Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"الدولة اليهودية"... هوية "مصطنعة" تطاردها أحلام العودة (3 - 3)

تل أبيب أصرت على رفض حل القضية وبريطانيا تعاطفت من دون حل مع الفلسطينيين المرحلين واعتبرت السياسة الإسرائيلية "عملاً غير قانوني وغير إنساني" 

ظلت قضية المهجرين الفلسطينيين عصية على أي حل وزادت تعقيداتها مع مرور السنين (أ ف ب)

ملخص

رغم أن مطلب حل قضية المهجرين الفلسطينيين كان من أهم محاور عملية السلام في مؤتمر مدريد 1991، إلا أن هذه القضية ظلت عصية ولم يتم حلها، وزادت تعقيداتها مع مرور السنين.

في الحلقة السابقة، اكتشفنا من خلال قراءة الوثائق البريطانية قصة الذهب الفلسطيني الذي طلب رئيس السلطة الوطنية السابق ياسر عرفات استرداده من بريطانيا؟، وكيف كانت "منظمة التحرير" تنوي ملاحقة الحكومة البريطانية بسبب أصول مالية معينة يُزعم أنها مملوكة لحكومة الانتداب البريطاني فيما تنفي لندن وجودها.

في هذا الجزء من الوثائق البريطانية، وهو الجزء الثالث والأخير، نناقش المخاوف الإسرائيلية المستمرة من عودة اللاجئين الفلسطينيين وتغيير ما يرون فيه المرتكز الأساسي لإسرائيل وهو مفهوم "الدولة اليهودية"، إذ إنه وعلى رغم أن مطلب حل قضية المهجرين الفلسطينيين كان من أهم محاور عملية السلام في الشرق الأوسط التي تم إطلاقها في مؤتمر مدريد نهاية أكتوبر (تشرين الأول) 1991، إلا أن هذه القضية ظلت عصية ولم يتم حلها بالصورة المطلوبة وتسببت العمليات العسكرية التي شنتها إسرائيل طوال العقود الماضية في هروب موجات جديدة من الفلسطينيين ومغادرة أراضيهم.

وبدأت عملية السلام عام 1991 بعد أشهر من الجهود التي بذلها وزير الخارجية الأميركي جيمس بيكر في إقناع رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، إسحاق شامير الذي كان متردداً في الدخول في عملية السلام خوفاً من اليمين المتطرف في حزب الليكود.

 


وفي ما يتعلق بعمليات التهجير المتكررة للفلسطينيين والمصير المجهول للمبعدين من أوطانهم جاء في كلمة عضو البرلمان وزير الدولة للشؤون الخارجية وشؤون الكومنولث في بريطانيا دوغلاس هوغ خلال الدورة الـ49 للجنة حقوق الإنسان المنعقدة في التاسع من فبراير (شباط) 1993 في قصر الأمم المتحدة بجنيف، ما نصه:

"أود أولاً أن أقول بضع كلمات عن الوضع في الأراضي (الفلسطينية) المحتلة. لا نزال نشعر بالقلق إزاء محنة المبعدين. نحن ندين الترحيل باعتباره غير قانوني وغير إنساني. إننا نحث إسرائيل على الامتثال الكامل لقرار مجلس الأمن رقم 799. لقد خطت خطوة كبيرة في الاتجاه الصحيح. ونأمل في أن يبنوا على هذا. ولكن أعتقد بأن عمليات الترحيل هي علامة على إخفاق إسرائيل العام في احترام حقوق الإنسان في الأراضي المحتلة. لقد شهدت الأسابيع الأخيرة زيادة مثيرة للقلق في أعمال العنف في جميع أنحاء الأراضي المحتلة. ونحن ندين الهجمات القاتلة على الجنود الإسرائيليين. نحن جميعاً نشعر بالقلق إزاء تزايد سفك الدماء بين الفلسطينيين. لقد كانت أمام السلطات الإسرائيلية خمس سنوات لتتعلم كيفية التعامل مع استفزازات ’الانتفاضة‘. ومع ذلك، يظل سجل النازحين داخلياً سيئاً إلى حد ما، إن لم يكن أسوأ من ذي قبل. إذا كانت الحكومة الإسرائيلية ترغب في تجنب اللوم من المجتمع الدولي، فيجب عليها مراجعة ممارساتها الإدارية والعسكرية في الأراضي المحتلة، ويجب عليها تغييرها. ويجب أن تمتثل لالتزاماتها بموجب اتفاقية جنيف الرابعة. وهناك تقارير كثيرة جداً عن القصف الذي قام به جيش الدفاع الإسرائيلي والتدمير الوحشي للممتلكات. كما أن قتل الأطفال أمر مروع بكل بساطة".

 

 

الحكومة البريطانية تستقبل الرئيس ياسر عرفات

تشير إحدى الوثائق البريطانية التي تحمل تاريخ الـ10 من ديسمبر (كانون الأول) 1993 والتي نشرت ضمن وثائق وزارة الخارجية وشؤون الكومنولث في الأرشيف الوطني البريطاني إلى زيارة كانت مرتقبة في لندن لرئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات، إذ كان من المقرر أن يحل عرفات وللمرة الأولى ضيفاً على رئيس الحكومة البريطانية جون ميجور في الـ14 والـ15 من الشهر ذاته. وجاء في الوثيقة البريطانية ما نصه:

"يجري عرفات محادثات مع وزير الخارجية في الـ14 من ديسمبر. ويتناول الغداء معه. وسيلتقي رئيس الوزراء عند الساعة 11.30 صباحاً في الـ15 من ديسمبر. من المحتمل أن يتحدث عرفات باللغة الإنجليزية ولكن السيدة هيلدا برينسدي ستكون حاضرة للترجمة إذا لزم الأمر. هذه هي الزيارة الأولى التي يقوم بها عرفات إلى المملكة المتحدة. وقد زار بالفعل العواصم الأوروبية الرئيسة الأخرى. وسيكون اجتماعه مع رئيس الوزراء بمثابة لحظة رمزية كبرى بالنسبة إلى منظمة التحرير الفلسطينية. قد يطلق عرفات على نفسه لقب "رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية". ولم تتم دعوته إلى المملكة المتحدة بهذه الصفة ولكن وجهت إليه الدعوة كرئيس لمنظمة التحرير الفلسطينية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولا شك في أن عرفات سيطلع رئيس الوزراء على آخر تطورات المفاوضات مع الإسرائيليين. لقد كتبت إليكم بصورة منفصلة عن الوضع الراهن في عملية السلام في الشرق الأوسط. وسوف يبحث عن الدعم البريطاني، السياسي والاقتصادي، للإدارة الفلسطينية الجديدة في غزة/ أريحا... ولا شك في أن رئيس الوزراء يرغب في إعادة تأكيد الدعم البريطاني لاتفاق منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل. ولا يعتقد وزير الخارجية بأنه ينبغي علينا الإعلان عن حزمة مساعدات كبيرة جديدة للفلسطينيين خلال زيارة عرفات... ولكن قد يرغب رئيس الوزراء في ذكر بعض الأمثلة المحددة للمساعدة التي نقدمها.  وقد يرغب أيضاً في الإشارة إلى أهمية وجود منظمة فلسطينية فاعلة وشفافة لتلقّي المساعدات الدولية. لقد تم إنشاء المجلس الاقتصادي الفلسطيني للتنمية والإعمار، لكن عمله ما زال متعثراً بسبب إحجام عرفات عن السماح له بإدارة الأعمال اليومية. وأخيراً، يود رئيس الوزراء التأكيد على الأهمية التي نوليها لسيطرة الإسرائيليين ومنظمة التحرير الفلسطينية على العنف وإدانته كلما حدث. وعلى رغم أن عرفات تعهد بالقيام بذلك قبل التوقيع على الاتفاق بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، إلا أنه كان في ما بعد متردداً في تنفيذ هذا الالتزام".

 

 

قضية اللاجئين حكاية عقود من التشرد والحرمان

منذ قيام دولة إسرائيل على أساس طائفي، أثيرت مسألة عودة اللاجئين الفلسطينيين كقضية أمنية لـ"الدولة اليهودية". يعود تاريخ هذا البيان الصحافي إلى الأول من سبتمبر (أیلول) 1967، وقد أصدرته السفارة البريطانية في الرباط بالمغرب والذي تعرب فيه الحكومة البريطانية عن قلقها إزاء مأساة اللاجئين الفلسطينيين الذين منعهم الإسرائيليون قبل خمسة عقود من العودة. وكانت الحكومة البريطانية تشعر بالقلق من أن اللاجئين الفلسطينيين عام 1967 لن يتمكنوا من العودة لبلادهم. وجاء في الوثيقة:

"عودة اللاجئين العرب للضفة الغربية، في ما يلي نص بيان أصدرته وزارة الخارجية البريطانية مساء البارحة، الخميس في الـ31 من أغسطس (آب)، لقد قلقت الحكومة البريطانية قلقاً كبيراً لبيانات الصليب الأحمر الدولي بأن عدداً كبيراً من اللاجئين الذين قدموا طلبات للعودة الى الضفة الغربية لن يستطيعوا القيام بذلك قبل تاريخ الـ31 من أغسطس. لذا، فإنها في مناسبات عدة تقدمت بطلبات مستعجلة لدى الحكومة الإسرائيلية لكي تمدد ذلك الأجل. وسيكون من المحزن، بسبب عدم توافر فترة قصيرة إضافية من الوقت، أن يضاف هذا العنصر الجديد من سكان الضفة الغربية الذين فرّوا عبر الأردن كنتيجة للحرب العربية - الإسرائيلية الأخيرة، بصورة دائمة إلى مشكلة اللاجئين السابقة الوجود والشديدة المراس".

 

 

العملية الانتقالية وطبيعة السلطة الفلسطينية

يؤكد لنا تقرير السفارة البريطانية في تونس والمرسل إلى وزارة الخارجية وشؤون الكومنولث في لندن في الـ13 من أغسطس 1993 أن الاتفاق المبرم في مدريد هو اتفاق دائم وسينفذ قراري مجلس الأمن 242 و 338 بجميع جوانبهما:

"يتفق الجانبان على أن عملية التفاوض واحدة وأن مراحلها متداخلة. ويتفقان كذلك على أنه لا المفاوضات ولا الاتفاقات التي تم التوصل إليها للفترة الانتقالية ولا أي شيء يتم القيام به في الفترة الانتقالية سوف يستبق أو يحكم مسبقاً على نتيجة مفاوضات الوضع الدائم. علاوة على ذلك، سيبذل الجانبان قصارى جهدهما لتجنب التصرفات قبل وأثناء الفترة الانتقالية التي من شأنها تقويض بيئة المفاوضات. ويتفق الجانبان على أن جميع خيارات الوضع الدائم المبنية على أحكام ومبادئ الأساس المتفق عليه للمفاوضات، أي قراري مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 242 و338، ستظل قائمة. يفتح. المفاوضات في شأن الاستقرار الدائم، يمكن لكل جانب أن يثير أي قضية يريدها. وينبغي أن يتضمن جدول أعمال مفاوضات الوضع الدائم الوضع النهائي للقدس. وسيتم إنشاء سلطة حكم ذاتي فلسطينية موقتة منتخبة من خلال انتخابات نزيهة وحرة وعامة ومباشرة. وستجرى هذه الانتخابات تحت إشراف دولي متفق عليه وبحضور مراقبين دوليين. وستجرى المفاوضات في شأن طرائق الانتخابات والجدول الزمني لها. وبمجرد الاتفاق على طرائق الانتخابات بين الجانبين، سيشارك فلسطينيو القدس الشرقية في الانتخابات. يحق لفلسطينيي الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية وقطاع غزة في الرابع من يونيو (حزيران) 1967 وأحفادهم المشاركة في الانتخابات. وستكون للسلطة الفلسطينية المنتخبة الصلاحيات والمسؤوليات اللازمة لتنفيذ الصلاحيات المنقولة إليها بموجب الاتفاق. وسوف تتولى السلطة التنفيذية. كما ستتولى السلطة التشريعية في مجالات المسؤولية المنقولة إليها، رهناً بالاتفاق الذي سيتم التفاوض في شأنه. ستكون هناك أجهزة قضائية مستقلة... ويتفق الجانبان على أن أحد الأهداف الرئيسة للفترة الانتقالية هو نقل السلطة إلى الفلسطينيين. وسيتم نقل صلاحيات ومسؤوليات الإدارة المدنية الإسرائيلية وغيرها من الأجهزة الإسرائيلية ذات الصلة على النحو المتفق عليه. ستؤدي هذه العملية إلى إحداث تغيير جوهري في الوضع القائم على الأرض وفي العلاقة بين الإسرائيليين والفلسطينيين. ستكون إحدى النتائج المهمة لهذه المرحلة هي تمكين الشعب الفلسطيني من خلال إنشاء سلطة حكم ذاتي موقتة تمنح الفلسطينيين سيطرة حقيقية على القرارات التي تؤثر في حياتهم ومصيرهم. وينبغي أيضاً أن تضع حداً للمواجهة بين الإسرائيليين والفلسطينيين وخلق علاقة جديدة بينهم قوامها الاحترام المتبادل والتسامح والسلام والمصالحة، يتجنب فيها الجانبان العنف".

 

 

هوغ: الشرق الأوسط منطقة "الأخبار السيئة"

وتبين لنا وثيقة بريطانية أخرى تصريحات السيد دوغلاس هوغ الإثنين الموافق في الـ13 من ديسمبر 1993 في نادي الروتاري الدولي. الروتاري الدولي هو منظمة مجتمع مدني تطوعية تأسست للخدمة العامة عام 1905، تدعو إلى السلام الدولي ونشر القيم والأخلاق الحميدة لخدمة المجتمع الإنساني. كان المتحدث متفائلاً بحذر بخصوص عملية السلام في الشرق الأوسط. وأبرز النقاط التي وردت في كلمة السيد دوغلاس هوغ هي:

"يجب أن نبقى متفائلين بحذر. لقد اعتدنا على النظر إلى الشرق الأدنى باعتباره منطقة للأخبار السيئة على وجه الحصر. ولكن الآن لديها احتمال لمستقبل أكثر إشراقاً. لقد كانت المنطقة مرجلاً للثقافات والأديان. المسلمون والمسيحيون والدروز يقاتلون بعضهم بعضاً في سوريا ولبنان، ويتقاتلون داخل طوائف مختلفة من الدين نفسه. أدى ذلك إلى خلق منطقة محتقنة، حيث يتطاير الشرر بسرعة. وهناك تاريخ من التدخل الخارجي كما تركت نهاية الحرب الباردة تأثيرها في الشرق الأوسط. ولكن أيضاً، بسبب الاختلاط والاحتكاك، منطقة مأهولة بالسكان الذين لديهم امتدادات خارج الحدود المحلية وتاريخ واسع من الهجرات. الفتوحات الإسلامية في القرن السابع. النفوذ الفارسي. السيطرة المغولية بعد نهب بغداد عام 1258. الإمبراطورية العثمانية. إمبراطوريات أوروبا الغربية. لذا فإن منطقة (الشرق الأدنى) مفترق طرق مضطرب... ليست فقط مفترق طرق ثقافياً وسياسياً بل كانت دائماً مركزاً تجارياً، منذ أيام طريق الحرير، مروراً بالنفوذ البريطاني لتأمين التجارة مع الهند، وحتى الأيام التي سبقت الحرب في لبنان عندما كانت بيروت سوق بلاد الشام".

 

 

بيروت ضحية "التطرف والإرهاب"

وفي هذا الجزء من كلمته أمام نادي الروتاري، يستذكر وزير الدولة للشؤون الخارجية في الحكومة البريطانية جمال العاصمة اللبنانية بيروت ومكانتها الحضارية المتقدمة بين دول الشرق، قبل أن يدنس ساحاتها التطرف والإرهاب، ويتحول نظامها إلى حزمة من الأزمات وجمالها إلى أكوام من الدمار والخراب، قائلاً:

"من الصعب أحياناً أن نتذكر كيف كانت بيروت. في أوائل السبعينيات كان دخل الفرد في لبنان أعلى من أي دولة آسيوية باستثناء الكويت وإسرائيل وسنغافورة واليابان. كانت معظم منازل بيروت (وفقاً للاستطلاع في ذلك الوقت) تحوي ثلاجة وتلفزيوناً وغسالة. نسبة معرفة القراءة والكتابة 80 في المئة، الأعلى في العالم العربي. كانت بعلبك التي أصبحت الآن معقلاً للجماعات الإسلامية المتطرفة، موقعاً لمهرجان بعلبك، حيث تأتي فرق الأوبرا الفرنسية لتقديم عروضها في الآثار الرومانية الرائعة.

وتتم معالجة الواردات من الغرب في مرفأ بيروت، ثم براً إلى السعودية أو الخليج أو العراق. النفط عبر خطوط الأنابيب الصحراوية إلى صيدا أو طرابلس، ثم يُشحن عبر البحر الأبيض المتوسط إلى أوروبا. وهذا يبين أهمية التجارة لبلاد الشام. عدد من دول الشرق الأدنى هي في الأساس دول البحر الأبيض المتوسط. نظام تجاري عظيم بين بلاد الشام وأوروبا الغربية الذي استمر على رغم كل الاضطرابات التي حدثت منذ الفينيقيين.

 ينبغي أن نتذكر ذلك ونحن نحاول تعزيز خطوات السلام في المنطقة. التجارة تربط المناطق معاً، كما يعلم مايكل كانتور (محامٍ أميركي شغل منصب الممثل التجاري للولايات المتحدة من عام 1993 إلى عام 1996 ووزير التجارة الأميركي عامي 1996 و1997) وليون بريتان (سياسي بريطاني محافظ ومحامٍ شغل منصب المفوض الأوروبي من عام 1989 إلى عام 1999)، إذا طورت الأراضي الجديدة لياسر عرفات مهاراتها وإمكاناتها التجارية، فإن التجارة ستكون خير أداة لنزع فتيل التوتر".

المزيد من وثائق