Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تتحول الصين إلى الحل الاقتصادي البديل لتونس؟

تعمل الحكومة على الظفر بالفرص التي توفرها بكين من دون إهمال علاقاتها مع الشركاء الأوروبيين

لا يزيد عدد الشركات الصينية على 10 شركات باستثمارات لا تتجاوز 34 مليون دولار (أ ف ب)

بلغ حجم الاستثمارات الصينية المباشرة بالخارج نحو 52 مليار دولار خلال الأشهر الخمسة الأولى من عام 2023 وفق بيانات وزارة التجارة الصينية، في حين وصلت إلى 146.5 مليار دولار في 2022 مقابل نحو 100 مليار دولار في 2014.

وتستقطب البلدان الآسيوية نحو 70 في المئة من كعكة الاستثمارات الصينية، بينما تستحوذ بلدان الاتحاد الأوروبي على نحو ثمانية في المئة منها، بينما لا تظفر أفريقيا الا بنحو أربعة في المئة فحسب من استثمارات العملاق الآسيوي ما يساوي 3.4 مليار دولار حتى 2022.

وعلى رغم طموح بكين المتواصل لتنمية استثماراتها المباشرة بالقارة السمراء ودول شمال أفريقيا وتوسيع نطاق وجودها فيه، خصوصاً بتونس والمغرب باعتبارهما بوابتين إلى العمق الأفريقي انطلاقاً من البحر المتوسط، وإن أظهرت تونس رغبة في السنوات الأخيرة في تنويع شركائها وفتح مجال أوسع للاستثمارات الصينية، إلا أن المغرب يبدو أسرع نسقاً في هذا المضمار، إذ أبرم مع التنين الصيني صفقة لتدشين 100 شركة صينية بالمغرب.

وعلى رغم إبداء بكين اهتماماً كبيراً بالاستثمار في تونس، إلا أن مشاريع مؤسساتها تبدو أقل وتيرة من مثيلاتها بشمال أفريقيا وبالتحديد مصر والمغرب أكبر المنافسين بالمنطقة.

يشار إلى أن تونس تحظى بعلاقات اقتصادية عريقة مع الصين، ويجذب موقع تونس الجغرافي في قلب جنوب البحر الأبيض المتوسط، محاذياً للأسواق الأوروبية والأفريقية ويشرف على الطرق البحرية الحيوية المصنع الآسيوي العملاق.

وسعت الصين إلى ضم تونس إلى مبادرة "الحزام والطريق"، إذ وقعت الحكومة مع الصين في يوليو (تموز) 2018 مذكرة تفاهم تنضم بمقتضاها إلى المبادرة رسمياً، على أن يفتح لها ذلك آفاقاً واسعة للتعاون الاقتصادي والتجاري والسياحي والاستثماري بين البلدين، ويدعم مساهمة الصين في إنجاز عدد من المشاريع التنموية في تونس، خصوصاً المشاريع الكبرى في مجال البنية التحتية المدرجة ضمن المخطط التنموي 2016-2020 وفق ما ورد على لسان وزير الخارجية التونسي آنذاك.

وكانت منظمة طريق الحرير للتعاون الاقتصادي والثقافي الدولي الصينية "سيكو" افتتحت في أبريل (نيسان) 2017، مكتباً لها في تونس "سيكو تونس" وهو الأول من نوعه في أفريقيا، في المقابل، رفضت الحكومة التونسية الصيف الماضي دعوة رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين للمشاركة في "منتدى البوابة العالمية" الذي عقد في أكتوبر (تشرين الأول) 2023 في العاصمة البلجيكية بروكسل على خلفية إشكاليات عالقة مع الشريك الأوروبي تخص ملف الهجرة.

وتجسد "البوابة العالمية" خطة أوروبية لتمويل وإنشاء مجموعة من المشاريع رداً على مبادرة "الحزام والطريق" الصينية.

حضور خجول

أما المشاريع التي أبدت بكين اهتماماً للاستثمار فيها في تونس فهي تتعلق بالبنية التحتية، لكن ظل عدد هام منها في انتظار التنفيذ.

وقال سفير جمهورية الصين الشعبية في تونس وان لي إن "الاستثمارات الصينية تشمل مجالات عدة أبرزها البنية التحتية والطاقات البديلة"، مضيفاً أن "بلاده ستواصل دعم المجهود التنموي في تونس، من خلال إنجاز المشاريع المتفق عليها واستكشاف مجالات جديدة للتعاون"، مشيراً إلى المشاريع التي مولتها بكين في تونس على غرار "مشروع مياه"، ومستشفى بمدينة صفاقس، والمركب الرياضي ببن عروس بالعاصمة، إضافة إلى مشروع الأكاديمية الدبلوماسية الذي بلغت كلفته الإجمالية 88.5 مليون دينار (28.8 مليون دولار).

وأشار السفير الصيني إلى ما توصل إليه رئيسا البلدين خلال القمة الصينية- العربية التي عقدت في الرياض في 2022 التي أوصت بضرورة تطوير الشراكة بين البلدين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في الوقت الذي ترسم المعطيات على أرض الواقع مؤشرات متواضعة للغاية للاستثمارات الصينية في تونس، إذ تحتل الصين المركز الـ 35 في قائمة الدول المستثمرة في تونس، بينما لا يزيد عدد الشركات الناشطة على 10 شركات باستثمار لا يتجاوز 34 مليون دولار، وهي استثمارات ضئيلة للغاية مقارنة بالشركاء الأوروبيين وعلى رأسهم فرنسا المستثمر الرئيس في تونس بقيمة 2.4 مليار دولار حتى 2023 بمؤسسات فرنسية وأخرى مشتركة تونسية- فرنسية، ويبلغ عددها 500 شركة يعمل بها نحو 100 ألف شخص.

تلك الاستثمارات الضئيلة دفعت منظمات تونسية إلى المطالبة بتطوير الشراكة بين البلدين بدفع الاستثمار المشترك وتشجيع الإنتاج المشترك والمناولة الصناعية ونفاذ المؤسسات الصينية إلى الأسواق، التي ترتبط بها تونس بموجب اتفاقات للتبادل الحر على غرار بلدان السوق المشتركة لشرق وجنوب أفريقيا "كوميسا".

من جانبها، قالت نائبة رئيس كونفيدرالية المؤسسات المواطنة (مستقلة) سلمى اللومي إن "الاستثمار الصيني في تونس يقدر بـ 50 مليون دينار (16.28 مليون دولار) وهي قيمة ضعيفة مقارنة بالمبادلات التجارية"، مستدركة أن "الصين هي رابع شريك تجاري لتونس وأول شريك آسيوي وثاني مزود لتونس في 2022"، مضيفة أنها "لم تطلق مشاريع مشتركة في مستوى هذه الشراكة التجارية على رغم  فرص الاستثمار المتوافرة في مجال التكنولوجيات الخضراء والطاقات المتجددة والصحة والمواد الصيدلانية ومواد البناء وتطوير البنية التحتية والتجديد الرقمي والسياحة".

من جهته، كشف مدير عام وكالة النهوض بالاستثمار الخارجي (حكومية) جلال الطبيب أن "19 مؤسسة ذات مساهمة صينية تنشط في تونس من إجمالي 3700 مؤسسة أجنبية موجودة"، معتبراً الشراكة الصينية - التونسية دون المأمول.

مخاوف وتجاذبات

وتعمل تونس على الفوز بالفرص التي توفرها بكين، من دون إهمال علاقاتها مع الشركاء الغربيين وفق المتخصص المالي ماهر قعيدة في حديثه إلى "اندبندنت عربية"، إذ يرى أن تونس تراعي  شريكها الأول الاتحاد الأوروبي الذي متعها بمرتبة الشريك المميز عام 2012 والذي تحقق فائضاً معه عكس الصين التي يبلغ العجز التجاري معها 7.7 مليار دينار (2.5 مليار دولار)، موضحاً أن "هذا ما يفسر التقدم الخجول للاستثمارات الصينية في تونس على رغم ما أبداه الطرفان من استعداد"، مستدركاً "لكن تميل تونس إلى التقارب مع بكين في خضم الركود الاقتصادي الذي تعانيه من دون أن تتحول إلى بديل لشركائها التقليديين، ولا سيما الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة".

من جهة أخرى، رأى قعيدة أن للشركات الصينية حظوظاً وافرة للظفر باستثمارات في المجال الرقمي وبالتحديد الأمني السيبراني والشركات المتخصصة في حفظ البيانات، علاوة على البنية التحتية وخصوصاً إنشاء موانئ المياه العميقة التي تسعى الصين للظفر بها كذلك المطارات، بينما تمثل التمويلات لهذه المشاريع الضخمة أهم العوائق من الجانب التونسي في الوضع الراهن.

في حين رأى المتخصص في الشأن الاقتصادي جمال بن جميع أن الاستثمارات الرقمية التي بذلت الصين جهوداً لإنجازها في تونس اقترنت بمخاوف أمنية جدية، وأيضاً واجهت بكين منافسة شرسة من الشركات الأوروبية بخصوص شبكة الجيل الخامس للهاتف الجوال.

وأضاف أن "قوانين الاستثمار البالية والغامضة في تونس تمثل أهم العراقيل أمام المشاريع الصينية التي من شأنها أن تغير المشهد الاقتصادي في تونس".