Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حرب غزة ضاعفت أعداد المعوقين وحرمتهم فرص التأهيل والعلاج

نحو 1000 طفل بترت أطرافهم من دون تخدير وصدمات نفسية متواصلة

ملخص

قطاع غزة أخطر مكان في العالم بالنسبة للأطفال

في كل مرة يوقظها صوت الغارات المتلاحقة وقذائف المدفعيات وهلع المسعفين لإنقاذ الجرحى، تطلب رهف أبو كويك (16 سنة)، بلوعة، من الأطباء في قسم العناية المكثفة بمستشفى "ناصر" بمدينة خان يونس، إعطاءها جرعة مضاعفة من المسكنات والمهدئات، ليس لتخفيف ألم الجروح والحروق التي غطت وجهها وذراعيها وحسب، بل لتحظى بنوم يبعدها قدر الإمكان عن رؤية ساقيها اللتين بترتا في قصف طال منزلها في منطقة القرارة جنوب قطاع غزة. وإلى جانبها، يرقد أحمد الذي لم يتجاوز العامين، في سرير متهالك، يستجدي أمه مغادرة المستشفى، وهو لا يدرك بعد أنه مبتور الساقين، وبين السريرين، الآلام تعتصر أهاليهم كل يوم ولا يقدرون على فعل أي شيء لهم.

وفيما عمليات القصف مستمرة وتحصد مزيداً من القتلى والجرحى في قطاع غزة، أكد رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هرتسي هاليفي أن الحرب التي تشنها إسرائيل على حركة "حماس" في غزة ستظل على الأرجح أشهراً عدة، في وقت عبرت الأمم المتحدة وعدد من الدول الغربية عن قلقها إزاء تصاعد الهجمات الإسرائيلية التي أدت إلى مقتل ما يزيد على 21 ألف فلسطيني أكثر من نصفهم نساء وأطفال.

الأخطر في العالم

ولا تقتصر معاناة مئات الجرحى ممن فقدوا أطرافهم في غزة على صعوبة العلاج وافتراشهم الأرض في الأقسام وغرف العمليات، فهناك أيضاً معاناة نفسية قاسية ترافقهم، وبعضهم بتر طرف واحد من جسده، ومنهم من فقدوا أطرافهم العلوية، وهناك من بترت قدماه مع يديه بالكامل.

وأكدت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" أن نحو 1000 طفل حتى الآن بترت أطرافهم من دون تخدير أو مستلزمات طبية أساسية خلال الحرب. وقالت المديرة العامة لـ"يونيسف" كاثرين راسل، إن قطاع غزة أخطر مكان في العالم بالنسبة للأطفال "آثار العنف الذي يرتكب ضد الأطفال في غزة كارثية وعشوائية".

من جانبها، أعلنت منظمة الصحة العالمية أن عمليات بتر الأطراف باتت شائعة نتيجة الحرب، لكنها لم تتمكن من تقديم أعداد دقيقة. وقال المدير العام للمنظمة تيدروس أدهانوم غيبريسوس في منشور له على منصة "إكس"، إن "كثيرين لن تكتب لهم النجاة بينما هم ينتظرون دورهم لتلقي الرعاية الصحية اللازمة".

وأكد منسق فرق الطوارئ الطبية في منظمة الصحة العالمية شون كيسي أن النقص الحاد في عدد جراحى الأوعية الدموية يزيد من عمليات البتر. أضاف في مؤتمر صحافي الأسبوع الماضي" قد يموت الناس بسبب العدوى التي يصابون بها، لأن أطرافهم مصابة. رأينا مرضى مصابين بتسمم الدم والغرغرينا".

ووفقاً لوزارة الصحة الفلسطينية في غزة "بلغت نسبة الإشغال السريري في مستشفيات جنوب القطاع 350 في المئة، وهناك 900 ألف طفل في مراكز الإيواء يعانون خطر الجفاف والمجاعة وأمراض الجهاز الهضمي والتنفسي والأمراض الجلدية وفقر الدم". ويشير متخصصون في علم النفس الاجتماعي إلى أن مشاهد الحرب الدائرة منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، كالقصف ورؤية الأشلاء والمصابين تحت الأنقاض والتعرض لبتر أطراف، سيوِّلد لدى الأطفال في غزة سلسلة صدمات نفسية متواصلة تكون في غالبيتها طويلة وعميقة ومعقدة.

وأوضح الطبيب ناهض أبو طعيمة مدير مستشفى "ناصر" أن الأطباء، أمام العدد الكبير من الجرحى ونقص الإمكانات، لا يجدون خياراً آخر غير البتر لتجنب المضاعفات. أضاف "نضطر أحياناً للمفاضلة بين إنقاذ حياة المصاب أو إنقاذ طرفه المصاب".

في حين تحدث مدير مستشفى "الكويت" في رفح جمال الهمص عن ارتفاع إصابات بتر الأطراف السفلية بشكل كبير بخاصة بعد انتهاء الهدنة بين إسرائيل و"حماس" في الأول من ديسمبر (كانون الأول) الجاري. ورجح الهمص "استخدام إسرائيل أنواعاً جديدة من الأسلحة والمقذوفات تؤدي إلى هذا النوع من الإصابات".

إعاقات دائمة

وبحسب تقديرات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، بلغ عدد الأفراد ذوي الإعاقة في فلسطين قبيل الحرب على قطاع غزة، في السابع من أكتوبر الماضي، 115 ألف فرد شكلوا ما نسبته 2.1 في المئة من عدد السكان. وبحسب التوقعات لعام 2023، سيبلغ عدد الأطفال ذوي الإعاقة في القطاع نحو 98 ألف طفل في الفئة العمرية ما بين سنتين و17 سنة، منهم نحو ستة آلاف طفل في الفئة العمرية ما بين سنتين وأربع سنوات، وما يقارب 92 ألف طفل في الفئة العمرية ما بين سنتين و17 سنة. ولفت تقرير الإحصاء إلى أن الإجراءات الإسرائيلية على قطاع غزة تسببت في الإعاقات الحركية لنحو 2000 فرد بالغ مشكلة ما نسبته تسعة في المئة من الأفراد البالغين من ذوي الإعاقة الحركية، ونحو ثلاثة في المئة من الأطفال دون الـ18 سنة من ذوي الإعاقة. وأضاف التقرير أن الجرحى في قطاع غزة منذ بدء الحرب وبخاصة الأطفال الذين يشكلون 17 في المئة من مجمل الجرحى، يعانون تداعيات مختلفة تتمثل في إصابات جسدية خطرة، قد يحتاجون على أثرها إلى جراحات متكررة وعلاجات طبية مكلفة، وأن الإصابات قد تؤدي إلى الإعاقة والعجز الدائم مما يؤثر على مستقبلهم، كما أكد التقرير أن معظم الجرحى من الأطفال يعانون صدمة واضطرابات نفسية نتيجة الإصابات الناتجة عن الحرب، مما يؤثر على تطورهم النفسي والاجتماعي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ووفقاً لمسح الظروف النفسية الذي نفذه جهاز الإحصاء الفلسطيني مع البنك الدولي، العام الماضي، حول الصحة النفسية والحرب على قطاع غزة، تبين أن أكثر من ثلثي الأفراد يعانون الاكتئاب، وترتفع مستويات أعراض اضطراب ما بعد الصدمة في الفئات العمرية بين 18 و29 عاماً، وقدر المسح العنقودي أن نحو 52,450 طفلاً ما بين خمس و17 سنة من المتوقع أن يعانوا من التوتر في عام 2023، في حين ما يقارب 13 ألف طفل سيعانون علامات الاكتئاب.

ظروف قاسية

ومع فرض إغلاق المعابر ومنع المواد الطبية الأساسية من الوصول للقطاع، وانخفاض قدرات الرعاية الصحية مع تزايد عدد المصابين والاستهداف المباشر للمستشفيات ومراكز الرعاية والطواقم الطبية، رجحت وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين "الأونروا" أن يرتفع عدد الأفراد ذوي الإعاقة نتيجة الحرب الحالية إلى ما يقارب 12 ألف فرد. وأكدت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا "الإسكوا" أن الأشخاص ذوي الإعاقة أصبحوا معرضين لمخاطر مزدوجة جراء القصف وعجزهم عن الوصول للخدمات الصحية الأساسية.

وأشارت المنظمة الدولية للمعوقين handicap international إلى أن المعوقين في غزة "اضطروا إلى التخلي عن أدويتهم وأجهزتهم الطبية في بعض الملاجئ أثناء فرارهم من القصف، وأن تعايشهم مع هذه الظروف الإنسانية صعب جداً ويزيد من تعقيد حالتهم الصحية". وبينت المنظمة، التي تتخذ من باريس مقراً رئيساً لها، "أن ذوي الإعاقة (بمن فيهم مبتورو الأطراف)، أصبحوا عاجزين عن الهرب في حال حدوث هجوم بالقرب منهم أو في الملاجئ التي آووا إليها، مما يعرضهم للخطر من دون توفر إمكانية الإجلاء بشكل عاجل."

قصف وتدمير

الضغط الهائل على مستشفيات ومراكز الرعاية الصحية في غزة نتيجة تدفق أعداد كبيرة من المصابين يومياً، ضاعف احتمالات حدوث إعاقات دائمة للجرحى، وإلى جانب تدمير عشرات مراكز التأهيل والدعم النفسي والعلاج الوظيفي، طال القصف والتدمير المستشفى الوحيد والأكبر في غزة للتأهيل والأطراف الصناعية. وازداد الأمر تعقيداً بالنسبة لمبتوري الأطراف بشكل خاص والمعوقين بشكل عام، بعد أن قال الجيش الإسرائيلي في الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، إنه اكتشف، خلال عمليته البرية في شمال قطاع غزة، نفقاً تستخدمه حركة "حماس" في حديقة مستشفى "الشيخ حمد" للتأهيل والأطراف الصناعية. ونشر الناطق باسم الجيش باللغة العربية أفيخاي أدرعي مقطع فيديو يظهر فتحات أرضية في حديقة المستشفى، وعلق عليه عبر حسابه على منصة "إكس" كاتباً "نكشف عن استخدام حماس السخيف لمستشفى الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني في مدينة غزة الذي تم تمويل بنائه من قبل الحكومة القطرية". أضاف "لقد كشف جنودنا عن بنية تحت الأرض داخل المجمع الطبي وقيام مخربين من حماس بإطلاق النار صوب قواتنا من داخل المستشفى".

بدروه، استنكر رئيس اللجنة القطرية لإعادة إعمار غزة محمد العمادي المزاعم الإسرائيلية معتبراً أنها "محاولة مفضوحة لتبرير استهداف الاحتلال للأعيان المدنية، بما في ذلك المستشفيات والمدارس وتجمعات السكان وملاجئ إيواء النازحين". وشدد العمادي على أن "مثل هذه المزاعم يجب ألا تطلق جزافاً"، مطالباً بألا يؤخذ بالرواية الإسرائيلية باعتبارها واقعاً ماثلاً من دون تحقيق مستقل. وأوضح العمادي أن مستشفى الشيخ حمد في غزة، الذي أنشئ بتمويل قطري عام 2019 "أحد أهم المرافق الطبية في غزة التي تقدم خدمات ضرورية لشريحة واسعة من المدنيين"، مطالباً "المجتمع الدولي بالاصطفاف بحزم لإدانة استهداف الخدمات الصحية في غزة وإلزام إسرائيل باحترام القوانين الدولية".

تزايد مستمر

وفي ظل تدحرج الحرب نحو شهرها الثالث، تزداد إحصائيات القتلى والجرحى في الضفة الغربية بشكل يومي، ووفقاً لوزارة الصحة الفلسطينية في رام لله، قتل، منذ السابع من أكتوبر الماضي، أكثر من 313 فلسطينياً وجرح أكثر من 3300 آخرين، وبحسب شهادات مسعفين وأطباء في أقسام الطوارئ بالمستشفيات، أصيب معظم الجرحى الفلسطينيين برصاص حي في الأطراف السفلية. وأشارت منظمات حقوق الإنسان ومنظمات طبية إلى أن نشر إسرائيل القناصة وتخطيطها الدقيق وعدد الإصابات الكبير في الأطراف السفلى، يعني أن هناك سياسة إسرائيلية تستهدف هذه الأطراف. وقالت منظمة "أطباء بلا حدود"، في وقت سابق، إنها سجلت مستوى حاداً من تحطيم العظام وتمزيق الأنسجة المرنة والتسبب بجروح كبيرة بحجم كف اليد للجرحى الفلسطينيين في مناطق متعددة.

في حين أوضح جهاز الإحصاء الفلسطيني، في بيان، صدر عنه بمناسبة اليوم العالمي للأفراد ذوي الإعاقة أن عدد الأفراد من ذوي الإعاقة من سكان الضفة الغربية بلغ 59 ألفاً ويشكلون 1.8 في المئة من إجمالي سكان الضفة الغربية. وأكد الجهاز أن الأسباب المرتبطة بالإجراءات الإسرائيلية والحروب كانت السبب في إحداث إعاقة واحدة على الأقل لنحو ستة في المئة من الأفراد بعمر 18 سنة فأكثر، بواقع ثمانية في المئة في قطاع غزة مقابل أربعة في المئة بالضفة الغربية.

المزيد من تقارير