Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

قلق حول مصير الـ"أونروا" يطوق المخيمات الفلسطينية في لبنان

مخاوف من شطب حق العودة في حال وقف تمويل الوكالة الأممية

ينظر الفلسطينيون في لبنان بريبة وقلق نحو المستقبل ويستهجنون قرار وقف التمويل عن المنظمة الدولية (أ ف ب)

ملخص

يخشى 250 ألف إنسان يقطنون 13 مخيماً فلسطينياً في لبنان من توقف خدمات وكالة الأونروا، وتحديداً في مجالات التعليم، الطبابة، والتقديمات الاجتماعية

في مخيم نهر البارد للاجئين الفلسطينيين في شمال لبنان لا شيء يخرق سكون الحياة اليومية سوى السؤال عن "مستقبل الأونروا"، المنظمة الأممية التي تقدم المساعدات والمنح لربع مليون لاجئ فلسطيني في ذلك البلد.

ويعول الفلسطينيون الموزعون على 13 مخيماً في لبنان، أن تعيد الجهات المانحة النظر بقرار وقف تمويل الأونروا التي باتت مرتبطة عضوياً بمجتمع اللجوء، بعد مرور أكثر من سبعة عقود على انطلاق عملها عقب سياسة التهجير التي طردت الفلسطينيين من أرضهم.

رد فعل غير متوقع

ومع حلول أبريل (نيسان) المقبل، قد تصبح "الأونروا" جزءاً من الماضي، وهو أمر لا يتقبله سكان المخيمات في لبنان بسهولة. فالوكالة التي تأسست عام 1949، وبدأت عملياتها في عام 1950 في دول المنطقة، بما فيها لبنان، رافقت مجتمع اللجوء في مختلف محطاته ومراحل نشأته، والصعاب التي واجهها عبر المراحل التاريخية المختلفة.

وينظر الفلسطينيون في لبنان بريبة وقلق نحو المستقبل، ويصفون قرار وقف التمويل عن المنظمة الدولية بـ "المستهجن"، لأنه سيزيد مستويات التمييز والتهميش تجاه شريحة اجتماعية عريضة، ويرفع معدلات الفقر والعوز.

ويقول محمود، وهو لاجئ فلسطيني في العشرينيات من عمره، إنه "إلى الأونروا، يعود الفضل في تخفيف الكثير من صعوبات الحياة اليومية التي تواجه اللاجئ في لبنان، حيث تؤمن له التعليم النظامي، إضافة إلى الطبابة والاستشفاء، ناهيك عن مساعدات اجتماعية وفرص العمل"، متوقعاً أن تعيد الدول المانحة النظر في قرار وقف التمويل، لأنه يشكل قرار إعدام لمجتمع بأكمله من الفقراء والطبقة الوسطى ومحدودي الدخل".

ويعتقد الشاب اليافع أنه "في حال الإصرار على القرار سنكون أمام موجة احتجاجات قوية، قد تُغلق المخيمات، وتُحرق الإطارات في الحد الأدنى". فيما يقرأ في القرار، بأنه "محاولة لضرب مجتمع اللجوء، وإلغاء حق العودة، وخلق اضطرابات اجتماعية في المجتمعات المضيفة".   

العمل مستمر إلى حين

وتستمر أقسام الأونروا في لبنان، بالعمل المعتاد، ويتطلع المسؤولون عن المنظمة إلى مراجعة الدول المانحة لقراراتها بوقف التمويل.

ويؤكد المتحدث الإعلامي للمنظمة في لبنان، فادي الطيار، "إن قرارات تعليق التمويل للأونروا، في حال لم يتم الرجوع عنها، تهدد عملنا الإنساني المستمر في جميع أنحاء المنطقة، بما فيها لبنان. حيث يعتمد حوالى 250 ألف لاجئ من فلسطين بشكل شبه حصري على خدمات الأونروا الأساسية".

ويكشف في تصريحه لـ"اندبندنت عربية" أنه "من المتوقع بعد شهر فبراير (شباط) الجاري أن تبدأ بالظهور التأثيرات الجسيمة لخطوة تعليق التمويل في حال لم يتم استئناف الدعم".

وينبه فادي الطيار من خطورة انتهاء التمويل للنشاطات والأعمال التي تتولاها المنظمة الدولية، لأنه "سيؤدي إلى تداعيات جسيمة على مجتمع لاجئي فلسطين في لبنان"، مشيراً إلى أن " ما يقدر بنحو 80 في المئة منهم يعيشون في حالة فقر، ونصفهم في مخيمات مكتظة يعانون من ظروف معيشية صعبة، خصوصاً في ظل القيود المفروضة على حق العمل".

خدمات متنوعة

وتقدم الأونروا مروحة عريضة من الخدمات العمومية في لبنان، ويقول الطيار إنها "تقدم خدمات التعليم لـ 38 ألف طفل في 62 مدرسة، كما توفر التعليم المهني والتقني لأكثر من ألف طالب. وتدير الوكالة 27 مركزاً صحياً تُقدم فيها الرعاية الصحية الأولية. كما تدعم الأونروا الرعاية الصحية من المستوى الثاني والثالث في المستشفيات المتعاقدة مع الوكالة. إضافة إلى خدمات الإغاثة وخدمات برنامج البنية التحتية، وتحسين المخيمات. كما تقدم الأونروا مساعدات نقدية لـ 65 في المئة من لاجئي فلسطين في لبنان مع التركيز على الفئات المحتاجة، وتحديداً غير القادرين على العمل، بمن فيهم الأطفال والمسنين والمعاقين".

ويعتبر الطيار أن "قرار وقف تمويل الأونروا من دون الرجوع عنه، سيعرّض مستقبل 38 ألف طالب للخطر. ويهدد بتفاقم المعاناة، وزيادة الفقر، وبالتالي زيادة الإحباط واليأس بين صفوف لاجئي فلسطين"، لافتاً إلى أن "التأثير الإنساني، قد يكون جسيماً، ويُحتمل أن تكون له تداعيات على الاستقرار في لبنان، الذي يعاني من أزمات صعبة، وعلى الاستقرار في المنطقة ككل".

الجيل المتعلم في خطر

ويحيط الخطر بجيل كبير من المتعلمين الفلسطينيين في لبنان، ومناطق اللجوء الخمسة، الأردن، الضفة الغربية، وغزة، وسوريا. وبحسب مسؤول الملف التربوي في اللجان الشعبية في منطقة شمال لبنان، الدكتور شحادة الخطيب، فإن "المجتمع الفلسطيني بأغلبيته العظمى، يعتمد في تعليمه على مدارس الأونروا، ويبلغ عدد الطلاب في الشمال 7500 طالب. كما تؤمن الوكالة فرص العمل لثلاثة آلاف لاجئ فلسطيني في الشمال. وتشكل المدارس عاملاً للاستقرار الاجتماعي، وفي غيابها ستكون هناك انعكاسات سلبية".

ويشير الخطيب "في البداية، أنشئت مدارس الأونروا في المخيمات، قبل توسيع نطاق عملها ليشمل المدن التي يقطنها الفلسطيني مثل طرابلس والميناء، وبيروت. كما كانت تؤمن مجموعة من الخدمات، بدءاً بالقرطاسية، وتأمين حاجات الطالب، والطعام من خلال مطاعم المدارس الخاصة بالمتعلمين، ناهيك عن تقديم مؤن وإعاشة، والرعاية الصحية واللقاحات"، مشيراً إلى تراجع الخدمات على مراحل بدءاً من عام 1984 تاريخ خروج منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان، وصولاً إلى حدها الأدنى خلال العقد الأخير".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويجزم الخطيب "شهدت سياسة التقليص حركة تصاعدية خلال الأعوام الماضية، بدءاً بأعداد المدرسين، وعدم توظيف أشخاص جدد مكان المتقاعدين، في المقابل، نشهد تزايداً في أعداد الطلاب، من هنا، بدأنا نشهد اكتظاظاً في الصفوف، إلى جانب إلغاء حصص الرياضة، والرسم، والفنون، ومادة تاريخ وجغرافيا فلسطين التي تكتسي دوراً مهماً في تنمية شخصية المتعلم. إضافة إلى تشديد القيود على المناهج والمضامين ومنع المدرسين من الاجتهاد، وإعطاء حصص تنمي الحس الوطني تحت حجة الحيادية".

واعتبر الخطيب أنه "لا يمكن تجاهل أهمية الأونروا في المجتمع الفلسطيني، فهي تؤمّن التعليم المجاني للمتعلم الفلسطيني، وتأمين الكتب المدرسية، وتوظيف أعداد كبيرة بمن فيهم المعلمين"، منبهاً إلى أخطار تعليق التمويل، بعدما "أصبح المعلم مهدداً في استقراره الوظيفي، ومستقبله، وبدأ بالبحث عن عمل آخر، مع حرمانه من تعويضات نهاية الخدمة". كما يتخوف المتحدث ذاته من "سيناريو قاتم" و"كارثة كبيرة" في حال الإجهاز على الوكالة الدولية، لأنه "لا يمكن للمؤسسات الرسمية اللبنانية استقبال الطلاب، والقضاء على جيل من المتعلمين بسبب عدم وجود البديل، وإنهاء التجربة الفلسطينية التي تمكنت من القضاء على الأمية، وبلوغ نسبة أمية واحد في الألف"، متخوفاً من "ظهور جيل المتسربين".

الضغط يسبب الانفجار

وعانى مجتمع اللجوء في لبنان من التهميش القانوني والاقتصادي، حيث يُمنع الفلسطيني من ممارسة 72 مهنة، فيما أسهمت الأونروا في تأمين فرص عمل في مهن محددة تحت جناح مؤسساتها. ويشير فرحان المعاري المسؤول في منظمة التحرير الفلسطينية أن "الأونروا تؤمن الوظائف للفلسطينيين في مجالات محدودة، كالتعليم، والطب، والهندسة".

ويلفت المعاري إلى "تراجع الخدمات خلال الأعوام الأخيرة، وتحديداً في مجال الطبابة، ففي السابق، استفاد الفلسطيني من تغطية شاملة، تصل إلى 100 في المئة، بعد تحويله من عيادة الأونروا إلى المستشفيات المتعاقدة. وتراجعت خلال العقدين الماضيين إلى حدودها الدنيا، ومنح الأولوية لمرضى السرطان، على رغم تزايد نسب الفقر المدقع إلى 80 في المئة، حيث يضطر اللاجئ إلى دفع الفروقات بالدولار، والبحث عن مساعدات من جهات ضامنة أخرى على غرار صندوق الضمان التابع لمنظمة التحرير، وبعض الجهات المانحة".

كما يتحدث المعاري عن تمسك اللاجئين بخدمات الأونروا على رغم تقليصها لأنهم "غير قادرين على دفع بدل المعاينة الطبية المفروضة من الأطباء في لبنان. فعلى سبيل المثال، في السابق كانت الخدمات الصحية تقع على عاتق طبيب يعمل لستة أيام خدمة، ووصل الأمر إلى حصر العمل في يوم واحد فقط أسبوعياً، مع استمرار تقديم الأدوية المستعصية، وأدوية الأطفال"، مضيفاً "تخيل مصير 53 ألف طالب فلسطيني في لبنان، وألفي مريض تتم معاينتهم في عيادات الأونروا يومياً، وإحالة 300 مريض إلى المستشفيات المتعاقدة على مستوى لبنان، و13 ألف موظف في الوكالة، كل هؤلاء سيواجهون مصيراً مجهولاً في حال وقف تمويل الأونروا".

وتحدث عن "تقديم مساعدة اجتماعية بمعدل 50 دولاراً لكل فرد كمساعدة فصلية لكل 3 أشهر عوضاً عن التقديمات العينية، يستفيد منها 17 في المئة من مجتمع اللجوء، وهم يشكلون شريحة الأطفال والكبار في السن"، لافتاً إلى "خطر انفجار اجتماعي لا يمكن تحمله، فلبنان غير قادر على تأمين الخدمات للمواطنين، أو حتى تأمين 2 مليون دولار لدعم الأونروا، فكيف الحال لتأمين 120 مليون دولار أميركي لتشغيل المنظمة".

يشدد المعاري على أن "الأونروا راكمت الخبرة للتعامل مع اللاجئين خلال ثمانية عقود، وأصبحت لديها بنية، وأنظمة قوية، لا يمكن لجهة ناشئة الحلول مكانها"، معتبراً أن "هناك مخططاً لضرب القضية الفلسطينية، وشطب حق العودة خدمةً للاحتلال من خلال ضرب الأونروا، وتحويل الملف إلى الدول المضيفة، وتكريس نظام الاستغلال الاقتصادي بحق العاملين الفلسطينيين في ظل انتشار الاقتصاد غير الشرعي في لبنان".     

"حكم إعدام بحق شعب"

من جهتهم، يستهجن الفلسطينيون "تعليق التمويل بحجة ضلوع 12 فلسطينياً في عملية طوفان الأقصى، واستباق أي تحقيق، وتجاوز القواعد الحقوقية المنطلقة من قرينة البراءة". وأكد فرحان المعاري أن "مجرد التعبير عبر وسائل التواصل، ونشر انتهاكات الاحتلال، بات يشكل جريمة، ومبرراً لإصدار حكم إعدام بحق شعب بأكمله من دون التفات إلى جرائم الاحتلال من تدمير سيارات الإسعاف، ومهاجمة المستشفيات، والمدارس، واستهداف المدنيين". من جهته، يجزم شحادة الخطيب بأنه "لا يمكن أن توظف الأونروا أي عنصر له امتدادات عسكرية، لأنها تتبع سياسات شديدة في انتقاء موظفيها، وتدقق بهوياتهم".

المزيد من متابعات