Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إيران والانتخابات... النظام أولا (6)

وصول حسن روحاني إلى رئاسة الجمهورية كان خياراً منطقياً لمرحلة انتقالية بفضل استعداده لتحمل الآثار الأيديولوجية والتفاوض مع أميركا

سياسات أحمدي نجاد الاقتصادية أوصلت إيران إلى حدود الإفلاس (رويترز)

ملخص

على رغم الجهود التي بذلها التيار المحافظ في محاصرة الآثار الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لوجود روحاني على رأس السلطة التنفيذية لم يستطع رئيس مجلس صيانة الدستور أحمد جنتي الفوز إلا بعد تدخل الغرفة السوداء.

لا شك أن الإرث الذي تركته رئاسة محمود أحمدي نجاد في السلطة التنفيذية كان باهظاً على النظام، وأدخله في أزمات حقيقية على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، في الوقت الذي كان من المفترض أن تؤسس رئاسته لتثبيت أرضية مشروع الدولة العميقة واستراتيجيتها للإمساك بكل مفاصل القرار الديني والرسمي في النظام والدولة والانتقال إلى حسم كل المستويات في إطار مشروع التمكين وبناء الحكومة الإسلامية التي تريدها.

كان الرهان لدى النظام، أن الوفرة المالية والبالغة أكثر من 700 مليار دولار التي تركتها حكومة الرئيس محمد خاتمي، إلى جانب ما يمكن أن تحققه من عائدات نفطية في ظل ارتفاع غير مسبوق لأسعار الطاقة في الأسواق العالمية، ستساعد على إعادة ترميم صورة النظام ومؤسساته، والانطلاق نحو سياسة تنمية شاملة ومستدامة، إلا أن سياسات أحمدي نجاد الاقتصادية وعمليات التخريب التي قادها على مستوى إدارة الدولة وهذه العائدات أسهمت في تبخر هذا المخزون المالي وأوصل الدولة إلى حدود الإفلاس وتعطيل العملية الإنتاجية على جميع المستويات، الصناعية والزراعية وحتى السياسية والإدارية.

وقد تزامنت هذه السياسات الاقتصادية التخريبية مع تصاعد التوترات مع المجتمع الدولي نتيجة سياسات الرئيس في التعامل مع ملفات متعددة في مقدمتها العلاقات الدولية والمفاوضات حول البرنامج النووي، فواجهت إيران والنظام معها حزمات من العقوبات الدولية وسلسلة من القرارات عن مجلس الأمن، إضافة إلى قرارات فردية من بعض الدول الغربية، في مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية، بحيث أدت إلى تراجع قدرات إيران على تصدير النفط والغاز إلى مستوى أقل من 500 ألف برميل في اليوم وبطرق ملتوية قللت من عائداتها المالية بشكل كبير، فضلاً عن انسحاب كل الشركات الأجنبية العاملة في قطاعات الطاقة وحقول النفط والغاز التزاماً بالعقوبات.

تضافر هذه الأسباب وضع النظام في مواجهة خطر الانهيار الداخلي وتصاعد الأزمات، الأمر الذي دفعه أو أجبره للبحث عن آلية تساعد على الخروج من هذا المأزق الوجودي، والذهاب إلى خيار قد يكون مؤلماً على المستوى السياسي بضرورة اللجوء إلى مرحلة انتقالية تسمح له بترميم ما أصاب الدولة والاقتصاد من أعطاب، وعلى المستوى العقائدي بالمجيء برئيس للجمهورية يكون قادراً على تحمل العبء الأيديولوجي لإظهار المسار التفاوضي الذي بدأ في الخفاء مع الولايات المتحدة الأميركية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وصول حسن روحاني إلى رئاسة الجمهورية، وإن لم يكن خيار النظام المطلوب، إلا أن طبيعته الحيادية، وكونه مواكباً منذ البدايات لسياسات النظام الاستراتيجية ولعب دوراً بارزاً في مفاوضات وقف إطلاق النار في الحرب مع العراق والقبول بقرار مجلس الأمن 598، إضافة إلى مواكبته للعملية التفاوضية حول البرنامج النووي مع الترويكا الأوروبية (ألمانيا وفرنسا وبريطانيا) من موقع في أمانة المجلس الأعلى للأمن القومي، جعله خياراً منطقياً، بخاصة أنه كان على استعداد لتحمل الآثار الأيديولوجية وكسر حالة الامتناع عن التفاوض مع أميركا والتوصل إلى اتفاق حول مختلف المسائل والتأسيس لمسار تطبيع العلاقات معها، ليس فقط من باب الضرورات، بل أيضاً انطلاقاً من قناعة لديه بضرورة الانتقال إلى هذه الخطوة.

حاول لا بل عمل النظام على توظيف الإقبال الشعبي على التصويت لصالح حسن روحاني وتصويره على أنه استفتاء شعبي على شعبية النظام وقوة تمثيله للشارع الإيراني والموافقة على سياساته واستراتيجياته، بخاصة أنه لم يكن يعتقد أو يدور في حسبانه أن يكون روحاني قادراً على تأسيس حالة سياسية وشعبية فاعلة على حساب التيار المحافظ أو الموالي للنظام، إلا أن نجاح روحاني وفريقه الدبلوماسي في عقد الاتفاق النووي مع الإدارة الأميركية في يوليو (تموز) عام 2015، تحول إلى مصدر قلق لدى النظام وقيادته، التي فضلت النأي بنفسها والتنصل من هذا الاتفاق والتزاماته وحتى عن مسؤوليتها في منح روحاني الضوء الأخضر لعقد هذا الاتفاق، بخاصة أن المسلمة الأكيدة أن أي خطوة مثل تلك وما فيها من تحول استراتيجي وأيديولوجي لا يمكن أن تحصل من دون موافقة المرشد وقبوله.

وقد يكون القرار الذي اتخذه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب بالانسحاب من الاتفاق النووي والعودة إلى سياسة العقوبات الخانقة، قد قدم خدمة للنظام والدولة العميقة، التي انتبهت إلى أن الاتفاق قد يؤسس إلى حالة سياسية غير مرغوب بها ولا يريدها، ومن الممكن أن تساعد في ظهور وبلورة تيار سياسي جديد اعتدالي مختلف، لا يحمل خطاباً متناقضاً مع خطاب النظام، بل لغة جديدة لا تخرج عن الأسس والمبادئ، لكنها لا تسعى لتغليب الجانب الأيديولوجي على الجانب الجمهوري في النظام، بخاصة أن خطاب روحاني وما يحمله من اعتدال، استطاع تحقيق خرق واضح في الانتخابات البرلمانية خلال دورته الرئاسية الأولى (2013 – 2017) وفرض نفسه شريكاً نسبياً في السلطة التشريعية، الأمر الذي استنفر منظومة السلطة ودفعها لتفعيل جهودها لتطويق هذه الحالة ومحاصرتها قبل أن تتسع وتتعمق وتؤسس لمسار قد يتحول إلى مصدر قلق لها، ويضعها مرة جديدة في مواجهة ثنائية سياسية وحزبية لا تخدم مصالحها، أو وريث جديد للخطاب الإصلاحي الذي بذلت جهوداً كبيرة لمحاصرته وإضعافه وإخراجه من المعادلة.

وعلى رغم الجهود التي بذلها التيار المحافظ ومنظومة السلطة في محاصرة الآثار الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لوجود روحاني على رأس السلطة التنفيذية، إضافة إلى الحرج الكبير الذي سببه للنظام في انتخابات مجلس خبراء القيادة عندما اكتسحت اللائحة التي شكلها لائحة النظام والتيار المحافظ، لم يستطع رئيس مجلس صيانة الدستور أحمد جنتي الفوز إلا بعد تدخل الغرفة السوداء، بخاصة أن المرشد كان يريده رئيساً لهذا المجلس في هذه المرحلة الدقيقة التي تشهد بحثاً جديداً في ترتيب الأمور لانتخاب خليفة له لتولي منصب قيادة الثورة والنظام وموقع ولي الفقيه.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل