Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

غزة تدرأ المجاعة بـ"علف الحيوانات" والحشائش

مع عدم توافر الطعام والخضراوات والمعلبات واللحوم أصبح الأهالي يأكلون أي شيء ينبت في الأرض

عند السادسة صباحاً وقبل شروق الشمس، وقف العم عمران أمام بيته، فرك يديه ورفعهما نحو السماء وقال، "لأجل الأطفال أرزقني يا رب بأي طعام"، واتجه نحو قطعة أرض نبتت فيها بعض الحشائش الخضراء بعدما هطل المطر بغزارة خلال الأسابيع الماضية على قطاع غزة.

انحنى العم عمران نحو الأرض وأخذ ينقب بين الحشائش والأعشاب عن نبات "الخبيزة"، يلقط بيده أوراقه إذا وجدها، ويوضح أنه "في ظل عدم توافر الطعام والخضراوات والمعلبات واللحوم أصبحنا نأكل أي شيء ينبت في الأرض".

يبحث عن حشائش

يعيش العم عمران في الجزء الشمالي من قطاع غزة، وهي المنطقة التي تعاني حصاراً مطبقاً منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) العام الماضي، إذ ترفض إسرائيل إمدادها بالأغذية والمساعدات التي تنقذ الحياة، وبسبب ذلك يعيش سكانها الذين رفضوا الانصياع لأوامر الجيش الإسرائيلي بالنزوح القسري نحو الجنوب مجاعة حقيقية.

وبينما هو في وضعية الانحناء يسير العم عمران مفتشاً عن ورق النبتة البرية ذات اللون الأخضر الداكن التي تنمو في الأرض من تلقاء نفسها، وبصعوبة يجد حشائش الخبيزة التي ينوي طهيها لأطفاله.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

بعد ساعتين جمع عمران نحو كيلوغرام واحد من الخبيزة، تفاءل ضحاكاً، "رزقنا بطعام اليوم بعدما كنا جائعين لنحو ثلاثة أيام، لكن الأمر لم ينتهِ، سنبحث عن دقيق لإعداد الخبز"، وما إن ذكر كلمة دقيق، حتى عبس العم وتأفف.

ثم عاد لبيته، وهناك كان أطفاله في الانتظار، ولما شاهدوه من بعيد يحمل في يديه أوراق الحشائش، فرحوا وهللوا لأنهم سيأكلون شيئاً اليوم، لكن الأب اغرورقت عيناه بالدموع التي مسحها على الفور بظهر يديه.

سلم الأب الخبيزة لأطفاله، وتسلم من ابنه 20 دولاراً، وانطلق في رحلة البحث عن دقيق ليصنع منه خبزاً لأطفاله يغمسون فيه الحشائش المطبوخة، واتجه إلى بقايا سوق جباليا الشعبي في شمال غزة.

في السوق كان آلاف الرجال والنساء حول بعض الباعة، يشاهدون ما هو معروض للبيع، سكاكر الأطفال وعلب صلصة الطماطم والسمنة وكميات وفيرة من المكسرات باهظة الثمن فقط، فيما لا يوجد الرز والطحين ولا أي نوع من المعلبات.

 

 

طاف العم عمران بقايا سوق جباليا ثلاث مرات، ولم يشترِ أي شيء من المعروض، "في جيبي 20 دولاراً فقط، من المفروض أن أعود للعائلة وفي يدي دقيق يمكن أن يأكلوه كوجبة وحيدة طوال اليوم".

المبلغ الذي يملكه لا يكفي لشراء طعام لشخص واحد، ويدرك العم ذلك لكنه يسعى باجتهاد ويحاول، قائلاً "أنا أبحث عن دقيق، عن أي نوع من الطحين حتى لو كان أكثر الأنواع رداءة، ليس لحماً لا سمح الله".

من علف الحيوانات

وقف العم عمران إلى جوار بائع هامساً في أذنه، "كيف لي أن أجد طحيناً"، ضحك البائع بصوت عالٍ وردّ "اليوم وصلنا تعميم من الشرطة أن نبيع كيلو الرز بثلاث دولارات وكيلو دقيق القمح بخمسة، هذا جهد ممتاز فعلاً، لكن منذ الصباح وأنا أبحث عن الصنفين ولا أجدهما".

وقبل أن يغادر عمران خاطبه البائع، "يا صاحبي إفعل كما الناس، اشترِ طعام الحيوانات وافرز العلف عن الشعير والذرة، واطحنهما ثم اصنع عجيناً وخبزاً، ومن دون ذلك لو بحثت طوال اليوم فلن تجد دقيقاً".

 

 

تغيرت ملامح العم عمران بطريقة لا يفهم معها ما إذا كانت الفكرة أعجبته أو أنه يتحسر على الحال التي وصل سكان شمال غزة إليها، لكنه فعلاً اشترى رطلاً (ثلاثة كيلوغرامات) من طعام الحيوانات وجلس مع أطفاله يفرزون العلف عن الشعير والذرة.

يقول إنه فعل ذلك لأنه يخشى على عائلته من الموت جوعاً، خصوصاً أنهم منذ ثلاثة أيام لم يأكلوا شيئاً، وقبل ذلك كانت العائلة مضطرة إلى تناول أطعمة غير صحية تماماً لمواجهة أزمة الجوع.

عندما انسحب الجيش الإسرائيلي من شمال غزة أسهم ذلك في تحقيق انفراجة، فوصلت أيادي المواطنين إلى مستودعات طعام الحيوانات، وتمكنت من حلحلة أزمة الجوع لبضعة أيام، إذ عملوا على طحن القمح الرديء والشعير والذرة وحبوب العدس، وحتى طعام العصافير والقطط للحصول على ما يشبه الدقيق، لكن هذه الانفراجة سرعان ما تبددت بسبب الجوع الذي يضرب في قطاع غزة.

سقطت دموع العم عمران فوق علف الحيوانات، وقام لإحضار حجر الصوان ليطحن الشعير والذرة، فيما أخذ أطفاله يواصلون الفرز وكانت علامات التعب والإرهاق بادية عليهم.

أخذ العم يضرب الذرة والشعير بالحجارة وبعد جهد طويل صنع مسحوقاً يشبه الدقيق، وأسرع لكي يحوله إلى خبز، في حين طلب من صغاره جلب الحطب والأخشاب من الشوارع ليشعل بها ناراً.

خبز سيئ الطعم

نجح العم عمران في طهي الخبيزة وصنع أرغفة من الشعير والذرة التي كانت مخلوطة بعلف الحيوانات، وعندما وضع الطعام، قسمه بالتساوي بين أطفاله، ويقول "لا يمكن أن يتناول أحد أكثر من الآخر، بغض النظر عما إذا كانت الكمية مشبعة أو لا، هذا ما هو متاح".

يوضح الرجل أن الخبز الذي صنعه من هذا الدقيق طعمه سيئ للغاية ولا يتقبله الأطفال بأي طريقة، لكنه لم يجد غيره. ويضيف أنه "لم أعُد أفهم ما يحدث لنا، لا نعرف ماذا نأكل؟". خرجت تلك الكلمات منه مثل صراخ مكتوم.

 

 

بحسب المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان فإن 98 في المئة من سكان قطاع غزة يعانون المجاعة، ونحو 64 في المئة منهم يضطرون إلى تناول حشائش وطعام غير ناضج لتلبية حاجاتهم.

وتقول المديرة التنفيذية لبرنامج الأغذية العالمي سيندي ماكين، "يواجه سكان غزة خطر الموت جوعاً وهم على بعد أميال قليلة من شاحنات مليئة بالأغذية، كل ساعة تعرض أرواحاً لا حصر لها للخطر، فجميع الفلسطينيين في غزة لا يحصلون على وجبات كافية في اليوم، بينما يلجأ عدد من الراشدين إلى حرمان أنفسهم من الغذاء لتقديمه إلى أطفالهم".

ومن حركة "حماس" يوضح أسامة حمدان أنه "لا يزال يعيش في شمال غزة 600 ألف فرد يواجهون خطر الموت جوعاً، وتمر عليهم أيام من دون أن يدخل جوف أحدهم أي طعام، على العالم التحرك لوقف هذه المهزلة".

لكن إسرائيل ترى أنها تسمح بإمداد المدنيين بالطعام، ويقول المتحدث باسم الجيش دانيال هاغاري، "يعمل معبر رفح وكرم أبو سالم يومياً وتتدفق المساعدات الإنسانية بصورة سلسة، ونسمح بدخول جزء منها إلى شمال غزة".

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات