ملخص
كتابة أسماء المفقودين على الركام كانت فكرة متبعة شمال غزة لترشد فرق الدفاع المدني إلى أماكن العالقين تحت الأنقاض
التقط أدهم بخاخة اللون الأحمر وأخذ يرش على الحائط اسم طفليه "عمر وأسامة" ثم قبّل حجارة جدران منزله الذي دمرته الطائرات الإسرائيلية في حربها على قطاع غزة، وغادر وهو يبكي بحرقة على صغيريه اللذين لا يعرف مصيرهما.
أدهم ليس فناناً ولا يجيد الرسم أو تخطيط الخط العربي، وإنما أب فقد طفليه تحت أنقاض منزله، ولا يعرف مصيرهما إذا كانا من الأحياء أو قتلا في الغارة الجوية التي دمرت بيته الذي يضم 15 فرداً بينهم نازحون.
بحث من دون معدات
نجا أدهم وزوجته بأعجوبة من الغارة وخرج من تحت الأنقاض يبحث عن ضحايا القصف، وأخذ بيديه يزيح الحجارة المدمرة ويقول "من دون أي معدات كنت أبحث عن المفقودين واستطعت العثور على 11 جثة، ففرق الإنقاذ عجزت عن الوصول إلى المكان بسبب شدة الغارات وضراوتها".
بقي عمر وأسامة (طفلا أدهم) عالقين تحت الحجارة وحاول البحث عنهما بجميع الطرق فأخذ ينادي عليهما ظناً منه أنهما من الأحياء لكن لا مجيب، وبعدها حاول إزالة الركام لكن من دون جدوى.
وبعد ساعات من تكرار محاولات البحث قرر الأب كتابة اسمي طفليه على حائط لا يزال صامداً أمام ويلات القصف، وكتب العبارة التالية في المكان الذي كان ينام فيه طفلاه "عمر وأسامة تحت الأنقاض".
دليل إرشادي
وعن سبب ذلك يوضح أدهم أنه سيغادر نازحاً رفقة زوجته إلى محافظة رفح أقصى جنوب القطاع، ويتوقع أن تصل فرق الدفاع المدني إلى المنطقة فتدلهم هذه العبارة إلى مكان الصغار ويرفعون الأنقاض ويتمكنون من إنقاذهما.
وكتابة أسماء المفقودين على أنقاض المباني باتت ظاهرة يستخدمها السكان المحليون في غزة ليرشدوا طواقم الدفاع المدني وفرق الإنقاذ إلى مكان وجود ضحايا في المنازل المدمرة.
وأصبح جميع سكان مدينة خان يونس جنوب القطاع ورفح أقصى الجنوب يتبعون هذا الأسلوب الجديد الذي بدأ الاعتماد عليه عندما نقل الجيش الإسرائيلي جزءاً من عملياته البرية العسكرية لهذه المحافظات التي كانت مناطق إنسانية حتى الأول من ديسمبر (كانون الأول) الجاري.
15 ألف مفقود
ويوجد عدد كبير من المفقودين في غزة نتيجة الحرب مصيرهم لا يزال مجهولاً، وتعجز السلطات المحلية غير القادرة عن مواصلة عملها بالشكل المطلوب، عن العثور عليهم أو معرفة أية معلومات عنهم.
ويقول مدير المكتب الإعلامي الحكومي في غزة إسماعيل الثوابتة إن "قضية المفقودين من أصعب الملفات ونحن نرصدها من طريق البلاغات التي ترد لوزارة الصحة فقط، وفي آخر تحديث لدينا 15 ألف مفقود بينهم 8 آلاف طفل و4 آلاف سيدة".
ويضيف، "هناك مفقودون تحت الأنقاض وآخرون انقطع الاتصال بهم في أماكن متفرقة، والموجودون تحت الركام تضاءلت تماماً فرص نجاتهم، والجزء الثاني نحاول الوصول إلى معلومات عنهم من طريق التواصل مع مؤسسات الأمم المتحدة".
وعلى مفترق رئيس كتب سالم "من هنا يوجد منزل مهدم تحته مفقودون" ورسم إشارة سهم ترشد فرق الإنقاذ والدفاع المدني إلى الطريق، وعلى جدار كبير كتب الأب أسماء أبنائه الأربعة حين تعذر عليه الوصول إليهم ولا يزالون تحت الأنقاض.
يقول سالم، "تعذر الاتصال بفرق الدفاع المدني وحاولت البحث عن المفقودين لكني فشلت، لذلك كتبت على الجدار أسماء العالقين تحت الركام لعل فرق الإنقاذ تصل إلى المكان وتنقذهم أو تنتشلهم، وهكذا تحولت حياتنا إلى كابوس مظلم فنحن نتبع أسلوباً أعتقد أنه بدائي للتبليغ عن أحبابنا المفقودين".
تعذر الوصول
وفي أي حال فإن السبب في كتابة أسماء المفقودين على الركام يعود لتعذر وصول فرق الدفاع المدني وطواقم الإنقاذ إلى أماكن القصف لانتشال الضحايا، ولاسيما بعد اشتداد القتال في مدينة خان يونس وطلب إسرائيل من سكان تلك المنطقة عدم التحرك من أماكنهم ومراكز الإيواء، وشمل ذلك الطواقم الطبية والعاملين في الميدان.
ويقول المتحدث باسم جهاز الدفاع المدني محمود بصل إن "الفلسطينيين يحاولون بأيديهم العارية البحث عن جثامين أقربائهم الذين قتلوا في غارات إسرائيلية، وبصعوبة ووسط كثير من التحديات ينتشلون جثث أقربائهم من بين المباني التي دمرت بالكامل فوق رؤوس أصحابها".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويضيف، "مع تعذر تحرك فرقنا أصبح سكان غزة يكتبون أسماء المفقودين على أنقاض المباني، وبعدما لاحظنا هذه الألية أصدرنا تعليماتنا لفرق الدفاع المدني لضرورة الانتباه إلى ما هو مدون على الركام".
ويؤكد بصل أن آلية كتابة أسماء المفقودين على الركام كانت فكرة متبعة في شمال غزة، وكانت ترشد وتوجه فرق الدفاع المدني إلى أماكن العالقين تحت الحجارة التي بحثت بين الأنقاض ووجدت أحياء فعلاً.
طلب مساعدة دولية
وبحسب المتحدث باسم الدفاع المدني فقد تلقوا نداءات استغاثة من مصابين عالقين أسفل ركام منازل في مدينة خان يونس، وسيارات الإسعاف لا تستطيع الوصول إليهم بسبب توغل القوات البرية، كما وصلتنا إشارات من مئات المحاصرين بعضهم تحت الركام لإخراجهم، لكن الجيش الإسرائيلي قيّد التحرك.
وحتى إذا سمحت إسرائيل لفرق الدفاع المدني بالتحرك الميداني فإن هذه الطواقم تعاني نقصاً حاداً في المعدات والآليات والوقود للوصول إلى من هم تحت الأنقاض، ولهذا السبب لا يزال هناك آلاف المفقودين في غزة.
ويشير بصل إلى أنهم طلبوا من المجتمع الدولي المساعدة في الوصول إلى العالقين وإدخال معدات ثقيلة متخصصة في إزالة الركام لانتشال آلاف المفقودين، لكنه لفت إلى أن هذه الطلبات لم تلق أية استجابة.