ملخص
ضياع أعمال نادرة توثق الحياة السودانية وشخوصها وتاريخها، فضلاً عن مقتنيات نادرة ومتاحف فنية كاملة ومعدات وأثاث وآلات موسيقية، وكذلك لوحات استغرق العمل عليها سنوات عدة
طاولت آثار الحرب كافة مناحي السودانيين حتى بلغت حد المساس بالفنون وأتت على معالم أثرية ومتاحف، وقضت على تراث غني بالمعارف ولغة الخطاب البصري من دون رجعة، وكذلك لم تسلم المراكز والمؤسسات الثقافية من التخريب والسلب والنهب.
وفي الخرطوم التي اندلعت منها شرارة الصراع المسلح، تعرضت مقار معارض الفنون التشكيلية للتدمير وحوادث السرقة للوحات ومقتنيات نادرة تقدر قيمتها بآلاف الدولارات، فضلاً عن المخطوطات والأرشيف وشاشات العرض والمعدات وأدوات العمل التشكيلي.
أنشطة وفعاليات
انتقلت الحركة الفنية إلى بعض مدن السودان الآمنة ودول الجوار مثل إثيوبيا ومصر لإقامة معارض تدعو إلى السلام ونبذ الحرب، وبات كثير من التشكيليين إما نازحين أو لاجئين داخل البلاد وخارجها.
ونظم اتحاد التشكيليين السودانيين ورشة رسم للأطفال في مدينة بورتسودان، وشهدت ولاية البحر الأحمر شرق البلاد إقامة عدد كبير من المعارض النوعية، إلى جانب فعاليات وندوات تشكيلية في مدينة القضارف. واستضافت مراكز إيواء النازحين بولاية الجزيرة معارض للأطفال، في حين أقام الفنان عبدالرحمن عبدالله شنقل معرضاً تشكيلياً بمركز فنديكا الثقافي في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، بعنوان "الدموع الداكنة"، وتم عرض أكثر من 40 لوحة تعبر عن مآسي الحرب السودانية والنزوح والتشرد ومعاناة المواطنين من آثار الصراع المسلح، وشهد المعرض حضور كبير من الفنانين الأجانب، إضافة إلى تنظيم معارض في العاصمة المصرية القاهرة.
نهاية مشروع فني
مدير مركز أم درمان الثقافي غسان البلولة قال إن "المركز تحول إلى ثكنة عسكرية ونهبت أعمال تشكيلية لا تقدر بثمن، من بينها لوحة مدينة أم درمان العريقة، فضلاً عن سرقة مقتنيات المتحف الملحق بالمركز والأثاث والمعدات والآلات الموسيقية، ومعرض الفنان محمد صديق الذي انطلق قبل اندلاع الحرب بأيام، علاوة على نهب وتخريب مقتنيات لفنانين لديهم معارض سابقة وأرشيف ومتحف السينما السودانية والكاميرات القديمة، وكذلك شاشة العرض الهوائية". وأضاف أن "هناك أعمالاً فنية تاريخية استغرق العمل عليها سنوات طويلة، وأخرى لفنانين رحلوا وخلفوا وراءهم إرثاً فنياً تعرض أيضاً للتدمير والتخريب، إضافة إلى فقدان معدات قاعة السينما الرئيسة والمكتبة الحديثة".
وأشار مدير مركز أم درمان الثقافي إلى أن "المشروع الذي أعد له من ثلاث سنوات وصرفت عليه أموال طائلة، تعرض للتدمير والنهب، وقضت الحرب على كل الجهود والأعمال النادرة والمقتنيات الثمينة".
تدمير وتخريب
من جانبه، يصف مدير غاليري الداون تاون رحيم شداد ما تعرض له المعرض الفني بـ"الكارثة"، نظراً "إلى وقوعه في منطقة وسط الخرطوم التي تحولت إلى ثكنة عسكرية، وحدثت أعمال نهب وسلب للأعمال الفنية وخزنة المركز المالية وتدمير لبعض الغرف، فضلاً عن إقدام قوة عسكرية على تحويل الصالة الرئيسة إلى مقر سكن لها".
وأوضح شداد أن "الغاليري يضم 85 لوحة على قماش ومثلها على ورق، إضافة إلى 300 لوحة من دون إطار، ومجموعة كبيرة من الصور القيمة ومعدات الفنانين، لافتاً إلى أن "غالبية الأعمال لحق بها دمار وخراب وعمليات نهب مستمرة". وأشار إلى "حسرة المعنيين بالفن التشكيلي لما يحدث الآن من تهديد واضح وكبير على المقار الأثرية والتاريخية والمراكز الحضرية في ظل عدم اكتراث طرفي الصراع منذ أكثر من سبعة أشهر".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
رمزية وقيمة فنية
أنتج الصراع المسلح الذي اندلع في السودان منتصف أبريل (نيسان) الماضي، الكارثة الإنسانية الأسوأ في البلاد، لكن التخريب والدمار الذي ضرب مواقع الفنون والتراث أسوأ ما مر أيضاً على أجيال كثيرة.
في هذا الخصوص أوضح مدير مركز راشد دياب للفنون شهاب عمر عباس أن "قوة عسكرية اقتحمت المركز الذي يضم مجموعة من الأعمال القيمة والنادرة لفنانين سودانيين وأجانب ومعارض للأطفال، علاوة على مشروع المتحف الوطني لكل الأجيال من التشكيليين، وتعرض الموقع لأضرار مباشرة لم يتسن حتى الآن حصرها على وجه الدقة، لكن وبحسب سكان الحي، فقد تعرض المركز للسلب والنهب".
ونوه عباس بأن "مقار المعارض التشكيلية تمثل رمزية وقيمة فنية مهمة للأجيال الجديدة، كما أنها جزء من حضارة السودان ومعالم تاريخه، من ثم ينبغي المحافظة عليها بدلاً من تدميرها وتخريبها ونهب مقتنياتها من أشخاص لا يقدرون قيمتها وأهميتها".
ويبدي مدير مركز راشد دياب للفنون أسفه "لضياع أعمال نادرة توثق للحياة السودانية وشخوصها وتاريخها، فضلاً عن مقتنيات نادرة ومتاحف فنية كاملة ومعدات وأثاث وآلات موسيقية، وكذلك لوحات استغرق العمل عليها سنوات عدة".
تعبير عن الواقع
من جهته اعتبر الباحث في الفن التشكيلي محمد الواثق أن "تعرض مقار المعارض والمراكز الفنية للتخريب والسلب والنهب أثر في أعمال المعارض التشكيلية وأهدافها، ويمكن اكتشاف هذا التأثير من خلال الألوان التي تشير إلى مدى الانكسار والحزن والمعاناة وهول الصدمة والفقد".
وبين الواثق أن "معظم الفنانين تركوا لا شعورياً بصمة الحرب وصدماتها وفواجعها في اللوحات التي عبرت عن المفاجأة والقهر، وكيف تحولت العاصمة الخرطوم إلى ساحة معركة وتشرد أهلها في بقاع الأرض". وتابع المتحدث "لا يستطيع أن يعبر عن الحرب سوى من عاشها وأحس بمرارتها، لذلك انعكست أجواء الصراع المسلح على الأعمال الفنية ومزاج وأفكار التشكيليين".