Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

دعم أميركي لمصر أمام "النقد الدولي"

متخصصون يرون أن "القرض بصبغة سياسية" لا يعتمد على المؤشرات ومسؤولو الصندوق: الاقتصاد الكلي للقاهرة في وضع معقد والتمويل الإضافي لها "حاسم"

تصل قيمة اتفاق القاهرة مع صندوق النقد الدولي إلى 3 مليارات دولار (وزارة المالية المصرية)

استكملت القاهرة محادثات ساخنة مع مسؤولي صندوق النقد الدولي الأسبوع الماضي في العاصمة واشنطن حول برنامج التمويل بين الطرفين بقيمة تصل إلى 3 مليارات دولار في الأقل، إذ يبحث الطرفان زيادة قيمة القرض أثناء المفاوضات.

الجديد في محادثات الوفد الرسمي المصري رفيع المستوى تلك المرة أنها جاءت بغطاء أميركي لدعم الحكومة المصرية في مساعيها عن طريق وزارة الخزانة الأميركية.

قصة الاتفاق

تعود قصة الاتفاق بين مصر والصندوق الدولي لنهاية عام 2022، عندما تعرض اقتصاد القاهرة لأزمة طاحنة عقب الحرب الروسية في أوكرانيا وتخارج المستثمرين الأجانب في أدوات الدين السيادية "الأموال الساخنة" من السوق المصرية بحثاً عن أرباح أعلى في السوق الأميركية، بعدما بدأ مجلس الاحتياط الفيدرالي (المركزي الأميركي) دورة التشديد النقدي ومعها باتت أسعار الفائدة الأميركية أكثر جذباً للمستثمرين مقارنة بالأسواق الناشئة، مما أسهم في تخارج أكثر من 20 مليار دولار من القاهرة وخلّف أزمة شح العملة ومعها ارتفعت الأسعار وصعدت معدلات التضخم وتفاقمت وتيرة الديون، مما دفع الحكومة إلى العودة للصندوق الدولي من جديد بعد انقطاع دام خمسة أعوام لطلب 3 مليارات دولار.

وافق المجلس التنفيذي للصندوق في ديسمبر (كانون الأول) 2022 على برنامج تمويل بقيمة 3 مليارات دولار، لكن المراجعات التي كان من المفترض أن يجريها الصندوق لم تتم على مدى العام الماضي بسبب تأخر الحكومة في تنفيذ أهم مطالب الصندوق بضرورة التحول إلى نظام صرف مرن.

وبسبب الأزمة، قام البنك المركزي المصري بتحريك أسعار صرف الدولار أكثر من مرة، إذ خفض قيمة الجنيه المصري ثلاث مرات متتالية خلال الفترة من مارس (آذار) 2022 وحتى يناير (كانون الثاني) من العام الماضي.

 

التمويل الإضافي لمصر حاسم

مفاوضات الأسبوع الماضي حملت أنباء لا بأس بها لمصلحة الحكومة في مصر، إذ قال صندوق النقد الدولي الخميس الماضي إنه "يجري محادثات مع مصر في شأن سياسات تعمل على إنجاح برنامج الصندوق الذي تبلغ قيمته 3 مليارات"، مستدركاً أن "التمويل الإضافي سيكون حاسماً لهذا الغرض".

وذكرت المتحدثة باسم الصندوق جولي كوزاك في مؤتمر صحافي دوري أن "مبالغ التمويل والمدفوعات المحتملة لمصر قيد المناقشة حالياً"، مضيفة أن "المفاوضات مع السلطات المصرية حول تحسينات السياسة ستستمر خلال الأسابيع المقبلة، بما في ذلك الحاجة إلى تشديد السياسة المالية والنقدية وكذلك التحرك نحو سياسة مرنة لسعر الصرف".
ولم تقدم كوزاك إلا تفاصيل قليلة عن اجتماع عقد الثلاثاء الماضي بين مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا ووزير المالية المصري ومحافظ البنك المركزي، لكنها قالت إن "المفاوضات مستمرة حول السياسات التي تسمح باستكمال المراجعة الأولى والثانية لبرنامج القرض المتفق عليه في ديسمبر 2022"، مضيفة أن "تواصلنا القوي مع السلطات ساعد في تحقيق تقدم مهم في المحادثات"، متوقعة أن تستمر خلال الأسابيع المقبلة لتحديد أولويات السياسة الرئيسة"، وقالت "سيكون التمويل الإضافي حاسماً لضمان نجاح تنفيذ البرنامج".

وضع معقد وعسير

وتعثر برنامج قروض لمصر بقيمة 3 مليارات دولار بعدما تأخرت القاهرة في السماح بسعر صرف مرن للعملة المحلية مقابل الدولار "التعويم" أو إحراز تقدم في بيع أصول الدولة.
وتواجه مصر بالفعل مستويات مرتفعة من الديون الخارجية، وتضررت بشدة من الحرب في قطاع غزة وهجمات في الآونة الأخيرة على سفن في البحر الأحمر، مما يهدد بتعطل حجوزات السياحة وواردات الغاز الطبيعي.

وعن ذلك قالت كوزاك "تواجه مصر بالفعل وضعاً معقداً وعسيراً على مستوى الاقتصاد الكلي"، مضيفة أن "هذا الوضع تفاقم بسبب الصراع بين إسرائيل وحماس في غزة" ومشيرة إلى أن ذلك تجلى في اضطرابات الشحن في البحر الأحمر وفي السياحة المصرية.

سندات مصر الدولارية ترتفع بعد الدعم

في تلك الأثناء أظهرت بيانات "تريدويب" أن السندات السيادية المصرية بالدولار ارتفعت أكثر من 1.3 سنت الأربعاء الماضي، بعد أن تعهدت وزيرة الخزانة الأميركية جانين يلين بتقديم الولايات المتحدة دعماً للاقتصاد والإصلاحات في مصر.
وصعدت جميع السندات الدولارية لمصر، وزاد سعر استحقاق مارس 2024 إلى 98 سنتاً للدولار، وحققت أسعار الاستحقاق الأطول أجلاً عامي 2050 و2059 أكبر قدر من المكاسب، إذ ارتفعت بما يصل إلى 1.4 سنت مع اقتراب الأول من 62 سنتاً في مقابل الدولار.
في غضون ذلك خفض البنك الدولي توقعاته لنمو الاقتصاد المصري خلال السنة المالية 2023/2024 إلى مستوى 3.5 في المئة مقارنة بتقديراته السابقة عند أربعة في المئة، بمعدل تراجع 0.5 في المئة، فضلاً عن تقليص النمو الاقتصادي المتوقع للعام المقبل بمقدار 0.8 في المئة إلى 3.9 في المئة مقابل تقديرات سابقة بنحو 4.7 في المئة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ووفق تقرير الآفاق الاقتصادية العالمية، أشار البنك الدولي إلى أن الصراع في منطقة الشرق الأوسط سيؤدي على الأرجح إلى تفاقم مشكلة التضخم في مصر وتقييد نشاط القطاع الخاص، وزيادة الضغوط على صعيد التعاملات الخارجية بسبب تراجع عائدات السياحة وتحويلات المصريين العاملين في الخارج.

وذكر أن معدل النمو الاقتصادي في مصر سيسجل أربعة في المئة خلال العام الحالي، لكنه سيرتفع إلى مستوى 4.7 في المئة خلال العام المقبل.

قرض اقتصادي بصبغة سياسية

في المقابل أعلنت وزارة المالية في بيان الأربعاء الماضي أن الوفد المصري رفيع المستوى الذي يزور واشنطن حالياً والمكون من وزير المالية ومحافظ البنك المركزي ووزيرة التعاون الدولي، أجرى محادثات جيدة وبناءة وإيجابية مع وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين، ومدير عام صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا.

ووفقاً لبيان لوزارة المالية في مصر أكدت يلين الدعم القوي لمصر ولبرنامج الإصلاحات الذي تنتهجه القاهرة لتعزيز اقتصادها ودعم التوجه نحو تحقيق النمو الشامل والمستدام.

وأعربت عن استعداد وزارتها لمواصلة العمل المشترك بصورة وثيقة مع مصر في شأن القضايا الثنائية والإقليمية.

وأشار البيان إلى أن جورجيفا أكدت أن الصندوق سيظل شريكاً قوياً لمصر في هذه الأوقات الصعبة.

من جهته اعتبر المتخصص في شؤون الاقتصاد هاني توفيق أن حصول القاهرة على تمويل من صندوق النقد أو زيادة التمويل القائم أمر لا شك فيه، قائلاً في حديثه إلى "اندبندنت عربية" إن "القرض يبدو تمويلاً اقتصادياً بصبغة سياسية" وموضحاً أن "موقف القاهرة من أزمة الصراع الدائر في الشرق الأوسط سيدعمها كثيراً في الحصول على التمويل من دون النظر إلى اعتبارات اقتصادية مرتقبة من جانب الحكومة". وشرح أن "التمويل لن يرتبط بتحرير سعر الصرف بصورة كاملة من عدمه، نظراً إلى الظروف القاسية التي يمر بها الاقتصاد المصري، خصوصاً بعد تفاقم الأوضاع في البحر الأحمر مما كان له بالغ التأثير في إيرادات مصر السياحية أو حتى إيراداتها من قناة السويس"، لافتاً إلى أن "التعويم الكامل للعملة يتطلب أن يحتفظ البنك المركزي المصري بنحو 30 مليار دولار في الأقل للتدخل في الوقت المناسب للسيطرة على أسواق الصرف وهذا لن يتوافر الآن" ومحذراً من خطورة هذا القرار في ظل العسرة الدولارية.

وأضاف أن "خطة الخروج من الأزمة الطاحنة بصورة نهائية تتطلب العمل على أربعة محاور سياسية واقتصادية وتشكيل مجلس أعلى للتخطيط وإزالة العقبات من أمام المستثمرين المصريين والأجانب على حد سواء".

وبالفعل تأثرت إيرادات قناة السويس بصورة واضحة مع استمرار الهجوم على حركة الملاحة في منطقة البحر الأحمر ومضيق باب المندب، مما دفع رئيس هيئة قناة السويس الفريق أسامة ربيع إلى إعلان تلك الخسائر في بيان، إذ قال إن "التجارة العالمية والملاحة في قناة السويس تأثرت بما يحدث في باب المندب والبحر الأحمر"، مضيفاً أن "حركة الملاحة بالقناة تأثرت بهجمات البحر الأحمر، إذ تراجعت الملاحة بنسبة 30 في المئة وهوت الإيرادات بنسبة 40 في المئة خلال أول 11 يوماً من 2024 مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي".

والإيرادات السياحية مورد دولاري لا يستهان به أيضاً، إذ وصلت الإيرادات السياحية خلال الربع الأول من العام المالي الحالي إلى 4.5 مليار دولار، مقارنة بنحو 4.1 مليار دولار خلال الفترة نفسها من العام السابق، بنمو 9.3 في المئة وفقاً لتقرير ميزان المدفوعات الصادر الأسبوع الماضي عن البنك المركزي المصري، إذ أشار إلى أن ذلك النمو جاء نتيجة ارتفاع عدد الليالي السياحية بنسبة 9.3 في المئة، أي 47.7 مليون ليلة، وزيادة عدد السياح الوافدين إلى مصر بمعدل 23.2 في المئة أي 4.2 مليون سائح.