Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حياة الفلسطينيين البدائية أيضا "على أجندة الضم"

مستوطنون يستولون على كهوف شرق بيت لحم بعد طرد أصحابها ويحولونها إلى مزارات سياحية

صحراء بيت لحم، البادية الشرقية للضفة الغربية (اندبندنت عربية)

ملخص

وزارة السياحة الإسرائيلية تخصص 5 مليارات دولار لمجمع سياحي ضخم لا يبعد عن قطاع غزة سوى 14 كيلومتراً

لم تعد مأساة سكان الكهوف من الفلسطينيين عند السفوح الشرقية النائية لصحراء بيت لحم جنوب الضفة الغربية مقتصرة على ظروف حياتهم القاسية التي تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة الكريمة مثل الماء والكهرباء، فنار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، التي انطلقت شرارتها منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أشعلت شهية المستوطنين من جديد لملاحقتهم وطردهم من الكهوف الصخرية التي كانت ملاذهم الأخير ومتنفسهم الوحيد لسنوات طويلة بعد الفرار من قراهم سنة النكبة (1948)، وتحويلها إلى مزارات سياحية استيطانية فريدة من نوعها، كيف لا وعشرات الكهوف المنحوتة في الصخر ويسكنها مئات العائلات الفلسطينية تكشف عن سحر الصحراء وجاذبيتها وتطل على البحر الميت، الذي يعد أعجوبة طبيعية وأخفض بقعة يابسة في العالم.

استعمار الجيولوجيا

وعلى رغم أن المستوطنات الإسرائيلية المحيطة بالبادية الشرقية تعج بمساكن حديثة ومرافق ترفيهية تحيطها مزارع وأشجار وحدائق وشوارع، فإن عين المستوطنين ضاقت على الكهوف الواقعة في صحراء بيت لحم التي تضم بريات تقوع والرشايدة وكيسان وزعترة وبيت تعمر. وبعد رشق سكانها بالحجارة وتهديدهم بالحرق والقتل وخطف أطفالهم أجبر كل سكان الكهوف على الرحيل، ليسارع المستوطنون منذ تلك اللحظة لوضع العلم الإسرائيلي عليها وترميمها وتأثيثها بكل مستلزمات الحياة اليومية لتصبح أماكن للمبيت يروج لها عبر مواقع التواصل الاجتماعي باعتبارها مواقع إسرائيلية ذات نمط سياحي فريد.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ووفقاً لصحيفة "جيروساليم بوست" الإسرائيلية، فإن قطاع السياحة الإسرائيلي يواصل انتكاسته في العام الحالي، بعد أن شهد نمواً وأداءً استثنائيين طوال العام الماضي، حيث استقبلت تل أبيب ما يقارب 3.01 مليون سائح، مما أدى إلى ضخ 4.85 مليار دولار في الاقتصاد الإسرائيلي.

وأفادت بيانات رسمية من وزارة السياحة الإسرائيلية بأن السياحة الإسرائيلية تراجعت بصورة ملحوظة في الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام الماضي، حيث سجل ديسمبر (كانون الأول) الماضي أسوأ أداء للقطاع، وبلغ عدد السياح 52 ألفاً و800 فقط، فيما كانت إسرائيل تستقبل طوال أشهر عدة في وقت سابق من العام، ما يزيد على 300 ألف سائح شهرياً.

وبحسب بيانات مكتب الإحصاء الإسرائيلي فإن حركة السياحة في إسرائيل تراجعت بنسبة 76 في المئة منذ اندلاع الحرب على قطاع غزة وإلغاء غالبية رحلات الطيران من وإلى تل أبيب.

استيطان سياحي

السيطرة على كهوف البادية الشرقية للضفة الغربية وأخرى عند سفوح أقصى جبال الخليل جنوباً، والتي تطل على صحراء النقب لأغراض سياحية استيطانية، جاءت تحت مسمى مخطط "التخييم الصحراوي بإسرائيل"، واعتبرها محللون كثر امتداداً لمشاريع البؤرة الاستيطانية في المناطق الصحراوية، وتمكنت مستوطنة "غفعات كرينت" التي أقيمت عام 2002 من السيطرة على مساحة 70 ألف متر مربع وضم أكثر من 30 مبنى متنقلاً و5 مبانٍ ثابتة ومبنى للتثقيف الاستيطاني، كما سيطرت بؤرة "الراعي العبري" على مساحة 20 ألف متر مربع عام 2015 لتضم 6 مبانٍ ثابتة وأكاديمية تخدم تعليم الزراعة الاستيطانية، وتحصل على موازنات من وزارة التعليم، فيما سيطرت البؤرة الاستيطانية السياحية "خان أرض المطاردين" عام 2012 على مساحة 15 ألف متر مربع قرب تجمع الخان الأحمر جنوب شرقي القدس للتخييم والمبيت الصحراوي، وسبق ذلك أن سيطرت بؤرة "معاليه حاجيت" في نهاية التسعينيات على 70 ألف متر مربع وضمت إلى جانب عشرات العائلات من المستوطنين أنشطة زراعية وسياحية.

مدير مكتب هيئة مقاومة الجدار والاستيطان في بيت لحم حسن بريجيه، يرى أن سيطرة المستوطنين على الكهوف في بادية بيت لحم تمهد للسيطرة على مساحات شاسعة من الصحراء وحرمان الفلسطينيين من أي تمدد عمراني، مضيفاً، "تهديد تجمعات فلسطينية ضعيفة وترحيلهم قسرياً واستبدال مستوطنين بهم يتماشى مع جريمة حرب". وأكد أن غالب مشاريع الاستيطان السياحي تتحول تدريجاً إلى بؤر ومستوطنات تضمن مئات، وربما آلاف المستوطنين.

من جهتها اعتبرت وزارة الخارجية والمغتربين الفلسطينية أن الحكومة الإسرائيلية التي تشرع استباحة المستوطنين للبادية الفلسطينية والتجمعات البدوية ومنازلها وكهوفها في عموم الضفة الغربية تعيد تطبيق الدمار والتهجير والتصعيد الحاصل في قطاع غزة على الضفة الغربية". وأضافت في بيان رسمي، "غلاة المستعمرين المسلحين وبحماية من الجيش يواصلون جرائم تهجير تلك التجمعات والتنكيل بهم وفرض النزوح القسري عليهم لإخلاء الأراضي التي يسكنون فيها من أجل تخصيصها للاستيطان".

واعتبرت الجمعية الفلكية الفلسطينية، التي تهتم بنشر علم الفلك والثقافة الفلكية بين الفلسطينيين، وتتخذ من صحراء بيت لحم شرق الضفة الغربية منفذاً مهماً لمختلف مشاريعها ومخيماتها وأمسياتها الفلكية، أن السيطرة الاستيطانية على مناطق واسعة من البادية الشرقية تضرب في مقتل كل أنشطة الجمعية وتحطم أحلام هواة الأحداث الفلكية وتحد من تطوير موهبتهم وتعرض المشاركين في الجولات والمسارات لخطر هجمات محتملة من المستوطنين.

وأكد رئيس الجمعية داوود الطروة أن "سيطرة المستوطنين على الكهوف وتمددهم بمناطق أوسع في الصحراء يعنيان نهاية أنشطة الجمعية كلياً والقضاء على حلم أكثر من 5 آلاف فلسطيني يشاركون سنوياً في المخيمات الفلكية بهدف تطوير شغفهم بعلم الفلك"، مضيفاً "صحراء بيت لحم هي المكان الوحيد لهواة التصوير والتخييم الفلكي في فلسطين".

مغريات وحوافز

تخوفات الفلسطينيين من خسارة البادية الشرقية للضفة الغربية جراء السيطرة على الكهوف المنتشرة فيها وطرد كل فلسطيني منها تحت تهديد السلاح، تزامنت مع خطوات غير مسبوقة اتخذتها وزارة السياحة الإسرائيلية للترويج لمشروع مجمع سياحي ضخم بمنطقة لا تبعد سوى 14 كيلومترا عن قطاع غزة.

ووفقاً لموقع "واينت" الإسرائيلي التابع لصحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، فإن المشروع الذي خصص له 18 مليار شيكل (5 مليارات دولار) لمدة 5 سنوات، سيضم أماكن للتخييم ومدينة ملاهٍ تحوي أكبر  Ferris Wheelأو "دولاب دوار" هوائي في الشرق الأوسط إلى جانب أماكن مخصصة لحفلات موسيقية واحتفالات كالذي أقيم فيه مهرجان "نوفا" الموسيقي قرب مستوطنة "رعيم" في غلاف غزة وهاجمه مقاتلو "حماس" في السابع من أكتوبر الماضي.

وبحسب ما هو معلن، سيخصص المشروع مساحات واسعة لبناء فنادق ومتحف تذكاري للقتلى الإسرائيليين الذين قضوا في الحرب التي لا تزال مستمرة، يشبه مركزYad Vashem  الذي بنته الحكومة الإسرائيلية في مدينة القدس عام 1953 لتخليد ذكرى قتلى "المحرقة" من اليهود في الحرب العالمية الثانية. كما يهدف المشروع إلى إعادة الوضع والمناطق الطبيعية المفتوحة، ومعها المعالم السياحية كما كانت قبل السابع من أكتوبر، ولكن ببنية تحتية جديدة وإضافات محسنة.

ويرى خبراء إسرائيليون أن المنطقة القريبة من قطاع غزة قد تصبح واحدة من أفضل 3 وجهات سياحية لإسرائيل بعد تل أبيب والقدس، فهي بعيدة نصف ساعة فقط عن تل أبيب، ويمكن الوصول إليها بالسيارة أو القطار.

ويقول ممثل شركة السياحة الحكومية الإسرائيلية التي تعد الذراع التنفيذية لمشاريع وزارة السياحة إلعاد أرنفيلد، "نخطط لبناء موقع سياحي فيه نادٍ للحفلات الأكثر جنوناً بالعالم، وتحويل مكان الكارثة إلى منطقة للعروض". وأضاف "الموافقة على المال المطلوب تمت بالفعل في موازنة لجنة إحياء المنطقة".

تحديات وشكوك

وزير السياحة الإسرائيلية حاييم كاتس الذي يروج للمشروع الجديد، أعرب عن ثقته في مستقبل القطاع السياحي في إسرائيل، مشيراً إلى أن الجهود المستمرة لتعزيز البنية التحتية اللازمة لضمان استجابة سريعة وفعالة للسياحة في مرحلة ما بعد الحرب ترتكز على إعادة تنشيط الاقتصاد والمساهمة في تعافيه ونموه.

على النقيض من ذلك، حذر الرئيس التنفيذي لكبرى شركات السياحة الإسرائيلية في القدس مارك فيلدمان في مقابلة مع صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية، من التفاؤل المفرط بانتهاء الحرب واستئناف شركات الطيران الأجنبية رحلاتها إلى إسرائيل، موضحاً "الواقع يظل قاسياً حتى تستأنف شركات الطيران الأجنبية عملياتها مع إسرائيل بعد الحرب". وشدد على عدم وجود اهتمام من مجموعات أو أفراد بزيارة إسرائيل، فضلاً عن قلة النشاط في مطار بن غوريون وتفاقم الوضع بغياب خطوط الرحلات البحرية. ورجح فيلدمان أن بلاده ستشهد بعد الحرب زيادة تدريجية في عدد السياح، لكن الانتعاش سيكون بطيئاً"، محذراً من الحاجة إلى عملية استعادة وإعادة ضبط تدريجية لبنية السياحة.

المزيد من تقارير