ملخص
انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي في لبنان فيديوهات لشبان في حالات عصبية غريبة يرجح أن تكون المخدرات وراءها
خلال الأيام الماضية صعق اللبنانيون بفيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي توثق شباناً يمرون بحالات عصبية غريبة، رجح بعضهم تعاطي هؤلاء نوعاً جديداً من المخدرات الكيماوية تدعى "الميثامفيتامين" أو "كريستال ميث"، وهي أحد التراكيب المعدلة لمخدر الكبتاغون "الأمفيتامين". غير أنه لا توجد تأكيدات رسمية حول أسباب هذه الفيديوهات أو حجم انتشار هذه المخدرات، إذ ما زالت الجهات الأمنية تدقق في تلك التسجيلات وتقوم بتحليلها بالتعاون مع جهات علمية.
يشير الرئيس السابق لمكتب مكافحة المخدرات الجنرال عادل مشموشي إلى أن "هذا المركب كناية عن مشتقات المواد الأمفيتامينية (Methamphetamine)، وله مفعول منشط ومنبه"، و"يشترك مع الكبتاغون في نفس المادة الكيماوية الأمفيتامين، ولكن بتركيز أكبر"، وبسبب هذا التركيز للأمفيتامينات فهو يشبه "الكوكايين"، لذلك فإن "التوعية على أخطاره مقدمة على الزجر والردع" لأن "تناوله ينطوي على أخطار كبيرة، وقد تؤدي جرعاته الزائدة إلى الوفاة الفورية نتيجة تسارع نبضات القلب". ومخدر "الكريستال ميث" متداول بكثرة في دول شرق آسيا كالصين واليابان وتايوان، وبعض دول أوروبا الغربية.
أعراض متعددة
يؤثر "الكريستال ميث" في الصحة العقلية للإنسان، كما أن استخدامه يؤدي إلى ارتفاع في مستويات الهرمونات في الجسد، كـ"الدوبامين" و"السيروتونين" و"النورادرينالين"، مما يؤدي إلى شعور بالطاقة وفرط اليقظة والحدة والنشوة وزيادة الرغبة الجنسية والثقة بالنفس والسعادة.
وهذا المخدر الذي يمكن أن يؤدي إلى الإدمان السريع بعد استخدامه لمرة واحدة أو اثنتين فقط، يتسبب في فقدان الوزن بشكل كبير والنوبات القلبية، إضافة إلى الغثيان والقيء وتلف الأسنان، إلى جانب اضطرابات النوم الشديدة والهلوسة والذهان ونوبات الهلع.
التسجيلات في طور الدراسة
يرجح مدير جمعية "جاد" لمناهضة المخدرات في لبنان جوزيف حواط أن "المخدرات التي ظهرت آثار تعاطيها في مجموعة من الشبان عبر التواصل الاجتماعي ليست الكريستال ميث"، لافتاً إلى أنه قام بدراسة بالتعاون مع نقابة الصيادلة لتحديد المخدر الذي قد يخلق هذه الأعراض. وأوضح أن "هناك مخدراً مستخدماً في الولايات المتحدة، وممنوعاً في دول الاتحاد الأوروبي وكذلك في معظم الدول العربية"، وهو "دواء يتناوله من يواجهون تشنجات وتمزقات عضلية". ويقدر حواط "تناول الشبان جرعة بين 14 و20 حبة ممزوجة مع كحول ومادة الكوديين والأسبيرين"، مستدركاً "نحن على تواصل مع الأجهزة الأمنية للتحقق من حقيقة التسجيلات والمواد المنتشرة بينهم، ونأمل ألا نكون أمام نوع جديد من المخدرات تتم تجربته في السوق اللبنانية".
المخاوف تزداد من مخدرات المستقبل
يرجح الباحثون انتشار "الحبوب المخدرة" بسبب سهولة ترويجها ونقلها، وإمكان تعاطيها من دون أن يلاحظ الآخرون وانخفاض ثمنها. ويلفت حواط إلى "تحول في عالم المخدرات لتتماهى مع الأدوية، وأن تحل مكان تلك التقليدية كالهيرويين والكوكايين والحشيش"، مشيراً إلى تقديرات دولية بظهور 700 صنف جديد كل عام على المستوى العالمي، لذلك لا بد من رفع مستويات الحذر، واتخاذ إجراءات احترازية لمواجهة دخولها إلى لبنان ومعرفة كمياتها.
الأدوية المخدرة
يزداد تعاطي المخدرات المصنعة في أوساط الشبان، ويعد "الكريستال ميث" أحد الأصناف الجديدة، ولكن في المقابل ينتشر في أوساط الشبان تعاطي بعض الأدوية. ويروي غسان الذي يعمل سائق سيارة أجرة أنه "منذ سنوات يتناول جرعات من الترامال التي تمنحه شعوراً بالقوة والنشاط والراحة النفسية والجرأة. ولكنه قرر أخيراً التوقف بصورة ذاتية، وبدأ مقاومة رغبته بتلك المادة، لأنه رجل صاحب إرادة". ويضيف "شاهدت أحد أصدقائي يتعاطى السيلفيا، كان في حال سيئة للغاية، وأصبح لدي خوف من تطور حالتي لتصبح مشابهة له"، "كما انعكست جرعات الترامال على حياتي الأسرية، بلغ الأمر بزوجتي أن طلبت الطلاق لأنني في إحدى المرات تركت ابني الصغير في الشارع من دون أن أعي ذلك، بدلاً من إرساله إلى المعلمة لتدريسه".
اقتصاد الكبتاغون
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يشكل الكبتاغون أسرع أنواع المخدرات انتشاراً في لبنان والعالم العربي، وتبذل القوى الأمنية جهوداً متزايدة لمكافحة الاتجار به وتصديره إلى الخارج، ويعتبر لبنان دولة "وسيطة" فيما تتركز المصانع في سوريا. ويكشف حواط عن "ضبط مليونين ونصف مليون حبة معدة للتصدير إلى مصر في حاوية داخل مرفأ بيروت، وسبقها ضبط شحنة أخرى إلى ليبيا". وهذه ليست المرة الأولى إذ يجهد التجار لابتكار طرق جديدة لتهريب المخدرات من خلال شحنات الفاكهة، التي دفعت إلى إقرار قيود على الاستيراد من دول في مجلس التعاون الخليجي.
يتحدث حواط عن "قرار الرئيس الأميركي جو بايدن للقضاء على صناعة الكبتاغون بالشرق الأوسط"، التي يتراوح حجمها بين 14 و20 مليار دولار أميركي، وذلك فيما تطورت عملية التصنيع لتصبح أكثر تمويهاً، على سبيل المثال إقامة مصنع داخل شاحنة "فان"، أو غرفة صغيرة داخل منزل في المناطق الحدودية والمتداخلة بين لبنان وسوريا.
متحف للتوعية من أخطار المخدرات
منذ سبع سنوات أنشأت جمعية "جاد" متحفاً للتوعية عن أخطار المخدرات، واستقبل المركز منذ افتتاحه في بلدة حبوب في جبيل قرابة 12 ألف شخص. ويوضح حواط أنه "متحف تدريبي" حول قضية الإدمان على المخدرات، فهو يضم 40 ألف قطعة، تستخدم للتدريب والتوعية والتثقيف. كما أنه يتضمن برامج متعددة تختلف باختلاف الشرائح المستهدفة كالأهل والقضاة والشبان وتلاميذ المدارس وعناصر الأجهزة الأمنية، بما يتوافق مع حاجة كل شريحة من الشرائح. ويأمل حواط في أن يسهم المتحف بزيادة الوعي في أوساط الشباب لأن "نسبة النجاح في علاج المتعاطين خلال برنامج الـ18 شهراً هي ستة في المئة فقط بسبب الظروف الأسرية، والمشكلات في العمل ورفاق السوء وأوقات الفراغ وتوفر المال، إضافة إلى عدم وجود الأدوية اللازمة" لذلك الأولوية هي للإجراءات الوقائية.
السجون لا تعالج المخدرات
تقوم العصابات بتكييف جهودها لتتناسب مع أوضاع السجون، وبحسب حواط "هناك شبكات تؤلف وتدار من داخل السجون" في لبنان، إذ يتعرض بعض الموقوفين لعمليات غسيل الدماغ والتدريب على الترويج. لذلك لا تلعب السجون حالياً دورها الإصلاحي في ظل الانهيار الذي يعيشه لبنان، ناهيك عن استغلال التجار لعنصر الشباب للترويج ضمن الجامعات و"حالياً أصبحت المدارس في خطر لأنها باتت هدفاً للتجار"، محذراً من "دخول بعض الشبان إلى عالم التجارة والترويج من دون أن يشعروا، إذ يشجعهم التاجر على توصيل بعض المواد إلى الزبائن، في مقابل الحصول على جرعة مجانية"، إلى جانب التأثير والصلة بين تعاطي المخدرات وازدياد الجرائم المختلفة كالسرقة والقتل والرذيلة والابتزاز.
من جهته يؤكد الأب نجيب بعقليني رئيس جمعية "عدل ورحمة" أنه "لا يمكن الجزم بوجود تعاطي مخدرات داخل السجون اللبنانية، لأن العاملين معنا لم يرصدوا ذلك على الوجه البين"، و"لكن كما نعرف فإن هذه المواد موجودة في سجون العالم كافة". في المقابل يوضح الآلية المتبعة لمعالجة السجناء المدمنين من خلال "العلاج بالبدائل"، إذ تحصل عملية تنظيف الجسد داخل المستشفيات المعتمدة ومنها "مستشفى رفيق الحريري الحكومي الجامعي" في بيروت، وبعد ذلك يعرض المدمن على الأطباء ليجري فحص البول وليتحقق من سلامة جسمه من آثار المخدرات.
كما تشتمل العملية العلاجية للمدمن السابق لدى الجمعية المختصة بالإرشاد النفسي والاجتماعي جلسات العلاج النفسي، لكن في ظل الانهيار والأزمة التي يعيشها لبنان تغيب حالياً العملية العلاجية داخل السجون. ويقول بعقليني "في السابق كان هناك مركز متخصص داخل سجن رومية، إذ يفصل المدمنون ضمن جناح خاص بهم لمتابعة علاجهم. ولكن منذ حوالى سبع سنوات احتاجت إدارة السجن للجناح فاسترجعته، مما حرم عدداً كبيراً من السجناء العلاج".