Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

التجارة بالإرهاب... هل عرفت بورصة لندن بضربة 7 أكتوبر قبل حدوثها؟

أستاذا قانون في نيويورك ينشران مزاعم عن بيع أسهم إسرائيلية على المكشوف كي يستفيد تجارها من هجمات "حماس". وإليكم تدقيق في الأدلة التي قدماها

لقطة تظهر القلب التجاري في لندن بتاريخ مارس 2021 (رويترز)

ملخص

رصد باحثان أميركيان عمليات شراء مكثفة بالدين لأسهم إسرائيلية في بورصة لندن، مما يعني أن المضاربين توقعوا سقوطها وقد حصل ذلك مع ضربة "حماس" في السابع من أكتوبر، فهل كانوا على معرفة بها؟

قبل بضعة أعوام، كنت في مقصف حين بدأ أحد الشبان الذين كانوا برفقتي يحرك قبضتيه ويضحك. كان يتاجر بالعقود الآجلة للبطاطا وسمع للتو أن المحصول لم يؤتِ ثماره في أجزاء من أميركا الجنوبية بسبب فيضانات.

لم يهمه أن أناساً قد يجوعون، إذ سيصعب العثور على البطاطا. تركز همه كله على أن نقص المحصول يعني زيادة في السعر، مما حقق مكسباً مالياً له. وظلت الصورة في ذهني منذئذ، صورة متعامل في القلب التجاري للندن يستفيد من بؤس أشخاص آخرين.

تلك هي الرأسمالية، بالتمام والكمال. وكذلك هي حالها مع البائعين على المكشوف، أي المتوقعون (أو ربما هم ليسوا كذلك، ولعلهم أشخاص لديهم اطلاع حسن على الأمور) الذين يخاطرون بهبوط أسهم معينة. وما إن تشعر الأعمال المعنية [بتلك الأسهم] وموظفوها ومالكوها بضغوط، حتى يبدأ البائعون على المكشوف بتحقيق مكاسب دسمة.

هل كان رفيقي في الحانة يملك أي دليل؟ حين سألته ذلك، ابتسم، وردّ أنه كرس أخيراً ساعات كثيرة لدراسة توقعات الطقس واتجاهاته التاريخية والجيولوجية في البرازيل والأرجنتين لذلك لم يكن متفاجئاً تماماً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

واستطراداً، يزخر القلب التجاري للندن، وول ستريت وأمثالهما بنظريات المؤامرة حول البيع على المكشوف. وحينما يحصل شيء غير متوقع، يدقق أصحاب النظر الخارق في شراء أسهم أو بيعها قبل الحدث بحثاً عن أي إشارة إلى نشاط مشبوه، بحثاً عن تلميح إلى أن شخصاً ما في مكان ما تلقى تحذيراً مسبقاً. والآن، يُزعَم مجدداً أن أسهماً إسرائيلية بيعت على المكشوف قبل هجمات حركة "حماس" في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

[يعني البيع على المكشوف أن المضارب يحصل على عدد من الأسهم بالدين ومن دون ربطها بثمن ما، لا حين الحصول عليها ولا لاحقاً. ويبيعها فوراً لأنه يراهن على أن سعرها سيسقط. وحينما تهوي تلك الأسهم، يشتري بالمال الذي حصل عليه أعداداً من الأسهم التي سقط سعرها، وتكون أكثر مما اشتراه. ثم يبيعها. ويرد  الأسهم بالعدد الذي اشتراه، فيما تكون بقية الأسهم الفائضة ملكه وتشكل ربحه الصافي].

وأخيراً، أصدر أستاذا قانون في نيويورك هما روبرت جاكسون الابن من جامعة نيويورك وجوشوا ميتس من جامعة كولومبيا، تقريراً بعنوان "التجارة بالإرهاب؟"، يزعمان فيه أن بعض المستثمرين ربما كانوا على علم بخطة "حماس" واستخدموا المعلومات في جني ملايين الدولارات.

وكتب الباحثان أنه "قبل أيام من الهجوم، بدا أن تجاراً كانوا يتوقعون الحوادث المقبلة"، مشيرين إلى عمليات بيع على المكشوف لأسهم صندوق مدرج في البورصة يتابع في صورة عامة أداء البورصة الإسرائيلية التي "قفز مؤشرها فجأة وفي شكل كبير" في الثاني من أكتوبر.

وكتبا في تقريرهما المؤلف من 66 صفحة، "وقبل الهجوم مباشرة، زاد في شكل كبير البيع على المكشوف للسندات الحكومية الإسرائيلية في بورصة تل أبيب". ولقد ذهبا إلى حد التأكيد بأن الأرباح ربما تجاوزت 100 مليون دولار (79 مليون جنيه إسترليني). واستندوا في دراستهم إلى بيانات من "هيئة تنظيم الصناعة المالية".

وبحسب بحثهما، فإن عمليات البيع على المكشوف التي رصداها قبل 7 أكتوبر، "تجاوزت ما حدث خلال أزمات شهدتها أزمنة اخرى"، بما في ذلك الركود بعد الأزمة المالية في عام 2008، والحرب بين إسرائيل وغزة عام 2014، وجائحة فيروس كوفيد 19. ويضرب التقرير مثلاً [على ما لاحظه البروفيسوران] بعملية بيع 4.43 مليون سهم جديد في "مصرف ليومي"، أكبر بنك في إسرائيل، جرت بين 14 سبتمبر و5 أكتوبر. ثم انخفض سعر سهم "ليومي" بحوالي 9 في المئة يوم 8 أكتوبر في أعقاب الهجوم مباشرة.

وكذلك يشير التقرير نفسه إلى أن أكبر زيادة في البيع على المكشوف حدثت خلال فترة تتسم عادة بانخفاض نسبي في ذلك النوع من النشاطات داخل إسرائيل بسبب تزامنها مع فترة أعياد يهودية.

وقد لاحظ البحث نفسه إنه على رغم عدم وجود زيادة في البيع على المكشوف لأسهم الشركات الإسرائيلية المدرجة في البورصات الأميركية، إلا أن "زيادة غير عادية" حصلت في الصفقات "المحفوفة بالمخاطر" قبل الهجمات مباشرة. ووفق كلمات البحث الأميركي، "توحي النتائج التي توصلنا إليها بأن التجار ممن أُنبِئوا بأن هجمات ستأتي، استفادوا من تلك الحوادث المأساوية؛ وبالانسجام مع معطيات، فإننا نبرز أن التداولات من هذا النوع تحدث ضمن ثغرات في طريقة التنفيذ الأميركي والدولي للحظر القانوني على التداولات المستندة إلى معلومات مسبقة".

وفي الإطار نفسه، التقط البروفسوران أنماطاً مماثلة من عمليات البيع على المكشوف حدثت في مطلع إبريل (نيسان) 2023، حينما ظهرت تقارير عن انخراط "حماس" في التخطيط لإطلاق هجوم على إسرائيل. وأوردا إن البيع على المكشوف [للأسهم الإسرائيلية] "بلغ ذروته في 3 أبريل ووصل إلى مستويات تتقارب إلى حد كبير مع ما لوحظ في 2 أكتوبر، مع ملاحظة أن حجمه فاق المعدلات التي سجلتها الأيام الأخرى التي سبقت 3 أبريل".

وللتذكير، لا يشكل التقرير [الذي وضعه البروفيسوران الأميركيان] سابقة أولى في ظهور مؤامرات من هذا النوع.

لقد حدث ذلك مع أحداث 11 سبتمبر، وتكرر مع الغزو الروسي لأوكرانيا. وقد اعتمد الحدثان كلاهما على عنصر المفاجأة. بقدر ما يمكن التأكد منه، في الحالتين كلتيهما، فإن معرفة ما موشكاً على الحدوث كان موضع تكتم صارم [من قِبَل صُنّاع الحدث بحد ذاته]. لم تحدث تسريبات، ولنقل أنه لو حدث أمر من ذلك النوع [تسريب معلومات عن الحدث] فمن المؤكد أنه سيواجه بإجراءات مضادة.

ومع ذلك، ثمة من أصر على الاعتقاد بأن بعض المستثمرين عرفوا بالحدث [في حالتي 11/9 وحرب أوكرانيا] واستطاعوا التداول استناداً إلى ذلك. وبالاسترجاع، لقد تراجعت أسهم شركات الطيران بعد الهجمات على البرجين التوأمين [في نيويورك] ومبنى البنتاغون. وآنذاك، ظهرت شائعات تحدثت عن أن البائعين على المكشوف حققوا مكاسب غير متوقعة على خلفية انخفاض الأسهم.

تكرر الشيء نفسه مع أوكرانيا. وحينها، تمثلت الأهداف [لعمليات البيع على المكشوف] بالطاقة والحبوب. وتضررت الصناعات التي تعتمد على النفط والغاز والقمح الأوكرانيين. وعلى نحو مماثل، كان من المستطاع توقع أن أي شركة تتطلع إلى روسيا من أجل الأعمال التجارية قد تغدو مرشحة لمعاناة أوقات عصيبة في فترة تالية.

وبالطبع، تحرك تلك المعطيات احتمالاً مثيراً للاهتمام بأن عملية "حماس" قد مُوِّلَتْ عبر بعض التعاملات بالأسهم في الوقت المناسب.

وأنتَ سمِعتْ عن الصورة النمطية التي رسمها فيلم "ذئب وول ستريت" [وصل إلى الشاشات في العام 2013، ورسم صورة قاتمة عن الجشع المتوحش الخارج عن كل أنواع الأخلاق لمضاربي البورصة]. وللإنصاف، فقد شهدت تلك الصورة [التي رسمها الفيلم] في الحياة الواقعية، بدرجة أقل مع ذلك السمسار المضارب على  البطاطس بابتهاج. في المقابل، هل تصل المعطيات [المحيطة بضربة السابع من أكتوبر والمضاربة بالبيع على المكشوف] إلى مستوى تلك الحادثة [المضاربة على خسران مواسم البطاطس في الأرجنتين والبرازيل]؟

في ذلك الصدد، لا تتوفر تفاصيل عن هويات التجار، والأهم من ذلك، العملاء أيضاً. هل بلغت "حماس" والمحيطين بها إلى درجة من الغباء بحيث تخاطر بتحذير الإسرائيليين من خلال الانغماس في صفقات أسهم غير عادية؟ من المؤكد أن ذلك يبدو غير محتمل.

ويرجع ذلك إلى إمكانية التعرف عليهم وتعقبهم [لو أنهم انغمسوا بشكل واضح في عمليات شراء على المكشوف للأسهم الإسرائيلية قبل الضربة]، الأمر الذي لن يضعهم في وضع جيد في مواجهة إسرائيل الانتقامية. وبحد ذاته، تقاطع تاريخ هجوم حماس مع أيام دينية ميمونة تتضمن عطلة يهودية. وبالتالي، فسيؤخذ الجنود، المدافعون، على حين غرة، وربما كانوا يزورون منازلهم. في الماضي، اختار أولئك الذين يعتزمون شن حرب على إسرائيل هذه المناسبات لإحداث مفاجأة مروعة.

وعلى أية حال، إن ذلك بالضبط ما أعدته حماس" في مرة سابقة، تحديداً أثناء إبريل (نيسان] الماضي. لن يتطلب الأمر الحصول على شهادة في علم الصواريخ كي نفترض أن يوم 7 أكتوبر قد يكون تاريخاً مدرجاً على أجندة "حماس".

ومرة أخرى، كان بإمكان إسرائيل أن تفكر على ذلك النحو، لكنها لم تفعل. ولم تكن البلاد مستعدة على الإطلاق.

وفي ذلك اليوم، السابع من أكتوبر، يقع أيضاً عيد ميلاد فلاديمير بوتين. لدى الرئيس الروسي عادة، أو هكذا نحب أن نفترض، الاحتفال من خلال فعل شيء ما من أجل المجد الأعظم لبلاده ونفسه. وبالتالي، فمن المرجح تماماً أنه سيزيد من المخاطر في أوكرانيا من خلال الكشف عن تطور مذهل [من الناحية العسكرية أو التكنولوجية المتصلة بحربه على كييف]، بمعنى أن ذلك النوع التطور يمكنه أن يدفع الأسواق، بما في ذلك الأسواق الإسرائيلية، إلى الهبوط.

نقل لي مصرفي استثماري لندني بارز رأيه في المعلومات السابقة حينما ناقشت معه احتمال توقع أناس خطوة "حماس". وأفاد بأنه يعتقد بأنها قصة لطيفة لكنها لا تصمد. ويورد إسرائيليون الكلام نفسه أيضاً، مستبعدين استنتاجات الأستاذين. في المقابل، لقد جاء افتقار أجهزة استخباراتهم إلى المعلومات بصور سيئة بما يكفي، وإذا عرفوا لاحقاً أن بعض المستثمرين امتلكوا المعلومات وأن الأدلة موجودة، في التعاملات بالأسهم وما إلى ذلك، فسيكون ذلك مذلاً بكل ما للكلمة من معنى.

على رغم توافر أدلة على العكس، من المتوقع أن تصبح قصة البائعين على المكشوف من القصص التي سيختار بعض الناس دائماً تصديقها.

© The Independent

المزيد من تقارير