Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مهسا أميني... عنوان للتغيير في إيران أم للصدام الدائم مع السلطة؟

أصبحت مسألة الحجاب خطاً أحمر للنظام خوفاً من تآكل شرعيته والنساء الإيرانيات بحثاً عن حقوقهن المسلوبة

أطلقت وفاة مهسا أميني العنان لغضب مكبوت في شأن قضايا عدة من بينها الحريات الشخصية (أ ف ب)

ملخص

تحمل احتجاجات الحجاب دلالات عدة على أكثر من مستوى في إيران، بعدما أصبحت عنواناً للصدام بين السلطة والمجتمع من وقت إلى آخر

رغم الاحتجاجات التي شهدتها إيران على مدار الأعوام الخمسة الأخيرة، فإن احتجاجات الحجاب التي اندلعت في سبتمبر (أيلول) 2022، وامتدت أشهراً طويلة على خلفية مقتل الشابة مهسا أميني، شكلت أهم التحديات التي واجهت السلطة في إيران، مما دفع إلى التساؤل عن دلالة احتجاجات الحجاب، وهل مثلت تغييراً يشهده المجتمع الإيراني؟ وهل من علاقة جديدة بين السلطة والشارع في إيران عنوانها الصدام الدائم؟

ولتحليل أهمية احتجاجات الحجاب في إيران، التي اعتبرت أهم التحديات التي واجهت النظام الإيراني في السنوات الأخيرة، لا بد من معرفة موقع الحجاب في النظام الإيراني.

مركزية الحجاب في النظم الإيرانية

تخلص الخميني بعد ثورة 1979 من شركائه في الثورة من التيارات السياسية الأخرى، وأسس نظاماً إسلامياً ثيوقراطياً، يقوم على حكم رجال الدين، وتطبيق مبادئ الشريعة الإسلامية وفق مدركات الخميني وجماعته، ولتمييز النظام الجديد عن نظام الشاه فرض الحجاب لباساً إلزامياً على المرأة في إيران.

ومن الملاحظ أن المرأة هي معركة النظم الإيرانية، حيث لم يبدأ تسييس الحجاب مع صدور قانون الجمهورية الإسلامية الذي يفرضه، بل مع قانون أقدم يحظر على النساء ارتدائه في الأماكن العام. ففي عام 1936، منع رضا شاه بهلوي، والد الشاه المخلوع، النساء من ارتداء الحجاب في الأماكن العامة، في محاولة لتغريب وتحديث إيران، وكان يجري انتزاع الحجاب بالقوة من النساء اللاتي يرتدين الحجاب في الأماكن العامة، حيث كانت النساء غير المحجبات يرمزن إلى الطابع العلماني الغربي.

بعد ذلك أصبحت النساء المحجبات يرمزن إلى الهوية الوطنية الإسلامية للجمهورية الجديدة في مرحلة ما بعد الثورة ولسلطتها السياسية. لم يكن الحجاب القسري يحظى بشعبية لدى عديد من النساء الإيرانيات منذ البداية، وحدثت إحدى أولى الاحتجاجات بعد الثورة عندما تظاهرت النساء ضد قانون الحجاب الإلزامي.

ومن ثم أصبح الحجاب الإلزامي قانوناً، وكذلك جزءاً من الهوية المركزية لإيران، وأصبحت النساء المحجبات رمزاً لمستوى سيطرة النظام على المجتمع، وتجسيداً لسلطة الدولة.

مهسا أميني شرارة التغيير

شهدت إيران سلسلة من الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت على خلفية وفاة فتاة كردية تدعى مهسا أميني بعد تعرضها للتعذيب في أثناء احتجازها لدى "شرطة الأخلاق"، التي تمثل ذراع النظام المسؤول عن فرض قانون الحجاب الإلزامي.

سرعان ما انتشر الغضب الشعبي على نطاق واسع، وانفجرت الاحتجاجات، وتحولت إلى أكبر تظاهرات تشهدها إيران منذ سنوات، وقد حفزت الاحتجاجات، التي قادتها النساء، شريحة واسعة من المجتمع الإيراني للانتفاض في واحدة من أهم الحركات السياسية، التي شهدتها إيران منذ تأسيسها في عام 1979.

كثيراً ما كان الحجاب، الذي يجري ارتداؤه بموجب القانون الإلزامي، بمثابة رمز لسلطة النظام الإيراني، لكن بعد الاحتجاجات ونزع النساء الحجاب والتلويح به في الاحتجاجات أصبح يرمز إلى الفجوة بين مطالب شعب، وما ترغب الحكومة في فرضه.

ومع تزايد رقعة الاحتجاجات في مختلف المحافظات الإيرانية وانضمام الرجال والطلبة والأجيال الجديدة إليها، واستمرار زخم تلك التظاهرات على مدار أشهر طويلة، وتلقيها الزخم الدولي، حيث فرضت الدول الأوروبية عقوبات على شخصيات وكيانات ارتبطت بفرض القمع على المتظاهرين.

أدرك النظام الإيراني أن شرعيته تآكلت، بخاصة مع القمع الوحشي للتظاهرات، لا سيما تعامله مع احتجاجات الحجاب أنها تمس هوية النظام، على العكس من الاحتجاجات الأخرى التي اندلعت لأسباب ارتبطت بمشكلات فئوية أو فساد وتدهور الأوضاع الاقتصادية، بعد انسحاب الرئيس الأميركي دونالد ترمب من خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015.

بعد احتجاجات الحجاب وما شهدته من زخم وتلقته من دعم يمكن القول إن مسألة الحجاب أصبحت خطاً أحمر لكل من النظام والنساء الإيرانيات.

دلالة خطورة الاحتجاجات

تحمل احتجاجات الحجاب دلالات عدة على أكثر من مستوى، تجعلنا نستنتج كونها أحدثت تغييراً، وأصبحت عنواناً للصدام بين السلطة والمجتمع من وقت إلى آخر. فعلى المستوى الداخلي، جاءت الاحتجاجات في ظل أجواء غير مؤكدة حول خلافة المرشد الإيراني علي خامنئي، التي تحمل معها احتمالات نشوب صراع على الخلافة في المستقبل القريب، ومن ثم يتزايد الاستياء الشعبي من النظام القائم، الذي تتآكل شرعيته حتى بين مؤيديه.

ففي حين تكون معركة النظام استمراره في فرض سيطرته على المجتمع، واستمرار السلطة في يد الحرس الثوري والتيارات المرتبطة، نجد الشعب الإيراني الذي حمل شعارات "المرأة، الحياة، الحرية"، وهتافات الموت للديكتاتور، يحمل رؤية لمجتمع أكثر مساواة ليس فقط على أساس الجنس والعرق. كذلك اختلفت تلك الاحتجاجات عن تظاهرات أكبر قد شهدتها إيران عام 2009، حينها كانت إدارة الرئيس باراك أوباما مترددة في دعم الاحتجاجات علناً، ربما لنية أوباما حينها دخول مفاوضات الملف النووي مع إيران، لكن إدارة جو بايدن الحالية أوضحت دعمها للاحتجاجات أمام الأمم المتحدة، وفرضت الولايات المتحدة عقوبات على شرطة الأخلاق الإيرانية، كما تعهدت توفير خدمات الأقمار الاصطناعية والإنترنت للمواطنين الإيرانيين بعد إغلاق الحكومة للاتصالات السلكية واللاسلكية.

وتتسع خطورة احتجاجات الحجاب كونها تماست مع مطالب الجماعات العرقية والإثنية المختلفة التي تعاني هي الأخرى في إيران تهميش حقوقهم كأقليات، حيث تنتهك حقوق الإنسان على نطاق واسع في إيران، ويزداد الوضع سوءاً عندما يتعلق الأمر بحقوق المرأة في إيران، التي من المفترض أنها محمية بموجب المادة 20 من الدستور، التي تنص على أن "يتمتع جميع مواطني البلاد، رجالاً ونساءً، بحماية القانون على قدم المساواة. التمتع بجميع حقوق الإنسان السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفقا للمعايير الإسلامية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومع ذلك لم تصدق الحكومة الإيرانية على اتفاق القضاء على جميع صور التمييز ضد المرأة (سيداو) لعام 1979، التي تضمن المساواة الكاملة للمرأة في جميع مجالات حياتها. ومن ثم كانت احتجاجات الحجاب في مواجهة اضطهاد النظام، التي انضم إليهم آلاف من الرجال، الذين يريدون إحداث التغيير لضمان احترام حقوق جميع الإيرانيين بغض النظر عن الجنس أو الدين أو العرق.

لم تتغير منظور النخبة الإيرانية الحاكمة، فيما يخص الحقوق والحريات، لا سيما أن من يمسك بمقاليد السلطات الحرس الثوري والتيار المتشدد، فقد تعهد الرئيس إبراهيم رئيسي القضاء على ظاهرة خلع الحجاب قبل أيام فقط من الذكرى السنوية الأولى لاندلاع الاحتجاج.

وعلى رغم اختفاء شرطة الأخلاق من الشوارع بعد اندلاع الاحتجاجات، فإنها عادت مع تراجع الاحتجاجات إلى الشوارع، وجرى تركيب كاميرات مراقبة للتعرف على النساء غير المحجبات ومعاقبتهن. وأعلنت الحكومة أن الحجاب أحد مبادئ الجمهورية الإسلامية، وأمرت القطاعين الخاص والعام برفض تقديم الخدمات لأية امرأة تخلت عنه.

ووافق مجلس الشورى الإيراني على مشروع قانون لفرض عقوبات أشد على النساء اللاتي يرفضن ارتداء الحجاب الإسلامي الإلزامي في الأماكن العامة، وعلى من يدعمهن، وقد جاءت هذه الخطوة بعد أيام فقط من مرور ذكرى عام على وفاة مهسا أميني.

من المؤكد أن استمرار منظور النظام الإيراني للتعامل مع الحجاب، باعتبار أنه من ركائزه الأساسية، يجعله متخوفاً لتآكل شرعية النظام على خلفية تراجع التزام الحجاب، وتتمثل التحديات الرئيسة التي ستظل تواجهها الحكومة هي الحفاظ على الاستقرار السياسي، واستقرار الوضع الاقتصادي المتردي، بخاصة معدل التضخم المرتفع.

ومن المتوقع عودة الاحتجاجات في ظل ما سبق، وبخاصة مع تهدئة التوترات بين إيران والولايات المتحدة خلال عام 2023 على خلفية صفقة الإفراج عن السجناء الأميركيين، وإفراج إدارة بايدن عن الأموال الإيرانية المجمدة، ومن ثم استعاد النظام ثقته إلى درجة قد تجعله لا يخشى استخدام القمع والسحق ضد التظاهرات مرة أخرى حال عودتها لأي سبب، لذا قد لا تبذل السلطة في إيران أي جهد، لتجنب أية بؤر توتر قد تدفع الإيرانيين إلى النزول إلى الشوارع مرة أخرى.

لكن من جهة أخرى، ربما اختفت الاحتجاجات من الشوارع الإيرانية، لكنها أسهمت في تطوير المعدات الاحتجاجية لدى المتظاهرين لتحدي النظام وللتعامل مع آلة القمع الإيرانية، التي سحقت التظاهرات، كما تغلبوا على محاولات الدولة استخدام لإنترنت للتعتيم على ما يحدث في الداخل.

يمكن القول إن التظاهرات التي هزت إيران كانت أكثر من مجرد قواعد اللباس، بل توسعت من أجل الحقوق والحريات، وفرص أفضل للحياة في ظل نظام متشدد يسود إدارته الفساد وعدم الكفاءة والعجز عن توفير حياة أفضل لمواطنيه.

ومن ثم، فقد أطلقت وفاة مهسا أميني العنان لغضب مكبوت في شأن قضايا، من بينها الحريات الشخصية والاقتصاد الذي يعاني العقوبات. وأضحت هذه الاحتجاجات جزءاً لا يتجزأ من الحركات الاجتماعية الأوسع، ومن المرجح أن يزيد قمع النظام وانتهاكه مزيداً من الحريات الاحتجاجات في المستقبل.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل