ملخص
تقرير لمعهد الشرق الأوسط في واشنطن يرصد تصاعد الهجمات الإسرائيلية في مواجهة توسع نفوذ طهران منذ عام 2013 والمناطق التي استهدفتها والنتائج الاستراتيجية المترتبة عليها
نشر معهد الشرق الأوسط في واشنطن (أسس عام 1946) دراسة معلوماتية وتحليلية، رصدت الضربات التي نفذتها إسرائيل في سوريا منذ عام 2013 إلى اليوم، في مواجهة توسع النفوذ الإيراني، سواء من خلال "الحرس الثوري"، أو عبر الميليشيات الموالية لطهران.
وبحسب تقرير المعهد، تشهد المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري منذ عام 2013 غارات جوية إسرائيلية متكررة استهدفت القوات الإيرانية وقواعد الميليشيات المتحالفة معها. وتوضح هذه الضربات أهداف إسرائيل المتعددة الأوجه، وهي عرقلة تدفق الأسلحة المتجهة إلى "حزب الله"، وحماية أمن إسرائيل من خلال تحييد التهديدات ذات المصدر الإيراني.
شبكة حلفاء ووكلاء
وعلى مدى العقود القليلة الماضية أنشأت إيران بشكل استراتيجي شبكة من الحلفاء والوكلاء في جميع أنحاء الشرق الأوسط، تشمل دولاً مثل سوريا واليمن ولبنان والعراق. لقد برز تورط إيران العميق في الصراع السوري تدريجاً باعتباره تهديداً كبيراً لاستراتيجية الولايات المتحدة المرتكزة على حماية إسرائيل والحفاظ على هيمنتها العسكرية في المنطقة.
وتراقب إسرائيل منذ عام 2013 تطور النفوذ والسيطرة الإيرانية في سوريا، إضافة إلى مراقبة التحركات الإيرانية، وتحديداً على طول جبهات جنوب سوريا. وتعتمد الاستراتيجية الإسرائيلية على تصنيف الوجود والتحركات الإيرانية على أساس قدرتها على تشكيل تهديد للأمن القومي الإسرائيلي. ومنذ بداية عام 2017 أصبح التهديد الإيراني في سوريا أكثر وضوحاً، وهو ما ردت عليه إسرائيل بتصعيد ضرباتها على أهداف إيرانية في البلاد.
هجمات مباشرة
ويقول التقرير إنه في الفترة من عام 2017 إلى منتصف عام 2023 كثفت إسرائيل هجماتها المباشرة على المواقع التي تؤوي القوات الإيرانية والميليشيات المتحالفة معها عبر الأراضي السورية المتنوعة. ومن المثير للاهتمام أن إسرائيل اختارت استبعاد محافظة دير الزور الواقعة شرق سوريا من قائمة المناطق المستهدفة، على رغم أنها كانت مركزاً مهماً للسيطرة الإيرانية منذ عام 2018. وترتكز سياسة الإقصاء هذه على الموقع الجغرافي لدير الزور.
وبدأت إسرائيل سلسلة من الضربات المستهدفة في عام 2013، مع التركيز على المناطق التي تشهد وجوداً كبيراً للقوات الإيرانية أو الميليشيات المتحالفة معها. وبحلول نهاية عام 2016 كانت إسرائيل قد نظمت 14 ضربة دقيقة، منتشرة استراتيجياً عبر ثلاث مناطق رئيسة: دمشق، وريف دمشق المجاور، واللاذقية. وبتحليل الفترة من 2013 إلى 2016 يصبح من الواضح أن استراتيجية إسرائيل صيغت للحد من المراحل الجنينية للتسلل والتوسع الإيراني في سوريا. خلال هذه الفترة ركزت إيران عملياتها بشكل استراتيجي في العاصمة دمشق، مع التركيز بشكل ملحوظ على منطقة السيدة زينب وغيرها من المناطق المحورية في ريف دمشق. وبرز مطار دمشق الدولي كمركز حاسم في هذه الاستراتيجية، إذ كان بمثابة القناة الوحيدة لإيران لإرسال الدعم إلى ميليشياتها الناشئة في سوريا.
وقد استهدفت الضربات الإسرائيلية 87 في المئة من المراكز العصبية في ريف دمشق والعاصمة، بهدف إحباط الجهود التأسيسية التي تبذلها إيران لإنشاء معقل لها. وفي الوقت نفسه تم توجيه جزء أصغر ولكن كبير من العمليات، وهو ما يمثل 12 في المئة، نحو نقاط استراتيجية في محافظة اللاذقية.
اتساع النفوذ الإيراني
ويرصد تقرير معهد الشرق الأوسط اتساع النفوذ الإيراني في سوريا، اعتباراً من عام 2017، إذ نما بصورة أكبر مما كان عليه في نهاية عام 2016. وطوال الإطار الزمني الممتد من عام 2017 إلى الـ31 من أغسطس (آب) 2023، وسعت إيران بشكل ملحوظ موطئ قدمها في سوريا، ونجحت في السيطرة على الطرق الدولية الحيوية، وعديد من الممرات البرية الاستراتيجية، ومطاري دمشق وحلب المحوريين، إلى جانب القواعد العسكرية المختلفة، ومهابط الطائرات.
وعند التدقيق في مسار الغارات الجوية الإسرائيلية والأهداف المحددة داخل سوريا يتضح وجود تصعيد ملحوظ بعد عام 2017 في الاستراتيجية الهجومية الإسرائيلية. وفي حين أنه قد يكون من الاستنتاج المباشر أن نعتبر هذا التصعيد بمثابة مسعى إسرائيلي مكثف لمواجهة المبادرة الإيرانية في المنطقة، فإن الواقع الأساس مختلف إلى حد ما.
وكانت إيران تغامر تدريجاً بدخول مناطق جديدة، وهي خطوة استراتيجية أجبرت إسرائيل بصورة أساسية على تضخيم حملاتها الجوية وإعادة النظر في أهدافها في سوريا. وشهدت هذه الفترة قيام إيران ليس فقط بتعزيز قواعدها الحالية، بل أيضاً بالمغامرة في مناطق جغرافية استراتيجية جديدة، مما استلزم اتباع نهج إعادة معايرة من جانب إسرائيل لحماية مصالحها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
استغلال الانشغال الروسي في أوكرانيا
ويقول التقرير إنه في عام 2022 وسعت إيران والميليشيات التابعة لها نفوذها بصورة واضحة على طول الساحل السوري، مستفيدة من ضعف التركيز الروسي بسبب انشغال موسكو في أوكرانيا. واستلزم الغزو الروسي لأوكرانيا تحولاً في الاستراتيجية العسكرية الروسية في سوريا، مما أدى إلى تغيير روتينها المتمثل في التناوب بين العسكريين كل أربعة أشهر. ونتيجة لذلك أعادت روسيا تشكيل انتشار قواتها داخل سوريا، بما في ذلك انسحاب ملحوظ من جنوب سوريا لنقل القوات إلى الطبقة، في محافظة الرقة. وأدت هذه التحركات إلى حدوث فراغات في السيطرة في المناطق الجنوبية والساحلية والوسطى من سوريا.
واغتنمت إيران هذه الفرصة، وتحركت بسرعة لملء هذا الفراغ، وأنشأت موطئ قدم لتعزيز نفوذها من خلال "أدوات القوة الناعمة". وقد تم تعزيز جهود إيران بصورة أكبر في أعقاب زلزال السادس من فبراير (شباط) 2023. ومن خلال الاستفادة من حلفائها المحليين سهلت إيران توزيع المساعدات وأنشأت دوراً خدمياً في المنطقة، مدركة أن الكارثة يمكن أن تزيل الحواجز التي كانت تعوق انتشارها على طول الساحل السوري.
وفي الأشهر الأولى من عام 2023 قلصت إسرائيل عملياتها، واستهدفت عدداً أقل من المواقع مقارنة بالسنوات السابقة. لكن الضربات التي تم تنفيذها كان لها تأثير واضح. ويذكر أنه في الثاني من يناير (كانون الثاني) 2023، قصفت إسرائيل مطار دمشق الدولي، مما جعله خارج الخدمة لمدة يوم كامل.
وفي وقت لاحق من الربع الأول، في السابع من مارس (آذار) 2023 شنت إسرائيل غارة غير مسبوقة على مطار حلب الدولي. كان هذا الهجوم هو الأول من نوعه في عام 2023، والأول منذ الزلزال المدمر الذي وقع في السادس من فبراير. وأوقفت العملية خدمات المطار في الفترة من 7 إلى 10 مارس. وتؤكد هذه التحركات أن التطورات العالمية لم تؤثر في نهج إسرائيل الحازم في مواجهة إيران الرامية إلى التوسع في سوريا. ومن الواضح أن إسرائيل لا تزال ثابتة في استراتيجيتها للحد من النفوذ الإيراني في المنطقة، من دون أن تردعها الديناميكيات المتغيرة على الساحة الدولية.