Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

البشير في القاهرة... أي دعم يبحث عنه الرئيس السوداني؟

تعزيز التعاون التجاري والاقتصادي وملف سد النهضة تصدرا المباحثات. ومصادر: توقيت الزيارة مرتبط بتطورات الأزمة السياسية في السودان.

بحث الرئيسان تطور المفاوضات حول سد النهضة وأهمية التوصل إلى اتفاق بين مصر والسودان وإثيوبيا (د ب أ)

في ثاني زيارة خارجية له منذ اشتعال الاحتجاجات في بلاده، قبل أكثر من شهر، وصل الرئيس السوداني عمر حسن البشير إلى القاهرة، الأحد، حيث كان في استقباله نظيره المصري الرئيس عبدالفتاح السيسي في مطار القاهرة الدولي.

وعقب مباحثات استمرت لساعات في القاهرة، شدد الرئيسان على ضرورة التوصل إلى اتفاق بشأن سد النهضة في أسرع وقت، وكذلك تعزيز أواصر العلاقات الثنائية بين البلدين، خصوصاً في مجال مشروعات ربط الطرق البرية ومشروع الربط الكهربائي.

علاقات أزلية

وأكد الرئيس عبد الفتاح السيسي، خلال المؤتمر الصحافي المشترك مع نظيره السوداني، أن المحادثات "تناولت سبل تعزيز التعاون التجاري والتقدم في المشروعات المشتركة والخاصة بالربط الكهربائي، ودراسات ربط السكك الحديدية وتدريب الكوادر في العديد من القطاعات، بالإضافة إلى تطور المفاوضات حول سد النهضة وأهمية التوصل إلى اتفاق بين مصر والسودان وإثيوبيا في أقرب وقت في هذا الشأن".

وأضاف "تطرقت المباحثات إلى سبل دعم تنفيذ اتفاق السلام في جنوب السودان، وجهود السودان لحل الأزمة في إفريقيا الوسطى". وشدد السيسي على أن زيارة الرئيس السوداني والوفد المرافق له وما جرى خلالها من مباحثات تتويج لجهود تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين وتحقيقاً لمصالح الشعبين، وتأسيساً على المصالح المترابطة التي تجمع البلدين.

من جهته، أكد البشير أن المحادثات "تناولت مشروعات ربط الطرق البرية، ومشروع الربط الكهربائي، وكذلك دراسات ربط السكك الحديدية التي ستجمع بين مصر والسودان على أن تمتد إلى إريتريا وإثيوبيا وتشاد وداكار وجيبوتي"، مشيراً إلى أن "هناك تنسيقاً كاملاً حول القضايا المشتركة، خصوصاً أمن البحر الأحمر وحماية شواطئه، إذ يعد ممراً مائياً دولياً يربط بين شرق وغرب العالم"، لافتاً إلى أن "هناك اتفاقيات في هذا الشأن ستكلل بالنجاح".

وأضاف أن "سد النهضة قضية حيوية لمصر والسودان، ومصر لها مصلحة كبيرة في مياه النيل، وما يجري حالياً من بناء وتشغيل سد النهضة يهم السودان ومصر، وعلينا مواصلة الاتفاق بشأن معدلات ملء السد بالاتفاق مع إثيوبيا لضمان حقوق مصر والسودان في مياه النيل وعدم التأثير بها".

وشدد البشير على أهمية التعاون الثنائي الأمني بين مصر والسودان، لافتاً إلى أن هناك منظمات سالبة تعمل على زعزعة الأمن في المنطقة، موضحاً أنه أطلع الرئيس السيسي على تطورات الأوضاع في السودان بعيداً مما يُثار في الإعلام.

وقبيل الزيارة، أعلنت الرئاسة المصرية، على لسان المتحدث الرسمي باسمها السفير بسام راضي بأن "الزيارة تأتي في إطار حرص الزعيمين على تعزيز أواصر العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين، واستكمالاً لمسيرة التعاون بين مصر والسودان بناءً على نتائج الدورة الثانية للجنة العليا المصرية السودانية المشتركة التي عقدت في 25 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، فضلاً عن التشاور المتبادل بشأن القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك".

أي دعم يبحث عنه البشير في القاهرة؟

وقال مصدر دبلوماسي، رفيع المستوى، إن زيارة البشير إلى القاهرة تهدف إلى بحث سبل الخروج من الأزمة السياسية والاقتصادية التي تواجهها حكومته، معتبراً أن توقيت الزيارة "مرتبط بتطورات الأزمة السياسية والاقتصادية التي يواجهها السودان".

وأوضح المصدر الدبلوماسي، المطلع على مسار العلاقات السودانية المصرية، أن "الرئيس البشير يدرك جيداً أن تعزيز العلاقات مع القاهرة في إطارها الثنائي يمكن أن يسهم إيجاباً في تطورات الأوضاع داخل السودان".

من جهة أخرى، قال السفير صلاح حليمة، نائب رئيس المجلس المصري للشؤون الإفريقية، إن الزيارة تحمل أهمية كبيرة للطرفين، موضحاً أنه "من وجهة النظر المصرية، فإن القاهرة تسعى إلى تعظيم دورها في القارة الإفريقية، لا سيما مع قرب توليها رئاسة الاتحاد الإفريقي رسمياً، في غضون أسابيع، فضلاً عن إيمانها بضرورة التنسيق مع السودان في ما يتعلق بقضايا سد النهضة الذي تبنيه إثيوبيا وتأثيره في حصة مصر المائية، وقضية السلام في جنوب السودان، إضافة إلى حرص القاهرة على أن تكون قريبة من تطورات الأوضاع في السودان".

حليمة، الذي شغل منصب مساعد وزير الخارجية الأسبق، ذكر أن عدم الاستقرار في الخرطوم يؤثر بالضرورة في الأمن المصري، باعتبار أن السودان يمثل عمقاً إستراتيجياً ودولة جوار رئيسة تتشارك مع القاهرة العديد من الملفات المهمة.

هل ينجو البشير من مأزق تصعيد احتجاجات المعارضة؟

وبشأن إمكانية نجاة البشير من تصعيد المعارضة داخلياً عبر زياراته الخارجية، التي بدأها بقطر في 22 يناير (كانون الثاني) الجاري، ومن المقرر أن يزور الكويت في وقت لاحق لم يحدد موعده بعد، يقول محمد الشاذلي، السفير المصري السابق في السودان، إن "البشير يواجه أزمة كبيرة ومصيرية بالنسبة إلى حكمه، مع تخلي قطاع واسع من رموز السودان عنه، إثر الأزمة الاقتصادية والسياسية العنيفة التي تضرب البلاد".

ويشير الشاذلي إلى أن البشير يراهن على المصلحة المصرية في استقرار الأوضاع في السودان، موضحاً أن "الحكومة السودانية تدرك تخوف القاهرة من حدوث وانتشار الفوضى على حدودها الجنوبية"، معتبراً أن أطرافاً في الحكومة السودانية يحذرون من احتمال خروج الأوضاع عن السيطرة، مما قد يؤدي إلى تكرار النموذج الليبي أو السوري. وأضاف الشاذلي أن البشير يروج من خلال زياراته الخارجية مخاوف واسعة من أي فراغ قد يحدث في السلطة، وعدم قدرة أي من الأطراف الموجودة على ملئه، بحثاً عن مخرج لأزمته الداخلية.

ودلل الشاذلي على عمق الأزمة التي تواجه البشير، بالقول "كيف يمكن استيعاب زيارات البشير الخارجية إلى دول متباعدة في سياساتها؟"، في إشارة إلى زيارة الرئيس السوداني إلى الدوحة ثم القاهرة.

من جانبه، قال هاني رسلان، الخبير في الشؤون الإفريقية، بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، إن أكبر التحديات التي تواجه حكومة البشير الآن هي نقص الخبز والوقود. وهو ما تطور إلى أزمة سياسية كبيرة باتت تعصف بالبلاد.

وبشأن دعم القاهرة للسودان، قال رسلان إن خيارات مصر في التعامل مع الاحتجاجات السودانية تنطلق من نظرة واقعية. إذ ما تزال هناك حكومة شرعية معترف بها دولياً، وعليها التعامل معها، وهو ما يعرف بـ "سلطة الأمر الواقع". واعتبر رسلان دعم القاهرة للخرطوم، من خلال زيارة وزير الخارجية ورئيس جهاز المخابرات المصرية إلى السودان، الشهر الماضي، يمكن إرجاعه إلى مبادئ السياسة الخارجية المصرية الداعية إلى عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى.

وكانت الخرطوم قد شهدت الشهر الماضي اجتماعاً على مستوى وزيري الخارجية ورئيسي جهازي المخابرات في مصر والسودان. وأكد وزير الخارجية المصري سامح شكري، بعد لقائه البشير في الخرطوم، أن "أمن واستقرار السودان من أمن مصر واستقرارها"، مشدداً على أن القاهرة "تثق في أن السودان سيتجاوز الظروف الحالية".

البشير من الثكنة إلى القصر

يواجه البشير، ضابط المظلات السابق الذي استولى على السلطة في انقلاب أبيض عام 1989، منذ 19 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أكبر تحد منذ استلامه السلطة، على الرغم أن مسيرته السياسية، التي افتتحها بحرب أهلية، مرت بكثير من الأزمات.

عندما تولى البشير السلطة في السودان، الذي كان أكبر دول إفريقيا من حيث المساحة، خاض حرباً أهلية طويلة مع متمردين في جنوب البلاد، انتهت بانفصال جنوب السودان عام 2011، وفقدان أكثر من 70 في المئة من نفط البلاد.

وعانى السودان فترات طويلة من العزلة، منذ العام 1993، عندما أضافت الولايات المتحدة حكومته إلى قائمة الدول الراعية للإرهاب لإيوائها متشددين إسلاميين. وبعد أربع سنوات، فرضت واشنطن عقوبات على السودان.

وعام 2003، وبعد ادعاءات بوقوع أعمال إبادة جماعية في مواجهة تمرد في منطقة دارفور، وجهت المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي اتهامات للبشير.

والآن يواجه الرئيس السوداني تحدياً شبه يومي في الداخل، مع تصاعد حركة الاحتجاجات وعلى الرغم من توقيف أعداد كبيرة من المتظاهرين.

في نهاية 2018، ارتفع معدل التضخم في السودان إلى 72 في المئة، فعجزت الحكومة عن سداد قيمة الواردات الغذائية. وفي الأشهر التي سبقت بدء الاحتجاجات، كان السودانيون يواجهون صعوبات في المواءمة بين مداخيلهم واحتياجاتهم. وحاولت الحكومة تطبيق إصلاحات، فخفضت قيمة الجنيه السوداني وخففت قيود الاستيراد، غير أن هذه الإجراءات لم تصل إلى نتيجة. وفي حين أملت الحكومة السودانية الحصول على دعم مالي سريع من حلفائها في الخليج العربي، خصوصاً بعد ارسال البشير قواته إلى اليمن في إطار التحالف الذي تقوده السعودية لمحاربة الحوثيين، إلا أن هذه المساعدات تأخرت أيضاً.

وحين حاولت الحكومة طرح خبز غير مدعوم سرعان ما ارتفعت أسعاره، بالإضافة إلى أزمتي نقص الوقود والأوراق النقدية، انطلقت شرارة الاحتجاجات الأولى، التي تحولت إلى احتجاجات سياسية استهدفت مقرات الحزب الحاكم وطالبت بتنحي البشير.

يقول منتقدو البشير إنه السبب في تهميش السودان وانهيار إقتصاده. أما أنصاره فيقولون إن مؤامرة غربية وراء الاحتجاجات، وهي تهدف إلى تقويض الحكم الإسلامي في السودان. وهذا ما كان البشير وصف به اتهامات المحكمة الجنائية الدولية قبل سنوات طويلة.

إذا كان البشير يميل إلى استغلال "بداياته المتواضعة"، لكونه ابناً لأسرة فقيرة عملت في الزراعة في قرية حوش بانقا الصغيرة، المؤلفة من بيوت طينية وشوارع متربة شمال العاصمة الخرطوم، فإن تذكره حادثة كسر أحد أسنانه، في وقت سابق من الشهر الحالي، حين كان يعمل في أحد مواقع البناء، وهو طالب، لتأمين نفقات تعليمه، لم يكن ناجحاً في تهدئة غضب المتظاهرين، بل على العكس. إذ استخدمت قوات الأمن في الغالب الغاز المسيل للدموع وقنابل الصوت لقمع الاحتجاجات، واعترفت السلطات بمقتل 30 شخصاً على الأقل.

وبعد تخرجه من الكلية الحربية السودانية، عام 1967، خدم البشير في الوحدة السودانية التي أرسلت إلى مصر للمساعدة في حرب الاستنزاف مع إسرائيل، التي بدأت بعد انتهاء حرب الأيام الستة. وعندما كان ضابطاً صغيراً في قوات المظلات، انضم إلى الجناح المسلح للحركة الإسلامية التي انفصلت عن جماعة الإخوان المسلمين وحكمت السودان منذ تولي البشير منصبه. وفي عام 1993، حل البشير المجلس العسكري، ليحكم السودان بقبضة من حديد.

في السنوات الماضية، سعى البشير إلى الاستفادة من الخلافات الإقليمية والدولية من أجل تحسين وضع السودان. ففي عام 2013، استضاف الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد في الخرطوم. وبعد عامين انضم إلى التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن، في إطار استراتيجية لاحتواء النفوذ الإيراني المتزايد.

بعدها، تودد البشير إلى تركيا وروسيا، بالتزامن مع تطور التعاون الأمني السوداني مع واشنطن، سعياً إلى رفع العقوبات، التي ألغيت فعلياً عام 2017.

وعلى الرغم من العلاقات الجيدة مع مراكز النفوذ الإقليمية والدولية، يبدو البشير في محاولته تجاوز أزمته الراهنة متكلاً على الدعم المتواصل من المؤسسة الأمنية التي رعاها على مدى 30 عاماً.

ففي كلمة وجهها إلى جنوده، في يناير (كانون الثاني) الحالي، حذر البشير، البالغ من العمر 75 عاماً، من وصَفَهم بالفئران بأن عليهم العودة إلى جحورهم، مؤكداً أنه لن يتنحى سوى لأحد ضباط الجيش أو من خلال الانتخابات. وأضاف أنه عندما يتحرك الجيش، فإنه لا يتحرك في فراغ ولا يتحرك ب"دعم من خونة، بل يتحرك دعماً للوطن".

المزيد من العالم العربي