Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عبور المساعدات ومستقبل غزة مواجهة مستمرة بين القاهرة وتل أبيب

وصفت مصر دفاع إسرائيل أمام العدل الدولية "بالأكاذيب" والأخيرة تسعى للتخلص من صداع القضية الفلسطينية بدور عربي بعد الحرب

شاحنات محملة بالمساعدات الإنسانية دخلت قطاع غزة عبر معبر رفح مع مصر   (أ ف ب)

ملخص

منذ اشتعال حرب غزة في أكتوبر الماضي أصبح معبر رفح نقطة توتر بين مصر وإسرائيل، فادعت تل أبيب أن القاهرة مسؤولة عن منع دخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع وهو ما نفته الأخيرة وهذه هي التفاصيل

في دفاعه عن إسرائيل خلال مرافعته أمام محكمة العدل الدولية زعم المحامي كريستوفر ستاكر أن القاهرة مسؤولة عن منع دخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة بدعوى سيطرة مصر على معبر رفح، وهو ما استدعى رداً مصرياً عاجلاً واصفاً تعليقات فريق الدفاع الإسرائيلي بـ"الأكاذيب".

وأوضح رئيس الهيئة العامة لهيئة الاستعلامات المصرية ضياء رشوان، في بيان يوم الجمعة الماضي، أن القاهرة "تنفي بصورة قاطعة مزاعم وأكاذيب فريق الدفاع الإسرائيلي أمام محكمة العدل الدولية، بأن مصر هي المسؤولة عن منع دخول المساعدات الإنسانية والإغاثية إلى قطاع غزة من الجانب المصري لمعبر رفح".

وأضاف إن "سيادة مصر تمتد فقط على الجانب المصري من معبر رفح، بينما يخضع الجانب الآخر منه في غزة لسلطة الاحتلال الفعلية، وهو ما تجلى فعلياً في آلية دخول المساعدات من الجانب المصري إلى معبر كرم أبو سالم الذي يربط القطاع بالأراضي الإسرائيلية، حيث يتم تفتيشها من جانب الجيش الإسرائيلي قبل السماح لها بدخول أراضي القطاع".

وتواجه إسرائيل اتهامات أمام محكمة العدل الدولية بارتكاب جريمة "إبادة جماعية" في حق الفلسطينيين في قطاع غزة بموجب دعوى رفعتها ضدها جنوب أفريقيا. وتطالب بريتوريا بوقف فوري للعمليات العسكرية الإسرائيلية في القطاع الذي يبلغ عدد سكانه حوالى 2.3 مليون نسمة. في حين اعتبرت إسرائيل الدعوى بمثابة "محاولة لمنعها من ممارسة حقها في الدفاع عن نفسها ضد ما تتعرض له من اعتداءات"، وعرض فريق الدفاع مقاطع فيديو من هجوم "حماس" في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

معبر رفح نقطة توتر

منذ اشتعال الحرب في أكتوبر الماضي أصبح معبر رفح نقطة توتر بين مصر وإسرائيل، فخلال الأسابيع الأولى من الحرب تضرر المعبر بشدة جراء تعرضه لقصف إسرائيلي عدة مرات مما اضطر السلطات المصرية للقيام بإصلاحات حتى تتمكن من إدخال المساعدات وسط تعنت من الجانب الإسرائيلي.

وتم السماح بدخول أول شحنة مساعدات من مصر إلى قطاع غزة في الحادي والعشرين من أكتوبر بعد ضغوط مصرية عدة وبعد يوم من مؤتمر صحافي عقده الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أمام معبر رفح أشار خلاله إلى "شروط" تعرقل انطلاق شاحنات المساعدات إلى غزة. كما تم إدخال المساعدات بموجب ترتيبات بين القاهرة والولايات المتحدة تشمل السماح بإجلاء رعايا أجانب داخل القطاع عبر المعبر.

وتواجه مصر الكثير من الادعاءات بشأن معبر رفح. فخلال الأشهر الثلاثة الماضية، لاحقت السلطات المصرية اتهامات عبر مواقع التواصل الاجتماعي بمسؤوليتها عن غلق المعبر لعدم السماح للفلسطينيين بالانتقال إلى سيناء أو ما يوصف بسيناريو التهجير، ومن ثم عرقلة دخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع، وهي إشاعات فندها الكثير من التصريحات الرسمية المصرية وزيارات المسؤولين الأجانب للحدود المصرية مع غزة.

وخلال الأيام القليلة الماضية، شهدت المنطقة توترات أمنية تتعلق بملاحقة مهربي مخدرات، بحسب الجيش المصري. فالخميس الماضي، أحبطت السلطات المصرية "محاولة تهريب تقدر بحوالى 300 كيلوغرام من المواد المخدرة مختلفة الأنواع" على الحدود الشمالية الشرقية للبلاد وهي العملية التي أسفرت عن مقتل ثلاثة من مهربي المخدرات، وفق بيان المتحدث العسكري المصري، وهو الحادث الثاني من نوعه خلال أيام.

لكن ما حقيقة وضع الحدود بين مصر وغزة؟ ولمن السيطرة الفعلية على القطاع وما يتعلق بالمساعدات؟

تاريخ السيطرة على غزة

في عام 1947 أصدرت الأمم المتحدة "خطة تقسيم فلسطين" التي من شأنها تقسيم الأرض إلى دولة عربية ودولة يهودية لاستيعاب الرغبة في وطن يهودي لمئات الآلاف من اليهود من جميع أنحاء العالم، وجاء ذلك ضد إرادة السكان العرب الفلسطينيين والدول العربية المحيطة.

في أعقاب إنشاء دولة إسرائيل عام 1948 والحرب العربية- الإسرائيلية اللاحقة، استولت إسرائيل على الأراضي من الدولة الفلسطينية المخصصة للعرب وانتهت بحصولها على 77 في المئة من إجمالي الأراضي، وتم طرد أكثر من نصف السكان العرب الفلسطينيين أو فروا لاجئين إلى غزة والضفة الغربية والدول المجاورة.

في تلك الأثناء وتحديداً بين عامي 1948 و1967، كانت غزة تقع تحت سيطرة مصر. لاحقاً، سيطرت إسرائيل على قطاع غزة والضفة الغربية واحتلتها بعد انتصارها في حرب الأيام الستة عام 1967 ضد مصر والأردن وسوريا. ثم بموجب اتفاقية أوسلو الأولى الموقعة في 13 سبتمبر (أيلول) عام 1993 حصلت السلطة الفلسطينية على حكم ذاتي محدود في غزة وصولاً إلى أغسطس (آب) عام 2005 عندما تم تنفيذ خطة "فك الارتباط" التي بموجبها انسحبت إسرائيل من قطاع غزة بالكامل وتم تسليمه للسلطة الفلسطينية، مع احتفاظ الأولى بوجود عسكري في "محور فيلادلفيا" تلك المنطقة الأمنية والعازلة الممتدة من البحر المتوسط شمالاً حتى معبر كرم أبو سالم جنوباً بطول 14 كيلومتراً.

في سبتمبر من عام 2005، وقعت مصر وإسرائيل "اتفاق فيلادلفيا" الذي يسمح بنشر قوات مصرية على ذلك الشريط الحدودي بهدف مكافحة الإرهاب وعمليات التهريب. وسرعان ما تطورت الأمور عندما خرجت "حماس" منتصرة في انتخابات عام 2007 على منافستها حركة "فتح"، ومنذ ذلك الحين فرضت إسرائيل حصاراً ضد سكان القطاع.

معابر غزة

يبلغ عدد معابر قطاع غزة سبعة، وتتحكم إسرائيل في جميع معابر القطاع باستثناء واحد وهو معبر رفح جنوب القطاع الذي تتحكم فيه السلطات المصرية من جهة مصر، ومنذ عام 2007 تسيطر حركة "حماس" على المعبر من جهة قطاع غزة. ومنذ ذلك الحين، يحتاج الراغبون في مغادرة غزة عبر معبر رفح التسجيل لدى السلطات الفلسطينية المحلية "حماس" قبل أسابيع. وبينما تطوق إسرائيل القطاع من جميع الجهات، فإن معبر رفح هو النافذة الوحيدة لسكان غزة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويراقب الجيش الإسرائيلي كل الأنشطة في جنوب غزة من قاعدته العسكرية في كرم أبو سالم، الواقعة عند التقاطع بين غزة وإسرائيل ومصر، ومن نقاط المراقبة الأخرى. يقول عالم الاجتماع المتخصص في الحدود والصراعات في جامعة ستراسبورغ بفرنسا لورينزو نافوني، "من الناحية النظرية، يجب أن يخضع معبر رفح لسيطرة السلطات الفلسطينية والمصرية، لكن إسرائيل لا تزال تتمتع بنفوذ على المعبر".

ولرفح تاريخ طويل من ناحية كونها مركزاً للتهريب، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى الأنفاق التي أنشئت تحت المعبر لتحدي الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة. لكن وسط فورة من العمليات الإرهابية في سيناء منذ عام 2011، قامت مصر بإغراق المنطقة الحدودية عام 2015 من أجل تدمير نظام الأنفاق تحت الأرض.

رفح وكرم أبو سالم

قبل هجمات "حماس" في 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، كانت المساعدات تدخل غزة عبر معبر كرم أبو سالم الذي تسيطر عليه إسرائيل. ومنذ اندلاع الحرب، شددت إسرائيل قيودها القائمة بالفعل مما جعل من معبر رفح نقطة الدخول الوحيدة للمساعدات الإنسانية، ومع ذلك فإن المعبر المفتوح من الجانب المصري تعرض للضرر الشديد نتيجة للقصف الإسرائيلي.

نتيجة لذلك، أصبحت الحدود والمنطقة المحيطة بها في حالة يرثى لها، وأصبح من المستحيل السير على الطرق وفق تعبير الوكالة الفرنسية، مما ترك شاحنات المساعدات الإنسانية المتجهة إلى غزة على الحدود المصرية بلا مكان تذهب إليه حتى دخول أول قافلة مساعدات إلى غزة في 21 أكتوبر، في حين ظلت السلطات الإسرائيلية تمنع دخول الوقود الذي تشتد الحاجة إليه لتشغيل البنية التحتية الحيوية ومحطات المياه لأسابيع طويلة مما فاقم الأزمة الإنسانية في القطاع.

وقبل أيام قليلة دعا وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون إسرائيل لفتح معبر كرم أبو سالم ونيتسانا لإدخال المزيد من المساعدات الإنسانية، قائلاً في تصريحات صحافية على هامش المنتدى الاقتصادي العالمي إن هناك حاجة لإدخال "500 شاحنة مساعدات عاجلة يومياً إلى غزة".

وأشار إلى أنه لو سمحت إسرائيل أيضاً بفتح ميناء أشدود على ساحل البحر المتوسط، فإن هذا سيدعم إدخال مزيد من المساعدات، قائلاً "إسرائيل تتحمل مسؤولية كبيرة بشأن ضمان عدم حدوث جوع وأمراض في غزة". وتابع أن "الإسرائيليين عليهم إيجاد حلول لبعض الأمور التي تقع تحت سيطرتهم".

ووفق مسؤولي الإغاثة فإن معبر رفح كان يستخدم بشكل أساسي كمعبر لعبور المدنيين قبل اندلاع الحرب، مما يعني أن استخدامه لجهود الإغاثة واسعة النطاق يعد "مهمة ضخمة وكبيرة".

مسؤولية غزة ما بعد الحرب

أكد المسؤولون الإسرائيليون مراراً أنهم لا يرغبون في إعادة السيطرة على غزة وإدارتها بعد الحرب بل بدا في التصريحات الإسرائيلية والأميركية إلقاء المسؤولية على عاتق الدول العربية بخاصة مصر، إذ يعول كثيرون في واشنطن على الدور العربي باعتباره تمهيداً لإعداد سلطة فلسطينية قوية قادرة على إدارة القطاع.

ووفق تصور معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى يمكن لاتحاد من الدول العربية الخمس التي أبرمت اتفاقات سلام مع إسرائيل، هي مصر والأردن والإمارات والبحرين والمغرب، أن يتولى توجيه السلامة العامة وإنفاذ القانون، وينبغي إيلاء اهتمام خاص لضمان عدم النظر إلى هذه القوة على أنها "قوة احتلال"، مما سترفضه كل من الدول المساهمة والفلسطينيين المحليين، بل ينبغي تقديمها وتنظيمها كـ"قوة سلامة عامة".

ومطلع الشهر الجاري، كشف وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت عن خطة وصف فيها مصر بـ"لاعب رئيس" في غزة ما بعد الحرب. غير أن مصادر مصرية أكدت رفض الخطة، وكشف الخبير العسكري اللواء سمير فرج في تصريحات تلفزيونية محلية أن السيناريو الإسرائيلي يتبنى مطالبة "مجموعة دول أوروبية إلى جانب مصر ودولة عربية أخرى بتولي إدارة غزة وهو ما قوبل برفض مصري قاطع".

كما كشف عن رفض الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي اقتراح رئيس وكالة الاستخبارات الأميركية أثناء زيارته الأخيرة إلى القاهرة، بشأن تولي مصر إدارة الفترة الانتقالية في غزة حتى موعد إجراء الانتخابات الفلسطينية، قائلاً: "الرئيس السيسي قال إن مصر لن تتورط في هذا الموضوع".

يقول الدبلوماسي المصري السابق والزميل لدى معهد الولايات المتحدة للسلام هشام يوسف، إن مصر والعديد من الدول العربية تعتقد أن إسرائيل تريد التخلص من مشكلاتها في غزة وجعلها مسؤولية الآخرين، بخاصة مصر. وكما كان متوقعاً، رفضت مصر هذا الموقف، وأصرت على أن غزة في نهاية المطاف جزء من الأراضي الفلسطينية المحتلة، وبالتالي تظل مسؤولية إسرائيل وفقاً للقانون الدولي إلى أن ينتهي الاحتلال.

وأضاف أن هذا الموقف يفسر سبب معارضة مصر ودول عربية أخرى لنشر قوة عربية أو دولية في غزة، وهي القوة التي من المفترض أن تتولى مسؤولية التعامل مع بقايا "حماس" بعد الحرب من أجل ضمان ألا يشكلوا تهديداً لإسرائيل. وبالنسبة لمصر والدول العربية الأخرى فإن فرض احتمالية حدوث مثل هذه المواجهة العسكرية بين قواتها والقوات المتبقية من "حماس" لن يكون مقبولاً.

ومع ذلك، يعتقد يوسف أن مصر والدول العربية الأخرى ربما تكون على استعداد للنظر في لعب دور في أمن القطاع ما بعد الحرب، شريطة أن تكون هناك مجموعة واضحة من الشروط وهى: أن هذا الدور يأتي في سياق خطة ذات مصداقية نحو حل الدولتين، وأن يتحقق الأمن لكل من الفلسطينيين والإسرائيليين، وأن يتم التعامل مع جميع الأراضي المحتلة منذ عام 1967 كوحدة واحدة، وأن يتم الاتفاق على ذلك في سياق قرار صادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أو في إطار مؤتمر دولي ذي مصداقية.

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات