Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

زليخة المرأة/ الرمز في رواية الجزائرية آسيا جبار

"امرأة لا ضريح لها" عن مناضلة الساعات الأولى التي اختفت في براح الثورة

آسيا جبار (1936 - 2016) (أ ف ب)

ملخص

"امرأة لا ضريح لها" عن مناضلة الساعات الأولى التي اختفت في براح الثورة

منذ أطلت على هواة السينما العربية الأكثر جدية من خلال فيلمها "نوبة نساء جبل شنوة" أدرك مشاهدو هذا الفيلم عند بداية سبعينيات القرن الـ20 أنهم أمام شكل آخر من أشكال الإبداع النسائي العربي، لا سيما الجزائري منه. كانت آسيا جبار بالنسبة إليهم مفاجأة "سينمائية حقيقية"، لكن المفاجأة كانت أكبر حين اكتشفوا بسرعة أن آسيا جبار ليست سينمائية في الأصل بل كاتبة روائية تكتب بلغة المستعمر نصوصاً لا تنطلق فقط ضد ذلك المستعمر خائضة المعركة الأقل قسوة بالنسبة إليها لمقارعته، بل تنطلق خصوصاً في معركتها الأصعب ضد تخلف المجتمع بفعل وجود ذلك المستعمر. وفي دفاع غير متوقع عن تينك النساء اللاتي، سنوات طويلة بعد حصول بلدهن على الاستقلال ها هن يشعرن أنهن حتى ولو بذلن الجهود مضاعفة في نضالهن ضده فإنه لا شيء تغير بالنسبة إليهن بعد رحيل المستعمر. فالاستقلال حصدت ثماره من قبل مجتمع الرجال ولم تنعم النساء به. وكان ذلك على أي حال موضوع فيلم "نوبة نساء جبل شنوة" لكنه كان كذلك موضوع عديد من روايات آسيا جبار البديعة الأخرى. وبخاصة ذلك الكتاب المتأرجح بين أن يكون رواية وأن يكون سيرة لامرأة حقيقية كانت من المناضلات المبكرات لكن نضالها لم يتواصل سوى عام ونيف اختفت بعدهما في مجاهل الثورة ولم تعثر بنتاها أبداً على جثمانها كي تجعلا لها قبراً يزار.

تحية إلى زليخة

في ذلك الكتاب وعنوانه "امرأة لا ضريح لها" قدمت آسيا حبار ما اعتبرته تحية تكريم لزليخة التي اختفت في مجاهل مناطق الثوار في عام 1958، إذ إن جبار نفسها كانت حين تتحدث عن كتابها تفضل أن تسميه "كتاب زليخة" هي التي كتبته بعد أن انتهت من كتاب نسوي آخر جعلت من عنوانه رداً بشكل من الأشكال على العنوان الذي اختاره أوجين ديلاكروا للوحته "الجزائرية" الكبرى التي التقط مشهدها خلال زيارته الشهيرة إلى الجزائر قبل ذلك بقرن ونيف، "نساء الجزائر في شقتهن". بالنسبة إلى آسيا جبار لا شك أن ديلاكروا رسم مشهداً كاذباً لأن من المستحيل عليه أن يكون قد دخل بالفعل عالم نساء الجزائر الداخلي ليرسمه. أما هي فلقد وصفت ذلك العالم في كتابها. لكنها حين انتهت منه انكبت على زليخة متحدثة عن استحالة أن تكون لها شقة تأوي إليها بعد الموت. فللمرأة في الجزائر أيام الثورة كما أيام الاستعمار كما بعد الموت لا مكان ولا وجود بالتالي، تماماً كما حال ليلى في "نوبة نساء جبل شنوة" الفيلم الذي يتابع بصرياً وشاعرياً هذه المرة مصير المرأة الجزائرية. وهو السياق نفسه الذي جعلته الكاتبة لنساء رباعية زمن الاستعمار ("الحب"، "الغرابة" "الظل السلطان"، و"فسيح هو السجن")، لترصد بعد ذلك كيف أن مصير المرأة الجزائرية لم يتبدل حتى في سنوات الـ90 وبعد عقود من حصول ذلك البلد على استقلاله الذي، وكما تقول لنا جبار في "نوبة نساء جبل شنودة" ظل يعامل المرأة بدونية رغم نضالها وتفوقها على الرجل، زوجها العاجز جسدياً على أي حال، وتلك المرة من خلال روايتها الأشد مرارة "ليالي ستراسبورغ" التي أصدرتها في سنوات الـ90 فأتت تعبق بمرارة مضاعفة.

في مجمع الخالدين

آسيا جبار التي كان اسمها الحقيقي فاطمة الزهراء وكانت عضواً عربياً وحيداً في الأكاديمية الفرنسية (مجمع الخالدين) حين رحلت عن عالمنا، وذلك بعد أن أصدرت نحو دزينتين من كتب كبيرة قرئت على نطاق واسع، فيما كانت هي تختم سنوات تدريس في جامعة ولاية لويزيانا الأميركية، جعلت من استعادة ذكرى نساء بلدها الأصلي الجزائر مهمة إبداعية. وهي روت بنفسها كيف أنها تقصدت أن تحول عملاً كانت قد بدأته في كتابها "امرأة لا ضريح لها" إلى رواية بعد أن بدأته على شكل تحقيق يكاد يكون صحافياً، فتقول إنها كانت قد أنجزت قرابة 50 صفحة من ذلك النص الذي أرادت تخصيصه للحديث عن زليخة التي كانت في الأصل قد انضمت إلى الثوار الجزائريين منذ الساعات الأولى لانتفاضتهم وكانت في سنواتها الـ40. لكن السلطات العسكرية الفرنسة سرعان ما اعتقلتها في عام 1958 فاعتبرت مفقودة. وهنا تروي آسيا جبار علاقتها بزليخة وبالكتاب حيث إنها التقت ابنتي المناضلة المفقودة للتباحث معهما في شأن التطرق إلى الحديث عن أمهما في سياق سيناريو "نوبة نساء جبل شنوة" الذي تهديه إلى زليخة منذ مفتتحه "لكني في صيف عام 2001 عدت إلى الموضوع نفسه وقد شعرت أن الاكتفاء بإهداء الفيلم إلى زليخة غير كاف. وراح يستبد بي شعور بالذنب لكوني أنا الأخرى لم أفِ تلك المرأة حقها. بل إن شعوري بالذنب كان عاماً في تلك المرحلة إذ رحت أحس بأننا نكاد نخون ذكرى الأبطال المنسيين في وقت نضخم فيه من دور الأبطال المعترف بهم. وكنت أسأل نفسي: ترى أي مكان في الذاكرة العامة لبطلات من طينة زليخة؟ وكنت قد بدأت أدرك كم أن النساء دفعن غالياً ثمن الحرب الأهلية التي خاضتها الجزائر في الثمانينيات والتسعينيات. ومن هنا قررت أن أقلب رأساً على عقب توجهي وقد ازداد شعوري بأني أنا الأخرى قد ظلمت زليخة".

الحكاية بشكل مختلف

وهكذا استعادت آسيا جبار حكاية زليخة من جديد وحولت الكتاب التكريمي الذي كانت قد توافقت عليه مع ابنتيها إلى ما سيبدو رواية حقيقية عن المرأة الجزائرية. ولقد تمكنت من ذلك بعد أن توافر لها من المعلومات عن حياة زليخة الحقيقية مما جعلها تشعر بأن هذه المرأة الجزائرية يمكن أن تكون رمزاً لكل النساء الجزائريات، لا سيما إن تم التعامل مع حياتها روائياً، أي تعاملاً يحولها إلى رمز بل يحول ضياع جسدها إلى كناية عن ضياع المرأة الجزائرية نفسها. وهكذا ما لبث الكتاب أن اتخذ كينونته متابعاً حياة زليخة التي لم تعد هي نفسها بل باتت كل امرأة جزائرية. فمنذ مرور زليخة بالمدرسة الفرنسية في سنوات الـ30 في إحدى قرى منطقة متيجا، ثم انخراطها في الحياة الاجتماعية عبر زيجات وطلاقات متتالية وإنجاب للأولاد، وصولاً إلى انتقالها للعيش في المدينة مع زوج يختلف عنها كل الاختلاف، راحت تتبدل كل الترسيمات المعتادة لحياة المرأة الجزائرية. وتتابع آسيا هنا حكاية هذا الكتاب مؤكدة أن ما راحت تحاوله منذ عثورها على الخيط الذي ربطت به مصير زليخة بتاريخ المرأة الجزائرية، إنما كان "وضع المرأة في نقطة المركز من الدينامية الحقيقية لحياة المرأة الجزائرية، الدينامية التي بالكاد كان يمكن أحداً التقاطها في ذلك الوقت المبكر. ولقد ساعدتني في ذلك التوجه روايات حكايات منهن على وجه الخصوص امرأتان تقليديتان حافظتان للذاكرة الجماعية، أذكر منهما بصورة خاصة العمة زهرة الفلاحة التي عبثاً تسعى لدى السلطات الوطنية للحصول على شقة في المدينة ليتامى زليخة... وعبثاً فقط لأنها قدمت طلبها مراراً وتكراراً باللغة البربرية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

العصافير تختفي

وتؤكد آسيا جبار أن روايتها كانت تحمل في البداية عنواناً مغايراً لكنه أكثر شاعرية، "عصافير الموزاييك". لكنها غيرته إلى "امرأة لا ضريح لها" على أثر انتهائها من متابعتها بعد أحداث 11 – 9 في نيويورك حيث "على مبعدة 10 دقائق من بيتي هناك سيبقى ثلاثة آلاف شخص من دون أضرحة... مهما يكن، من أجل ذلك النص الذي بات الآن رواية، كان عليّ أن أعيد اختراع ابنتي زليخة اللتين كانتا قد غابتا في أعماق ذاكرتي سنوات طويلة". ومهما يكن فلا بد من أن أشير إلى أنني كما أفعل دائماً، وكما تفعل الكاتبات الجزائريات عادة، كان لا بد لي أن أكتب على عجل ضد التخلف وضد هيمنة النظرة الذكورية على الحياة الاجتماعية في الجزائر وبأكثر قسوة مما كان الأمر قبل الاستقلال. إنها محاولة أخرى مني لدمج التاريخ الصامت والمضاء بنور شاحب، وأعني به تاريخ المرأة الجزائرية في بلادنا" وهذا مما يجعل آسيا جبار التي رحلت عن عالمنا عام 2016 عن 80 عاماً، تختم كلامها مذكرة بكيف أنه عند بدايات القرن الـ20 عند نهاية الحرب العالمية الأولى عرفت نساء إيران ومصر ولبنان وتونس وتركيا والعالم العربي عموماً حركة تحرر هائلة أين نحن منها الآن؟!".

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة