أنهت أسعار النفط تعاملات الأسبوع مرتفعة بأكثر من ستة في المئة ومحققة مكاسب للأسبوع الثاني، مع زيادة المخاوف في شأن الإمدادات نتيجة استمرار الهجمات الحوثية على السفن والناقلات التي تستخدم ممر البحر الأحمر، وأيضاً مع البيانات الاقتصادية المشجعة التي تدفع لتوقع زيادة الطلب على النفط.
واستقر سعر "خام برنت" القياسي بنهاية تعاملات أول من أمس الجمعة فوق حاجز 80 دولاراً للبرميل، إذ وصل السعر إلى 83.55 دولار للبرميل، بينما حقق الخام الأميركي الخفيف (مزيج غرب تكساس) مكاسب بنهاية الأسبوع وصلت إلى مستويات لم يشهدها منذ نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، بعدما قفز سعره إلى 78.01 دولار للبرميل، مما أضاف إلى الضغط الصعودي على أسعار النفط في آخر أيام تعاملات الأسبوع أول من أمس الجمعة، أنباء قصف جماعة الحوثي المدعومة من إيران ناقلة تحمل مشتقات تكرير روسية واشتعال النيران فيها قبل أن يخمدها الطاقم بعد ساعات، وسبق ذلك إطلاق الحوثيين صاروخين آخرين تمكنت القوات البحرية الأميركية في المنطقة من اعتراضهما.
ومنذ بدأت القوات الأميركية والبريطانية قصف مواقع حوثية لمنع تهديدهم للملاحة التجارية في البحر الأحمر قبل أسبوعين، أخذت أسعار النفط في الارتفاع إلى مستويات لم تشهدها منذ أكثر من شهرين.
إلى ذلك يتوقع المحللون أن يستمر منحى الصعود وأن تحافظ أسعار "خام برنت" على مستواها فوق حاجز 80 دولاراً للبرميل.
تصعيد البحر الأحمر
ومع أنه من غير المتوقع أن يغير تحالف "أوبك+" سياسة الإنتاج خلال اجتماعه مطلع الشهر المقبل، إلا أن السوق ما زالت تعاني فائض معروض على رغم كل المخاوف في شأن الإمدادات نتيجة التصعيد في البحر الأحمر، لكن المؤشرات على توسع النشاط الاقتصادي جعلت السوق تسعر العقود الآجلة على ارتفاع تحسباً لزيادة الطلب التي يمكن أن تمتص فائض العرض.
وهناك عوامل عدة رفعت الأسعار خلال الأسبوعين الأخيرين، وربما تواصل مستواها الحالي في الأسبوع المقبل أيضاً، وفي مقدمها التصعيد في البحر الأحمر، فمن بين أكثر من 30 هجوماً شنه الحوثيون على السفن في البحر الأحمر وخليج عدن منذ بدأوا تهديد الملاحة في الممر الإستراتيجي خلال النصف الثاني من شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، فإن ذلك يعد أكبر هجوم على ناقلة نفط في المنطقة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وإذا كانت الإصابات السابقة طفيفة فإن الحريق على متن السفينة "مارلين لواندا" كان كبيراً وإن لم يؤد إلى خسائر مهمة.
والأهم أن السفينة التابعة لشركة تجارة السلع الكبرى "ترافيغورا" كانت تحمل براميل نفط مصدرها روسيا وعلى الأرجح متجهة إلى الهند، ومع أن متحدثاً باسم الحوثيين كرر التأكيد في تصريحات إلى صحيفة "إزفستيا" الروسية الأسبوع الماضي أن هجمات الجماعة اليمنية لا تستهدف السفن الروسية أو الصينية، إلا أن الهجوم الأخير كان الثالث على سفينة منطلقة من أو متجهة إلى مرفأ روسي، لذا اعتبرت الأسواق ذلك تصعيداً واضحاً من جانب الحوثيين، وفقاً لما أشار إليه تقرير لوكالة "بلومبيرغ".
وعلى رغم أن عدداً من شركات الشحن البحري علقت المرور من باب المندب عبر قناة السويس وحولت سفنها إلى طريق رأس الرجاء الصالح، إلا أن بعض السفن والناقلات ظلت تستخدم ممر البحر الأحمر، ولكن بعد هذا الهجوم الأخير قد تتراجع حركة الناقلات عبر هذا الممر الملاحي.
ومن العوامل الأخرى التي أسهمت في زيادة قلق الأسواق الهجوم الأوكراني بطائرة مسيرة على مصفاة نفط تعمل أساساً للتصدير في جنوب روسيا، مما أدى إلى اضطراب الإمدادات.
عوامل متباينة
وعلى صعيد جانب العرض أيضاً أدت العقوبات الأميركية على روسيا إلى تراكم نحو 10 ملايين برميل من النفط الروسي محمولة على 14 ناقلة قرب شواطئ كوريا الجنوبية، كما نقلت وكالة "رويترز" أول من أمس عن متعاملين في السوق وشركات بيانات الشحن. وتمثل تلك الشحنات غير المبيعة من خام "سوكول" إنتاج شهر ونصف الشهر من حقل "سخالين-1" الذي ينتج 220 ألف برميل يومياً.
وتقف ناقلات النفط منذ أسابيع غير قادرة على البيع والتفريغ بعدما فرضت الولايات المتحدة عقوبات على عدد من الناقلات والشركات التي تشحن خام "سوكول".
أما على صعيد جانب الطلب فإن أرقام الناتج المحلي الإجمالي لأكبر اقتصاد في العالم الأسبوع الماضي شجعت الأسواق على توقع زيادة الطلب الأميركي على الطاقة، وزاد التفاؤل بارتفاع الطلب العالمي على النفط أنباء عن خطط لتحفير الاقتصاد الصيني، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، مع عزم الحكومة الصينية ضخ مزيد من السيولة في السوق.
وكذلك أظهرت أرقام المخزونات الأميركية نهاية الأسبوع انخفاض مستوياتها بقدر كبير، مع توقع الأسواق زيادة السحب من المخزون خلال الأسابيع المقبلة.
ونقلت "رويترز" عن محلل أسواق النفط تيم إيفانز قوله إن "حزمة التحفيز الاقتصادي في الصين ونمو الناتج المحلي الإجمالي الأميركي خلال الربع الرابع من العام الماضي بأكبر من المتوقع، وتباطؤ معدلات التضخم في الولايات المتحدة وزيادة الأخطار الجيوسياسية وانخفاض المخزونات الأميركية أكثر من المتوقع بنحو 9.2 مليون برميل، كلها عوامل أسهمت مجتمعة في ارتفاع الأسعار".
وهناك عامل آخر يجعل أسواق الطاقة متفائلة بالتحسن، وهو توقع بدء البنوك المركزية في الاقتصادات الكبرى دورة التيسير النقدي (خفض أسعار الفائدة)، مما سيشجع على توسع الاقتصاد وزيادة الطلب على الطاقة.