ملخص
هواجس مغاربية من عبث التدفق العشوائي للمهاجرين بالتركيبة الديموغرافية
هرباً من الجفاف والفقر والإرهاب تتفاقم موجات الهجرة غير القانونية من سكان منطقة جنوب الصحراء الكبرى إلى الدول المغاربية، آخذة نسقاً مثيراً للهواجس، ففي كلتا الحالتين بسعيهم إلى العبور أو الاستقرار، تطرح مسألة اندماجهم في المجتمعات المحلية، وما قد يسببه تدفقهم "الفوضوي" من قلق في تغيير التركيبة الديموغرافية لسكان البلدات الصغيرة.
معاناة ثلاثية
وجعل وقوع الدول المغاربية من ليبيا إلى الجزائر وموريتانيا بمحاذاة الصحراء الكبرى هدفاً للمهاجرين الأفارقة الذي يتكبدون معاناة "ثلاثية" من الفقر وآثار التصحر والإجهاد المائي وغياب الاستقرار الأمني، مما دفعهم خلال محاولة معانقة الحلم الأوروبية لخوض مغامرات عدة محفوفة بالأخطار تنتهي أحياناً بالموت عطشاً في الصحارى، لذلك توقع تقرير أممي انتقال نحو 60 مليون شخص من أفريقيا جنوب الصحراء إلى دول شمال أفريقيا (مصر وليبيا وتونس والجزائر والمغرب) وأوروبا.
أما كثر من الناجين فيتسللون بتسهيل من مهربي البشر عبر طرق سرية عبر الحدود الشاسعة من النيجر ومالي وتشاد إلى الدول المجاورة، وهكذا تبدأ رحلة البحث عن الاندماج في المجتمعات المستضيفة، لكن الأمر يثير في الغالب قلقاً من أن يؤدي انتقال مهاجرين وقبائل من أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى إلى المساس بأمنها القومي عبر تغيير في التركيبة الديموغرافية، بخاصة في القرى والبلدات الصغيرة في الولايات الجنوبية ذات الكثافة السكانية الضئيلة.
إجراءات عاجلة
ومن بين من عبر عن الهاجس بصورة مباشرة الرئيس التونسي قيس سعيد، العام الماضي، في أعقاب مقتل مواطن على يد رعية أجنبي أفريقي، حين شدد على وجوب اتخاذ "إجراءات عاجلة" لوقف تدفق المهاجرين غير النظاميين من أفريقيا جنوب الصحراء إلى بلاده، وأكد أن "هذه الظاهرة تؤدي إلى عنف وجرائم"، ومندداً بـ"مشروع إجرامي لتغيير التركيبة السكانية في البلاد"، بحسب تعبيره.
أما جارته ليبيا، التي تعاني هشاشة أمنية منذ فبراير (شباط) 2011 وإسقاط نظام الرئيس الراحل معمر القذافي، فأخلت الهجرة غير النظامية بوضعها الداخلي، لا سيما في مناطق الجنوب جراء حوادث الاقتتال المتفجرة بين القبائل الليبية الأصلية وقبائل أفريقية مهاجرة، فيما كان أعداد الأفارقة في بعض القرى أكبر من عدد السكان الأصليين، وجد متمردون من تشاد والسودان بالجنوب مجالاً لامتهان الارتزاق من خلال الاصطفاف مع أحد أطراف الصراع.
ووفق ما هو متعامل به في الأعراف الدولية، فإنه يتعين توزيع المهاجرين على المدن والبلدات بحسب نسبة السكان، حتى لا تتعرض المجتمعات المحلية لاختلالات اقتصادية واجتماعية.
شبكات الهجرة
وارتفعت وتيرة تدفق قوافل المهاجرين من النيجر إلى ليبيا منذ نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، حين ألغى الجيش الذي يتولى السلطة قانون 2015، الذي يجرم تهريب البشر، وتم إطلاق سراح المتورطين في شبكات الهجرة من السجون.
في المقابل، بسبب الظروف الأمنية والاقتصادية الصعبة بدولة مالي ومنطقة الساحل الأفريقي عرفت الأشهر الأخيرة تدفق آلاف اللاجئين الماليين على موريتانيا، ووفق معطيات السلطات في نواكشوط، فقد وصل أكثر من 15 ألف لاجئ مالي إلى البلاد خلال أشهر ليرتفع عدد اللاجئين الماليين إلى نحو 120 ألف لاجئ يعيشون في مخيم "إمبره" بولاية الحوض الشرقي، شرق موريتانيا، غالبيتهم من النساء والأطفال.
ووجهت الحكومة الموريتانية نداءً إلى المجموعة الدولية من أجل "تدعيم التضامن والتعاون الدوليين، حتى يظل اللاجئون يتمتعون بالحماية، وحتى لا تكون الأعداد الجديدة الوافدة سبباً في تراجع المكاسب المحققة في مجال التنمية المستديمة واللحمة الاجتماعية"، ويرتقب تزايد تدفق أعداد اللاجئين الماليين إلى موريتانيا، مع بروز إشارات عودة الصراع المسلح بين الحكومة المالية المركزية في باماكو والحركات الأزوادية في الشمال.
خريطة تحرك
وقدم المتخصص الليبي في مجال الهجرة حسام الدين العبدلي خريطة تحرك المهاجرين والأسباب، موضحاً أن غالب القادمين من دول منها نيجيريا وسيراليون وغامبيا وبنين وغانا وأريتيريا يعتبرون ليبيا وتونس والجزائر بلد عبور، أما مهاجري النيجر وتشاد ينقسمون إلى نصفين بعضهم يعمل في ليبيا ليعود إلى وطنه والبعض الآخر للعبور إلى ما وراء البحر.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبحسب العبدلي، فإن "غالب المهاجرين يختارون مسارات ليبيا وتونس أو الجزائر، وهم مدفوعون بالفقر والعوز الذي تسببت فيهما دول مثل فرنسا وبعض الأوروبيين من سحب خيرات هذه البلدان وعدم إنشاء أي مشاريع تنمية في المنطقة"، مشيراً إلى منظمات أوروبية حاولت توطين المهاجرين في الجنوب الليبي، ومنها منظمة "أر باتشي" الإيطالية التي جرى توقيفها من جهاز الأمن الداخلي، حيث دخلت هذه المنظمة تحت ستار دعم المشاريع الزراعية، ولكن اتضح بعد ذلك أنها تحاول دمج المهاجرين غير الشرعيين مع المجتمعات المحلية لتوطينهم في ليبيا، وبذلك تكون أولى خطوات التغيير الديموغرافي .
توطين وعبور
وقال العبدلي إن "هذه المنظمات التي تسمى غير حكومية تخدم مصالح حكومات ودول بعينها، بخاصة إيطاليا، مما يعود لها بالفائدة في حال توطينهم في ليبيا وجعلها مكاناً لإعادتهم من البحر بعيداً من مراكز المهاجرين في لامبيدوزا وصقلية".
رئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني حاولت التقرب من حكومة الوحدة الوطنية في غرب ليبيا واستمالة السياسيين لتمرير مشروع التوطين، ولكن فشلت ولم تجد آذاناً صاغية، كما أن مجلس النواب الليبي عندما استشعر الخطر المحدق أقر قانون رقم (24) لسنة (2023) لمكافحة التوطين الذي ينص على معاقبة كل من يحاول التسهيل للتوطين أو محاولة إيواء أي أجنبي بطريقة غير قانونية ومن دون علم الدولة.
وأقر القانون الليبي أقصى العقوبات التي قد تطاول مسؤولين بالدولة ومواطنين أيضاً إذا حاولوا التساهل، وبذلك تم قطع الطريق أمام المنظمات وبعض الدول الأوروبية، وعلى رأسها إيطاليا.
وفي تونس سعى الإيطاليون بمعية رئيسة مفوضية الاتحاد الأوروبي أورسولا فون دير لاين إلى إقناع الرئيس قيس سعيد بتوقيع مذكرة تفاهم ووعدوه بتقديم دعم لمكافحة الهجرة بدفعة أولى تصل إلى 150 مليون يورو (162 مليون دولار) لتغطية كلف نقل المهاجرين من تونس لبلدهم الأصل، وتستمر هذه الدفعات حتى وصول المبلغ الكامل إلى مليار يورو (1.08 مليار دولار)، غير أن هذه الاجتماعات تعثرت، وأكدت تونس أن هناك محاولات لتوطين المهاجرين فيها وترفض إبرام اتفاقية مشابهة لعقد (توطين) المهاجرين الذي وقعته المملكة المتحدة مع رواندا.
وفي رأي العبدلي فإن كل الأدلة تبين أن الاتحاد الأوروبي، وعلى رأسه إيطاليا، يحاول توطين المهاجرين في تونس وليبيا بذرائع مختلفة ومن طريق أساليب غير مباشرة، لصنع أوطان جديدة للمهاجرين بعيداً من أوروبا.
التركيبة الديموغرافية
ووفق المتخصص الليبي فإن الأمر مختلف بالنسبة إلى الجزائر "فلا يمكن للاتحاد الأوروبي أو دول جنوب أوروبا تمرير أي اتفاقية أو محاولة توطين الهجرة فيها بسبب الاستقرار السياسي والاقتصادي بالجزائر، وأيضاً وجود سيادة الدولة على أراضيها بعكس الواقع الموجود في ليبيا التي تعاني انقساماً سياسياً يحاول استغلاله الغرب أو تونس التي تعاني وضعاً اقتصادياً هشاً يجعلها مستدينة لصندوق النقد الدولي".
وكانت الجزائر التي تحصي أكثر من 42 جنسية أفريقية مستقرة في ولايات البلاد قد أعلنت على لسان وزير الداخلية إبراهيم مراد أن "عديداً من الأفارقة الموجودين في الجزائر اندمجوا في المجتمع ويعيشون حياتهم بصورة طبيعية"، وذلك رداً على انتقادات منظمات غير حكومية بتنظيم رحلات إعادة قسرية إلى بلدانهم تقول الجزائر إنها تتم بتنسيق مع سفارات تلك الدول.
من جانبه، يعتقد المتخصص في شؤون الهجرة والممثل عن جهة إيطاليا في البرلمان التونسي السابق مجدي الكرباعي أن "المهاجرين الأفارقة المتدفقين إلى الجزائر وتونس وليبيا كدول عبور غايتهم ليس البقاء، بل عبور الحدود للقدوم إلى أوروبا".
ولا يشاطر الكرباعي التضخيم الجاري في شأن نوايا الدول الغربية في تغيير التركيبة الديموغرافية، واصفاً ذلك بـ"تخمينات اليمين المتطرف في الدول الأوروبية الذي يعادي المهاجرين من شمال أفريقيا"، واقترح ترك دول العبور هؤلاء المهاجرين مواصلة طريقهم إلى أوروبا، وأن لا يتم اعتراضهم.