Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ديون مصر في المنطقة الصفراء وبيع الأصول ليس حلا جذريا

الرئيس الأسبق لـ"اقتصادية قناة السويس" يرى أن الصناعة في بلاده تحتضر ولن ينقذ الاقتصاد إلا التصدير

ملخص

قال إنه أبلغ رئيس الجمهورية إن مصلحة الجمارك ستقتل الاقتصاد المصري بتضييقها على المستثمرين والكرة في ملعب وزير المالية

لا يخفي بين ثنايا الحديث إعجاباً بما قدم لولا بعض المنغصات التي لا تزال قائمة وتتطلب علاجاً وحلولاً جذرية لا مجرد مسكنات، والمشكلة برأيه تتجلى في بطء التنفيذ الذي لا يتناسب ومقتضيات الظرف الراهن، فالتحديات كبيرة، كما يراها الرئيس الأسبق للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، الذي شغل وزير التنمية الإدارية سابقاً الدكتور أحمد درويش في حواره لـ"اندبندنت عربية".

فتح الرجل خزانة أسراره وتحدث للمرة الأولى منذ سنوات مشخصاً مشكلات الاقتصاد المصري وتحدياته. وقال إن أحداً لا يخفى عليه أن الاقتصاد المصري ليس في أفضل حالاته، وأن أكثر ما يشغل بال المصريين حالياً عدم توفر العملة الأجنبية، مشيراً إلى المصادر الخمس الرئيسة للعملة الأجنبية، وهي على الترتيب، الصادرات وتحويلات المصريين بالخارج والسياحة والاستثمار الأجنبي المباشر وقناة السويس. ويرى أن حصيلة العملة الأجنبية من هذه المصادر الخمس تنفق على ثلاثة أشياء، أولها الاستيراد، وسداد الديون، وفوائد هذه الديون، وأنه كلما كانت حصيلة البلاد من النقد الأجنبي أقل من إنفاقها، استمرت في المقابل الفجوة والضغوط على العملة الأجنبية، إضافة إلى أن اجتذاب الاستثمار الأجنبي المباشر ببيع بعض الأصول هي حلول وقتية أشبه بـ"الإسبرينة"، بينما تحتاج البلاد حلولاً جذرية.

وتحدث درويش الذي عمل أستاذاً في كلية الهندسة جامعة القاهرة قبل وبعد دخوله للوزارة واستشارياً لعديد من المنظمات الدولية منها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومنظمات الـ"يونيسكو" و"اليونيدو" و"الفاو" و"الإسكوا" والبنك الدولي والمفوضية الأوروبية عن الصادرات المصرية. وقال إن حصيلتها التي تتراوح بين 40 و44 مليار دولار "غير عادلة" نهائياً، ولا تتناسب وإمكانات الاقتصاد المصري وعدد السكان أو حتى عند مقارنتها بإمكانات دول أخرى مثل المغرب وتركيا، معرباً عن اعتقاده بضرورة ارتفاع حصيلة الصادرات إلى 100 مليار دولار وربما 150 ملياراً، وهو ما يتعين العمل عليه لتقليص تلك الفجوة.

اقتصاد الدولار الواحد

ويرى درويش في السياحة أيضاً مورداً مهماً لكن البنية اللازمة لزيادة عدد السائحين من 15 إلى 30 مليوناً ستستغرق مزيداً من الوقت. ويقول "في مجال الاستثمار الأجنبي المباشر، سمعتنا ليست الأميز نتيجة بعض المشكلات البيروقراطية الموجودة في مصر، من ثم سنتحرك ببطء في هذا الملف، بعكس إمكانات التحرك السريع في ملف الصادرات، ويمكن هنا الإشارة إلى صدارة مصر في صادرات البرتقال متقدمة على إسبانيا وجنوب أفريقيا العام الماضي، لكن لو صدرنا عصير برتقال مركز مثلما تفعل الولايات المتحدة الأميركية لاكتسبنا قيمة مضافة أعلى من ذلك بكثير، وينبغي لمصر أن تخرج من اقتصاد الدولار الواحد إلى اقتصاد الدولارات الـ20، عبر تعميق الصناعات والصادرات المصرية".

 

وعرج درويش في حديثه معنا إلى ملف الديون. وقال إن الدين يقاس بالقدرة على السداد، وفي المعتاد يقاس كنسبة إلى الناتج القومي الإجمالي، وكلما كان الدين أسفل منطقة الـ70 في المئة من الناتج القومي الإجمالي فهو بالمنطقة الآمنة الخضراء، وحين يكون الدين بين 70 و100 في المئة فهو في المنطقة الصفراء الأعلى من حيث الخطورة، بينما حين تمثل نسبته ما بين 100 و130 في المئة تعني أن الدين في المنطقة الحمراء الأعلى خطراً. ويضيف "قد يقول قائل إن اليابان والولايات المتحدة لديهما دين يتجاوز 100 في المئة، لكن الولايات المتحدة كمثال هي من تطبع الدولار والدين لديها لا يشكل أي خطورة، إذ إنه دين ورقي في نهاية الأمر، وليس ديناً حقيقياً إذا جاز التعبير، ومصر حالياً في المنطقة الصفراء من حيث مستوى الدين، وهو ما يجعلنا على الحرف، من ثم يجب أن نعمل ونجتهد لخفض هذا الدين".


وعن التعاون المصري مع صندوق النقد الدولي، استقبل درويش إشارات جيدة من تصريحات مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا غورغييفا، حين قالت على هامش مؤتمر قمة المناخ "كوب 28"، إنه يتعين النظر في مصر إلى التضخم وليس إلى سعر العملة المحلية، وهو يرى في هذه التصريحات "علامة إيجابية تبرهن على تغيير الصندوق لنظرته إلى وسائل علاج الاقتصاد المصري".

تحركات للأمام ولكن بطيئة

لكن في المقابل، ثمة ما قد يعوق الاستثمار الأجنبي المباشر وفق ما يقوله درويش، إذ إن معدله لن يرتفع في مصر من دون التسهيل أولاً على المستثمر المصري، عبر كثير من الإجراءات والأمور التي ينبغي أن تُجرى بشكل مختلف تماماً من أجل تحفيز بيئة الاستثمار. ويضيف "حين مواجهة أنفسنا بالحقيقة لا بد في بداية العلاج أن نتعرف إلى المشكلة، ولدينا اليوم شباب مصري واعد يقرر تأسيس شركات في دول أخرى غير مصر، وينبغي أن ننظر إلى هذه الأمور ونسأل أولاً: لماذا يهجر المستثمر المصري السوق المصرية على رغم ما تحظى به هذه السوق من مزايا أبرزها كثافة المستهلكين؟ هؤلاء اكتشفوا أن حجم المعوقات كبيرة وغير جاذبة، وعلينا إعادة النظر في كل ما يأتي تحت عباءة هيئة الاستثمار وهيئة الرقابة المالية، ولا شك هناك خطوات جيدة وتحرك إلى الأمام لكن ليس بما ينبغي من سرعة في هذا الظرف الحالي".

في مبادرة القيادة السياسية نحو تطبيق الإصلاح الاقتصادي منذ 2014، يقول درويش الذي كان وزيراً للتنمية الإدارية في الفترة ما بين 2004 و2011، "مشكلتنا في مصر البطء في التنفيذ، وهذه الدولة منذ قديم الأزل، تسير من القمة إلى القاع، فالشيء الذي يوليه رئيس الجمهورية عنايته ينفذ، لكن ليس منطقياً أن يضع رئيس الجمهورية يديه في كل الملفات، إذ يتعين على رئيس الوزراء ووزير التخطيط أيضاً أن يدفعوا ببعض الأمور، والبرنامج الموضوع إما أنه ينفذ جزئياً أو ينفذ ببطء أو ربما بعض ما فيه لا ينفذ على الإطلاق".

وعما إذا كانت مصر في حاجة إلى حكومة اقتصادية، أشار درويش إلى أنه ليس بالضرورة أن يكون رئيس الحكومة القادم اقتصادياً، فقط يكفي أن يكون لديه حس اقتصادي باعتباره "المايسترو" بالتعبير الموسيقي، لكن أكثر ما يشدد عليه درويش، أن يكون هناك برنامج تنفيذي يضعه الخبراء وتنفذه الحكومة، وتستطيع الحكومة أن تناقش مع هؤلاء الخبراء هذا البرنامج، لكنه يعود ليضيف "ليس لدينا في مصر فكرة الفريق الاستشاري الذي ينبغي أن يعاون رئيس الوزراء أو الوزير لتقديم المشورة، وفي حال الاتفاق عليها ينبغي أن يكون لها برنامج تنفيذي بمؤشرات واضحة بشكل دوري، والأهم من وجهة نظري منظومة إدارة الدولة مقارنة بالأشخاص، فالمنظومة السليمة أكثر أهمية".

مشكلات مزمنة أم طارئة؟

عند سؤاله عما إذا كانت مشكلات مصر الاقتصادية مزمنة موروثة من أنظمة سابقة أو طارئة قال إن هناك مشكلات موروثة من عصر أسبق، وهناك مشكلات طرأت، وتحدث عن "فرصة ذهبية" لمصر تقود نحو زيادة أعداد العاملين، فيقول "شاركت في إعداد دراسة عن سوق العمل في أوروبا والشرق الأوسط مع "اليونيدو" وتوصلت إلى أنه بحلول 2030 ستكون في أوروبا 10 ملايين فرصة عمل لا تجد من يشغلها، وأسأل هنا: أليست هذه فرصة ذهبية لمصر، ومعظم هذه الوظائف ستصدر، ومصر تستطيع الاستفادة من تلك الوظائف، من ثم يمكن النظر إلى النمو السكاني في مصر كقوة ضاربة تضيف إلى الناتج المحلي الإجمالي".

يعتقد درويش في أهمية المشروعات القومية الكبرى. ويرى أنها "جيدة للغاية"، ولا يختلف عليها اثنان ومردودها الاستثمار متوفر وإن كان طويل الأمد مثل مشروعات الطرق. ويقول إن "مصر عانت مشكلة اختناق شرايين التجارة، وبالنظر إلى احتلالها المركز السادس عالمياً في إنتاج الطماطم، فإن قرابة 20 إلى 25 في المئة من هذا الإنتاج وفق بعض التقديرات، كان يفسد أثناء النقل، لضعف الطرق وسوء وسائل النقل، من ثم فلا خلاف على أهمية مشروع الطرق، بخاصة أن الحضارة الأميركية الحديثة كمثال نشأت على شبكة من الطرق"، لكنه في المقابل يرى أن هناك مشروعات كبرى كان من الممكن أن يكون النموذج المالي لها أجود وأفضل مما هي عليه، بمعنى أن تنفذ على مراحل وعبر مستثمر أجنبي وبنظام الشراكة.

انكماش الجهاز الإداري للدولة

وتناول درويش في حديثه جهود الإصلاح التي طاولت الجهاز الإداري للدولة في مصر. وقال "لا يخفى على أحد أن الحكومة لديها فائض في عدد الموظفين، وكي لا نتهم السابقين، استلمت وزيراً للتنمية الإدارية عام 2004، وكان تعداد موظفي الحكومة آنذاك 6.2 مليون موظف، من بينهم 5.7 مليون من المعينين ونحو نصف مليون من المتعاقدين، ولم نكن نحتاج آنذاك كل هذا العدد، لكن اضطررنا لذلك لوجود علاقة وثيقة بين معدل البطالة ومعدل الجريمة، وتقرير الحالة الجنائية الذي كان ينشر في الماضي كان يؤشر إلى أن مناطق البطالة المرتفعة هي مناطق للجريمة المرتفعة أيضاً، وفي الماضي كلما كان الاقتصاد المصري يتباطأ كانت الحكومة تلجأ إلى تعيين موظفين جدد، من ثم تضخمت الحكومة، واتفقنا في ما بعد على دخول موظفين جدد إلى الجهاز الإداري للدولة بقدر خروج نفس العدد إلى التقاعد، مع تغيير هيكل الجهاز الإداري، وحالياً عدد موظفي الحكومة في تراجع، وهذه خطوة في الاتجاه السليم، لكن هناك تخوفاً من أن الهيكل الديموغرافي للحكومة ينعكس، مع منع دخول موظفين شباب جدد وشيخوخة الموظفين الحاليين على شكل هرمي مقلوب، من ثم نحتاج ضخ شباب جدد وفق الحاجة، وبعض الهيئات في حاجة إلى إعادة النظر في عدد موظفيها، ودمجها إذا اقتضت الحاجة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتطرق درويش الذي كان رئيساً للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس في الفترة ما بين عامي 2015 و2017، إلى "المنطقة" التي يراها أفضل من منطقة جبل علي الإماراتية من حيث المقومات، لولا حاجتها إلى تفكير غير نمطي في التعامل، بخاصة ما يتعلق بتعاقداتها ووضعها الضريبي، وفي هياكل البنوك والمؤسسات المالية التي تقطن في هذه المنطقة. ويضيف "دائماً أقول ليس متأخراً أن نأتي ببعض هذه الأمور، أي نعم قامت جبل علي منذ بداية التسعينيات، وأي نعم قامت طنجة منذ 10 سنوات، لكن نستطيع أن نقوم وننافس، لكن من الأهمية التيسير على المستثمر، إذ إن الضرائب على المنطقة الاقتصادية ارتفعت إلى مستوى أن أصبحت مثلها مثل أي منطقة أخرى في مصر، وما جعل هذه المنطقة لا تقوم بما ينبغي لها هي مصلحة الجمارك المصرية، وهذه المصلحة في حاجة إلى فكر جديد تماماً".

الكرة في ملعب وزير المالية

أخبر درويش الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بتلك التحديات وفق ما يقول "أخبرت رئيس الجمهورية شخصياً في أحد الاجتماعات بأن مصلحة الجمارك ستقتل الاقتصاد المصري، وأنا مسؤول عن هذه الجملة، فالإجراءات التي تتم داخل مصلحة الجمارك، غير محفزة، والمنطقة الاقتصادية معفاة من الجمارك، لكن المصلحة تتذرع بعدم وجود سور للمنطقة، وعدم ضمان تسرب هذه البضائع خارجها، على رغم وجود مليون طريقة للتحقق من ذلك، والتفكير كلاسيكي للغاية، على رغم أن دعم هذه المنطقة يكفل نجاح الشركات من ثم تسدد ضرائب أعلى بكثير من هذا التضييق الممارس، والكرة في ملعب وزير المالية بالكامل".


في ختام حديثه، عاد الرئيس الأسبق للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس للحديث عن الصادرات التي كانت مفتتح حديثه. وقال "لن ينقذ هذه البلد إلا التصدير، وفي المسح الأخير لبيانات سوق العمل خلال الربع الثالث من العام، اكتشفنا أن 10 في المئة من الوظائف المولدة كانت من قطاع الصناعة، وهو رقم ضعيف للغاية يعبر عن احتضار الصناعة في مصر، من ثم يجب أن تصدر مجموعة من القرارات التي تيسر على المصدرين، وأتخيل أن التعقيد يكون على المستورد، لكن أن نصعب على المصدر فهذا أمر في غاية الاستغراب، وهناك قرارات صدرت عن هيئة الاستثمار أنجزت ما نسبته 30 في المئة من المطلوب، ونحتاج أن نتحرك في نسبة الـ70 في المئة المتبقية، وهيئة الاستثمار ينبغي أن تغير فكرها من أنها الرقيب وولي أمر المستثمر، وشخصياً متفائل لأن مصر بها كفاءات وكوادر في حاجة فقط إلى الفرصة، والمصري ينجز في الخارج لأنه ترس من أجود الخامات".

المزيد من حوارات