 18 في المئة في الصين. وبلغت نسبة الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 65 سنة في الهند والصين سبعة في المئة و13 في المئة على التوالي في عام 2021. أيضاً من المتوقع أن تنخفض القوة العاملة من الفئة العمرية بين 15 و64 سنة في الصين بنسبة 0.7 في المئة سنوياً. فيما تتمتع الصين بنسبة قوى عاملة تصل إلى 75 في المئة، وتضعف الإحصائيات احتمال ارتفاع هذا المعدل بعكس الهند التي من المتوقع أن تزداد القوى العاملة المحتملة بنسبة 0.72 في المئة سنوياً.

الهند تسحب البساط

الخطوات التي اتخدتها الهند تدعم التنبؤات بسحب الهند البساط من  التنين مستقبلًا. فقد بدأت فعلاً الشركات الكبرى بنقل مصانعها إلى الهند، فشركة "أبل" الأميركية الشهيرة بدأت تصنع هواتفها في الهند، كما أنشأت شركة "سامسونغ" أكبر مصنع هواتف في قلب الهند. وبحسب تقرير لشبكة "سي أن بي سي" الأميركية، تفضل شركات أميركية عدة الهند على الصين كمقر للتصنيع، حيث كشف استطلاع أجري على حوالى 500 مدير شركة أميركية أن 61 في المئة ممن شملهم الاستطلاع  يفضلون الهند على الصين في حالة توفر خيار التصنيع في البلدين للمنتج نفسه.

كما أظهر استطلاع أجراه منتدى المؤسسات النقدية والمالية الرسمي التابع لمؤسسة بحثية مقرها لندن، أن ما يقرب من 40 في المئة من المستثمرين اختاروا الهند باعتبارها السوق الناشئة الأكثر جاذبية، في حين اختار أقل من الربع الصين. وتضمن ذاك الاستطلاع 100 صندوق تدير أصولاً بقيمة 26 تريليون دولار.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كما ذكرت وكالة "بلومبيرغ" الاقتصادية في تقرير حديث أن هناك تحولاً هائلاً في الأسواق العالمية، إذ يسحب المستثمرون مليارات الدولارات من الاقتصاد الصيني المتعثر، بعد عقدين من الرهان على البلاد باعتبارها أكبر نمو في العالم. وأشار التقرير إلى اتجاه الكثير من هذه الأموال الآن إلى الهند، مع ميل شركات "وول ستريت" العملاقة مثل مجموعة "غولدمان ساكس" و"مورغان ستانلي" لنيودلهي باعتبارها الوجهة الاستثمارية الرئيسة للعقد المقبل. كما وضع صندوق التحوط "مارشال ويس"، الذي تبلغ قيمته 62 مليار دولار، الهند كأكبر رهان طويل الأمد له بعد الولايات المتحدة في صندوق التحوط الرئيسي.

الممر والطريق الحريري

وينافس الممر الاقتصادي الجديد، الذي أُطلِق على هامش قمة الـ20 العام الماضي التي استضافتها نيودلهي، مبادرة طريق الحرير والحزام والطريق التي أُطلِقَت عام 2013، وشملت عدداً كبيراً من المشروعات الإنشائية والبنية التحتية في قارات أفريقيا وآسيا وأوروبا بقيمة بلغت تريليون دولار تقريباً لما يزيد عن ثلاثة آلاف مشروع حتى عام 2049. ويعمل الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا على ربط آسيا وأوروبا من خلال تعزيز التكامل الاقتصادي. وتتوقع الولايات المتحدة أن تنشط التنمية الاقتصادية من خلال تحسين الاتصال والتكامل الاقتصادي بين آسيا والخليج العربي وأوروبا. ومن خلال عمل كلاهما على مشروعات للبنية التحتية، يشكل الممر الاقتصادي المرتقب خطراً وجودياً على على بكين واقتصادها ومبادرتها التي عملت عليها لفترة طويلة واحتمال تعثرها خلال السنوات المقبلة.

شراكات دفاعية

تعمل الهند، رابع أكبر قوة عسكرية عالمياً، على تقوية دفاعها وإرساء العديد من الشراكات الدفاعية من مختلف دول العالم، وخصوصاً الدول الغربية. وكان لصعود الهند منذ التسعينات كقوة اقتصادية وعسكرية، أثر في استمالة القوى الغربية لها، ما جعلها شريكاً مهماً للدول الغربية، كما أن لنيودلهي ثقلاً في مؤسسات الحكم العالمي، وتشارك في الحوار الأمني الرباعي لتؤكد الأهمية الجيوستراتيجية للهند.

ولدى الهند شراكات دفاعية مع العديد من الدول بما فيها فرنسا وروسيا والولايات المتحدة، بالإضافة إلى أنها وقعت مع إسبانيا مذكرة تفاهم بشأن تبادل المعلومات السرية، ومذكرة تفاهم للتعاون الدفاعي مع البرتغال، وكان التعميق الأخير للتعاون الدفاعي بين الهند وشركاء الناتو.

العلاقات مع الدول الغربية دفاعياً وعسكرياً تجعلها حليفاً أقرب للدول الغربية والولايات المتحدة أكثر من الصين. فالصين تعاني من انتقادات غربية مستمرة كما أنها تُواجَه بالتحالفات الغربية في منطقة المحيطين الهادئ والهندي للحد من نفوذها في المنطقة وفي آسيا بشكل عام.

قوة اقتصاد الصين

على رغم أن الهند تمكنت من الصعود بقوة اقتصادياً لتصبح خامس أكبر اقتصاد عالمي لتتخطى ألمانيا، لكن الفجوة بين الاقتصادين الآسيويين، الصيني والهندي، هائلة. فقد قارب اقتصاد الهند حالياً 3.5 تريليون دولار، أما اقتصاد الصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، فهو أكبر بنحو 15 تريليون دولار.

وبحسب دراسات اقتصادية، يتعين على الهند لتتفوق على غريمتها الصين أكبر مساهم في النمو العالمي في الأعوام الخمسة المقبلة، تحقيق معدل نمو مستدام يبلغ ثمانية في المئة، فيما يتوقع صندوق النقد الدولي أن تنمو الهند بنسبة 6.3 في المئة هذا العام.

التاريخ يعيد نفسه، فكما فعلت الصين قبل أكثر من ثلاثة عقود من الزمن، بدأت الهند تحولاً هائلاً في البنية التحتية من خلال إنفاق المليارات على بناء الطرق والموانئ والمطارات والسكك الحديدية. ففي ميزانية هذا العام وحده، تم تخصيص 120 مليار دولار للإنفاق الرأسمالي لتعزيز التوسع الاقتصادي. كما أطلق ثالث أكبر اقتصاد في آسيا برنامج حوافز مرتبط بالإنتاج بقيمة 26 مليار دولار لجذب الشركات لإقامة التصنيع في 14 قطاعاً، بدءاً من الإلكترونيات والسيارات إلى الأدوية والأجهزة الطبية. وعلى رغم ذلك، فإن الاقتصاد القوي لبكين، على رغم ما يعانيه من تباطؤ، قد يجعل للصين اليد العليا اقتصادياً لفترة ليست بقصيرة، مما قد يصعب المهمة الهندية بأن تصبح الأولى في الساحة الآسيوية.

اقرأ المزيد