أثار نجاح الاستفتاء الشعبي على الدستور في تشاد تكهنات واسعة النطاق في شأن ما تحمله المرحلة المقبلة لهذا البلد على الصعيد السياسي، بعد أن شهدت مرحلة انتقالية دامت لسنتين ونصف السنة إثر مقتل الرئيس محمد إدريس ديبي على الجبهة عندما كان يقاتل المتمردين بعد 30 عاماً قضاها في السلطة.
يخيم الجدل على الشارع السياسي في تشاد، التي تعد أحد مفاتيح الاستقرار في منطقة الساحل الأفريقي الغارق بالفوضى الأمنية، إذ يرى كثيرون أن الدستور الجديد سيعبد الطريق نحو تولي نجل ديبي، محمد ديبي إنتو، الرئاسة خصوصاً أنه يحظى بدعم قوي من الجيش في الداخل ومن فرنسا والولايات المتحدة الأميركية في الخارج.
قبل أشهر لم يتردد الجيش في تعيين ديبي الابن رئيساً للبلاد، في خطوة أثارت غضباً من المعارضة التي لا تملك كثيراً من الخيارات في مواجهة هذا التمشي على رغم مخاوفها المعلنة من توريث الحكم، مما قد يكرس هيمنة سلالة ديبي على السلطة في البلاد.
وترى المعارضة، التي قاطعت الاستفتاء، أن الغاية منه تهيئة الظروف لترشح ديبي البالغ من العمر (37 سنة) إلى الرئاسة، خصوصاً أنه أظهر التزاماً كبيراً بنهج والده في الحكم، وبدا كأنه الرجل القوي الجديد في تشاد بعد أن حظر في وقت سابق التظاهرات إثر يوم وصف بـ"الخميس الأسود" في البلاد، إذ شهد الـ20 من أكتوبر (تشرين الأول) 2022 مقتل 300 متظاهر شاب على يد الجنود والأمن، بحسب ما قالته منظمات غير حكومية.
ديبي مرشح بقوة
محمد ديبي إنتو، الذي تدور حوله السجالات في تشاد حالياً برز على واجهة الأحداث غداة مقتل والده متأثراً بإصابته على جبهة القتال في العاصمة إنجامينا بعد اقتراب المتمردين منها، نصب رئيساً موقتاً للبلاد في عام 2021 بعد أن قضى 37 عاماً في كنف والده.
والآن، بات التساؤل الملح الذي يخامر كثيرين: هل سيمهد اعتماد الدستور الجديد الذي وضع ترتيبات وقواعد جديدة للتنافس السياسي على منصب الرئاسة لوصول ديبي الابن إلى الحكم؟
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يجيب الباحث السياسي التشادي، يامينغاي باتينباي، "بالفعل السيد محمد إدريس ديبي إنتو هو المرشح الأوفر حظاً لتولي الرئاسة في المرحلة المقبلة، خصوصاً أن الدستور الجديد يكرس قواعد جديدة على غرار السن، فهذا الدستور يضع أدنى سن للمرشح للرئاسة 35 سنة بعد أن كان في الدستور السابق 45 سنة، هذا عنصر حاسم يسمح لرئيس المجلس الانتقالي ديبي بالترشح".
وأوضح باتينباي لـ"اندبندنت عربية" أن "الاستفتاء على الدستور يشكل انتصاراً لديبي وللحوار الوطني، خصوصاً أنه احترم خريطة الطريق التي وضعت قبل ذلك، ولا سيما أنه استحقاق مر بسلام إذ لم نسجل أعمال عنف أو اضطرابات أو غير ذلك".
وشدد على أن "تشاد وهي في حالة الانتقال الديمقراطي في السنتين الماضيتين مرت بحوادث عدة واحتجاجات وغير ذلك، ومع ذلك نجح رئيس المجلس الانتقالي السيد محمد ديبي إنتو في إنجاح الاستفتاء من دون تسجيل حوادث بارزة أو من شأنها التأثير في هذا الاستحقاق، وهو يمثل نصراً إضافياً له قد يساعده في الاستحقاق الرئاسي المرتقب".
مطبات أمام ديبي
في المقابل، يواجه ديبي وابلاً من الانتقادات من قوى المعارضة التي تبدو عاجزة بشكل كبير على عرقلة خططه السياسية، خصوصاً أن تعديلات أجريت على الدستور قبل أيام من إجراء الاستفتاء كانت تخدمه لكن خصومه لم ينجحوا في منع ذلك، مما جعلهم يقاطعون حملاتهم لحث السكان على التصويت بـ"لا".
ولم تحدد تشاد بعد موعداً لإجراء الانتخابات الرئاسية، وكان آخر استحقاق شهدته البلاد في عام 2021 عندما اكتسحه ديبي الأب بـ76 في المئة من الأصوات ليفوز بولاية خامسة قبل أن يستولي متمردون على قرى قريبة من العاصمة، مما جعله يقدم على حشد مئات من الجنود في مسعى إلى صد هؤلاء، لكنه قتل على الجبهة.
ومن المرتقب أن ينظم الاستحقاق الرئاسي العام المقبل على رغم تحفظات المعارضة التي أبدت مخاوفها من تكريس ما سمته حكم "سلالة ديبي"، في ظل مسعى رئيس المجلس الانتقالي إلى الترشح للرئاسة.
واعتبر الباحث السياسي التشادي أحمد لاري أن "الاستفتاء يشكل فشلاً سياسياً ذريعاً لمحمد ديبي إنتو، فمعظم قوى المعارضة قاطعته والشعب أيضاً، إذ كانت مكاتب الاقتراع فارغة ومع ذلك أعلنت مشاركة 63 في المئة من الناخبين فيه".
ولفت لاري في تصريح خاص إلى أن "التشاديين كانوا يعلمون أن هذه النتائج والنسب جهزت سلفاً، ومع ذلك هي تمثل انتكاسة لديبي، ومشروع حكمه محكوم عليه بالفشل، لذلك لا أعتقد أن طريقه للسلطة في بلادنا ستكون مفروشة بالورد، بالعكس سيواجه عديد من المطبات، وأولها الشعب الذي لم يعد يرضى بتوريث الحكم".
وأشار المتحدث إلى أن "في الأثناء يمكن أن تخدم ديبي بعض العوامل مثل ما تبديه دول مثل الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا أو دول عربية من دعم له باعتبار أنه يتحدر من قبيلة عربية، وأيضاً دعم الجيش لكن ذلك وحده لن يكون كافياً لحكم بلد مثل تشاد".
وفي ظل الأوضاع التي تبدو على رمال متحركة في منطقة الساحل التي تقع فيها بلاده، فإنه من غير الواضح ما إذا كان ديبي سيقدم عروضاً مغرية إلى التشاديين من شأنها أن تجلب لهم السلام والاستقرار، خصوصاً أن الأصوات التي تنادي بتكريس أنظمة حكم أخرى مثل الفيدرالية لا تزال عالية في هذا البلد.